المقيت
كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...
العربية
المؤلف | صالح العبداللطيف |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
ما أعظم الوفاء, حينما يتجلى في ولد يرافق والده ويسعى لرضاه, وابنةٍ تسهر بجوار أمها, وتذوب شفقة عليها!. ما أجمل الوفاء, في طالب يذكر فضل أستاذه ويخصه بدعائه, وفي أخ يثني على أخيه ويذكرُ محاسنه, وفي زوج يكرم زوجةً حفظته ورعت أولاده, وفي زوجة لم تنس بذلَ زوجها وشقاءَه!...
الخطبة الأولى:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[فاطر: 1], أحمده وأشكره وأستعينه وأستغفره, وأشهد ألا إله إلا هو, وأن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصبحه, وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119].
خلق من أخلاق الأنقياء الأصفياء, ومبدأ من مبادئ الشرفاء الكرماء, لا تستقيم حياتهم إلا به, ولا يتزحزحون عنه ما دامت أنفاسُهم تتردد في صدورهم.
صفة فاخر بها العرب, وعلت بها مكانتهم, وأصبحت معياراً حازماً يُميِّز بين كل شريف ووضيع, تجدها متجذرة في نفوس البررة النبلاء, وبعيدة عن نفوس الفجرة الوضعاء.
إنها ذلك النداء الصادق, الذي يلهب قلوبَ أصحابه, فلا ينسون لذي فضل فضلَه, ولا لذي مكانة مكانتَه, ولا لمحب حبَّه وأيامَه؛ الوفاء -معشر المؤمنين- به تتجلى النفوسُ الكبيرة, وإليه تعود الخصالُ النبيلة, ومنه تنبَع السماتُ الفريدة.
إن نظرت في سير الكرام رأيت الوفاءَ تنطق به فعالُهم, وتخفق له قلوبُهم, وتتزين به أيامهم؛ ولذا كان الوفاء حاضراً في قول وفعال سيد الكرام -عليه الصلاة والسلام-, فكان يذكر لكل ذي فضل فضله؛ فيثني على أبي بكر ويغضب لغضبه, ويذكر خديجةَ ووقفاتِها معه, ويكرم صويحباتها إكراماً لها -رضوان الله عليها-؛ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأَيْتُهَا!، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ!، فَيَقُولُ: "إِنَّهَا كَانَتْ، وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ"(رواه البخاري).
بل كان يذكرها عند كل موقف يذكِّره بها؛ ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاعَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَالَةَ"؛ فحين سمع صوتَ هالة, تذكر أختَها خديجة, فدخله السرور لذكراها!.
الوفاء خلق أهل الإسلام, نطقت به آياتُ القرآن, وتمثله اتباعُه خير امتثال, فسادوا الأممَ وفتحوا قلوب الناس قبل بلدانهم.
معشر المؤمنين: لا يسود الناسَ إلا كريم, ولا يخضعُ القلوب إلا وفيّ, فالوفاء ليس لباساً يُفاخر به, بل هو قرين المروءة والسؤدد.
إنَّ الوفاءَ على الكريمِ فريضةٌ | واللؤمُ مقرون بذي الإخلافِ |
وترى الكريم لمن يعاشرُ منصفًا | وترى اللئيمَ مجانبَ الإنصافِ |
اللهم اجعلنا من الموفين بعهدهم إذا عاهدوا, والصابرين في البأساء والضراء, أقول ما تسمعون وأستغفر الله من كل ذنب وخطيئة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد ألا إله إلا الله؛ تعظيماً لشأنه, وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
وبعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون- وجاهدوا أنفسكم؛ حتى توفوا ما عليكم من حقوق, فتوفون حق الله بعبادته والتقرب إليه, وتوفون حقوق الناس بأدائها.
ما أعظم الوفاء, حينما يتجلى في ولد يرافق والده ويسعى لرضاه, وابنةٍ تسهر بجوار أمها, وتذوب شفقة عليها!.
ما أجمل الوفاء, في طالب يذكر فضل أستاذه ويخصه بدعائه, وفي أخ يثني على أخيه ويذكرُ محاسنه, وفي زوج يكرم زوجةً حفظته ورعت أولاده, وفي زوجة لم تنس بذلَ زوجها وشقاءَه!.
معشر المسلمين: كلما كان المرء وفياً كان إلى الله أقرب, ولدينه أوعى, فأوفوا معشر الأوفياء, وأحفظوا لذوي الفضل فضلهم, تزكُ نفوسكم, وتتطهرْ قلوبكم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين, اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان, اللهم انصر جنودنا في اليمن, اللهم وحد صفوفهم, وسدد رميهم, وعجل لهم بالنصر.
اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين, اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك ياارحم الراحمين, اللهم آمنا في أوطاننا, وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
(إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56], اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.