القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
العربية
المؤلف | عبدالله البرح - عضو الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الزكاة |
ينبغي على كل مسلم أنعم الله عليه بنعمة المال أن يؤدي زكاته لهذه الأصناف التي أوجبها الله -تعالى- لهم، ولعلنا في هذا المقام أن نتحدث إليكم عن هذه الأصناف الثمانية وما يتعلق بها من أحكام مبتدئين بما بدأ الله به.. فأطيعوا أمر ربكم وأدوا زكاة أموالكم، كما أمركم الله في كتابه القويم وأرشدكم إليه نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم- يبارك الله لكم في...
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:
أيها المؤمنون: لقد تجلت عظمة دين الإسلام في تشريعاته وأحكامه؛ حيث جاء للبشرية بكل ما يصلح حالها وما ينظم شؤونها ويسموا بأخلاقها ويؤلف بين قلوبها ويزيد ترابطها وتكافلها، ومن تلك الأحكام ما فرضه على الأغنياء من مال مخصوص بقدر مخصوص لأناس مخصوصين، وهم الأصناف المذكورة في قول الحق -تبارك وتعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 60]؛ يقول العلامة السعدي -رحمه الله-: "المراد بالصدقات، الزكوات الواجبة لهؤلاء المذكورين دون من عداهم".
أيها المسلمون: ينبغي على كل مسلم أنعم الله عليه بنعمة المال أن يؤدي زكاته لهذه الأصناف التي أوجبها الله -تعالى- لهم، وفي هذا المقام نتحدث إليكم عن هذه الأصناف الثمانية وما يتعلق بها من أحكام مبتدئين بما بدأ الله به على النحو التالي:
أولا: الفقراء؛ والفقير هو الذي لا مال له ولا كسب، وهو أشد الأصناف حاجة وأكثرهم فاقة، ففي حديث عبدالله بن عباس رضي الله -عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لمُعاذِ بنِ جبلٍ حين بعَثه إلى اليمَنِ: "... أخبِرْهم أنَّ اللهَ قد فرَض عليهم صدَقَةً، تؤخَذُ من أغنيائِهم، فتُرَدُّ على فُقَرائِهم؛ فإن هم أطاعوا لك بذلك؛ فإياك وكرائمَ أموالِهم، واتقِ دعوةَ المظلومِ؛ فإنه ليس بينه وبين اللهِ حجابٌ" (رواه البخاري)، بل وقد كان النبي الكريم يحث أصحابه على التصدق عليهم، كما في خيبر لما أتاه عمر -رضي الله عنه- بمال فقال له: "إن شئتَ تصدَّقْ بها؛ فتصَدَّق بها في الفُقراءِ" (رواه البخاري).
ثانيا: المساكين؛ والمسكين هو الذي يملك ما لا يكفيه ولا يسد حاجته الضرورية وهو أحسن حالا من الفقير؛ وقد يظن البعض أن المراد بالمسكين هو الذي يطوف الناس فحسب، وإن كان هذا من جملة المساكين الذين عناهم الله في هذه الآية الكريمة؛ لكن هناك شريحة كبيرة، ربما ذاقت مرارة الجوع والفاقة وضيق العيش، لكن الذي منعها من سؤال الناس العفاف؛ فهؤلاء هم أولى وأحق بالزكاة، وقد جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن الصحابة سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المسكين، فقال: "الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئا"(رواه البخاري ومسلم).
ثالثا: العاملين على الزكاة؛ وهم كل من له عمل وشغل فيها، من حافظ لها، أو جاب لها، أو راع، أو حامل لها، أو كاتب، أو نحو ذلك؛ سواء كان غنيا أو فقيرا؛ وليس له قبول الهدية ممن ولي عليهم بتحصيل مال الزكاة منهم، أو صرفه لهم للنهي عن ذلك.
رابعا: المؤلفة قلوبهم؛ والمؤلف قلبه كل من يرجى إسلامه، أو يخشى شره أو يرجى بعطيته قوة إيمانه، أو إسلام نظيره، أو جبايتها ممن لا يعطيها؛ فيعطى ما يحصل به التأليف والمصلحة؛ ودليل الذي يعطى ليسلم كما أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- صفوان بن أمية من غنائم حنين، وقد كان شهدها مشركا قال: "فلم يزل يعطيني حتى صار أحب الناس إلي بعد أن كان أبغض الناس إلي" (رواه الإمام أحمد)، والحث على إعطاء الكافر الذي يرجى إسلامه لا يتعارض مع بغضه وبغض الدين الذي هو عليه حتى يدخل في دين الله الذي ارتضاه.
ومنهم من يعطى ليحسن إسلامه، ويثبت قلبه، كما أعطى يوم حنين -أيضا- جماعة من صناديد الطلقاء وأشرافهم مائة من الإبل؛ وقال: "إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه، مخافة أن يكبه الله على وجهه في نار جهنم" (رواه مسلم).
خامسا: في الرقاب؛ ويدخل فيه العتق والإعانة عليه، وبذل مال للمكاتب ليوفي سيده، وفداء الأسرى عند الكفار أو عند الظلمة، قال ابن عباس: "لا بأس أن تعتق الرقبة من الزكاة"، وهذا مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ومالك.
سادسا: الغارمون؛ وهم قسمان: الغارمون لإصلاح ذات البين، وهو أن يكون بين طائفتين من الناس شر وفتنة؛ فيبذل الرجل من ماله للإصلاح بينهم، فيعطى من الزكاة ولو كان غنيا. والثاني: من غرم لنفسه ثم أعسر؛ فإنه يعطى ما يُوَفِّى به دينه ويزول عسره، قال النووي -رحمه الله-: "الأصح اشتراط حاجته دون حلول الدين أو إصلاح ذات البين".
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه من كل ذنب فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله العزيز الحكيم الذي هدانا لدين الإسلام القويم، والصلاة والسلام على نبيه الكريم وعلى آله وصحابته ومن تبعهم على الصراط المستقيم، أما بعد:
عباد الله: ومن الأصناف التي أوجب الله -تعالى- لهم الزكاة في سبيل الله: والمراد بهم الغزاة في سبيل الله فيعطون من الزكاة ما يعينهم على غزوهم ويحتاجونه في جهادهم، من ثمن سلاح، أو دابة، أو نفقة له ولعياله، ويدخل في ذلك طلب العلم كما قال كثير من الفقهاء: "إن تفرغ القادر على الكسب لطلب العلم، أعطي من الزكاة، لأن العلم داخل في الجهاد في سبيل الله".
وقد أفتى العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- بأن طلاب العلم الشرعي يدخلون ضمن قوله الحق -تبارك وتعالى-: (وفي سبيل الله)؛ فقال: "طالب العلم المتفرغ لطلب العلم الشرعي، وإن كان قادراً على التكسب يجوز أن يعطى من الزكاة، لأن طلب العلم الشرعي نوع من الجهاد في سبيل الله، وقد جعل الله الجهاد في سبيل الله جهة استحقاق في الزكاة..".
الثامن: ابن السبيل؛ والمراد به الغريب المنقطع عن بلده؛ فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده؛ قال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ)[النساء: 36]؛ قال العلامة السعدي -رحمه الله-: "الغريب الذي احتاج في بلد الغربة أو لم يحتج؛ فله حق على المسلمين لشدة حاجته وكونه في غير وطنه بتبليغه إلى مقصوده أو بعض مقصوده".
ويدخل في ابن السبيل أهل الإسلام الذين أصابتهم البأساء والضراء وشردوا من بيوتهم وهجروا من ديارهم، كما هو الحال في كثير من البلدان الإسلامية اليوم.
أيها المسلمون: هذه هي أصناف الزكاة التي يجب على من وجبت عليهم الزكاة صرفها لهم؛ فأطيعوا أمر ربكم بإخراج زكاة أموالكم كما أمركم الله في كتابه القويم وأرشدكم إليه نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم- يبارك الله لكم في ما أعطاكم وتسعدوا في دنياكم وأخراكم.
وأجد أيها -الأخوة - في هذا المقام أهمية التذكير بمسألة مهمة، ألا وهي: من لا يجوز دفع الزكاة إليهم؟
والجواب كما أجمع أهل العلم والدراية على أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الأصناف التالية:
أولاً: الكفار والملاحدة الذين لا يحرمون ما حرم الله ولا يحلون ما أحل الله، ويدل على ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: "أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ"، والمراد هنا بالمسلمين دون غيرهم، ولو قال وترد على الفقراء لكانت مطلقة.
ثانيا: كما تحرم الزكاة على من تجب على المزكي نفقته، كالزوجة والأبناء والأبوين المعسرين والعبد وغيرهم.
ثالثا: ولا يعطى الأقوياء من الزكاة من حيث الأصل، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَحِلُّ الصَّدَقةُ لغَنيٍّ ولا لِذي مِرَّةٍ سَوِيٍّ" (رواه أحمد)؛ وقال النووي -رحمه الله-: "إذا لم يجد الكسوب من يستعمله حلت له الزكاة، لأنه عاجز".
ولا يمنع السوي من الزكاة بمجرد القدرة فحسب؛ لأنه قد لا يجد عملا يتكسب منه، بشروطه التي حددها أهل العلم، فقالوا: بأن يكون العمل الذي وجده مشروعا وملائما لمثله ولائقا بحاله ومكانته الاجتماعية، وكذا لا بد أن يسد هذا العمل حاجته وحاجة أهله الذين يعولهم، وإلا أعطي من الزكاة.
رابعا: بنو هاشم، فقد أخبر النبي الكريم بأن الزكاة لا تحل لهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس"(رواه مسلم)، وظاهر الحديث أنه لا يجوز لأحد من بني هاشم أن يأخذ من الصدقة الواجبة، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أما علمت أن آل محمد -صلى الله عليه وسلم- لا يأكلون الصدقة" (رواه البخاري ومسلم).
وأما صدقات التطوع؛ فلا حرج عليهم من أخذها، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "إنهم لا يعطون من الصدقة المفروضة؛ فأما التطوع فلا"، وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "أنه يجوز لبني هاشم إذا كانوا مضطرين ولم يأخذوا نصيبهم من الغنائم أن يأخذوا من الزكاة المفروضة لدفع ضرورتهم"، وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: "لو فرض أنه لا يوجد لإنقاذ حياة هؤلاء من الجوع إلا زكاة الهاشميين؛ فزكاة الهاشميين أولى من زكاة غير الهاشميين".
اللهم وفقنا للقيام بأوامرك واجتناب نواهيك، وبارك لنا في ما أعطيتنا وارزقنا الإقبال وامنحنا القبول.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير؛ حيث أمركم بذلك العليم الكبير؛ فقال في كتابه العزيز: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].