العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
العربية
المؤلف | بهجت بن يحيى العمودي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات |
أما من خالف أمره -صلى الله عليه وسلم- فإنه يبوء بإثم عظيم، ويجني ثمار عصيانه الخبيثة في الدنيا قبل الآخرة، فمنه الضلال واتباع الهوى؛ قال تعالى: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَ?عْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ ?تَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ ?للَّهِ)، ومنه الفتنة في الدين أو العذاب في الدنيا: (فَلْيَحْذَرِ ?لَّذِينَ يُخَـ?لِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
وبعد: فاعلموا -عباد الله- أن كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- فيهما الهداية والنور، وفي غيرهما ضلال وغرور: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيـامَةِ أَعْمَى) [طه:123، 124].
هذا وعد من الله تعالى لمن تمسك بكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وعمل بهما أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، وتوعد من أعرض عن كتابه وخالف أمره وما أنزله على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأخذ من غيرهما هداه أن له الضنك في الدنيا، فلا طمأنينة لقلبه ولا انشراح لصدره، بل له ضيق الصدر وحرجه لضلاله عن الهدى، وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء، فإن قلبه في قلق وحيرة وشك، بل ويحشر يوم القيامة أعمى البصر والبصيرة، نعوذ بالله من الخذلان.
ولقد أمر الله عباده بطاعته وطاعة رسوله -عليه السلام- في كثير من الآيات، وطاعة الله تكون باتباع كتابه، وطاعة الرسول تكون باتباع سنته؛ قال تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَـرُ خَـالِدِينَ فِيهَا وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَـالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [النساء: 13، 14].
وهذا -عباد الله- من مقتضيات لا إله إلاّ الله، وقد زعم قوم أنهم يحبون الرسول -عليه الصلاة والسلام- فابتلاهم الله بآية تبين صدق محبتهم فقال: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران: 13]، فظهر للناس زيفهم وعوارهم لأنهم لم يطبقوا الآية، فكانوا بذلك الزعم من الكاذبين ولم يصدقوا بحب سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-.
أما ثمرات هذه الطاعة فإنها كثيرة؛ منها: الهداية التامة؛ لقوله تعالى: (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ) [النور:54]، ذلك أنها سبب لرحمة الله: (وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [النور:56].
أما من خالف أمره -صلى الله عليه وسلم- فإنه يبوء بإثم عظيم، ويجني ثمار عصيانه الخبيثة في الدنيا قبل الآخرة، فمنه الضلال واتباع الهوى؛ قال تعالى: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ اللَّهِ) [القصص:50]، ومنه الفتنة في الدين أو العذاب في الدنيا: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَـالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].
ولقد حذر -صلى الله عليه وسلم- من مخالفة هديه فقال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ". وفي رواية أخرى: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
وإن هذين الحديثين ليردان على كل صاحب بدعة أو مقلد للبدعة، فكل من ابتدع واستحدث عبادة من عنده فنرد عليه بالحديث الأول: "من أحدث في أمرنا"، ومن قال: أنا لم أحدث بدعة جديدة في الدين ولكن هذه عادات آبائنا وأجدادنا، وهذا فعل فلان. فنرد عليه بالحديث الثاني: "من عمل عملاً..."، ومعنى الحديثين الشريفين: أن أي عمل يخالف أمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو مردود على صاحب البدعة المحدث لها والعامل المقلد لها.
والبدعة -عباد الله- هي طريقة مخترعة في الدين ليس لها دليل من الكتاب والسنة، يقصد فاعلها ومخترعها التقرب بها إلى الله -عز وجل-، ومثال ذلك بدعة الاحتفال.
وإن المبتدع -إخوة الدين- متبع لهواه، ويقول على الله بغير علم، الذي هو قرين الشرك ولا شك، فضلاً عن جهله وقلة علمه بالله وتكذيبه بشرعه -سبحانه وتعالى-.
والبدعة قد تكون كفرًا فتخرج صاحبها من الملة، وقد تكون كبيرة تعرّض صاحبها للعذاب الأليم؛ قال أحد السلف -رحمهم الله-: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها.
وأثر عن الشيطان -عليه لعنة الله- قوله: أهلكت بني آدم بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلاّ الله والاستغفار، فلما رأيت ذالك بثثت فيهم الأهواء، فهم يذنبون ولا يتوبون؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
ومعلوم -عباد الله- أن المذنب ضرره على نفسه، أما المبتدع فضرره على المجتمع والناس عامة؛ لأنه يتهم ربه بعدم إتمام الدين قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-. تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
وهو مكذب لقول الله تعالى: (لْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسْلاَمَ دِيناً) [المائدة:3]، وإنه ببدعته هذه ليتهم النبي الكريم بعدم البلاغ وكتمان الرسالة، حاشاه -صلى الله عليه وسلم-، وهو الذي زكّاه ربه من فوق سابع سماء -بأبي هو وأمي-، فقد بلغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فجزاه عنا خير ما جزى به نبيًا عن أمته -صلى الله عليه وآله وسلم-.
عباد الله: إننا نرى ونسمع كثيرًا من البدع المحدثة في دين الله، ومنها ما يروج كل عام، ويغتر به الجهلة العوام من الاحتفال بليلة النصف من شعبان وتخصيصها بأنواع من الذكر والصلاة، ويزعمون أن فيها تقدر الأرزاق والآجال، وما يجري في كامل العام، ويستدلون بقوله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان:4]، وهذا من جهلهم الكبير؛ إذ ليلة نزول القرآن هي ليلة القدر كما في قوله: (إِنَّا أَنزَلْنَـاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر:1].
كما أنهم يخصصون اليوم الخامس عشر من شعبان بالصيام لأحاديث لا تثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولاشك -عباد الله- أن ذلك التخصيص مبتدع؛ إذ لم يثبت تفضيل أو تخصيص شيء من ذلك عن النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-، وقد قرر أهل العلم في قاعدة شرعية عظيمة مفادها: أن الأصل في العبادة المنع إلاّ بدليل يفرضها، وأن الأصل في العادات الإباحة إلاّ بدليل يحرمها؛ إذًا كل قول أو فعل لم يثبت فيه دليل من الكتاب أو السنة فهو عمل بدعي مردود على صاحبه كائنًا من كان.
ولزيادة الفائدة أنقل لكم كلام أهل العلم -رحمهم الله- في ذلك بالنص: قال أبو بكر محمد بن وليد الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع: وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم قال: ما أدركنا من مشايخنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان، ولا يرون لها فضلاً على سواها.
وقال ابن رجب -رحمه الله- في كتابه لطائف المعارف: وأنكر ذلك -يعني تخصيص ليلة النصف من شعبان- أكثر علماء الحجاز، وقالوا: ذلك كله بدعة. وقال: قيام ليلة النصف من شعبان باطل. وقال ابن الجوزي في كتاب الموضوعات: وأما صيام يوم النصف من شعبان فلم يثبت بتخصيصه حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والحديث الوارد فيه ضعيف. وكما قال ابن رجب -رحمه الله-: والضعيف لا تقوم به حجة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: فاتقوا الله -عباد الله- والتزموا ما شرعه الله على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- حتى تسلموا وتغنموا وتهتدوا.
عباد الله: هذا ما تيسر نقله من كلام أهل العلم لبيان البدع المحدثة في دين الله عمومًا، وفي شهر شعبان خصوصًا، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.
ليسعكم ما وسع صحابة رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، والتابعين لهم بإحسان، والذين كانوا أشدّ منا خشية لله وأحرص منا على الخير، ومع كل ذلك لم يتقربوا لله تعالى بغير ما شرعه سبحانه على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
واعلموا -رحمكم الله- أن من كان من عادته قيام الليل فلا يترك قيام الليل في تلك الليلة، ومن كان من عادته صيام النوافل فوافق ذلك ليلة النصف من شعبان فليصم ولا يترك الصيام، وكذلك من كان من عادته أن يصوم في شعبان فليصمه اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كما ثبت ذلك في مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تصف حاله في صيام النافلة: ولم أره صائمًا من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان. وفي رواية: كان يصوم شعبان إلاّ قليلاً. فسيروا على هدي نبيكم -صلى الله عليه وسلم- الموصل إلى طريق الجنة، واجتنبوا طرق الغواية والبدع والضلال الموصلة إلى دار البوار.
وفقني الله وإياكم للتمسك بكتاب الله وبسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- قولاً وعملاً واعتقادًا، وجنبنا البدع كبيرها وصغيرها.