البحث

عبارات مقترحة:

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

النصير

كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

أهمية الوحدة بين المسلمين

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - فقه النوازل
عناصر الخطبة
  1. الإرهاب وتفرق الأمة .
  2. من الإرهاب مجزرة الغوطة الشرقية .
  3. مواقف بلاد الحرمين في مكافحة الإرهاب .
  4. فتنة مصر ودور بلاد الحرمين في إزالتها .

اقتباس

فنجمَ عن ذلك الإرهابُ المُسلَّحُ والإقصاء، والرَّزايا الشَّعواء، والتنطُّع في تلقِّي الحق الرَّحيب العديد، وحجرُه على فكرٍ وحيدٍ ليس عنه مَحيد. وإن هي إلا أفكارٌ إرهابيَّةٌ دخيلة، تلقَّفَت كِنانتَها المسمومة نِبالُ التفريق وأسَلات التمزيق، وبدَّدَت وحدةَ الأمة بالسَّمهريَّات والعضاب، وفرَت أديمَها بألسِنة الإفساد والكيد الغِضاب...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفره ونتوبُ إليه، اللهم لك الحمدُ حمدًا يُوافِي جلالَك ثناءً وإعظامًا.

فحمدًا ثم حمدًا ثم حمدًا

لربِّ العالمين بلا تَوانِي

وشُكرًا ثم شُكرًا ثم شُكرًا

له في كل أوقاتٍ وآنِ

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرومُ بها استِبصارًا في الحقِّ واعتِصامًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه من بُعِث للعالمين رحمةً وسلامًا، فتعطَّر الكونُ برسالته حُبًّا ووِئامًا، اللهم فصلِّ وبارِك عليه، وعلى آله الأُلَى كانوا في اتباع الحقِّ أُباةً أعلامًا، وصحبِه الميامين الذين دامُوا دون الضلال كُماةً وآطامًا، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ يرجُو من الرحمن مكانًا عليًّا في الجِنان ومُقامًا، وسلِّم تسليمًا كثيرًا طابَ ابتداءً وخِتامًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-؛ فقد جلَّت خصائصُ التقوى ومزاياها، فكانت مثابةً لغُفران زلاَّت النفس وخطاياها، وصلاحها في دينها ودُنياها، وعزِّ الأمة الذي زاحمَ فرقدَ السماء وثُريَّاها، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق:5].

عليك بتقوى الله في السرِّ والعلَن

وقلبَك طهِّره من الرِّجس والدَّرَنْ

فما الدارُ إلا جنَّةٌ لمن اتَّقَى

ونارٌ لمن لم يتَّقِ اللهَ فاسمعَنْ

أيها المسلمون: ليس يخفَى على أُولي النُّهى والألباب، وما شهِدَت به الحضاراتُ عريقةُ الأسباب أن شريعتنا الإسلامية الغرَّاء غيَّرَت بنور عدلِها ورحمتها قاتِمَ معالمِها، فطمَسَت جورَها ومظالمِها، وانتزَعت دون شحنائِها وبغضائِها مُرهفَ صوارشمِها، وغرسَت في البريَّة رحماتها ومكارمَها.

ومن ثَمَّ أبحَرت بالإنسانية المُعنَّى في أنداء حياة التعايُش والتسامُح الأجمل، والمُستقبَل الآمِل الوارِف الأمثَل، إلى أن رسَت في هذا الأوان في مرافِئ الأمواج المُتلاطِمة، ذات الفتن المُدمِّرة والقاصِمة؛ فتنٌ احتدَمت فيها الطوائفُ والفُهوم، وجنحَت عن المحجَّة البيضاء الحُلوم، فاعتسَفَت -واأسفاه- طرائقَ الباطل الصُّراح، ونهلَت من مشارِب البطش القَراح.

وهؤلاء الفِئام زعموا بذلك البناءَ والإصلاحَ، كلا ثم كلا؛ فقد أراقُوا الدماء، ونثَروا الأشلاء، ودمَّروا شاهِقَ البناء، وشوَّهوا قِيَم الدين الفَيْحاء.

إخوة الإيمان: وتلك الكوارِثُ الأليمة التي أسَّست لشرخها العميق في خاصِرة الإسلام هي نتيجةٌ حتميَّةٌ للذين اختزَلوا حقائقَ الإسلام العِظام، ومعانِيه السامِية الفِخام، وقِيَمه التي بلغَت من العدل والحكمة والرُّشد التَّمام. اختزَلوها في أسماء مُستعارة، ومُصطلحات مُستحدَثة غرَّارة، وألقابٍ وشِعارات وافِدةٍ ختَّارة، تمترَسَت خلف التطرُّف الفكريّ والشُّذوذ العلميّ، الذي تنصَّل من الاعتدال والوسطيَّة، واتخذُوهما وراءَهم ظهريًّا.

فنجمَ عن ذلك الإرهابُ المُسلَّحُ والإقصاء، والرَّزايا الشَّعواء، والتنطُّع في تلقِّي الحق الرَّحيب العديد، وحجرُه على فكرٍ وحيدٍ ليس عنه مَحيد.

وإن هي إلا أفكارٌ إرهابيَّةٌ دخيلة، تلقَّفَت كِنانتَها المسمومة نِبالُ التفريق وأسَلات التمزيق، وبدَّدَت وحدةَ الأمة بالسَّمهريَّات والعضاب، وفرَت أديمَها بألسِنة الإفساد والكيد الغِضاب، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ)[البقرة:11-12].

فماذا جنَينَا من حماقات ثُلَّةٍ

تزيَّت بزيّ الدين في الدين تنحَرُ

أفاعيلُ طيشٍ تحتَسِي الأرضُ سُمَّها

ودربُ الهُدى منها كئيبٌ مُعثَّرُ

أمة الإسلام: وإن الغُير من أهل الإيمان ليَعجَبون من هؤلاء وأشباههم من كل دعِيٍّ مُؤدلَج في غايهِب التأويل الباطل قد أدلَج؛ حيث يُحرِّفون كلامَ الله -عز وجل- وفقَ نعَراتٍ عصبيَّة، وأهواء حِزبيَّة، ومصالِح ذات أجندَةٍ وتبَعِيَّة، فيعمَدون إلى تخصيص عامِّه ومُجمَله، أو حملِه على غير محمَلِه.

وهذا التطفيفُ في نصوص الشَّرع الحنيف يتوشَّحُ في تأويلاته وتحرُّكاته بعباءَة الدين، في جُرأةٍ على تفسير النصوص وفقَ مُراد أصحاب الإرهاب الفِكريّ في إباحة سَفك الدماء، وقتل الأبرياء، وترويع الآمِنين، وهتْك الحُرُمات، وتدمير المُمتلكات، وتخريب المُكتسَبَات، وعدم المُبالاة بإزهاق الأنفُس المؤمنة والمعصُومة، (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء:93].

وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري -رحمه الله-: "من قتلَ مُعاهَدًا لم يرَحْ رائحةَ الجنة".

ولكنّ دينَ الله من ذلك براء؛ لأنه افتِئاتٌ عليه واجتِراء، وانتِحالٌ وافتِراء. أما تبطَّنَت تلك الدعاوَى الجوفاء الجعظريَّة والعُنفَ والإرهاب، والعُنجُهيَّة والظلمَ والإفساد، وسعَت بأغلَظ الأكباد بين البلاد والعباد، فأتَوا أمرًا كُبَّارًا، وشيئًا إدًّا، بعد أن أظهَروا بزعمِهم صفاءً ووُدًّا، غيرَ مُتَّقين الله في أقوالهم وشِعاراتهم، ولا تبِعات أفعالهم ومآلاتهم؛ فلا يكترِثون بالفِتن كثُرت أو قلَّت، ولا بالنوازِل حقُرَت أو جلَّت، ولا بالخُطوب توالَت أو تولَّت، ولا بالجُفون انهمَلَت بالدموع أو تخلَّت.

رأينا من الأحداث ما يبعثُ الأسَى

فمن هولِها أكبادُنا تتفطَّرُ

ضلالٌ وإرجافٌ وطيشٌ وفتنةٌ

وزيغٌ وفهمٌ كالِحُ الوجه أظهرُ

إخوة الإيمان: وهؤلاء الشَّراذِم الذين انتحَلوا الإصلاح فكذَبوا، واستخفُّوا عقولَ السُّذَّج فضلُّوا وأضلُّوا، ويدَّعون أنهم للدين الحَنيف يخضَعون ويفِدُّون، ولحقِّ أحكامِه يُؤدُّون، لا تزالُ أفعالهُم الباطلةُ الرديئة، وأقوالُهم المُنمَّقةُ الوبيئة تفضحُ مكنونَ ضمائِرهم، وتكشِف مضمون سرائِرهم؛ لأنهم اتخَذوا الدين لرَخيصِ مآربِهم مطيَّةً وذريعةً، ومسلَكًا لأهوائِهم الطامِعة الشَّنيعة، والتضليل والخَديعة، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)[الشعراء:227].

فماذا يكونُ العُذرُ يا من تفلَّتُوا

من المنهَج الأسمَى فتاهُوا وغرَّروا

وكانوا شقاءً للبرَايا ونقمةً

وفي لُجَج الإرهاب في الكون أبحَروا

معاشر أهل الإسلام، أتباع سيد الأنام، عباد الله في كل مكان: وإزاءَ الإرهاب الماكِر الذي اصطَلَى به عددٌ كبيرٌ من أصقاع المعمورة، وحِيالَ ما تُزكِيه قُوى الحقدِ والتطرُّف والإجرام أعداءُ الرَّحمة والإنسانية، والمبادئ السِّلمية الرضِيَّة، سواءٌ من الأفراد أم من المُجتمعات في عددٍ من الأوطان.

ومن أشنَعها وأقضِّها للمضاجِع بأخَرة: تلك المجزرَةُ البشَعة التي ارتكَبَها الطُّغاةُ الظلمَة في سوريا، ضدّ إخواننا في الغُوطة الشرقيَّة، من بلاد الشام العزيزة، والتي استُخدِمَت فيها الأسلحةُ الكيماويَّة، والغازات السامَّة المُحرَّمة شرعيًّا ودوليًّا، وما أتبعَ ذلك من قصفٍ بالصواريخ والطائرات؛ مما تسبَّب في حُصول كارثةٍ إنسانيَّةٍ خطيرة، وفاجِعة بشريَّة أليمة، راحَ ضحيَّتَها أكثرُ من ألفٍ وأربعمائة قتيلٍ، وأكثرُ من ستَّة آلاف مُصاب، مما لم يشهَد التاريخُ المُعاصِرُ له مثيلاً.

إنه الإرهابُ في أبشَع صُوره، وأنكَى أسالِيبه. فرُحماك ربَّنا رُحماك، رُحماك ربَّنا بإخواننا رُحماك، واللهم سلِّم سلِّم.

لم يرحَموا الشيوخَ الرُكّع، والأطفالَ الرُّضَّع، والنساءَ الثُّكالَى، والأيامَى واليتامَى، والأبرياء الحُزْن.

إننا لنُناشِدُ الضميرَ الإسلاميَّ والإنسانيَّ في التحرُّك الجادِّ السريع لرَدع هذا النظام الظالِم واتخاذ المواقف الحازِمة تِجاهَه، وكفّ بطشِه وإرهابِه ضدّ إخواننا الأبرياء هناك.

وقد بادَرَت المملكةُ العربيةُ السعوديةُ مشكورةً مأجورةً حكومةً وشعبًا في التنديد بهذه المجزَرة، انطلاقًا من عقيدتها الرَّاسِخة، وثوابِتها الأصيلة، ومواقِفِها التأريخية، ودعوة الهيئات والمُنظَّمات العالمية لتحمُّل مسؤولياتها في ذلك.

ومن هنا -عباد الله- وجبَ تضافُرُ الجهود، والوفاءُ بصادق المواثِيق والعُهود لاجتِثاث جحافِل القلاقِل والطُّغيان والزَّعازِع، وحسمُ أدواء رُعاة الظلم والإرهاب وعِلَلهم، وسدّ مواقِع خلَلهم، ودحر كل سوءٍ لاحِقٍ من قِبَلهم؛ ليستأنِفَ العالمُ الإسلاميُّ خصوصًا والإنسانيُّ عمومًا حياتَه رخيَّ البال، مُطمئنَّ الحال، في أمنٍ مبسوط، وحِمًى محوط، وتعايُشٍ بالوِئام والتراحُم منُوط، وتآلُفٍ في الحق والعدالة مبسُوط.

وأن يهُبَّ أهلُ الإسلام للذبِّ عن حِياض شِرعة الملِك العلاَّم، وحقيقة الاهتِداء والالتِزام، وذلك بمواضِي الحق ومُحكمَاته وقواطِعه، وجماليَّات الإسلام وروائِعه، انطلاقًا من إصلاح الذاتِ والأسرة، وتوارُدًا واتفاقًا على كلمةٍ سواء؛ كلمةٍ تُنالُ بها الأمجادُ والمعالي، وتُفرعُ لها الذُّرَى والأعالي.

مع الدعوة في ذات الأوان للمُجتمع الدولي إلى عدم التخاذُل في تبنِّي هذه القضية، وألا يُقدِّم حساباته السياسيَّة على مبادئِه الأخلاقيَّة والقِيَمية، وأهمية التعاوُن والتنسيق الإسلامي والإنساني لمُواجهة الفِتن التي ظهرَت في بعض البلاد والمُجتمعات.

أيها المؤمنون: وإن العالَم أجمع ليشكُرُ ويُبارِك جهودَ وُلاة أمرنا -حفظهم الله وأيَّدهم بنصره- سهرَهم ودأبَهم في القضاء على ظاهرة العُنف والإرهاب، ووأد الفِتن ودُعاتها، ومن ذلك: سعيُهم الجليل ودعمُهم السخِيّ الجزيل للمركز الدولي لمُكافحة الإرهاب، والذي يهدِفُ لاستِئصال شأفَة العُنف والظلم والطُّغيان، نُشدانًا لأمن العالم وسلامه، وتراحُمه والتِئامِه.

وما ذلك إلا انطلاقًا من المسؤولية الدينية الجَسيمة تلقاءَ قضايا أمتنا الإسلامية، والمُجتمعات الإنسانية، دون مَيزٍ بين لونٍ أو عِرقٍ، ومُواجهة التحديَات والفتن والمآسِي التي تُعانِي منها الأمة، ودفع الدَّخيل الفِكريّ عن الأمة، وعِلاج أسبابِه المُؤدِّية إلى تشويهِ قِيَم الإسلام ومبادئِه، وأصوله السامِية الدالَّة على التسامُح والتعايُش في ظلِّ الحق والعدل والسلام، مع التصدِّي بكل حزمٍ لدُعاة الفتنة والضلال والانحرافِ الفِكريِّ، الذين يسعَون إلى تشويه سُمعة الإسلام، والعمل على استِلهام حضارة الإسلام المُشرقة التي كانت أهمّ روافِد التحضُّر البشريّ، والإبداع الإنسانيّ.

والإهابة بقادة الأمة وعلمائِها ومُفكّريها، بالاتفاق على مبادِئ مُشتركة؛ لوضع خارِطة طريقٍ لإنقاذ الأمة من الفتن وعلاجِ مُشكلاتها، ووقفِ نَزيفِ دماء أبنائِها؛ باستِئصال أسباب الصِّراع في بعض أرجائِها؛ كالحِزبيَّة المقيتة، والطائفيَّة البَغيضة، وما خلَّفَت من فتنٍ واضطِراب، ونزاعٍ واحتراب.

(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام: 153].

حفِظ الله أمَّتنا الإسلامية في كل مكان من كيد الأعداء المُتربِّصين عزيزةً صامِدة، مجيدةً رائِدة، في الحق قائِدةً سائِدة، إن ربي سميعٌ مُجيب.

هذا الرجاءُ وذاك الأمل، ومن المولَى نستلهِمُ صادقَ القول وخالِصَ العمل.

أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ؛ فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاةُ والسلام على من لا نبيّ بعده، وعلى آله وصحبِه.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واجتنِبوا مُنكرَ القول ومُضلاَّت الفتن، واستنصِروا اللهَ بفِعالِكم وأقوالِكم ساعةَ المِحَن، تبلغُوا من العزِّ غايةَ المِكَن.

أمة الإسلام: ومن الفتن السَّحماء التي أرخَت سُدولَها على قُطرٍ عزيزٍ علينا، فأرَّقَت بالأسى الفُؤاد، وبعثَت على اللَّوعة والسُّهاد: ما شهِدَته وتشهَدُه مصرُ الكِنانة، مصرُ الأزهر والمكانة، من فتنٍ عاصِفةٍ حامِية، وأحداثٍ مُتلاحِقةٍ دامِية، هزَّت رواسِخَ الطُّمأنينة والثبات، وأفضَت بالشعب الواحِد إلى التنازُع والشَّتات، وبعثَت على احتِيال الكائِدين والمُزايِدين، وولَغ الحاسِدين والمُتربِّصين؛ لتفريق الصفّ الجميع، والتآلُف المَنيع.

وفي هذه الآونة وهذا المُنعطَف الخطير وجبَ توارُد أبناء الوطن الواحد، والأمل المُشرِق الواعِد حول الكِيان الواِحد، بنيَّاتٍ مُخلِصةٍ واثِقة، وجهودٍ دؤوبةٍ مُبارَكة ذات بصيرةٍ وحِنكة، وحصافَةٍ وحِكمة؛ لإخماد شرارَة الفوضَى والفتنة، وأن يُوقَف فورًا نزيفُ القتل والدماء، وأن تُراعَى حُرُمات المساجِد وأماكن العبادة والأبرياء، وتُصانَ المُمتلكات والمُنشآت.

فيا شُرفاء مصر لا سِواهم، ويا حُكماء مصر لا غيرهم: هلُمُّوا خِفافًا وثِقالا؛ً لاحتواء هذه الفتنة العَمياء، والمِحنة الصمَّاء.

تفكَّروا في قِسطاس الأمن ونِصابِه، وأعِيدوا سيفَ القلاقِل إلى قِرابِه، مُراعِين المصالِحَ العُليا وحقنَ الدماء، مُغلِّبين ضبطَ النفس وصوتَ العقل والحكمة، مُحاذِرين كيد الغرباء الخارجين، المُتربِّصين بنسف وحدَتكم واستِقراركم.

ومصرُ الإسلام والتأريخ المجيد قادرةٌ - بإذن الله - على الوصول إلى برِّ الأمان والسلام، وشاطِئ الوِفاق والوِئام. عصِيَّةٌ أبيَّة على التنازُع والشِّقاق والفوضَى والاختلاف.

فاستمسِكوا بخَلاقِكم واستحفِظوا

أجيالَكم وتذكَّروا وتبصَّروا

وادعُوا إلى الحقِّ المُبين بحكمةٍ

منها البصائرُ تنجَلي وتَنَوَّرُ

إخوة الإيمان: وها هي دُرَّةُ الأوطان وقِبلةُ المسلمين، ومأرِزُ قضاياهم أجمعين، بلادُ الحرمين الشريفين -حرسَها الله-، تنبَري على دأبها وهِجِّيراها في نُصرة قضايا المُسلمين؛ لنُصرة مصر الحبيبة في أزمتها العَصيبة؛ لتُعيدَ لها جداوِل تراحُمها وأنهارها، وهيبتها واستِقرارها، في هيبةٍ وحكمةٍ وإباء، وحدبٍ رفيقٍ كحُنُوّ الآباء، شعارُها: أمنُ مصر، ورِفعةُ مصر، وأمنُها واستِقرارُها، وعِزَّتُها واجتماعُ أبنائِها وكلمتها.

ولقد تأكَّد ذلك بجلاءٍ في ثنايا الكلمات الحانِية ذات المقاصِد والمعانِي السامِية التي أطلقَها خادمُ الحرمين الشريفين -أيّده الله بتوفيقِه-؛ فلقد جاءَت نِبراسًا يرسُم الطريقَ لسالِكيه، وموقفًا تأريخيًّا يُبيِّن الحقَّ لطالِبِيه، وبلسمًا ناجِعًا يُضمِّدُ الجِراح، ويُواسِي أهلَ الكَلْم والأتْراح، ويُجدِّد الآمال والتفاؤُل والأفراح.

فجزاه الله خيرَ ما جزى عبادَه الصالحين، وُولاة الأمر الصادقين الناصِحين.

هنا دعوةُ الإحسان في ثوبِ حكمةٍ

هنا الرِّفقُ والنهجُ الزكيُّ الأطهرُ

هذا حصادُ المنهج الحقِّ يانِعًا

وإن طريقَ الحلمِ والعلمِ نيِّرُ

ألا وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على النبي المُصطفى، والرسول المُجتبَى، كما أمرَكم بذلك ربُّكم - جل وعلا -، فقال تعالى قولاً حكيمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا".

صلَّى عليك اللهُ ما صحبُ الدُّجَى

حادٍ وحنَّت بالفَلا وجناءُ

واستقبلَ الرّضوانُ في غُرفاتهم

بجِنان عدنٍ آلَكَ السُّمَحاءُ

اللهم صلِّ وسلِّم على سيد الأولين والآخرين، ورحمة الله للعالمين، وارضَ اللهم عن الخُلفاء الراشدين، والأئمة المهديين: أبي بكر، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذُل الطُّغاة والمُلحِدين وسائرَ أعداء الدين يا رب العالمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأدِم الأمنَ والاستقرارَ في ديارِنا، ووفِّق أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورنا، اللهم أيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصِيتِه للبرِّ والتقوى، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ التي تدُلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ونائِبَيْه وإخوانَه وأعوانَه إلى ما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين، واجزِهم خيرَ الجزاء جزاءَ ما قدَّموا في نُصرة قضايا المُسلمين يا رب العالمين.

اللهم وفِّق جميعَ وُلاة المُسلمين لتحكيم شرعِك، واتباع سُنَّة نبيِّك -صلى الله عليه وسلم-، اللهم اجعلهم رحمةً على عبادك المؤمنين.

إلهَنا وخالِقَنا ومولانا، عزَّ جارُك، وجلَّ ثناؤُك، وتقدَّسَت أسماؤُك، ولا إله غيرُك، يا مَن لا يُهزم جندُك، ولا يُخلَفُ وعدُك، نسألُك نصركَ المُؤزَّر لإخواننا المُسلمين في كل مكان.

اللهم عليك بأعدائِهم، اللهم عليك بطاغية الشام وأعوانه؛ فإنهم لا يُعجِزونك.

اللهم مُنزِل الكتاب، مُجرِي السحاب، هازِم الأحزاب، اهزِمهم وزلزِلهم يا رب العالمين.

اللهم كُن لإخواننا المُستضعفين في بلاد الشام، اللهم إنهم ضُعفاءُ فقوِّهم، اللهم إنهم ضُعفاءُ فقوِّهم، جِياعٌ فأطعِمهم، حُفاةٌ فاحمِلهم، مظلومون فانصُرهم، مظلومون فانصُرهم، يا ناصر المُستضعفين.

اللهم ارحم موتاهم، واشفِ مرضاهم، وعافِ جرحاهم يا رب العالمين، اللهم احقِن دماءَهم بكرمك وقوَّتك يا قوي يا عزيز.

اللهم احفظ مصر الإسلام والكِنانة، اللهم احفَظ أمنَها، واجمع كلمتها على الحق والهُدى يا رب العالمين، اللهم ابسُط أمنَها واستِقرارَها ورخاءَها يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطَّول والإنعام.

اللهم كُن لإخواننا في فلسطين، وفي أراكان، وفي العراق، وفي كل مكان يا رب العالمين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف: 23].

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90].

فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكُركم، واشكرُوه على نعَمه يزِدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].