الصمد
كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...
العربية
المؤلف | هلال الهاجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَبْلُغُ عَرَقُهُ عَقِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، وَمِنْهُمْ.. وَمِنْهُمْ.. وَمِنْهُمْ.. وإذا رأيتَ هناكَ رأيتَ سبعةَ أصنافٍ من البشرِ، في ظلٍّ من الشَّمسِ وأمنٍ من الخطرِ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: -وذكرَ منهم- وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ العظيمِ الشَّأنِ، ذي القوةِ والجبروتِ والسُّلطانِ، والرحمةِ والسِّترِ والغُفرانِ، عزَّ ربَّاً وخالقاً، وجلَّ إلهاً ومالكاً، وتقدسَ عظيماً صَمداً، كتبَ السعادةَ لمن حرصَ على دعوتِه وطاعتِه، وجعلَ العزةَ لمن خَضعَ لسلطانِه وعظمتِه، وما من شيءٍ إلا يسبحُ بحمدِه، وما من مخلوقٍ إلا محتاجٌ لرحمتِه، إلهٌ واحدٌ أحدٌ، فَردٌ صمدٌ، (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:29].
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، ذَلتْ الرقابُ أمامَ جلالِه، وخشعتْ الأصواتُ لبهاءِ مقالِه، (أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ تَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[النمل:63]، وأشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، خيرُ من دعاهُ ربُه فأجابَه، وأصدقُ من لاذَ به واحتمى بجنابِه، فصلواتُ اللهِ وسلامُه عليه وعلى آلِه وذريتِه وأعلامِ صحبتِه وأنصارِ دعوتِه، (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)[الزمر:18].
أما بعد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)[الحج:1-2].
يومٌ شديدٌ حرُّه، طويلٌ قَدْرُه .. يومٌ عبوسٌ قمطريرٌ مِقدارُه خمسينَ ألفَ سنةٍ، لا تسمعُ فيه إلا الهمسَ ولا ترى فيه إلا المسكنةَ، لحظاتٌ عاصفةٌ، وقلوبٌ واجفةٌ، ونظراتٌ خاطفةٌ، "تَدْنُو الشَّمْسُ مِنْ الْأَرْضِ فَيَعْرَقُ النَّاسُ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَبْلُغُ عَرَقُهُ عَقِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْخَاصِرَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ مَنْكِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ عُنُقَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ وَسَطَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَطِّيهِ عَرَقُهُ".
وإذا رأيتَ هناكَ رأيتَ سبعةَ أصنافٍ من البشرِ، في ظلٍّ من الشَّمسِ وأمنٍ من الخطرِ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: -وذكرَ منهم- وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ".
أيُّها الأحبابُ: عندما نتكلمُ عن الشَّبابِ فإننا نتكلمُ عن المرحلةِ العُمريةِ الأهمِّ في حياةِ كلِّ إنسانٍ، وهي المرحلةُ التي تختلطُ فيه المشاعرُ، وتمتلئ بالعواطفِ الفيَّاضةِ، والقوَّةِ والهِمَّةِ، والحماسِ والشَّهوةِ، والطَّاقةِ والإبداعِ، ولكن ألا تعجبونَ كيفَ أنَّ الكثيرَ يندمُ على شبابِه بعد الضَّياعِ؛ كما قالَ الشَّاعرُ:
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عَيني | فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النَّحيبُ |
فَيا أسَفاً أسِفْتُ على شَبابٍ | نَعاهُ الشَّيبُ والرَّأسُ الخَضِيبُ |
عَريتُ منَ الشَّبابِ وكُنتُ غضَّاً | كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ |
فيَا لَيتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوْماً | فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ |
عندما نتكلمُ عن الشَّبابِ نتكلمُ عن قُوةٍ تحملُ الحِملَ الثَّقيلَ، ونتكلمُ عن إيمانٍ يُحقِّقُ المُستحيلَ، نتكلمُ عن عالي الهممِ، ونتكلمُ عن أساسِ الأممِ؛ فلا مجدَ ولا نجاحَ لأمَّةِ حتى يكونَ شبابُها أصحابَ همَّةِ.
إيمانُ الشَّبابِ شيءٌ عُجابٌ، ولذلكَ مُليءَ القُرآنُ بأخبارِ إيمانِ الشَّبابِ، أنبياءَ كانوا أو أولياءَ، ، ومنها قِصَّةٌ عجيبةٌ قَصَّها اللهُ -تعالى- على نبيِّه -صلى اللهُ عليه وسلمَ- وعلى النَّاسِ، وتتلى في كتابِ اللهِ -تعالى- إلى محشرِ النَّاسِ، أبطالُها شبابٌ مؤمنونَ: (نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)[الكهف:13]؛ فحُقَّ لنا أن نُكرِّرَها كلَّ جُمعةٍ؛ لنتذكرَ كيفَ تركَ الشَّبابُ ما عليه قومُهم من الشِّركِ والشَّهواتِ، وتوجَّهوا إلى عبادةِ ربِّ الأرضِ والسمواتِ: (فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا)[الكهف:14]، وبذلكَ جعلَ اللهُ -تعالى- لهم الكهفَ مع الإيمانِ مكاناً للرَّحمةِ والتَّوفيقِ والأمانِ: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا) [الكهف:16]؛ فما أغلى الشَّبابَ عندَ العزيزِ الرَّحيمِ إن صبروا على طاعةِ القويِّ الكريمِ.
سَلامٌ عَلَيكُم رِجالَ الوَفاءِ | وَأَلفُ سَلامٍ عَلى الوَافِياتِ |
إِذا أَنا أَكبَرتُ شَأنَ الشَبابِ | فَإِنَّ الشَبابَ أَبو المُعجِزاتِ |
العزيمةُ الصَّادقةُ للشَّبابِ، ليسَ لها حدٌ إلا السَّحابَ، فهذا شابٌ يُناقشُ أباهُ وقومَه في عبادةِ الأصنامِ، وأن هذا ليسَ من فعلِ ذوي الأحلامِ: (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ)[الأنبياء:53]، ويثبتُ لهم بالدليلِ والتَّعليلِ خطأَهم في عبادةِ التَّماثيلِ: (قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)[الأنبياء:56]، ولمَّا لم يقبلوا منه الكلامَ، أقبلَ على تكسيرِ الأصنامِ: (قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)[الأنبياء:59-60].
عجيبٌ أمرُ الشَّبابِ إذا اقتنعوا بشيءٍ من الأشياءِ فعندَهم استعدادٌ لمواجهةِ الخلائقِ جمعاءَ، (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) [الأنبياء:68] ، فأرادوا حرقَ من فعلَ بآلهتِهم هذا الفِعلَ الأثيمِ، فجاءَ النَّصرُ: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[الأنبياء:69]، فتى بحثَ عن الحقِّ وحاربَ الأباطيلِ، فرفعَه اللهُ -تعالى- إلى منزلةِ الخليلِ.
وهل أتباعُ الأنبياءِ إلا الشَّبابَ، وهل قامتْ الدَّعوةُ إلا على أكتافِ الشَّبابِ؛ من هم أتباعُ موسى -عليه السَّلامُ-، في وقتٍ كانَ فِرعونَ يُحاربُ الإسلامَ؟: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ)[يونس: 83]، إنَّهم الشَّبابُ فماذا كانتْ وصيةُ موسى -عليه السَّلامُ- لهم: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ)[يونس:84]، فما كانَ من أصحابِ القلبِ السَّليمِ، إلا أن استجابوا لوصيةِ الكليمِ: (فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [يونس:85-86].
وعندما يكونُ الحديثُ عن أصحابِ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- من الشَّبابِ فلن أحدِّثُكم عن شبابِ المهاجرينَ الأولينَ، ولكن اسمعوا لقصَّةِ هذينِ الشَّابيْنِ، آمنوا باللهِ -تعالى- وتغلغلَ حبُّ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- إلى شغافِ قلوبِهم، يقولُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رضيَ اللهُ عنه-: إِنِّي لَوَاقِفٌ يَوْمَ بَدْرٍ فِي الصَّفِّ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا –أي أقوى منهما- فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟، قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ يَا ابْنَ أَخِي، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُهُ لَمْ يُفَارِقْ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا، قَالَ: فَغَمَزَنِي الْآخَرُ، فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، قَالَ: فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، قَالَ: فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ لَهُمَا: أَلَا تَرَيَانِ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ، فَابْتَدَرَاهُ فَاسْتَقْبَلَهُمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: "أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟"، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، قَالَ: "هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟" قَالَا: لَا، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: "كِلَاكُمَا قَتَلَهُ" .. أتلوموني في الشَّبابِ وقد قتلوا فرعونَ هذه الأمَّةِ؛ فهل بعدَ هذه الهمَّةِ من همَّةٍ؟
شبابٌ مؤمنٌ باللهِ يمضي | وللإسلامِ يندفعُ اندفاعا |
ويعلنُها بعزمٍ إنَّ دَربي | إلى الجنَّاتِ يأخُذُني سِراعا |
شبابٌ لم تُدنَّسه المعاصـي | ولم تتركهُ في الدُّنيا ضَياعا |
أولئكَ هُم شـبابٌ للمَعالـي | لـقد بَعثوا لدُنيانا شـُعاعا |
باركَ اللهُ لي ولكم في الكتابِ والسنةِ، ونفعَني وإياكم بما فيهما من الآياتِ والذكرِ والحكمةِ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ والمسلماتِ من كلِّ ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِروه وتوبوا إليه؛ إنَّ ربي كانَ غفورًا رحيمًا.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ القادرِ على كلَّ شيءٍ، مفرجِ الكروبِ، وغافرِ الذنوبِ، وصلى اللهُ على عبدِه ورسولِه محمدِ النَّبيِّ المحبوبِ، الذي بُعث إلى الناسِ جميعاً، لإخراجِهم من ظلماتِ الجاهليةِ إلى نورِ الإيمانِ والعلمِ والسعادةِ، وعلى آلِه وصحبِه وسلمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيُّها الشَّبابُ: الكلُّ يُراهنُ عليكم، أعداءُ الإسلامِ يُراهنونَ ليجعلوكم في لهوٍ وغفلةٍ وضياعٍ، والمصلحونَ يُراهنونَ؛ لتكونوا في عِزَّةٍ وعلوٍ وارتفاعٍ، وأنتم أخبروني أين تنظرونَ؛ أإلى القمَّةِ أم إلى القاعَ؟
كم هو جميلٌ منظرُ الشَّبابِ في حلقاتِ القُرآنِ، وفي مجالسِ الإيمانِ، وعلى ثَغرٍ يَشيدونَ في بلادِهم البُنيانَ، وقبيحٌ هو منظرُ الشَّبابِ وهم قد أضاعوا الصَّلواتِ، وغَرِقوا في الشَّهواتِ، وبكى عليهم الآباءُ والأمَّهاتُ؛ فلا هُم في أمرِ الآخرةِ ولا هُم في الدُّنيا قد حقَّقوا الأمنياتِ.
أخبروني ما الذي يَملأُ أوقاتِكم؟ وما الذي يُشغلُ أذهانُكم؟ أخبرني عن أصدقائكَ، وأخبرني عن اهتماماتِك، ولعلكَ تقولُ لي: مهلاً، فأنا لا زِلتُ شابَّاً، ولم أشبعْ من الحياةِ، فأقولُ لك: صحيح .. ولكن ألا تُريدُ أن تكونَ من "السَّبعةِ الذينَ يُظِّلُهم اللهُ -تعالى- في ظِلِّه: وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ"؟، ألستَ شاباً قوياً تُحبُّ التَّحدَّي والمغامرةَ؛ فهل تستطيعُ تحتَ وطأةِ الفتنِ والمُغرياتِ المُعاصرةِ أن تجعلَ أمنيةَ تحقيقِ ظلِّ اللهِ –تعالى- في ذِهنكَ حاضرةٌ؟
واعلموا أنَّه ليسَ لنا خيارٌ إلا حبُّكم، وليسَ لنا أمنيةٌ إلا صلاحُكُم؛ فحافظوا على صلاتِكم، واحفظوا كتابَ ربِّكم، وأطيعوا والديكم، واحفظوا أبصارَكم، وفرِّغوا بالطَّاعاتِ والمباحاتِ طاقاتِكم، واسألوا اللهِ الهِدايةَ والثَّباتِ، في زمنِ الشَّهواتِ والشُّبهاتِ.
اللهم أصلحْ شبابَ المسلمينَ ذكورًا وإناثًا، اللهم اجعلهم هداةً مهتدينَ، بالقرآنِ عاملينَ وبسنةِ النبيِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- متمسكينَ، اللهم جنّبهم الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطنَ برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ.
اللهم ربنا أعنا ولا تُعن علينا، وانصرنا ولا تَنصر علينا، وامكرْ لنا ولا تمكرْ علينا، واهدنا ويَسرْ الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا.
اللهم إنا نسألُك الهدى والتقى والعفافَ والغنى، اللهم أحينا سعداءَ، وتوفنا شهداءَ، واحشرنا في زمرةِ الأتقياءِ يا ربَّ العالمينَ، اللهم إنا نسألُك رضاك والجنةَ، ونعوذ بك من سخطِك والنارِ برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ.
اللهم انصر الإسلامَ وأعز المسلمينَ، اللهم واحمِ حوزةَ الدينِ، واجعل بلدَنا هذا آمنا مطمئنا وسائرَ بلادِ المسلمينَ، اللهم آمنا في أوطانِنا، واستعمل علينا خيارَنا، واجعل ولايتَنا في عهدِ من خافَك واتقاك واتبعَ رضاك يا ربَّ العالمينَ، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201].