البحث

عبارات مقترحة:

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

جريمة الزنا

العربية

المؤلف صالح بن عبد الله بن حميد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. الشرف قيمة الإنسان وميزانه .
  2. الاعتزاز بالشرف .
  3. قبح جريمة الزنا .
  4. موقف الأسلام من جريمة الزنا .
  5. تحذير السنة النبوية من الزنا .
  6. الزنا يجمع كل الشرور .
  7. آثار الزنا على الغرب .
  8. عقوبة الزنا .
  9. ثمرات العفة وحفظ الفروج .
  10. الحياة الأسرية في ظل الإسلام .
  11. كيف يكبح الإسلام الزنا ؟ . .
اهداف الخطبة
  1. بيان قبح جريمة الزنا
  2. بيان ثمرات العفة
  3. الإرشاد إلى الوسائل المانعة من الزنا.

اقتباس

الإسلام يقف من هذه الجريمة موقف حزم وحسمٍ، وصراحةٍ وصرامة؛ إنه يمتدح الشهمَ الكريمَ الذي يغارعلى نفسه ويغار على حرماته، ويندد بالديوث الذميم الذي يقر الخبث في أهله. لتبقى الأعراض مصونة، والشرف موفورًا عزيزًا.

 

 

 

 

أما بعد:

فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فاتقوه رحمكم الله تقوى من أناب إليه، واحذروه حذر من يؤمن بيوم العرض عليه، واعبدوه مخلصين له الدين، وراقبوه مراقبة أهل اليقين، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين.

أيها المسلمون، لا يتفاضل الناس في مراقي الشرف والمجد، ولا تنزل الهمم وتسقط التطلعات إلا بمقدار ما تتمتع به النفوس من ضبط السلوك وقوة الإرادات. فالرجل ذو العزيمة يتجلى فيه مظهر الكرامة الإنسانية مطبوعًا على أجمل صورة من الكمال والنبل، وبسبب ضعفها وهوانها ينزل المرء من سماء الإنسانية العالي ليكون أشبه بالحيوان ساقطًا مهملاً.

قيمة المرء إباؤه وعزيمته، وميزانه نزاهته وسمعته، وشرفه في طهارة عرضه وبياض صفحته ونقاء ذيله.
لقد كان الشرفاء الأحرار في كل الأمم حتى في عصور الجاهلية المظلمة يعتزون بشرف سمعتهم، وصيانة أعراضهم، ويقفون دونها أسُودًا كاسرة، ونمورًا مفترسة، يغسلون إهانة أعراضهم بأسنَّة رماحهم وحد سيوفهم، لا ينامون على إهانة، ولا يصبرون على عار، ولا يقبلون ذلة، ولقد قالت هند بنت عتبة وهي تبايع رسول الله صلى الله عليه و سلم: "أَوَتزني الحرة يا رسول الله؟!!".

أيها الإخوة، يُثار هذا الموضوع وتُقلَّب صفحاته وأهل هذا الزمان في كثير من الأقطار يعيشون في عصر يوشك أن تسود فيه الإباحية ليجعلوا ارتكاب الفواحش والموبقات حاجاتٍ بدنيةً لا يعاقب عليها القانون مادامت محفوفةً بالتراضي. ومما يكشف ذوبان الهمة وموت الإنسانية حين يشاهَد رجلٌ ينقاد للبهيمية فيأتي الفاحشة ويعانق الرذيلة، ويشتد الخزي ويعظم الشنار حين لا يكون مستورًا عن أعين المشاهدين والمشاهدات؛ إنها حضارة البهائم في تلك الديار بحدائقها ومتنزهاتها وشواطئها وأفلامها وقنواتها.

من أجل هذا أيها الإخوة، فهذا حديث عن جريمة من أبشع الجرائم، وفاحشةٍ من أكبر الفواحش، وموبقةٍ من أخطر الموبقات، تتجلى فيها هذه البهيمية المغرقة. جريمة تفقد فيها الشهامة، وتذهب بالمروءة، يحل مكان العفاف فيها الفجور، وتقوم فيها الخلاعة مقام الحشمة، وتطرد فيه الوقاحة جمال الحياء. إنها جريمة الزنا؛ كم جرَّعت من غصةٍ، وكم أزالت من نعمة، وكم جلبت من نقمة، وكم خبأت لأهلها من آلامٍ منتظرة، وغمومٍ متوقعة، وهمومٍ مستقبلة.
((العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما السماع، والفم يزني وزناه الكلام والقبَل، واليد تزني وزناها البطش، والرِّجل تزني وزناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يُصدِّق ذلك أو يكذبه)).

أيها الإخوة، الإسلام يقف من هذه الجريمة موقف حزم وحسمٍ، وصراحةٍ وصرامة؛ إنه يمتدح الشهمَ الكريمَ الذي يغارعلى نفسه ويغار على حرماته، ويندد بالديوث الذميم الذي يقر الخبث في أهله. لتبقى الأعراض مصونة، والشرف موفورًا عزيزًا.
لقد اقترن حال الزاني بحال المشرك في كتاب الله: (الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [النور:3].

الزنا محرم بقواطع الأدلة؛ في محكم القرآن وصحيح السنة وإجماع أهل الملة بل إجماع أهل الملل.
إنه قرينٌ لأعظم موبقتين الشرك بالله وقتل النفس: (وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَـاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيـامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـالِحاً) [الفرقان:68-70].

يقول الإمام أحمد: لا أعلم بعد القتل ذنبًا أعظم من الزنا.

والله سبحانه في محكم تنزيله نهى عن قربه والدنو منه مما يعني البعد عن بواعثه ومقدماته ودواعيه ومثيراته فقال سبحانه: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء:32]. قال أهل العلم: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَى) هذا قبح شرعيٌ؛ (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً) وهذا قبحٌ عقليٌ (وَسَاء سَبِيلاً) وهذا قبحٌ عادي. قالوا: وما جمع ذنبٌ هذه الوجوه من القبح إلا وقد بلغ الغاية فيها.

أيها الإخوة، ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)). بهذا صح الخبر عن نبيكم محمد. زاد النسائي في رواية: ((فإذا فعل ذلك خلع ربقة الإسلام من عنقه، فإن تاب تاب الله عليه)). وفي رواية للبزار: ((والإيمان أكرم على الله من ذلك)).
وفي خبر عند أبي داود والترمذي والبيهقي: ((إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان كالظلة على رأسه، ثم إذا أقلع رجع إليه الإيمان)).

وفي صحيح البخاري في حديث المنام الطويل وفيه أنه عليه الصلاة والسلام جاءه جبريل وميكائيل عليهما السلام قال: ((فانطلقنا فأتينا على مثل التنور؛ أعلاه ضيق وأسفله واسعٌ فيه لَغَطٌ وأصوات؛ قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ فإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك ضوضوا ـ أي صاحوا من شدة الحر ـ فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟! قال: هؤلاء الزناة والزواني)) فهذا عذابهم إلى يوم القيامة عياذًا بالله.
وأخرج الإمام أحمد في كتاب الزهد عن عيسى عليه السلام: لا يكون البطالون حكماء، ولا يلج الزناة ملكوت السماء. وفي جهنم نهر يقال له نهر الغوطة يجري من فروج المومسات يؤذي أهل النار ريح فروجهم. وأخرج الخرائطي وغيره مرفوعًا: ((المقيم على الزنا كعابد وثن)). قال أهل العلم: ويؤيده ما صحَّ من أن مدمن الخمر إذا مات لقي الله كعابد وثن. قالوا: ولا شك أن الزنا أشد وأعظم عند الله من شرب الخمر.
الزنا يجمع خلال الشر كلها؛ قلة الدين، وذهاب ورع، وفساد مروءة. الغدر والكذب شعاره، وقلة الحياء والخيانة دثاره، وعدم المراقبة مسلكه، وضعف الأنفة ديدنه، وذهاب الغيرة من القلب بليته.

ناهيك بغضب الرب وفساد الحرم والعيال، وفضائح زنا، وقبائح خنا، تذهب اللذات وتبقى الحسرات.
الزنا انتكاسة حيوانية، وارتكاسة بهيمية، تذهب بمعاني الأسرة ومشاعر الإنسانية الراقية، يُطيح بكل أهداف السمو الأسري، وعلاقات الرحم وأواصر القربي، ترد ابن آدم المكرم إلى مسخ حيواني سافل. مسخ كل همه إرواء جوعة اللحم والدم في لحظة عابرة وشهوة عارمة ونزوة حيوانية بحتة.

جريمة الزنا في المجتمعات الطاهرة تتعدى في سوئها وسوءتها إلى الأسرتين، وتجلب مآسي للفئتين.
الزنا نذير رعب وفزع في فشو الأمراض، ونزع البركات، ورد الدعاء. الزهري والسيلان من أمراضه، والهربس والإيدز من أوبئته في أمراض يرسلها الله لم تكن في الأسلاف، مما يعلمون ومما لا يعلمون.

نعم أيها الإخوة، انظروا في أحوال المأفونين من أهل هذه الحضارة والمغرورين بها، لقد أطلقوا لشهواتهم العنان، استباحوا كل ممنوع. ونبشوا كل مدفون، وكشفوا كل مستور. تنصلوا من مسؤوليات العائلة، وجروا خلف كل متهتكة وفاجرة هل أدى بهم ذلك إلى تهذيب الدوافع كما يقولون؟ وهل أنقذهم من الكبت كما يزعمون؟؟ لقد انتهى بهم إلى سعار مجنون لا يهدأ ولا يرتوي. لقد قلَّ نسلهم، وتوقف نموُّهم مما ينذر بفنائهم. لقد قل نسلهم لأنهم قضوا شهواتهم بغير الطريق المشروع، وتهربوا من المسؤولية، وتبرؤوا من سياج الأسرة. الحلال عندهم لا يفترق عن الحرام. لا يغارون على محارم، ولا يشمئزون من فواحش. العلاقات عندهم معزولة عن الخلق والروح والدين والعبادة. لقد كان حفيًا عند استقبال الآلاف المؤلفة من اللقطاء وأولاد التبني، لا يسألون من أين جاءوا، ولا يكترثون بالآثار الاجتماعية التي يُخلفها من لا آباء لهم ولا أمهات، وهم يزعمون أنهم أرباب العلوم والمعارف.

بلى، إنهم عبيدٌ لفنون الإثارات والتذوق التي يُروجها الإباحيون البهيميون، يدفعون إليها الذكور والإناث دفعًا خبيثـًا في اختلاط مهلكٍ، وإعلامٍ فاضحٍ في رواياته ومسلسلاته مما ينضح فحشًا وخلاعةً وتهتكًا، ليس وراءه إلا لقاء البهائم.

إن أهل الإسلام يرفضون بحسم وحزم كل هذه المظاهر والنتائج، فالزنا فاحشة موبقة، وكبيرة من كبائر الذنوب، توصد كل الأبواب المفضية إليها. ويعاقب على وقوعها بالجلد والتغريب للبكر، والقتل للثيب بالرجم. الأسرة وحدها هي الملتقى المشروع لأشراف الناس وكرام بني آدم.

المجتمع المسلم الطاهر يمقت الزنا، ويمقت مقدماته، وينكر بواعثه ودواعيه، ليس فيه إلا علاقاتٌ طاهرةٌ على أساس من أحكام الشرع والمشاعر الإنسانية الراقية؛ يلتقي عليها قلبان وروحان وإنسانان، وليس متعتين مجردتين، وجسدين متباعدين؛ (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـافِظُونَ إِلاَّ عَلَىا أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون:5، 6].

لقد قطعت شريعتنا دابر هذه الجريمة، ووضعت لها جزاءً حاسمًا في صرامة جادة، وحذرت من الرأفة بالفاعلين، وزجرت عن تعطيل الحد أو الترفق في إقامته؛ بل أمرت بإقامته في محضرٍ مشهود في طائفةٍ من المؤمنين: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مّنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور:2].

ولقد علم الله والمؤمنون أن الدماء لا تحفظ، والأموال لا تصان، والأعراض لا تحترم، والبلاد لا تصلح، والعباد لا تستقيم، والأمن لا يسود إلا بإقامة الحدود وقطع الأكف الآثمة وسد الأفواه الأفاكة. حدود الله شرعت لتحفظ النفوس من التعديات الآثمة والنزوات الطائشة.
الزاني المحصن إذا ثبت زناه استبيح دمه فكان قرينًا لتارك دينه وقاتل النفس: ((لا يحل دم امرئٍ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاثٍ؛ الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)). الله أكبر أيها المسلمون، وهل رأيتم أكبر من هذه الجرائم الثلاث؟!

أليس من السر الذي يلفت نظر العقلاء أن دين الإسلام ـ وهو دين الرحمة والرأفة حتى مع الحيوان ـ وقف هذا الموقف الشديد مع هؤلاء الزناة والزواني؟!
أليس هذا الدين الذي يحب الستر ويدعو إليه يقيم هذا الحد على مشهد من المؤمنين؟!

لماذا كل ذلك أيها الإخوة؟! إن الرأفة بالزناة ممن ثبت زناهم وتحققت جنايتهم إنما هي قسوة على المجتمع، وقسوة على الآداب الإنسانية، وقسوة على الضمير البشري، بل قسوة على حقوق الإنسان. إن القسوة في الحد أرأف ثم أرأف بالمجتمع مما ينتظره من شيوع الفواحش لتفسد الفطرة وترتكس في حمأة الرذيلة ويعيش في بيئة الأدواء والأمراض.
نعم إن الحدود جلدٌ وقتلٌ وقطعٌ، فلتشمئز نفوس الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ولتغظ صدور الذين لا يرضون بحكم الله.

تبًا لهم لقد قالوا: إن إقامة الحدود غلظة وقسوة ووحشية لا تليق بحضارة اليوم. ويحهم ماذا فعلوا بالأبرياء؟! وما هو مصير الضعفاء؟! ألم ينسفوا بمخترعاتهم الجهنمية مدنًا آمنة؟ ألم يدكوا عواصم عامرة تعج بالألوف والملايين لا ذنب لهم ولا خطيئة سوى الظلم والهمجية. فيالوحشية هذا المتحضر!! ويالخراب هذا المتنوِّر!! هل علومهم ومعارفهم أتت بكل هذه البلايا؟!
وبعد أيها الإخوة، فلو حُفظت شريعة الله في كل بلاد المسلمين، وأقيمت حدود الله، وحيل بين الذين يتعدونها لما رأيت في كثير من البلاد مظاهر السقوط في الحضيض، ولما تغير عليهم ما تغير: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىا يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد:11].

ألم يعلموا أن حفظ الفروج سبيلٌ للفَرَج في الدنيا والتوفيق في المسيرة؟! واذكروا إن شئتم قصة صاحب الغار حين فرج الله عليه بعفته عن الحرام. ألم يعلموا أن حفظ الشهوات سبيلٌ للاستظلال بظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله؟! واذكروا ذلك العفيف الذي دعته ذات الحسن والجمال فاعتصم بخوفه من الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الْخَبِيثَـاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَـاتِ وَالطَّيّبَـاتُ لِلطَّيّبِينَ وَالطَّيّبُونَ لِلْطَّيّبَـاتِ أُوْلَـئِكَ مُبَرَّءونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [النور:26].

  

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أحمده سبحانه وأشكره وهو الحليم الشكور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الشافع المشفع يوم النشور، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الظلام والنور.

أما بعد: أيها المسلمون: الإسلام لا يحارب دوافع الفطرة، ولا يلغي الوظائف التي ركبها الله في الإنسان، ولا يكبت الغرائز ولا يستقذرها، ولكنه يهذبها وينظمها ويسيرها في مسالك الطهر، ويرفعها من مستوى الحيوانية المحضة لتصبح محورًا تدور عليه الآداب النفسية والإجتماعية. إنه يحارب الحياة البهيمية الساقطة التي لا تقيم بيتًا، ولا تبني أسرة، ولا تنشئ حياةً كريمةً ومجتمعًا طاهرًا.

إن الإسلام يقصد إلى حياة أسرية كريمة محترمة تشترك فيها الآمال والآلام، ويؤخذ بها حساب الحاضر والمستقبل. محضنٌ لذرية صالحةٍ ومنشأٌ لجيلٍ طاهرٍ، فيه الأبوان حارسان أمينان لا يفترقان.
هذا المجتمع الكريم النابت في تعاليم الإسلام يتميز بآدابه، ويلتزم بأحكامه، هذا المجتمع يجعل جريمة الزنا قصيةً في ركن لا يطالها إلا فئات شاذة لا يؤبه لها.

إن الذي يكبح هذه الجريمة، ويضيق دائرتها هو كل الإسلام بأحكامه وآدابه وعقائده بدءًا من الإيمان بالله وخشيته وتقواه وحسن مراقبته سبحانه، ثم تنقية المجتمع من بواعث الفتن، ومواطن الريب؛ التزامٌ للملابس السابغة المحتشمة التي تكرم ابن آدم وتحميه: (ياأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاِزْواجِكَ وَبَنَـاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـابِيبِهِنَّ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ) [الأحزاب:59 ] أدب غض البصر، وكف العيون الخائنة من البحث عن العورات (قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذالِكَ أَزْكَىا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لّلْمُؤْمِنَـاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىا جُيُوبِهِنَّ) [النور:30، 31].

تحريم الخلوة بين الرجل والمرأة غير ذات المحرم طهارة لقلوبهم وقلوبهن. (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَـاعاً فَاسْـئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب:53] ((ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما)، و((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم)).
المباعدة بين مجالس الرجال ومجالس النساء، حتى في المساجد ـ دور العبادة ـ فللرجال صفوفهم وللنساء صفوفهن.

منع الاختلاط المحرم في التعليم والعمل وكل مجال يقود إلى الفتنة، تيسير سبل الزواج: (وَأَنْكِحُواْ الايَـامَىا مِنْكُمْ وَالصَّـالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) [النور:32]. التزام الاستئذان والاستئناس حتى لا تقع على عورات أو تلتقي بمفاتن.

ومن أعظم الآداب في هذا الباب الكف عن إشاعة الفاحشة في المؤمنين ومحبة ذلك والرغبة فيه عياذًا بالله. إذا انتشر بين الأمة الحديث عن الفواحش ووقوعها فإن الخواطر تتذكرها ويخف على الأسماع وقعها، ومن ثم يدبُّ إلى النفوس التهاون بوقوعها ولا تلبث النفوس الضعيفة والخبيثة أن تُقدم على اقترافها ولا تزال تتكرر حتى تصير متداولة. وانظر إلى ما تفعله كثيرٌ من وسائل الإعلام في الناس والنفوس. (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَـاحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) [النور:19].

ألا فاتقوا الله رحمكم الله واستمسكوا بدينكم، والزموا آدابه وحدوده، عبوديةً خالصةً، وسلوكـًا لمسالك الطهر والعفة يصلح الفرد كما يصلح المجتمع، فتسعدوا في الدنيا، وتسلموا وتفوزوا في الآخرة وتفلحوا، ثم صلوا وسلموا على نبيكم نبي الرحمة والهدى فقد أمركم ربكم جل وعلا فقال عز قائلاً عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأزواجه وذريته.