المجيب
كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...
العربية
المؤلف | راشد البداح |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
لقد مدح الناسُ الناسَ فأسرفوا، فلما جاءوا ليمدحوا ربهم أقصروا؛ ألا فلنثنِ على ربنا الآن. ألم تعلموا أنه-صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا أحد أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ". وصح أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أما إن ربك يحب المدح". وفي لفظ: "الحمد". فلك الحمد يا من هو للحمد والمدح أهل...
الخطبة الأولى:
الحمد لله مَا سبّحَت بحمدِه ألسنةُ الذاكِرين، وسبحانَ الله ما أشرَقت بأنوار طاعته وجوهُ العابدين، والله أكبر ما هدى لنوره ما شاء من المهتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبيَّنا محمّدًا عبدُ الله ورسوله المبعوثُ رحمةً للعالمين، وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسان إلى يومِ الدِّين.
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: اتقوا الله واشكروه؛ فإن نعمه علينا كثيرةٌ جداً لا نستطيع لها عداً ولا إحصاءً، ونعم الله إذا ذكرناها عظمنا الله وشكرناه، وأحببناه من كل قلوبنا؛ لما يَغْذونا ويغمرنا من نعمه.
ومِن شُكركَ نعمةَ الله: أن تثني عليه بما هو أهله؛ فالله -تعالى- هو المستحق للحمد، وكل فضلٍ فهو به جدير، وكل نقصٍ فهو منزه عنه -جل وعلا-؛ "فاللهم ما أصبح بنا من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر".
عبادَ الله: مِن نعم الله العظيمة علينا: هطولُ هذه الأمطار الغزيرة النافعة التي أجرى الله بها الوديان، وأحيا بها الأرضَ بعد موتها؛ فأعادت للنفوس النشاطَ والاغتباط، والحمد لله على فضلِه.
ولقد مرت بالناس أيام جدب؛ فاستسقوا المرة بعد المرة، حتى قال قائلهم: انتهى الشتاء ولا مطر ولا ربيع!! ثم جاء الله بهذا الغيث العميم، حتى انطبق علينا وصف ربنا الوهاب بقوله: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُـرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)، وقوله: (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ). فجاء الله بهذا الغيث بعد احتباس، وبعد إياس منا وإبلاس.
وهذا من قدر الله الكوني الذي يعجَب منه ربنا بل يضحك منه -سبحانه- تعجبًا. قال صلى الله عليه وسلم: "عجب ربّك من قنوطِ عبادِه وقرب غِيَره، ينظر إليكم أَزْلين قنِطين، فيظلّ يضحك، يعلم أنّ فرجَكم قريب"(ارواه الحاكم وحسنه الألباني).
فلا إله إلا الله، ما أعظمَ فرجَه! وما أعظم فضله وإحسانَه! فقابِلوا نعمَ الله بشكرِها، وقابلوها بالثناءِ عليه، واسألوه المزيدَ من جوده.
لقد مدح الناسُ الناسَ فأسرفوا، فلما جاءوا ليمدحوا ربهم أقصروا؛ ألا فلنثنِ على ربنا الآن، ولن نحصي ثناء عليه. ألم تعلموا أنه-صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا أحد أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ" (متفق عليه). وصح أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أما إن ربك يحب المدح". وفي لفظ: "الحمد"(أخرجه أحمد).
فلك الحمد يا من هو للحمد والمدح أهل، أهلَ الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد وكلنا لك عبد.. لك الحمد ما دعوناك إلا حسنَ ظنٍ بك.. وما رجوناك إلا ثقةً فيك، وما خفناك إلا تصديقاً بوعيدك..
اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان. اللهم للك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق ووعدك وحق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد صلي الله عليه وسلم حق.
(يأمر وينهي ويخلق ويرزق ويميت ويحي له الخلق والأمر وله الملك والحمد وله الدنيا والآخرة وله النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن له الملك كله وله الحمد كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله، شملت قدرته كل شيء، ووسِعت رحمته كل شيء، وسَعت نعمته إلى كل حي (يسأله من في السموات والأرض كلَّ يوم هو في شأن)
قلوب العباد ونواصيهم بيده، وأزمَّة الأمور معقودة بقضائه وقدره.. لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولا حاجة يسألها أن يعطيها.
أكثر من ذُكر، وأحق من حـُـمد، وأولى من شُكر، وأنصر من ابتُغى، وأراف من مَلك، وأجود من سُئل وأعفى من قدر، وأكرم من قُصد، وأعدل من انتقم، حلمه بعد علمه، وعفوه بعد قدرته، ومغفرته عن عزته، ومنعه عن حكمته، وموالاته عن إحسانه ورحمته.
كل شيء هالك إلا وجهَه، وكل ملك زائـل إلا ملكَه، وكل فضله منقطع إلا فضلَه، لن يطاع إلا بإذنه ورحمته، ولن يعصى إلا بعلمه وحكمته.. يطاع فيشـكر، ويعصى فيتجـاوز ويغفر.. كل نقمه منه عـدل، وكل نعمـة منه فضل.. السـر عنده علانية، والغيب عنده شهادة.. عطاؤه كلام، وعذابه كلام: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
الخطبة الثانية:
فإن من أهم ما يَشغل العبدَ السائرَ إلى الآخرة: هو أمرُ صلاته؛ كما قال النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا"(متفق عليه). وإن الصلاة تحتاج منا مُواصَلة في التذكير الكثير، أكثرَ من شأن سائر عباداتنا ومعاملاتنا.
فلنتأمل مقدمة من مقدمات الصلاة المهمة التي أكدها النبي -صلى الله عليه وسلم- أيما تأكيد، ألا وهي المساواة والمراصَّة في صفوف الصلاة وسد الخلل فيها، حتى جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الاختلاف في الصفوف سببًا لاختلاف القلوب؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "اسْتَوُوا وَلاَ تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ" قَالَ الراوي أَبُو مَسْعُودٍ: فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلاَفًا (رواه مسلم)؛ فلماذا كل هذا؟! لأن فساد الظّاهر يؤثر في فساد الباطن، والعكس بالعكس. والتراصّ في الصف يوحي للنفوس بالأخوّة والتعاون؛ فكتف الفقير ملتصقة بكتف الغني، وقدم الضعيف لاصقة بقدم القويّ؛ فإن خالفنا فقد اختلفنا.
روى أبو داود بإسناد صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفًا وصله الله ومن قطع صفًا قطعه الله"؛ أي: قطعه الله من الخير الجليل والأجر الجزيل.
وكثير من الأئمة -فتح الله علينا وعليهم- لا يُوْلي هذا الأمرَ عنايةً، وغايةُ ما عندَه أن يقولها كلمةً على العادة: استوُّوا اعتدلوا، يقول ذلك، وهم باقون على اعوجاجهم، وتباعُدِهم، ولو أن الإمام شَعُرَ بالمقصود، ونَظر إلى الصفوف بعينه، وانتظر حتى يراهم قد استوَّوا استواء كاملاً، ثم كبر لبرئت ذمته، وخرج من المسؤولية.
قَالَ أنس: "كَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ ومَا أَنْكَرْتُ مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "إِلاَّ أَنَّكُمْ لاَ تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ"(رواه البخاري).
وإليكم أربع مسائل في تسوية الصفوف:
الأولى: أن المحاذاة إنما هي بالمَناكب والأقدام، وليس الإلزاق يعني الملامسة، وإلا للزم منه ملامسة الركبة للركبة وهذا مردود بلا شك.
الثانية: من وقف في الصف الثاني قبل تمام الأول فهو مخالف للسنة ولو كان معه غيره.
الثالثة: من تأخر ثم تخطى الصفوف إلى الصف الأول فليحذر من مضايقة المتقدمين.
الرابعة: البعض من الناس يكملون الصف يميناً، والأيسر ليس فيه إلا القليل، وهذا خلاف السنة، فإذا تساويا فهنا يقال: الأيمن أفضل.
اللهم أنت المرتجى والملتجى، لا ملجأ منك إلا إليك، اللهم إنا نسألك لغوطة دمشق فرجاً عاجلاً، ونصراً مؤزراً. اللهم آمن خوفهم، وحقق آمالنا وآمالهم باندحار الطغاة الغاصبين.
اللهم إنا نسألك أن تبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر.
اللهم أصلح ولي أمرنا وولي عهده وأصلح أمتنا واجعلهم متعاونين في الحق متحابين متآخين.