المصور
كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...
العربية
المؤلف | عبدالله بن عمر السحيباني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
أعظم علامات التوفيق: أن يحبب الله للإنسان الإيمان والعمل الصالح، وأن يبغض إليه الكفر والفسوق والعصيان، وأن يكون هم الإنسان آخرته؛ يعمل لها، ويستعد للقاء ربه، ويجعل الجنة والنار حاضرتين في قلبه، يسلي نفسه بأشواق الجنة وأفراحها ونعيمها، ويتذكر جحيم النار وأهوالها، يتذكرها إذا...
الخطبة الأولى:
أيّها المسلمون: أسبَغ الله على عبادِه مِننًا جليلةً، ومن أعظمُ النِّعم وأعزُّها: نعمةُ الهداية التوفيق، التوفيق مِنحةٌ منَ الكريم لا تُسدَى لكلِّ أحَد، ولا يتحقّق بالآمالِ والأماني، وإنما تتحقق لمن قام بأسبابها؛ فالعبد لا يملكها, وإنما هي بِيَدِ اللهِ وحده: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: 88].
والمؤمن يعيش في هذه الدنيا وهو يخاف من فتنها ومن تقلّباتها، ويخشى على نفسه الفتنة والزيغ بعد الهدى، وخاصةً بعد أن فُتح على المسلمين من وسائل اللهو والعبث والاتصال ما فتح؛ وظن بعض المفتونين أن علامة التوفيق أن تفتح الدنيا على الإنسان فيعطى منها وإن لم يكن له في الآخرة من خلاق.
إنه لحري بالمسلم في خضمّ هذه الفتن والمشغلات أن يتلمّس مرضاة الله وتوفيقه، ويتعرّف علاماتِ توفيق الله لعبده، ليحرص أن يكون من أصحابها وليضرب في كل علامة بسهم، وليتشبه بأهلها "إن التشبه بالكرام فلاحُ".
أيها المسلمون: إن علامات التوفيق تكون في أشياء أهمها وأعظمها والأمر الجامع لها هو: التوفيق للعمل الصالح عمومًا على اختلاف أنواعه؛ فالطاعة والتوفيق لها هو الفوز العظيم اسمعوا قول المولى -سبحانه-: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:71]، وجاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله وعليه وسلم أنه قال: "إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله" قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله؟ قال: "يوفقه لعمل صالح قبل موته ثم يقبضه عليه"، وفي الحديث أن رجلا قال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: "من طال عمره وحسن عمله" قيل: فأي الناس شر؟ قال: "من طال عمره وساء عمله".
فأعظم علامات التوفيق: أن يحبب الله للإنسان الإيمان والعمل الصالح، وأن يبغض إليه الكفر والفسوق والعصيان، وأن يكون هم الإنسان آخرته يعمل لها ويستعد للقاء ربه، ويجعل الجنة والنار حاضرتين في قلبه، يسلي نفسه بأشواق الجنة وأفراحها ونعيمها، ويتذكر جحيم النار وأهوالها، يتذكرها إذا طغى وبغى وظلم واستكبر وآثر الحياة الدنيا، في صحيح مسلم: أن أعرابيا عرض لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في سفر، فأخذ بخطام ناقته، أو بزمامها ثم قال: يا رسول الله أو يا محمد أخبرني بما يقربني من الجنة، وما يباعدني من النار؟ قال: فكف النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم نظر في أصحابه، ثم قال: "لقد وفق، أو لقد هدي"، قال: كيف قلت؟ قال: فأعاد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم، دع الناقة".
أيها المسلمون: إن من أكبر علامات التوفيق وأسبابه المشاهدة: بر الوالدين والإحسان إليهما ورحمتهما؛ فقلما تجد إنساناً موفقاً صالحاً إلا وهو بار بوالديه محسناً إليهما.
وبر الوالدين من صلة الرحم، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه" (متفق عليه)؛ ففي الحديث البشارة لمن وصل رحمه بالتوفيق بالبركة في العمر والرزق.
ومن علامات التوفيق: أن يوفق العبد للتوبة من الوقوع في المعاصي حتى لو تكرّرت منه: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء: 27].
ومن علامات التوفيق: صلاح النية؛ فالموفق هو ذاك المخلص الذي يريد مرضات الله، لا يلتفت إلى المخلوقين ليُعرِّض بنفسه أو بكلامه أو لحظات طرفه أمامهم ليمدحوه أو ينال إعجابهم؛ فهو يحذر من الرياء والسمعة والعجب والإدلال بالعمل وغيرها من مفسدات الأعمال وموهنات القلوب.
الإخلاص وصلاح النية هو سر التوفيق وهو بوابة حيازة الخيرات والقربات وقبولها: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ) [الزمر: 11].
ومن علامات التوفيق: أن يوفق العبد لكريم الخصال، وحسن الأخلاق، ومحبة الخير للمؤمنين؛ جاء في الحديث: "إن من خياركم أحاسنكم أخلاقًا".
أيها المسلمون: ومن علامات التوفيق: سلامة القلب واللسان: فالموفق حقاً هو الذي نجاه ربه وسلمه من شر كبائر القلوب الخفية؛ كالغل والحسد، وسوء الظن بالآخرين، واتهام نياتهم، والوقوع في أعراضهم، والوشاية بهم، والسقوط في الغيبة والنميمة، والكذب المُبطّن؛ فما أسوأ حال من كانت هذه صنعته وما أبعده عن التوفيق؛ في الحديث: "شرار عباد الله المشّاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبُرآء العنت"؛ فما انشغل أحد بالناس وفي عيوبهم إلا خذل وحرم التوفيق.
ومن علامات التوفيق: عدم تدخل الإنسان فيما لا يعنيه كالاشتغال بتتبّع أخبار الناس وما فعلوا وما تركوا، والتدخّل في الأمور التي لا يحسنها؛ فقد قال النبي -صلى الله وعليه وسلم-: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".
ومن علامات التوفيق: أن يوفّق العبد للحرص على العلم والتفقه في دين الله، في الحديث الصحيح أنه صلى الله وعليه وسلم قال: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين".
ومن علامات التوفيق: أن يوفق العبد للعناية بكتاب الله تعلّما وتعليما: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
ومن علامات التوفيق: التوفيق لنشر الخير والدعوة إلى الله وإصلاح الناس؛ فإن هذه مهمة الأنبياء والرسل: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33].
ومن علامات التوفيق: أن يوفّق العبد لنفع الناس، وقضاء حوائجهم، وبذل المعروف إليهم، كما صحّ عنه صلى الله وعليه وسلم أنه قال: "أحب الناس إلى الله أنفعهم"؛ فالموفق هو ذلكم المحسن للآخرين العطوف عليهم تهمه شجون المصابين وأنات المساكين والمشردين والمحرومين.
ومن علامات التوفيق: الصحبة الصالحة؛ فالصاحب الصالح له أثر بالغ على صاحبه لذلك كان من علامات التوفيق أن يرزق العبد زوجة صالحة تعينه على أمور دينه ودنياه، يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا الزوجة الصالحة" (رواه مسلم).
ومن علامات توفيق الله للعبد: أن يلهم السداد والصواب في الأقوال والأعمال والمواقف، وهي الحكمة التي قال الله عنها سبحانه: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) [البقرة: 269].
الخطبة الثانية:
وأخيراً -أيها المسلمون-: فمن علامات التوفيق: حسن السريرة، وعدم التكبر على الله، والإعجاب بالنفس، وأن ينخلع الإنسان من حوله وقوته، ويتوكل على الله، ويعتمد عليه بإعلان الفقر له سبحانه، وعدم الاستغناء عنه في أي حال من الأحوال: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: 88].
وقد أجمع العارفون على أن التوفيق أن لا يكلك الله إلى نفسك، وأن الخذلان هو أن يخلي بينك وبين نفسك.
فإذا كان كل خير فأصله التوفيق، وهو بيد الله لا بيد العبد؛ فمفتاحه: الدعاء، والافتقار، وصدق اللجأ والرغبة فيما عند الله -سبحانه-؛ فمن كان معه هذا المفتاح فيوشك أن يفتح له، ومن أضاع المفتاح بقي باب الخير مرتجاً دونه؛ فالمعونة من الله تنزل على العبد على قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته فيما عند الله.
ولازم بابه قرعاً عساه | سيفـتح بابه لك إن قرعتا |
أسأل الله أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا من خيار خلقه، وأن يبارك لنا في الطيبات من رزقه، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يختم لنا جميعا بخاتمة السعادة.