البحث

عبارات مقترحة:

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

بيوتنا تحتاجنا

العربية

المؤلف عبد الرحمن بن صالح الدهش
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم بيته حقه .
  2. حاجة البيوت لوجود رب البيت .
  3. آثار غياب رب البيت عن بيته .

اقتباس

تشكو كثير من البيوت هجران أهلها لها؛ فغاب رب البيت، وكبير الأسرة، والرجال -القوامون عليه- عن بيوتهم الساعات الطوال، واكتفى الواحد منهم أن يكون بيته بيتاً ينام فيه ليجدد نشاطه إلى غياب مثله. وربما شمل غيابه ساعات النوم فنام الليالي ذوات العدد خارج بيته...

الخطبة الأولى:

الحمد لله ربِّ العالمين...

أما بعد: فحينما تريد أن تختصر تعريفاً لحقيقة الإنسان في هذه الحياة الدنيا فلن تجد أبلغ مختصر من قوله -تعالى- (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ)[البلد: 4]؛ فالإنسان خلق والكبد ومشاق الحياة قريناً له، فهو من معاناة إلى أخرى؛ فما أن يتجاوز عقبة من عقبات الحياة إلا وها هو يشتغل بتجاوز عقبة أخرى.

هذه سنة الله في الحياة لم تصف لأنبيائه، وخاصة أوليائه؛ فكيف بمن هم دونهم؟! فكيف تجاوز الموفقون كبد الدنيا وعرفوا مزالقها؟!

حينما قال الله -تعالى-: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[الأحزاب:21]، إنما أراد الله -سبحانه- منا أن ننظر في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لنأخذ الأسوة في حياتنا، والقدوة في أيامنا وليالينا؛ فسيرته عند ربه مرضية؛ فلقد أعطى كل ذي حق حقه، فعاش في نفسه، وعاش معه من حوله من زوجات وأولاد وأصحاب عيشة مطمئنة هنيئة؛ فكيف كانت حياته -صلى الله عليه وسلم- وهو قائد الأمة، ومرجعها في سلمها وحربها؟! فأشغاله أعظم أشغال! ومهامه في نفسه وأهله وعامة المسلمين متنوعة متجددة يضعف أمامها أشداء الرجال! صلى الله عليه وسلم حيث كانت حياته أعظم مثال!

يطول الكلام إلا أن مَن هذه بعض صفاته يبقى سؤال كيف كانت حياته في بيته وخاصة علاقته؟ لم يستسلم -صلى الله عليه وسلم- لمشاغله على جللها إيماناً ويقينا منه أن المسلم مسؤول عن شؤون بيته. وهذه المسؤولية لا يغطيها أحد من الناس سواه، والإنابة فيها نقص وخلل!؛ لذا كان لبيته -صلى الله عليه وسلم- حظ وافر من وجوده الشخصي، فهو موجود حيث أردته فيه.

بل إن الله عاتب الذين يريدون إخراجه من بيته في وقت أهل بيته أولى به من غيرهم، وهو أولى ببيته في تلك الساعة من أي مكان آخر. وصف الله من ينادونه ليخرج إليهم بأن أكثرهم لا يعقلون (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)[الحجرات:4] ولماذا ينادونه ليخرج فهو في مهمة بيتية لا تقل عن غيرها أهمية (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم)[الحجرات:5].

فهذه من أعظم معالم حسن أخلاقه وهو وجوده الشخصي في البيت؛ فضلا عما يكون مع وجوده من تعليم، أو جميل معاشرة، وطيب مجالسة!.

فالبيوت تحتاج إلى سُكانها الذين وجودهم سكن لها وطمأنينة لأفرادها؛ ففي البيوت الزوجات والأولاد وغيرهم، وهؤلاء لابد أن يجدوا في بيوتهم ما يفقدونه في غيرها. والحياة تصعبت وتشابكت والقلوب تغيرت؛ فلا بد من شكوى إلى ذي مروءة يواسيك أو يسليك أو يتوجع.

أيها الإخوة: تشكو كثير من البيوت هجران أهلها لها؛ فغاب رب البيت، وكبير الأسرة، والرجال -القوامون عليه- عن بيوتهم الساعات الطوال، واكتفى الواحد منهم أن يكون بيته بيتاً ينام فيه ليجدد نشاطه إلى غياب مثله!. وربما شمل غيابه ساعات النوم فنام الليالي ذوات العدد خارج بيته!.

لا يعنينا أين يذهب؟ وهل معذور في كل هذا أو في بعضه؟ وإنما يعنينا هنا ما ترتب على غيابه من حرمان لأفراد البيت من وجود الحاني عليهم، ومن ينتظرون منه الكثير!. تغيب إحدى بناته عن المدرسة اليوم واليومين والثلاثة لعارض صحي في بدنها أو نفسيتها ثم يكون رب البيت آخر من يعلم إن علم!. وقد كتب في ملف بنته إنها تعيش مع والديها، وأن ولي أمرها أبوها!.

أيها القائم على بيته: حينما يطول غيابك عن بيتك سوف ينشأ عن هذا جفوة على إثرها وحشة في التعامل، حينها لن تجد وقتاً ولا جواً مناسبا لتنقل لأفراد البيت تجاربك الناضجة في التعامل مع صعوبات الحياة، والمستجدات في سنواتنا هذه كثيرة ومتسارعة، والمتسللون إلى البيوت تعددت وجهاتهم وتنوعت أساليبهم.

أفراد بيتك يحتاجون حناناً صادقاً، لاسيما بنياتك فلابد من إشباع رغبتهم الفطرية من الرِّقة والكلمة الرقيقة الراقية، ومن الشكاوى التي تصل المستشارين الإصلاحيين أن تقول إحداهن في حق زوجها، إنه يغيب عنا وإنها لا تريد منه مالاً ولا فراشاً وإنما تريد كلمة ترد اعتبارها وتحفظ كرامتها، وتبقى على هيبتها أمام أولادها في بيتها.

إذن -يا راعي البيت- أين صرفت كلماتك الدافئة إن لم تصرفها في بيتك ولمن هم أخص الناس بك من زوجة وبنات؟! أين هؤلاء من ملاطفة النبي -صلى الله عليه وسلم- لزوجاته؟!

تقول عائشة -رضي الله عنها-: "كان إذا صلى الليل فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع حتى يؤذن الفجر". في هذه الساعة المتأخرة أي حديث يناسب؟! إنه حديث إثبات الحضور والمؤانسة؛ فلم تطب نفسه -صلى الله عليه وسلم- أن يخرج ليصلي إلا بذلك!

فأفراد بيتك من بنيك وبناتك يحتاجون من يقول لهم: هل أنتم مستعدون وعلى مستوى ما يكاد للبيت المسلم المحافظ من معرفة سبل التغيير وأساليب التغريب؟

أفراد بيتك بحاجة إلى تنزل إلى مستواهم، وأن تدخل عالمهم الافتراضي، وأن تعرف وتُعَرِّف أيضاً أن هناك متلصصين على البيوت، وأن هناك ذئاباً بشرية من بني جلدتنا يخترقون بيوت الغافلين من عباد الله الآمنين؛ ليُحسنوا للمراهقين والمراهقات العلاقات التواصلية التي مبدؤها الكلمة الخادعة ونهاية الفاحشة المنكرة.

فأفراد بيتك يحتاجون أن يُبصروا أن هناك ملمعين، وجدوا في وسائل التواصل سبيلاً إلى شهرتهم وهم مشاهير حقاً، ولكن ليكن من تبصيرك لأهل بيتك أن الشهرة لا تعني صواب القول والعمل!؛ فمن أشهر المشاهير وأكثرهم متابعين إبليس، قال الله عنه وعن متابعيه: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ)[الحجر:44].

أفراد بيتك بحاجة أن ينقلوا عن والدهم -غير الغائب عن البيت- دروساً عملية في الحياة الزوجية، حينما يرون أباهم كيف هو صابر على خلل الحياة الزوجية وأذية الزوجة، وتعب الأولاد؟ فما أعظمها من دروس! وهم عما قريب سوف يفتحون بيوتهم ويعيشون حياتهم المستقلة!

ألا إنها من أعظم الدروس في نجاح البيوت الجديدة، والحد من قضايا الطلاق، والتغلب على المشاكل الأسرية.

أقول قولي هذا...

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين..

أما بعد: لعلنا بعد كل ما قيل تولدت أو تجددت قناعتنا بأن بيوتنا تحتاجنا، وليس لها إلا نحن من الآباء والإخوة ونحوهم؛ فمحاضن التربية والتوجيه لا تغني عن قائم البيت، وفراغُه لا يسده أي أحد.

ثم أختم بما بدأت به فخير الهدي هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف وجوده في بيته؟ تقول عائشة -رضي الله عنها- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انصرف من صلاة العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن" أي: من غير جماع.

وأما في الليل فربما اجتمعن عنده في بيت واحدة منهن، فيأتيهن ويحدثهن ويحادثنه ويؤانسهن؛

فعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- تسع نسوة فكان إذا قسم بينهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع؛ فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها".

ويلحظ في هذا الحديث والذي قبله عناية النبي -صلى الله عليه وسلم- ليكون قريباً من أهله، ويلحظ فيه عنايته بذلك اليومية المرتبة.

إذن -معاشر الإخوة- دعوتنا في هذه الجمعة لنعد إلى بيوتنا؛ فبيوتنا في حاجتنا، لننظر في سكننا، ومن يتعود الخير يعتده، ومن يتوق الشر يوقه.

فاللهم أصلح بيوتنا...