البحث

عبارات مقترحة:

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

المصور

كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...

العلي

كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...

الدين النصيحة

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحديث الشريف وعلومه
عناصر الخطبة
  1. حديث النصيحة مع جوامع الكلم النبوي .
  2. أهمية النصيحة .
  3. شرح حديث النصيحة وبيان أقسام المنصوحين .
  4. وجوب التناصح بين المسلمين. .

اقتباس

كرَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الكلمة: "الدين النصيحة" كررها للاهتمام بها، وليرشد العباد إلى أن الدين كله منحصر في النصيحة، وذلك أن الناصح يلحظ من ينصح له الصدق والإخلاص في نصحه، وأعظم ذلك وأكبره النصح لله -جل جلاله-.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله -تعالى- حق التقوى.

عباد الله: صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من طريق تميم الداري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول: "الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة" قالها ثلاثًا، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"(رواه مسلم).

أيها المسلمون: كرَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الكلمة: "الدين النصيحة" كررها للاهتمام بها، وليرشد العباد إلى أن الدين كله منحصر في النصيحة، وذلك أن الناصح يلحظ من ينصح له الصدق والإخلاص في نصحه، وأعظم ذلك وأكبره النصح لله -جل جلاله-.

فالنصيحة لله أعظمها أكبرها أن تؤمن به ربًّا، تؤمن بالله وأنه رب كل شيء ومليكه، وخالقه، وأنه مدبر الكون، والكون كله بيده، أمره نافذ في عباده، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)[يس:82]، أحاط بخلقه كلِّهم، فلا يخفى عليه شيء من أحوالهم، (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْءانٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)[يونس:61]، (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)[الأنعام:59]، فهو رب كل شيء وخالقه، بيده أرزاق العباد، وآجالهم، حياتهم وموتهم، (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السَّمَاء وَالأرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَىّ وَمَن يُدَبّرُ الأْمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ)[يونس:31].

يشاهد في نفسه وفي الكون كله ما يدل على أن الله رب كل شيء: (وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ)[الذاريات:21]، (أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْء أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ)[الطور:35-36]، الكون كله دالّ على ربوبية الله، ووحدانية الله، وكمال قدرة الله، وأن الخلق كلهم فقراء إليه، وهو الغني الحميد عنهم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ)[فاطر:15-17]، فيمتلئ قلبه إيمانًا بالله وبربوبيته وكمال علمه، وكمال إحاطته بخلقه، وكمال نفوذ أمره في ما شاء من عباده.

ومن النصيحة لله أن تؤمن بأسماء الله وصفاته، وتعتقد اعتقادًا جازمًا أن لله أسماء وصفات كما يليق بجلاله، لا يشابهه في حقيقتها أي مخلوق، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى:11]، تؤمن بأسماء الله، وتؤمن بصفات الله، إيمانًا جازمًا، معتقدًا حقيقتها على ما يليق بجلال الله وعظمته، لا تأوّلها، ولا تصرفها عن ظاهرها، ولا تجحد شيئًا منها، ولا تشك في شيء منها، بل تقول كما قال السلف: آمنا بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنا برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله، لأن الله أعلم بنفسه، ورسوله أعلم به من سائر خلقه، إذًا فأسماؤه وصفاته إنما تتلقى منه -جل وعلا- ومن رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلا تشك في شيء من ذلك، ولا تسلك مسلك من ضل عن سواء السبيل، ممن جحدوا وأنكروا أسماء الله وصفاته، وممن صرفوها عن حقيقتها، وممن لم يؤمنوا بحقيقتها، بل المؤمن يؤمن بحقيقتها، فلا تأويل ولا تحريف ولا إنكار ولا جحود، بل يؤمن بهذا إيمانًا كاملاً، وأن الله ليس كمثله شيء، وله الأسماء الحسنى والصفات العلا، على ما يليق بجلاله، لا يشابهه في حقيقتها، أي مخلوق.

ومن النصيحة لله أن تعبد الله -جل وعلا-، وأن تعلم أن العبادة بكل أنواعها حق له -جل وعلا-، فكما أنه ربّ كل شيء وخالقه، فهو المستحِق أن يُعْبَد دون سواه، هو المستحق أن تتألهه القلوب محبة وخوفًا ورجاء، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:21]، (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا)[النساء:36]، (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ)[الإسراء:23].

فالعبادة بكل أنواعها حق لربنا -جل وعلا-، فالناصح لله من يعتقد هذا اعتقادًا جازمًا، وأنه لا معبود بحق إلا الله، (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ)[لقمان:30]، فالذبح لله، والدعاء لله، والرغبة فيما عند الله، والرهبة من الله، والإنابة إليه، والاستعانة به، والاستعاذة به، واللجوء إليه، تتعلق به القلوب محبة وخوفًا ورجاء. تعلم أنه لا يستحقها غيره، فلا تدعو غيره، ولا تعلق الأمل بغيره، وإنما تعبده وحده، (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة:5]، فهو -تعالى- هو المعبود دون سواه، ولا يليق تعليق العبادة بغيره. فكيف تعبد من لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا؟! (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)[النحل:21]، فكل من عُبد دون الله قد عُبد بالباطل، فهو لا يسمع دعاء من دعاه، ولا يعلم حاله، (إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ)[فاطر:14]، نعم، لا يسمعون دعاء من دعاهم، ولو سمعوا لم يستطيعوا الإجابة، ولا يحققوا لعابديهم أي شيء، إنما العبادة يستحقها مالك الكون كله ربنا -تعالى- وتقدس عما يقوله الظالمون علوًّا كبيرًا.

فالناصح لله من قام بقلبه عبادة الله، فعبد الله وحده دون ما سواه، عبده على علم وبصيرة، وأخلص له الدعاء والعبادة، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبّ الْعَـالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ)[الأنعام:162-163]، (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)[الحج:73]، فالتوحيد الخالص حق لله، والشرك مناف لهذا كله، (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ)[المائدة:72]، (وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)[الزمر:62]؛ فالذين يدعون الموتى، ويستغيثون بهم، ويستجيرون بهم، وينزلون بهم حاجاتهم، ويطلبون منهم الغوث والمدد، أولئك على ضلال، من لقي الله منهم على هذه الحالة فإنه خالد مخلد في النار؛ لأنه أتى بأعظم الظلم وأعظم الكفر، إذ لا يستحق العبادة غير القادر، وهو ربنا -جل وعلا-.

وثانيًا: أن ينصح المسلم لكتاب الله، ينصح المسلم لكتاب الله، ونصحه لكتاب الله إيمانه بأن هذا القرآن هو كلام الله -جل وعلا-، تكلم الله به، وسمعه جبريل، وبلغه محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، وبلغه محمد أصحابه، وتلقاه المسلمون خلفًا عن سلف. هذا كتاب الله خاتم الكتب كلها، جمع الله فيه محاسن ما مضى من الكتب، (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَـابَ بِالْحَقّ مُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَـابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)[المائدة:48]، (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)[هود:1]، كتاب أنزله الله، لنعمل به، ونتدبره، ونتأدَّب بآدابه، ونتخلق بأخلاقه، فنقف عند أوامره بامتثالها، وعند نواهيه بتركها، ونحكمه ونتحاكم إليه، ونرضى به حكما، (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَـارَكٌ لّيَدَّبَّرُواْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الألْبَـابِ)[ص:29]، (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَـافِرُونَ)[المائدة:44]، (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّـالِمُونَ)[المائدة:45]، (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَـاسِقُونَ)[المائدة:47]، وقال: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَـابَ بِالْحَقّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ)[النساء:105]، هذا كتاب الله يؤمن به المؤمن، ويصدق به ويعظمه، ويعمل به، ويتلوه تلاوة المتدبر له، الموقن به، فإنه كتاب الله حجة الله على عباده، (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـذَا الْقُرْءانُ لأِنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ)[الأنعام:19]، تكفل الله بحفظه، فلن يستطيع أحد زيادة أو نقصانًا فيه، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر:9].

ويؤمن المسلم، وينصح المسلم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونصيحته لرسول الله إيمانه بهذا النبي الكريم، وأنه خاتم أنبياء الله ورسله، لا نبي بعده، ولا شريعة بعد شريعته، (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ وَلَـكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيّينَ)[الأحزاب:40]، يؤمن بأن هذا الرسول بعث ليقيم عليه حجة الله، فإن الله أقام به الحجة على العباد، وجعله رحمة للعالمين، (وَمَا أَرْسَلْنَـاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـالَمِينَ)[الأنبياء:107]، (يَـا أَهْلَ الْكِتَـابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَـابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ)[المائدة:15]، (يَـا أَهْلَ الْكِتَـابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مَّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرٌ)[المائدة:19].

فهو رسول الله لكل فرد منا منذ أن بعث إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين. ينصح لرسول الله، فيؤمن بشريعته، ويصدق بها، ويحكمها ويتحاكم إليها، ينصح لرسول الله فيعتقد وجوب طاعته في أصول الدين وفروعه، وأنه لا طريق يوصله إلى الله إلا من طريق محمد -صلى الله عليه وسلم-، فالله -جل وعلا-، سدّ كل الطرق الموصلة إليه، وإلى جنته، فلم يفتح لها بابًا إلا من طريق هذا النبي الكريم، فمن اتبعه وسار على نهجه نال السعادة في الدنيا والآخرة، ومن انحرف عن هديه ومنهجه ضل في الدنيا والآخرة.

نصيحته لرسول الله اقتداؤه به، واتباعه لسنته، وتخلقه بأخلاقه، وسيره على نهجه، والاهتداء بهديه، لاعتقاده أن أكمل الهدي هديه، وأكمل الأخلاق أخلاقه، (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ)[الأحزاب:21]، لا يقدّم قول أحد من الخلق على قوله -صلى الله عليه وسلم-، بل قوله الفصل، وكلامه الحق، والواجب أن نزن كل الأقوال على ميزان سنته، فما وافق سنته من قول أو عمل فهو المقبول، وما خالف سنته فهو المردود، صلوات الله وسلامه عليه. تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، ما من طريق يقربنا إلى الله إلا بينه لنا، وأمرنا بسلوكه، ولا طريق يبعدنا عن الله إلا بينه لنا، وحذرنا من ذلك. ومن النصح له أن نذب عن سنته، ونحميها من وضع الوضاعين وكذب الكاذبين، وندافع عنها، ونبغض من خالفها أو حاول العدول عنها.

وينصح المسلم أيضًا لأئمة المسلمين، ونصيحته لأئمة المسلمين عامةً كل على قدره، فينصح لأئمة المسلمين نصيحة المحبة والمودة، نصيحة تقتضي محبة ولاة أمر المسلمين، والدعاء لهم، وتبيين الحق لهم، وشد أزرهم، وطاعتهم في المعروف، والنصيحة لهم، ومحبة الخير لهم، وأن يكون ناصحًا لهم، يذكرهم إذا نسوا، ويعينهم إذا ذكروا، ينصح لكل من تولى أمرًا من أمور المسلمين، يسعى بالنصيحة له ودلالته على الخير، وحثه عليه، ونصحه بتحذيره من الشر وإبعاده عنه، فإن النصيحة لأئمة المسلمين مطلوبة؛ إذ بصلاح أئمة الأمة واستقامتهم صلاحُ الرعية واستقامتها، فلا بد من نصح لولاة أمر المسلمين، ومن أعظم النصح أن تدعو الله لهم بالتوفيق والسداد، وأن يوفقهم الله للخير ويعينهم عليه، ويشرح صدورهم لقبول الحق والطمأنينة إليه، فإن ولاة أمر الأمة فيهم الخير الكثير، بهم يدفع الله الظلم عن العباد، وينتصر للمظلوم لظالمه، ويقيم بهم العدل والحدود، ويحفظ بهم الله الأمن للأمة في دمائها وأموالها وأعراضها. وأن لا تسمع أي كلام من المرجفين والحاقدين ومن يريد الفرقة في الأمة من غير بصيرة ولا هدى، إنما المؤمن يحب الخير لولاة الأمر، ويسأل الله لهم الثبات والاستقامة.

والمسلم أيضًا ينصح لعامة الأمة، ينصح لعامة المسلمين، لأنه فرد منهم، يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، لأن نبيه يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه"(رواه البخاري)، والمؤمن ولي للمؤمنين، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ)[التوبة:71]، فالولاية تقتضي محبة المسلمين والنصيحة لهم، إن رأيت منهم مقصرًا في الواجب سارعت في حثه على القيام به، إن رأيته مرتكبًا لمخالفة سارعت في إبعاده عنها، إن رأيته غاشًا في معاملة بادرت فنصحته، إن رأيته مرتكبًا لأي مخالفة فأنت تسعى في إصلاحه قدر استطاعتك نصيحة المحب، لا شماتة، ولا فرحًا بالنقص، ولكن نصحٌ ومحبة للخير وسعي في ذلك. يسرك كل ما يسر أخاك، ويحزنك ما يحزنه، فلا تحب أن تراه على معصية، ولا أن تراه مخالفًا للشرع، وإنما تحب أن تراه مستقيمًا، وأن تراه على أحسن حال، تواسي المحتاج، وتعين الملهوف، وتيسّر على المعسر، وتفرج كرب المكروبين، وهمّ المهمومين على قدر استطاعتك، تلك النصيحة للأمة، أن تحيطهم بنصيحتك في كل أحوالهم، لأنك فرد منهم، يهمك ما يهمهم، يسرك ما يسرهم، ويحزنك ما يحزنهم.

هكذا أراد منا نبينا أن نتخلق بهذه النصيحة التي تشتمل على الخير كله.

وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضى، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله -تعالى- حق التقوى.

عباد الله: إن التناصح بين أفراد الأمة أمر مطلوب، فلو سلكنا هذا المسلك فيما بيننا، وأصلحنا أخطاءنا، وبصّرنا إخواننا، وتعاونا مع كل مخالف بالنصيحة التي تدل على محبةٍ ورفقٍ ورحمة بالمسلم، لحصل الخير الكثير، لكن من المصيبة أن يرى المسلم أخاه وهو في مخالفات شرعية، يرى تقصيرًا منه في حق الله، أو تقصيرًا في حق أهله، أو تقصيرًا في حق ولده، أو تقصيرًا في حق مجتمعه، ولا ينصحه ولا يسدي النصيحة، بعضهم ربما يحب النقص في إخوانه؛ فيفرح إذا رآهم في نقص وخلل، وبعضهم لا يبالي ويجامل في سبيل ذلك.

فيا أخي المسلم: إن نصيحتك لإخوانك أمر مطلوب شرعًا، نصيحة من قلب مملوءٍ بالرحمة والشفقة على المسلمين، يوجههم وينصحهم ويحثهم ويتعاون معهم على البر والتقوى، ولا يتعاون معهم على الإثم والعدوان.

هذا الواجب على المسلمين، أن يكونوا كذلك، أما أن نشمت بالمسلم، ونفرح بخطئه، وننشر زللـه ونرفع من ذلك، ونحاول أن نشيع فيه الفاحشة وأن ننتقصه، كل هذا مخالف للشرع، بل المسلم ينصح المسلم لله، وفي سبيل الله، نصيحةً من قلب محب شفيقٍ عليه، ويحب استقامته وسيره على المنهج القويم.

واعلموا -رحمكم الله- أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدًا ...