الغفور
كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...
البحث
كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...
العربية
المؤلف | سليمان بن إبراهيم الحصين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام - |
يغفل كثير من الناس عن الصيام في شهر شعبان، وقد كان نبينا يحرص على الصيام فيه ويكثر منه، أخرج النسائي وغيره بسند حسن عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله: لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان! فقال: "ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".
أما بعد:
فإن الله -سبحانه وتعالى- تواب رحيم، غني كريم، شرع لعباده أنواعًا من العبادات تكفَّر بها ذنوبهم، وتمحَى بها خطاياهم؛ من الذكر والدعاء والصلاة والصدقة والحج والعمرة والبر والصلة، ومن تلك العبادات العظيمة الصيام؛ فإنه عمل عظيم يظهر فيه الإخلاص، اختص الله تعالى به، فأجر الصائم على الله -عز وجل-: "الصيام لي وأنا أجزي به"؛ ولذا رغب النبي في الصيام وحث عليه وداوم عليه: "فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفّرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". رواه الترمذي.
في الجنة باب يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد"، فهنيئًا لمن حرص على الصيام واشتغل به وأكثر منه.
أيها الإخوة: يغفل كثير من الناس عن الصيام في شهر شعبان، وقد كان نبينا يحرص على الصيام فيه ويكثر منه، أخرج النسائي وغيره بسند حسن عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله: لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان! فقال: "ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم". وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان. وتقول أم سلمة -رضي الله عنها-: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان. ومرادها: أكثر الشهر.
قال ابن المبارك: هو جائز في كلام العرب، إذا صام أكثر الشهر أن يقال: صام الشهر كله.
أيها الإخوة: من أحكام الصيام في شهر شعبان النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إذا قصد من ذلك استقبال شهر رمضان بالصيام، أما إذا كان معتادًا لصيام آخر الشهر أو الاثنين والخميس ووافق ذلك دخول رمضان فلا يضر، بل الأفضل له أن يصوم لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه". متفق عليه.
فاجتهدوا -رحمكم الله- في الصيام من شهر شعبان، خاصة وأنه يمرّ في هذه السنوات في وقت قِصَر النهار وبرودته، وقد قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة". أخرجه أحمد وغيره بسند حسن. وذلك لأنه لا يلحق الصائم في أيام الشتاء عطش ولا مشقة كما يكون في غيره، قال الله -عز وجل-: (وَمَا تُقَدّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) [المزمل:20].
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا به النعمة، ورضي لنا الإسلام دينًا، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا -رحمكم الله- أن العبادة المقبولة التي يثاب صاحبها عليها هي ما اشتملت على شرطين عظيمين: الأول: الإخلاص لله تعالى، والثاني: المتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران:31].
فلا يكفي الإخلاص دون المتابعة، فمن كان مخلصًا ولم يكن متَّبعًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- في هديه وعبادته فإن عمله مردود عليه: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". أخرجه مسلم. أي: مردود على صاحبه.
أيها الإخوة: مما أحدث في شهر شعبان تخصيص ليلة النصف منه بصلاة وقيام ليل، وتخصيص اليوم الخامس عشر منه بالصيام، وهذا التخصيص لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يأمر به، ولم يفعله، وإنما أحدثه الناس بعد ذلك، ونظرًا لكثرة ما يقال عن هذه الليلة في بعض الإذاعات ووسائل الإعلام وما يُتحدث به في المجالس فلا بد من أن نكون على علم بهذه المسألة لمعرفة الحق فيها، ولبيان ذلك يقال:
1- عن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يطّلع الله -تبارك وتعالى- إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مُشاحن"، وقد صحح هذا الحديث بعض أهل العلم، وغاية ما يدل عليه هذا الحديث الإخبار عن إطلاع الله تعالى ومغفرته لذنوب عباده إلا من كان من أهل الشحناء أو من أهل الشرك، وفي هذا تعظيم للشرك، وتعظيم للعداوة والشحناء بين المؤمنين، وليس في هذا الحديث أمر أو ندب لقيام هذه الليلة أو صيام نهارها، وأما الأحاديث الواردة في الحثّ على قيام تلك الليلة وصيام نهارها فهي أحاديث لا تصح.
2- ما يفعله بعض الناس من الاجتماع في ليلة النصف من شعبان في المساجد وإحياء تلك الليلة فهذه بدعة منكرة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لم يفعلوها ولم يأمروا بها، وهم أحرص منا على الخير، روى ابن وضاح عن زيد بن أَسْلَم قال: ما أدركنا أحدًا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان. وقيل لابن مُلَيكَة: إن زيادًا النّمَيري يقول: إن ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر! فقال: لو سمعته وبيدي عصا لضربته.
فهذا هو الحق والصواب في هذه الليلة، أنه لا يجوز الاجتماع في المساجد لإحيائها، ولا يجوز تخصيصها بصلاة، ولا تخصيص يومها بصيام، وفي الثابت من الأحاديث في غير هذه الليلة غنية وكفاية لمن أراد الخير وسعى لتحصيله بصدق وإخلاص.