الوكيل
كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...
العربية
المؤلف | حسام بن عبد العزيز الجبرين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
من الطبعي أن استحضار تلك المعاني يتفاوت وكلما امتلأ القلب بحقائق الإيمان ودرجاته كان استحضاره أتم وأدوم و علينا أن نجاهد أنفسنا ومما يعين على ذلك العلم بها والمجاهدة والدعاء ومجالس الذكر، ولعل هذا من حِكَم مشروعية التذكير والتواصي...
الخطبة الأولى:
الحمد لله العفوِ الغفور العزيزِ الشكور الحليمِ الصبور، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الفتاح الهادي الوهاب الشافي، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم الأنبياء له من ربه -سبحانه- الثناء وله الثناء من أهل الأرض والسماء فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوة الإيمان: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فكل منّا مسافر للآخرة لا يدري متى وصوله ! فانقطاعه عن العمل، أما بعد:
وما هذه الأيـامُ إلا مراحـلٌ | يحثُ بها داعٍ إلى الموتِ قاصدُ |
وأعجبُ شيءٍ لو تأملتَ أنهـا | منـازلُ تطوى والمسـافر قـاعدُ |
سافر قوم زمن النبوة من اليمن إلى مكة يريدون الحج بلا طعام يكفي؛ فنزل التوجيه القرآني يأمرهم بالتزود؛ فأخذ ما يكفي من الطعام مطلب شرعي ثم أمرهم بالزادِ الحقيقيِ المستمرِ نفعه لصاحبه, في دنياه, وأخراه وهو الموصل لأكمل لذة, وأجل نعيم دائم أبدا، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197].
عباد الرحمن: عبادات القلوب أساس لعبادات الجوارح، و ثمـّة أمر من أعمال القلوب به تسهل على العبد الطاعات، وبوجوده يتقن المؤمن العبادة أكثر، هذا الأمر به يعظم الأجر ويزداد، وهو روح العبادة يرتبط بالإخلاص وباليقين وبالتعظيم وبالرجاء وبالخوف وبالإجلال وبغيرها؛ إنه استشعار التعبد وحضور القلب؛ فتعالوا نذكر أنفسنا (فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات:55].
إخوة الإيمان: إن من يفعل العبادات وهو يستحضر فضلها ويحتسبه ويستشعر أن يتقرب من ربه يتلذذ بالعبادة وتنقلب العادات عنده إلى عبادات أما من يفعلها بجوارحه وقلبه غافل فإنه محروم من خير كثير ! وقد تشبه العبادات عنده العادات !
عباد الرحمن: الصلاة عمود الإسلام وفضائلها جـمّة نفعلها مرارا كل يوم؛ فهل يا ترى نستشعر فيها مناجاة الله -سبحانه- في كل ركعة؛ ففي الحديث القدسي الذي رواه مسلم، قال الله -عز وجل-: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي؛ فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله: مجّدني عبدي".
فهل نستشعر جواب الرحمن ؟! وهل نحن عندما نقول آمين بعد الفاتحة استشعرنا الدعاء الذي أمّنا عليه ! فقول آمين معناه كما يُعلم: اللهم استجب ! والدعاء لا يستجاب من قلبٍ غافلٍ لاه.
وفي الحديث: "إن أحدكم إذا قام يصلي؛ فإنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه" (صححه الألباني)؛ هل نستشعر تعظيم الرب في الركوع وأننا في السجود نتذلل له وأننا أقرب ما نكون من الرب -سبحانه-!
هل نتذكر أن من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله!
عبد الله: حين تزور والديك وأرحامك أو تخدمهم أو حين يثقل عليك ذلك استشعر قول الرب -سبحانه- للرحم "أما ترضِينَ أن أصلَ من وصلَكِ وأقطعَ من قطعَكِ"، كما في الصحيحين ليكون ذلك دافعا للصلة والحذر من القطيعة ومسايرة أهواء النفس، (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22- 23]؛ فاستشعار هذا يغير سلوك المؤمن حقا!.
عبد الرحمن: تذكر عند عيادتك -مريضا- أنك ترجو فضائل منها صلاة الملائكة لك وحيازتك من ثمر الجنة إلى رجوعك؛ ففي الحديث: "إنَّ المُسْلِمَ إذا عادَ أخاهُ المُسْلِمَ، لَم يزلْ في خُرْفَةِ الجنَّةِ حتَّى يرجعَ" (أخرجه مسلم).
وحين تكون الزيارة للمريض مناسبة في المساء فهو باب خير، ليكثر نصيبك من دعاء الملائكة لك حتى تصبح كما صح في الخبر.
أيه الأحبة: إن تصور وتذكر جبل أحد يجعل المسلم حريصا على صلاة الجنازة وعلى اتباعها للمقبرة ولو كانت جنازة غريب أو مغترب !
عباد الرحمن: يتفق البشر في الجملة على مدح الأخلاق الجميلة كالبشاشة والابتسامة والصدق والمساعدة والكرم والكلمة الطيبة وغيرها ولكن المسلم يمتاز بأنه إذا حسنت نيته صار متعبدا لله بها يكسب بها منزلة عند ربه وأجورا تثقل موازينه.
عبد الله: وحين تبيع فتأخذ ربحا معقولا ترضاه لو أخذ منك؛ فإنك تحقق معنى إيمانيا وخلقا ساميا؛ فاستحضر ذلك ليعظم أجرك، "لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه" (صحيح البخاري).
إخوة الإيمان: الوظيفة والعمل أمانة وقد تقصر في عملك ولا يعلم بك أحد ! وقد يُعلم ويُغض عنك الطرف ومن استشعر عظم الأمانة وأنه محاسب سعى سعيا ذاتيا لتخليص نفسه بالقيام بالعمل المطلوب فيدفعه الخوف والرجاء والمراقبةُ لله على أداء العمل على الوجه الصحيح والله المستعان.
عباد الرحمن: من أجل العبادات الصدقة؛ فهي تطهر المسلم وتزكي نفسه وتبارك ماله، (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) [التوبة:103]؛ فهل نستحضر هذا ؟ وهل استحضر المتصدق أخذ الرحمن لصدقته؛ فقد قال -سبحانه- بعد الآية السابقة، (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة:104]، وفي الحديث: "من تصدَّقَ بعدْلِ تمرةٍ من كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولا يقبَلُ اللهُ إلَّا الطَّيِّبُ، وإنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بيمينِهِ، ثم يُربيها لصاحبها، كما يُرَبِّي أحدكم فَلُوَّهُ، حتى تكونَ مثلَ الجبلِ" (أخرجه البخاري ومسلم).
نفعني الله وإياكم بالكتاب والسنة وبما فيهما من الهدى والرحمة واستغفروا الله إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32]، والقائل: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ) [الحج:37]، -وصلى الله وسلم على نبيه- القائل: "ألا وإن في الجسدِ مُضغَةً: إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ"، أما بعد:
فإن استشعار التعبد لله -سبحانه- وحضور القلب طريق إلى الوصول لدرجة الإحسان التي هي أعلى مراتب الدين والإحسان على مرتبتين الأولى "أن تعبد الله كأنك تراه " وهذه القمة تم تليها بالمرتبة، "فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
أيه الأحبة: من عظيم المنة أن يوفق الله العبد أن يصف قدميه في جوف الليل بين يدي ربه يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، وإن كان في الثلث الأخير من الليل استحضر الدنو الإلهي والوعد الرباني، "هل من داع فأستجيب له هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له" ( البخاري ومسلم).
تأمل قول الحق -سبحانه-: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ*الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الشعراء: 217-220].
عباد الرحمن: ذكر الله من أجلّ العبادات؛ فهل نحن عند الذكر نستشعر معانيها فالتحميد شكر وثناء والتكبير تعظيم وتمجيد والتسبيح تنزيه وتعظيم والحوقلة استعانة.
وأهل العلم يقررون أن أفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان.
وهل نحن نتذكر الفضيلة الجليلة وهي ذكر الله للذاكر ! وفي الحديث القدسي: "فإن ذكرني في نفسِه، ذكرتُه في نفسي. وإن ذكرني في ملإٍ، ذكرتُه في ملإٍ خيرٍ منه" (أخرجه الشيخان).
وحين يستحضر الصائم قول الرب -سبحانه- في الحديث القدسي: "يدَعُ شهوتَه وأكلَه وشُربَه من أجلي" (صحيح البخاري)؛ فإنه يشعر بقرب من ربه ويرغبه في الصيام.
أيه الأحبة: وهل نستحضر عند تلاوة القرآن أوامر الله لنا ؟! أتى رجل عبدَ اللَّهِ بنَ مسعودٍ، فقالَ: اعهَد إليَّ فقالَ: "إذا سمِعتَ اللَّهَ يقولُ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأرعِها سمعَكَ؛ فإنَّهُ خيرٌ يأمرُ بِهِ أو شرٌّ ينهَى عنهُ" (صحح إسناده أحمد شاكر).
عباد الرحمن: من الطبعي أن استحضار تلك المعاني يتفاوت وكلما امتلأ القلب بحقائق الإيمان ودرجاته كان استحضاره أتم وأدوم و علينا أن نجاهد أنفسنا ومما يعين على ذلك العلم بها والمجاهدة والدعاء ومجالس الذكر، ولعل هذا من حِكَم مشروعية التذكير والتواصي، (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات:55].
وصلوا وسلموا ...