البحث

عبارات مقترحة:

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

شذرات من غربة رمضان

العربية

المؤلف عاصم محمد الخضيري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الصيام
عناصر الخطبة
  1. من صور الغربة الأولى .
  2. زوال الغربة الأولى على يد سيد الغرباء .
  3. حاضرنا وعودة الغربة .
  4. شذراتٌ من مدارس السلف الصالح الرمضانية .
  5. رسائل وتأملات.. في (أياماً معدودات) .

اقتباس

ثم توالت القرون الذهبية لديار الإسلام، وأقيمت المدارس في شتى العبادات، فسوق الجهاد رائجة، ومدرسة العبادة من صلاة وصيام وزهد وورع واستقامة سامقة سموق الجبال الراسيات؛ كأنها سحب تجول على سماء الله. ثم عاد الإسلام غريبا كما بدأ، وَمَن قدّر له أن يقرأ ويسمع عن أخبارهم .. يعلم أنَّ هذا .

الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله ونشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا. 

ثم أما بعد: أورد صاحب "البداية والنهاية" بيتَ شعرٍ حين أرّخ بدء الخلق ثم أرخ علامات انتهائه:

معاشرَ الصائمينَ عن لَغْوٍ وعن رَفَثٍ *** وعَنْ فُسُوقٍ وَعَمَّا يُغْضِبُ اللهَ:

تمُرُّ بنا الأيام تتْرا وإنما نُساقُ إلى الآجالِ والعَيْنُ تَنْظُرُ

إذا أنت لم ترحل بزادٍ مِن التُّقَى

ولاقَيْتَ بعد الموت مَن قد تَزَوَّدَا
ندمتَ على ألا تكونَ كَمِثْلِهِ وأنك لم ترصد لما كان أرْصَدَا

قال رسول الهدى -عليه الصلاة والسلام-: "بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء!".

أما الغربة الأولى: فقد صعد جبل أبي قبيس ذات صباح هاتفا: "واصباحاه! واصباحاه!". فقالوا: مَن هذا؟ حتى اجتمعوا إليه؛ فجعل ينادي: "يابني فهر، يابني عدي"، لبطون قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا, فلما اجتمعوا قال: "أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل، أكُنْتُم مُصَدِّقِيَّ؟". قالوا: ماجربنا عليك كذبا. قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد".

ثم صالت الغربة وجالت حول جبل أبي قبيس، ثم تمثلت في أن يأتي قزم من أقزام دِيار ماحول الجبل آتاه الله حسَبا ولم يؤته من الدين نسبا ولا سببا؛ ليُتبتب على رسول الله تبتبةً ضرَبه الله بمعولها برأسه إلى يوم القيامة، ولتكون هذه التبتبة فيه وفي زوجه وفي نسله الذي انقطع بأمر الله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر:3]، وليردها الله عليه بقوله: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) [المسد:1]، وقد تبّ. هكذا قرأها الأعمش يومئذ!.

تلك صورة من صور الغربة الأولى, وإليك أخرى: حين وضع أحد أخدان الكفر و الصَّغار سلا الناقة على رأس الحبيب -عليه الصلاة والسلام-، كانت الغربة في أوجّ سموها؛ لتعلن أنما قد اختصها الله بأناس جعل الله على أيديهم زوالها وانتهائها. ياهناءة الغرباء الأولين! اختصهم الله ليكونوا الأعلَيْن.

أما سيد الغرباء؛ فمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم فقد وضع الله مهمة زوال الغربة الأولى على عاتقه الشريف فأزال كأداءها عن أمته, مضحيا بنفسه وروحه في سبيل النور الذي أنزله الله عليه, وأَكْرِم بِسَيِّدِ الغرباء!.

يا سيِّدَ الغُرَبَاءِ حُبُّكَ في دمي

نَهْرٌ على أرضِ الصبابةِ جارِ
يا مَن تركْتَ لنا المحَجَّةَ نبْعُها نبْعُ اليقينِ وليلُها كنهارِ
لك يا نَبِيَّ اللهِ في أعماقِنا قِمَمٌ مِن الإجلالِ والإكبارِ

أزال الغربة، وأبان المحجة، وأجلى المنة, واوضح السنة؛ لما مهّد الطريق، وأخلاه من شوك الخرافة والبدعة، وبعث به نور العبادة مؤتلقا كأن عليه من شمس الضحى نورا، ومِن ألَق الصباح عمودا،
وأقام لله بالحجة، وبلغ الرسالة.

ثم توالت القرون الذهبية لديار الإسلام، وأقيمت المدارس في شتى العبادات، فسوق الجهاد رائجة، ومدرسة العبادة من صلاة وصيام وزهد وورع واستقامة سامقة سموق الجبال الراسيات؛ كأنها سحب تجول على سماء الله.

ثم عاد الإسلام غريبا كما بدأ، وَمَن قدّر له أن يقرأ ويسمع عن أخبارهم... يعلم أنَّ هذا الدين يعيش الغربة الأخيرة! مَن قدّر له أن يسمع عن صيامهم، وقيامهم، وتقواهم؛ علم أن زمانه هذا غريب، وأن ثمالة الكأس مِن وِرْد أولئك الأقوام هي الأخرى غريبة.

ولْنُرَدِّدْ كلما مرت الذكرى على أطلالهم: رحمة الله وبركاته عليكم أهلنا الأولين إنه حميد مجيد. ولْنهتفْ معها: عذرا رمضان! عذرا! فما قدرناك حق قدرك، ولا أوفينا ليلة قدرك.

دونك أيها الأكرم شذراتٍ من فصول الأبواب التي كانوا يدرسونها حيَّة على أرضهم، وفي قلوبهم وضمائرهم، وفي كل ذرةِ شعرةٍ مِن خلاياهم.

أما شذرة التقوى فقد قال الحق -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183]، والتقوى والصيام هذا غاية الآخَر، وذاك وسيلته.

وتقواه -جلّ علاه- هي الغاية المنشودة، والدرة المفقودة، إذ يقول مقررا غايتها: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) [النساء:131]، وقال رسول الهدى: "اتَّقِ الله حيثما كنتَ".

والتقوى في أبسط معانيها: فعل المأمور وترك المحذور.

ألا إنَّ تقْوَى اللهِ خَيْرُ مَغَبَّةٍ وأفضلُ زادِ الظاعنِ المتحمِّلِ
ولا خَيْرَ في طُولِ الحياةِ وعَيْشِها إذا أنْتَ منها بالتُّقَى لم تُرحَّلِ

كتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل: أوصيك بتقوى الله، أوصيك بتقوى الله -عز وجل- التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلاَّ أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإنَّ الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل، جعلني الله وإياك من المتقين.

تقوى ماجاورَتْ قلبَ امرئٍ إلا وصل، تقوى الله: أكرمُ ما أسررتَ، وأزْيَنُ ما أظْهَرْتَ، وأفضل ما ادَّخَرْتَ، والآخرة عند ربك للمتقين.

هذا تعريفه للتقوى؛ فما هو تعريفنا لها؟.

وقد وصفتُ التُّقَى حتَّى كَأَنِّي ذو تُقَىً وريحُ الخطايا من ثناياي تَسْطَعُ

محمد بن واسع: لمَ لا تتكئ؟! قال: "إنما يتكئ الآمِن، ولمـــَّا أزل خائفاً!". إنما يتكئ الآمِن، ولما أزل خائفاً!.

يا أبا سليمان الدارني، بم ولم تنظر كل يوم في المرآة: قال: "أنظرها وأنظر: هل اسودَّ وجهي من الذنوب، وعُرِّي عن التقوى؟". ألا ليته سكت!.

نحنُ الذين اسْوَدَّ نورُ جَبِينِهِمْ

عَنْ مثلِ أجنحةِ الغرابِ سَوَادَا
لم ننظرِ المرآةَ يوماً إنَّما كنا بمعركة الرقودِ رُقَادا
نامت على مثلِ الأرائكِ أعيُنٌ لبسَتْ قميصَ سوادِهِنَّ حِدادا
لم نعتَبِقْ طيفَ الجباه الساجد اتِ الراكعاتِ الملهماتِ سدادا
لم نعتبق طيف الرجال الشُّمِّ تر كُضُ حولهنَّ الصافناتُ جيادا
لم نعتبِقْ يا عابدَ الحَرَمَيْنِ لو أبْصَرْتَنَا وخُيُولُنا تتهادَى
لكأنَّنا خَلْفَ الهوى في ملعبِ الــ أَهْوَاءِ سارتْ خيلُهُنَّ طِرَادا

لكننا خلْفَ الهوى في ملعبٍ

حُمُرٌ وقد فرَّتْ من الآجامِ!

 

عن أي شذرة أحدث؟! أم عن أي مدرسة أتحدث؟! أعن مدرسة القيام أحدثكم؟! أأحدثكم بما أورده السائبُ بن يزيد؟ قال: "أمَر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أبيَّ بن كعب وتميما الداريَّ أن يقوما بالناس في رمضان... فكان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وماكنا ننصرف إلا في فروع الفجر".

إن اللطيف في هذا الحديث أن يُستدل به على سُنِّيَّة التراويح والقيام، لكنه من غير اللطيف أن نرى من بني أيامنا من يحتج بنصفه ويترك نصفه الآخر، إنه من غير اللطيف أن نرى من بني أيامنا من يستكثر دقائق معدودة ينصب فيها أقدامه لله لا تجاوز عُشر معشار ماكانوا تتفطر له أعقابهم.

من غير اللطيف أن نرى من بني أيامنا قراء لا تُجاوز ركوعاتُهم بضعَ آيات، ثم يتبعُونها بركوع ونقر كنقر الديوك، وإذا قيل له في ذلك احتج: بـــ: وأين زماننا من زمانهم؟! ألا إنه أخذ شطر الحديث الأول، وما أخذ الذي لا يعجبه من الآخر!.

إنه لم يعلم أن أولئك الأقوام أسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخِر، إنه لم يعلم أن الدين مقوِّم وليس مقوَّماً، وأنه دلّال وليس بضاعة! وأنه قيمة وليس سلعة!.

ألا إن الدين مصلح لكل زمان، ومكان وليس مايطلبه الزمان والمكان! ولا يُشَك أن السنة ليست كالواجب، وأن السنة ماطلبه الشارع طلبا غير جازم، وأن لاحرج في التخفيف، إذ لم يُجعَل وما جُعِل علينا في الدين من حرج، ولكن؛ ما هذا بقَدرِ مَن ليلةُ قَدْرِهِ خيرٌ من ثلاثٍ وثمانين عاما... خلت الديار من رائحة السنة العُمَرية فما عاد من يحييها!.

عن مالك عن عبدالله بن أبي بكر قال: سمعت أبي أبا بكر يقول: "كنا ننصرف في رمضان من القيام، فيستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر" أخرجه البيهقي.

وروى عمران بن حُدير قال: "كان أبو مجلز يقوم بالحي في رمضان، يختم في كل سبع" أخرجه ابن أبي شيبة.

إنها الغربة الرمضانية! إذ: يارمضان،

أين الذين بنار حُبِّكَ أَرْسَلُوا الــ أنوارَ بين مَحَافِلِ العُشَّاقِ
بكَتِ الليالي في أنينِ دُمُوعِهِمْ وتوضَّأوا بمدامعِ الأشواق
والشمسُ كانَتْ من ضياءِ وُجُوهِهِمْ تُهدي الصباحَ طلائعَ الإشراق!

أعن مدرسة الجود أحدثكم؟ أأحدثكم أنه روى ابن عباس عن أبي الجود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أجود الناس بالخير، وكان أجود مايكون في رمضان.

قال المهلب في شرحه: "ألا ترى أن بركة الصيام، ولقاءَ جبريل، وعرضَه القرآنَ عليه، زاد من جود النبي -صلى الله عليه وسلم- وصدقتِه، حتى كان أجود من الريح المرسلة".

وإذا سخوْتَ بلغْتَ بالجودِ المـــَدَى وَفَعَلْتَ مَا لَا تفْعَلُ الأنْوَاءُ

أما عن من تبعوه بإحسان فقد حدّث يونسُ بن عبيدٍ "أن ابن شهاب كان إذا دخل رمضان فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام". وكان حماد بن أبي سليمان يفطّر في شهر رمضان خمسمائة إنسان.

أعن مدرسة حفظ اللسان أحدثكم؟! أأحدثكم أنه روى أبوهريرة -رضي الله عنه- أن خليله -عليه الصلاة والسلام- قال: "مَنْ لم يدَع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه".

وأنه قال: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يصخب، ولايجهل، فإن سابَّهُ أحدٌ أو شاتمه فليقل: إني صائم".

وأن أبا المتوكل حدّث عن شيخه أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد كيلا يغتابوا الناس. "والصائم في عبادة ما لم يغتب" كما قال أبو العالية،.

ألا في الله لافي الناس شالَتْ

بداودٍ وإخَوتِهِ الْجذوعُ
إذا ما الليل أظْلَمَ كابَدُوهُ فيسفر عنهمُ وهُمُ رُكُوع
يُعالونَ النحيبَ إليهِ شوقاً وإن خَفَضُوا فرَبُّهُمُ سميع
أطار الخوفُ نومَهمُ فقاموا وأهلُ الأمنِ في الدنيا هُجوع
لهم تحت الظلام وهمْ سُجُودٌ أنينٌ منه تنفرجُ الضُّلوع
وخُرْسٌ في النَّهارِ لِطُولِ صَمْتٍ عَلَيْهِمْ مِن سكينتِهِم خُشُوع

أولئك أشياخي فجئْنِي بِمِثْلِهِمْ

إذا جَمَعَتْنَا يا جريرُ الـمَجَامِعُ

اللهم ألْحِقْنَا بهم في الصالحين، واجمعنا وإياهم مع الذين أنعمْتَ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقا، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل خطيئة، فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وسار على خطاه، واقتفى سنته.

وبعد: فإن كان مما قيل وسمعنا شذراتٍ مما قيل عن أولاء الأقوام، فإن ما لم يُقل بحرٌ من أي النواحي أتيتَه فَلُجَّتُهُ المعروفُ والجود ساحله، بحرٌ الدرُّ في أحشائه كامن، فاسأل الغوَّاص يخبرْكَ عنه.

ألا إن رمضان يهتف:

مضَتْ بالخيرِ أيامي وأنتَ تُضيع أيامَكْ!
تصرّم رُبْعِيَ الأولْ فَدَعْ ياصاحِ أوهامك
تدارَكْنِي لعلَّ اللـــ ـــه يغـــــفرُ فيَّ آثامك

رُبْعُ الليالي قد مَضَتْ وَتَصَرَّمَتْ

ربَّاهُ قَوِّ عزائماً في الباقي
بادِرْ وحُثَّ السيرَ دونَكَ جَنَّةٌ عربونها الأعمالُ دونَ نِفَاق

إنما هي أيام معدودات، في قول الله (أَيَّامَاً مَعْدُودَاتٍ) [البقرة:184]، رسالةٌ لكل من استكثر أيام رمضان، فهانت عليه أيامه ولياليه، فلم يقضها بما أمر الله به أن توصل به من الخير، إنما هي أيام معدوات.

(أَيَّامَاً مَعْدُودَاتٍ): رسالة لكل من استكثره بفتوره، ونومه، وكسله.

(أَيَّامَاً مَعْدُودَاتٍ): رسالة لكل من نام عن الهاجرة والوسطى! ومن ينام عنهما فكأنما وُتر أهله وماله!.

(أَيَّامَاً مَعْدُودَاتٍ): رسالة لكل من استكثر بضع آيات يقرؤها الأمام في القيام! استكثرها ليطرق أبواب المخفِّضين! كيف لو حُدث عن السائب بن يزيد أنه حَدَّث عن أولي العزم من الناس أنهم كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام. ألا إنها أيامٌ معدوداتٌ!.

(أَيَّامَاً مَعْدُودَاتٍ): رسالة لكل لاغٍ في هذا الشهر ألّا يرفث، ولايفسق, ولايسخط، إنما هي أيام معدودات، "فإن سابّه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم".

(أَيَّامَاً مَعْدُودَاتٍ): رسالة لكل مَن صام في نهاره ثم أفطر في المساء على سَخَط من الله وخسران!.

(أَيَّامَاً مَعْدُودَاتٍ): رسالة لكل من كان حظه من صيامه الجوعَ والعطشَ!.

(أَيَّامَاً مَعْدُودَاتٍ): رسالة لكل مَن حظه من قيامه التعب والنصب!.

(أَيَّامَاً مَعْدُودَاتٍ): رسالة لكل نفس أرجأها الله وبلغها رمضان، فلم تتبلغ من الله الرضوان.

(أَيَّامَاً مَعْدُودَاتٍ): رسالة، تقول: ألا إنما هي أيام ويقال: ياهناءة الزارعين ما حصدوا! أو يقال: ياشقاوة النادمين الذين ندموا على التفريط في زمن البذر!.

(أَيَّامَاً مَعْدُودَاتٍ): ثم تكون يومُ الجوائز جوائزَ، أو تكون طوارق ندامة، وعيد غربان.

(أَيَّامَاً مَعْدُودَاتٍ): ويُقال: رمضانُ أدْبَرَ والقلوبُ سوافِكٌ ندَماً على ما كان منها في الزمان الأول!.
 

(أَيَّامَاً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، وليقمه، ولايمنن يستكثرْه! وليصبرْ، حتى إذا نقر في الناقور، كان ذلك يوما عنده يسيراً غيرَ عسير!.

اللهم يسِّرْ حسابنا، ويمِّنْ كتابنا، ولا تردنا خائبين، ولا عن بابك مطرودين يارب العالمين...