الرزاق
كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن داود الفايز |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
فلنحذر من أسباب الغل والحقد، ويسعى المسلم -يا عباد الله- إلى طهارة قلبه ونقاوته؛ لأنه محل نظر الرب، إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على طريقته ونهجه، وعنا معهم بمنك وعفوك وكرمك.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
واعلموا -يا رعاكم الله- أن القلوب تمرض، وأنواع الأمراض كثيرة، أوصلها بعض أهل العلم إلى أربعين مرضا، قد يصاب الإنسان بشيء منها وهو لا يشعر، قد يصاب بقسوة القلب ومرضه وهو لا يشعر، والله -جل وعلا- يقول: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88 - 89]، وجاء في سنن ابن ماجة بسند صحيح قالوا: "يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب، صدوق اللسان" قالوا: يا رسول الله صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: "هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد".
حديثنا اليوم -أيها المؤمنون- عن أمراض القلوب عن الحقد والغل الذي أصيب به بعض الناس، وأصبح يقع في محاذير كثيرة من هذه المحاذير: أنه يحرم نفسه مغفرة الذنوب.
كم من شخص -يا عباد الله- لم يرفع صيامه ولم يرفع قيامه، لم يرفع دعاءه، لم ترفع صدقاته بسبب القطيعة؟ كم نسمع هذا الحديث ولا نتأمل بمعناه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس"، وفي رواية أيضا عند مسلم: "تفتح الجنة في كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا إلا رجل بينه وبين أخيه شحناء، يقول: أنظر هذين حيث يصطلحا" فالغل والحقد يجعل الإنسان يهجر إخوانه المسلمين.
ومن آثاره السلبية أعني الحقد -يا عباد الله-: الغيبة، فالذي امتلأ قلبه غلا وحقدا على المسلمين نجد أنه يقع في أعراضهم، ويتحدث عمن حقد عليه في المجالس، وينال من عرضه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أردأ الربا أن يتطاول المسلم بعرض أخيه"، وقبل ذلك يقول ربنا -جل وعلا-: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات: 12]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إياكم والغبية" قالوا: يا رسول الله وما الغيبة؟ قال: "ذكرك أخاك بما يكره" فالذي امتلأ قلبه من الغل والحقد يقع في أعراض إخوانه المسلمين.
ومن آثار الغل -يا عباد الله-: الظلم، فالذي يحقد على أخيه المسلم نجد أنه لا يتورع أن يظلمه، يعتدي عليه في كل فرصة كلما سنحت له فرصة اعتدى على أخيه وظلمه، والله -جل وعلا- يقول في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" فالذي امتلأ قلبه من الغل والحقد يقع بهذا الأمر الخطير؛ فعلينا -يا عباد الله- أن ينظر كل واحد منا إلى قلبه، ويبحث عن هذا المرض ويتخلص منه، ويحذر كل الحذر من أسبابه.
وأسباب الوقوع في الغل والحقد -يا عباد الله- كثيرة: منها: النميمة؛ فبعض الناس -هداه الله ورده للصواب- ينقل الحديث بين الناس، إذا سمع عن شخص حديثا نقله إليه فامتلأ قلب ذلك الإنسان كرها وحقدا على أخيه الذي تحدث عنه ربما في ساعة غضب وندم على ذلك واستغفر من صنيعه، ودعا لأخيه بظهر الغيب، وهذا المسكين الذي فتن بينهما ووقع في كبيرة من كبائر الذنوب التي قال عنها الحبيب -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: "لا يدخل الجنة قتات" والقتات هو النمام، والله -جل وعلا- قال: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم: 10-11]؛ فلا يُسمع كلام هذا الإنسان الذي ينقل الحديث بين الناس.
ومن أسباب الغل والحقد -يا عباد الله-: الكبْر، فبعض الناس يتكبر على إخوانه، والذي يتكبر على الناس يكرهه الناس ويكره الناس، يستصغر الناس ويستصغره الناس.
ثم تقع العداوة والبغضاء والحقد في القلوب؛ فعلى الإنسان أن يتواضع لإخوانه المسلمين، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر؛ فعلى الإنسان أن يتقي الله، ويحذر من ذلك الأمر، أعني الكبر.
ومن أسباب الحقد -يا عباد الله-: كثرة المزاح، المزاح إذا كان بضوابط شرعية فلا حرج فيه، فقد مزح النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالوا له: يا رسول الله: إنك لتمازحنا؟ قال: "نعم ولا أقول إلا حقا" فبعض المزاح يجر إلى الخلافات والخصومات.
يريد ذلك المازح أن يضحك الناس في المجلس لكن يتألم الطرف الآخر من تلك الكلمة وتلك المزحة التي تجاوزت الحدود وضر بها أخيه، والله -جل وعلا- يقول: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58].
فالمزح -يا عباد الله- بضوابطه الشرعية؛ فكم فرق المزح بين صديقين يتفرقون؛ لأن ذلك المزح تجاوز الحدود واختلت به الضوابط الشرعية؟
ومن أسباب الغل -يا عباد الله-: إساءة الظنون بالمسلمين؛ فبعض الناس يفسر الأحداث والأقوال والمواقف بأسوأ تفسير، ويسئ الظن بإخوانه المسلمين، وربنا يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)[الحجرات:12].
نعم، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اجتنبوا الظن فإن الظن أكذب الحديث".
نعم، إياكم والظن -كما في الصحيحين- فإن الظن أكذب الحديث، وبعض الناس يفسر الأحداث ويسيء الظنون، بل ويبني على ذلك خصومات، ويبني على ذلك قطيعة وهجران لإخوانه المسلمين.
فلنحذر من أسباب الغل والحقد، ويسعى المسلم -يا عباد الله- إلى طهارة قلبه ونقاوته؛ لأنه محل نظر الرب، إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم.
فلنحذر -يا عباد الله-؛ لأن ذنوب القلوب لا يراها إلا الله، ولا يعلم عنها إلا الله، فنعنى بها أكثر من عنايتنا بمعاصي الجوارح.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات الذكر والحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله.
أما بعد:
فيا عباد الله: لقد امتدح الله -جل وعلا- أقواما يدعون الله بأن يطهر قلوبهم من الغل: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10]، ويقول سبحانه: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح:29].
نعم، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، هذه هي حال المؤمن، إنما المؤمنون إخوة، يبادر المسلم بطهارة قلبه تجاه إخوانه المسلمين، ولا يستسلم للشيطان: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) [الإسراء: 35].
فيختار المسلم أحسن الحديث، وإذا رأى من أخيه تقصيرا في حقه، أو تفريطا؛ فعليه إن كان يرى هذا خطأ مناقشته ومناصحته حتى تسعد القلوب، وتطيب النفوس في الدنيا والآخرة؛ لأن -يا عباد الله- من أسباب الشقاء والعناء: الحقد والغل، فلا يمكن أن تجد شخصا امتلأ قلبه بالأحقاد والضغائن ينام قرير العين، بل يفكر بالإساءة والانتقام من ذلك الشخص الذي حقد عليه، ويزيد الأمر مرارة وأسى إذا كان بين الأقارب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اللهم طهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد والكبر والعجب وسائر الأمراض، اللهم طهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد والكبر والعجب وسائر الأمراض يا رب العالمين.
اللهم طهرها من النفاق والرياء، اللهم املأ قلوبنا صدقا وإخلاصا وتوكلا ومحبة وإجلالا لك يا الله.
اللهم أصلح أحوال المسلمين يا رب العالمين، اللهم أصلح ذات بينهم واجمع كلمتهم على الكتاب والسنة يا رب العالمين، اللهم فرج هم المهمومين، اللهم فرج هم المهمومين.
نسألك في هذه الساعة، نسألك ونحن في بيت من بيوتك أن ترضى عنا وأن ترضينا يا رب العالمين، وأن تصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن تثبت قلوبنا وأن تجعلنا ممن يطول عمره ويحسن عمله وتحسن خاتمته يا رب العالمين.
اللهم اعصمنا يا رب من فتن الشبهات والشهوات، اللهم اعصمنا يا رب من فتن الشبهات والشهوات.
اللهم أصلح يا رب أحوال المسلمين في اليمن والعراق والشام وفي كل بلدان المسلمين يا رب العالمين.
اللهم احفظ علينا عقيدتنا وأمننا يا رب العالمين، اللهم احفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين يا حي يا قيوم، من أرادنا أو أحدا من المسلمين بسوء اللهم فاشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره يا قوي يا عزيز.
اللهم وفق ولاة أمرنا، وارزقهم الجلساء الصالحين، سدد أقوالهم وسدد أعمالهم، وبارك في جهودهم يا حي يا قيوم.
اللهم اشف كل مريض، اللهم اشف كل مريض يا حي يا قيوم.
اللهم اهد شباب المسلمين، اللهم نور بصائرهم، اللهم أرهم الحق حقا وارزقهم اتباعه، والباطل باطلا وارزقهم اجتنابه، يا حي يا قيوم.
اللهم أحسن لنا الختام، واجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة التوحيد.
اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.