القهار
كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...
العربية
المؤلف | حمزة بن فايع آل فتحي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
وإزاء هذا الفساد المنتشر تتعسر مسألة التربية للأبناء والناشئة، وتصبح من المسائل الشائكة في هذا العصر الغريب، فإن البنت أو الابن إذا لم يَرَها حدّثه بها زميله، أو شاهدها عند آخر، أو وهو مسافر، أو تابعها في مجلة أو نشرة، وقد يُبتلى بمربٍّ غافل، فيدعوه للمشاهدة والاستمتاع، فذوَت قضايا الدين والأدب والحرمة في ذهن هذا الولد، مما يكون بابًا لانحرافه ...
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد –صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها الناس: في ظل هذا العصر المتلاطم بالثقافات، والمائج بالمعلومات المختلفة، يغدو الفكر السليم يتيمًا في معلومات هائجة، تبثها وسائل الإعلام المختلفة، وتُلهِبها الفضائيات الفتاكة، فلا إعلام يساعد على تربية الجيل، ولا فضائيات يستنير بها الناشئة والأبناء، بل على العكس من ذلك، فإنها حين لم تُعِن على الخير والأخلاق سعت لمحاربة الخير ونسف الأخلاق.
ومع تفاقم فساد الفضائيات تبرز شبكة المعلومات العالمية العنكبوتية المسماة (الإنترنت)؛ لتجعل الشر شرورًا، وتزيد الفساد فسادًا، في مواقع تنشر الجنس وتبث الرذيلة وتدمر الدين والأخلاق، وهذا مما يجعل عصرنا أكثر تعقيدًا وأشد حسرة وخطورة، ما كان ليصدق العاقل أن تصير الأمور إلى ما صارت إليه من تجارة الجنس وترويج الفساد ومحو القيم والمبادئ.
وإزاء هذا الفساد المنتشر تتعسر مسألة التربية للأبناء والناشئة، وتصبح من المسائل الشائكة في هذا العصر الغريب، فإن البنت أو الابن إذا لم يَرَها حدّثه بها زميله، أو شاهدها عند آخر، أو وهو مسافر، أو تابعها في مجلة أو نشرة، وقد يُبتلى بمربٍّ غافل، فيدعوه للمشاهدة والاستمتاع، فذوَت قضايا الدين والأدب والحرمة في ذهن هذا الولد، مما يكون بابًا لانحرافه وتعلقه بمسالك التافهين والشهوانيين الذين لا دين ولا فكر ولا مروءة لديهم، (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) [الفرقان: 44].
وما قيمة الإنسان حينئذ -يا مسلمون- عندما يُصبح عبدًا للشهوة، ومن ثم عبدًا للشيطان يقوده بزمامه، ويورده ميادينه ومسارحه، يقلبه في المعاصي والقبائح كيف يشاء؟! والعياذ بالله.
أيها الإخوة الكرام: إن فترة الطفولة أطول الفترات، وأحسنها لتعميق الإيمان وغرس المُثُل وتثبيت المفاهيم الصادقة، فإن الطفل في هذه المرحلة متلقٍّ مستمع مقلد متأثر، فهل من الدين والعقل تركه جيفة لمثل هذه التعاسات؟! إن مثل هذا الفساد الهائج ما ينبغي أن يكون طريقًا للخضوع والاستسلام، بل لا بد أن يستدعينا لليقظة وهجر النوم والكسل والقيام بالعمل والمواجهة، فلقد بلغ السيل الزُبى، وطفح الكيل بما فيه، ونحن ما زلنا في مدرجات المتفرجين أو في الأسواق لاهين، وبأعمالنا منشغلين، وكأن الأمر ليس لنا ولا يعنينا!
وإن العجب ليأخذ بالألباب حين يشاهد المسلم بعض المسلمين الذين يوهمون أنفسهم أن هذه الفضائيات ليست لمحاربة الدين ولا لتذويب الإيمان، وإنما هي أبواب للترويح والترفيه وإجمام النفس، فيقول: دع الأطفال يستمتعون، ولا تضيّق على أبنائك، وهذا شيء لا بد منه. ولا أدري هل لا يزال هؤلاء وأضرابهم في دائرة العقلاء؟! وهل لا يزال يحفظ الغيرة والحياء، أم أنه ممن عبأ بطنه ولم يلتفت إلى ما سواه؟! والله المستعان.
أيها الإخوة: إن من أصول تربية الأبناء وحفظهم في هذا الزمان عزلهم عن هذه الفضائيات الممسوخة، وبرامج الحاسب الرديئة، أو ما يسمى "البلاي ستيشن"، التي غدت حاوية خطيرة للرذائل، والحرص على حماية دين الناشئة وأخلاقهم وأوقاتهم، ولا بد من إقناع هؤلاء الأبناء أن هذه المشاهد والأفلام محرمة لا يجوز مشاهدتها، وإقناعهم أنّ أصحابها ومروجيها من المفسدين في الأرض؛ لكي يعلم أبناؤنا الفساد من الصلاح، والأعداء من الأصدقاء، والفجور من البر.
وليُعلم -يا مسلمون- أن سلامة الأبناء من سلامة المنزل من المفاسد، وحبهم للخير من حبّ الوالدين له، فالولد سر أبيه، ولكل فساد أصل، فلتحرص على أن لا يرى منك ابنك إلا خيرًا، ولا تبث له في البيت إلا خيرًا أو شيئًا مفيدًا.
مشى الطاووسُ يومًا باختيالٍ
أيها الإخوة: وحين يرسخ مفهوم خطورة هذه المشاهد المحرمة يجب أن نلتمس للأبناء البديل، والساحة غير خالية من البرامج المفيدة في الحاسب التي تحوي البرامج الثقافية والأفلام الإسلامية المفيدة الخالية من الموسيقى والأفكار الفاسدة.
ومن الضروري أثناء التربية تقريب الأبناء للمساجد، وإدخالهم حلق تحفيظ القرآن؛ لتكون درعًا لهم من ريح الفساد والأخطار، وما المانع -يا مسلمون- من أن يعقد الأب الواعي مجلسًا في منزله يبث فيه القرآن، وينشر الحديث والقصة المفيدة المؤثرة؟! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم: 6].
إن من الوقاية تعليمهم القرآن وطرق الطاعة، وحمايتهم من أسباب الفساد والضرر، ومن وقايتهم غرس المُثل الزكّيه في حياتهم، وتحذيرهم من أمور السفه المشهورة التي بنت سفاهة عالية وشيّدت أمجادًا ساقطة، فلا هم من ثقافة صحيحة، ولا هم من عزٍّ شامخ، فلا بد أن يتربى الأبناء على حب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والتعلق بسيرته، ومعرفة أبي بكر وعمر وسعد وخالد وصلاح الدين ومحمد الفاتح، وليس سواهم من ليس في العير والنفير، وفي التسجيلات الإسلامية أشرطة نافعة تعلم هذه الحقائق.
ومن أساسيات التربية: تحصين الأبناء بالأدعية والأذكار العاصمة لهم من الأخطار والأشرار، فإننا نلحظ على أبنائنا أنهم يحفظون المباريات والمسلسلات والكراتين، وربما فصّلوها تفصيلاً، ومنهم من يقرأ الجرائد، فهل يشقّ على الوالد أن يعلم ابنه دعاء النوم وهو كلمات وجيزة، أو دعاء الخروج من المنزل أو ركوب السيارة، وهي كلمات مباركات وليست بطويلة؟! ومنها الدعاء لهم كثيرًا، واللجوء إلى الله بصلاحهم وهدايتهم، وأن يحفظهم من كل سوء ومكروه، (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].
ومنها: ملء فراغهم بالطيب المفيد، وتربيتهم على القراءة وحبها، وذلك يتمثل في قصص إسلامية للأطفال، ومجلات خفيفة هادفة، لا تجرح دينهم وأخلاقهم.
ومنها: تنمية مواهبهم في أعمال فنية، تحفظ أوقاتهم، وتفجّر طاقاتهم ونبوغهم.
ومنها: ترك مجالاتٍ للعبهم، والتعبير عن حريتهم في حدود المباح، والخروج بالأبناء للتنزه والرحلات، ومحاولة ربط ما يرون من جمال وآيات الخالق -جلّ وعلا-، وبيان ضعفهم وافتقارهم إلى الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ) [فاطر: 15].
اللهم أصلح أبناءنا وناشئتنا، وزينهم بزينة الإيمان، واجعلهم هداة مهتدين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإسلام: أبناؤنا أغلى ما لدينا، وأعز مملوك علينا، فلنحرص على تربيتهم التربية الإيمانية التي تدنيهم من ربهم، وتغرس محبته في قلوبهم، فيسارعون في محبته، ويقومون لعبادته، ويجاهدون لإعلاء رايته، ويفتخرون بالانتساب لدينه، لنحرص على أخذهم للمساجد وتعليمهم القرآن وتعويذهم في المساء والصباح كما كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يعوّذ الحسن والحسين بقوله: "أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامّة"، ويقول: "كان إبراهيم -عليه السلام- يعوّذ بها إسماعيل وإسحاق".
إن محبتكم لأبنائكم تعني إنقاذهم من النار، والحرص على سلامتهم ونجاتهم، وذلك لا يكون إلا بتعميق جذور الإيمان في قلوبهم، وتجنيبهم موارد الزيغ والانحراف.
أيها الآباء: لقد فُتن أبناؤنا بنماذج ساقطة من أهل الفن والكرة والسفه حينما غيّبناهم عن سير العظماء والصلحاء والأبطال، فصار أحدهم لا يعرف من تاريخ أمته شيئًا، ولا يفخر ببطولاتهم وعظمائهم، فالواجب علينا عرض هذه السير والنماذج الحية من أبطال الإسلام، حتى يجددوا لنا سيرة أبي بكر وعمر وسعد والزبير، ويذكرونا ببطولات مصعب وجعفر والقعقاع، (فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف: 176].
ليس عجبًا أو معجزًا أن يبرز من أجيالنا من يصنع البطولة ويستحلي الشجاعة، فلا يلتفت إلا لميادين الرجال، ويُعرض عن تفاهات ذوي الخَبال، وإننا -بعون الله تعالى ثم بإصرارنا وحسن تربيتنا- سنصنع أشبالاً كاللَّذَين قتلا أبا جهل، وككاسِر الروم، ومُذل الفرس، وقاهر الصليبيين.
وها نحن في هذا العصر القاتم بالخيبة والنكسة تنجب هذه الأمة أطفالاً يُقدّمون نحورهم للعدو، حاملين سلاح الحجارة، يصيدون بها قاذفات اليهود، ويزلزلون بها نفوسهم ومخططاتهم، لقد أفلح أطفال الحجارة في بث الرعب في اليهود المجرمين، وقتلوا بها أنفسًا، وأسالوا بها دماءً، وإن المسلم ليفخر ويعتز عندما يرى طفلاً صغيرًا سلاحه الحجارة، وذاك اليهودي صاحب الرشاش يفر ويختبئ، ذروا أبناءكم يشاهدون هذه الصور، وقولوا لهم: هؤلاء إخواننا الصغار يفعلون فعائل الكبار، ويمسحون عنا خسة العار والشنار:
خبِّرونـا باللَّه مـن أيـن أنتـم
اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا...