الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | محمد بن سليمان المهوس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه |
الثَّانِيَةُ: عَذَابُ الْقَبْرِ, فَإِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ, وَالإِيمَانَ بِهِ دَاخِلٌ فِي أُصُولِ الإِيمَانِ السِّتَّةِ, الَّتِي مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهَا فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ. وَالْقَبْرُ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ, وَهُوَ إِمَّا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ, وَإِمَّا حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ.
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: شُرُورٌ أَرْبَعٌ هِيَ مِنْ أَعْظَمِ شُرُورِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، لاَ فَلاَحَ وَلَا نَجَاحَ وَلاَ سَعَادَةَ لِلْعَبْدِ إِلاَّ بِبَذْلِ أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنْهَا، وَقَدْ بَيَّنَهَا لَنَا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَبَيَّنَ كَيْفِيَّةَ السَّلاَمَةِ مِنْ شَرِّهَا فَقَالَ: "إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
وَقَوْلُهُ: "إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ" أَيْ: قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ صَلاَتِهِ، سَوَاءً كَانَتْ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ هَذِهِ الشُّرورِ الَّتِي لاَ يَسْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ الْقَلِيلُ، فَيَلْجَأُ وَيَحْتَمِي وَيَلُوذُ وَيَعْتَصِمُ بِاللهِ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ الأَرْبَعَةِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ، وأَيُّ شَرٍّ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ الشُّرُورِ الأَرْبَعَةِ؟
أَوَّلُهَا: عَذَابُ جَهَنَّمَ, وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ حَرِّهَا وجُهُومَتِهَا وَظُلْمَتِهَا بِسَبَبِ سَعَتِهَا, وَبُعْدِ قَعْرِهَا, فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ, فَسَمِعَ وَجْبَةً -أَيْ: صَوْتًا– فَقَالَ: "تَدْرُونَ مَا هَذَا؟" قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, فَقَالَ: "هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ).
وَالاِسْتِعَاذَةُ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ تَشْمِلُ أَمْرَيْنِ: السَّلاَمَةَ مِنْ دُخُولِهَا, وَالسَّلاَمَةَ مِنْ الأَسْبَابِ الْمُؤَدِّيةِ لِدُخُولِ النَّارِ. فَكَأَنَّكَ بِهَذِهِ الاِسْتِعَاذَةِ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ, وَأَجِرْنِي مِنَ الأَعْمَالِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ أَصْحَابُهَا دُخُولَ النَّارِ.
الثَّانِيَةُ: عَذَابُ الْقَبْرِ, فَإِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ, وَالإِيمَانَ بِهِ دَاخِلٌ فِي أُصُولِ الإِيمَانِ السِّتَّةِ, الَّتِي مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهَا فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ. وَالْقَبْرُ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ, وَهُوَ إِمَّا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ, وَإِمَّا حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ.
وَالاِسْتِعَاذَةُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ تَشْمَلُ أَمْرَيْنِ: السَّلاَمَةَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ, وَالسَّلاَمَةَ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي يُعَذَّبُ الْمَقْبُورُ بِسَبَبِهَا.
الثَّالِثَةُ: فِتْنَةُ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَالْفِتْنَةُ هِيَ الاِخْتِبَارُ وَالاِمْتِحَانُ، وَقَدْ خَلَقَ اللهُ تَعَالَى الثَّقَلَيْنِ لِيَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً، وَفِتْنَةُ الْمَحْيَا هِيَ: مَا يَعْرِضُ لِلإِنْسَانِ مِنْ فِتْنَةِ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تُفْسِدُ عَقِيدَتَهُ وَتَصُدُّهُ عَنْ دِينِهِ، وَفِتْنَةِ الشَّهَوَاتِ الَّتِي تُفْسِدُ عَلَيْهِ سُلُوكَهُ، وَتَكُونُ سَبَبًا لِوُقُوعِهِ فِي الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِشِ.
وَأَمَّا فِتْنَةُ الْمَمَاتِ: فَهِيَ الْفِتْنَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ, وَمَا يَتَعَرَّضُ لَهُ الإِنْسَانُ قَبْلَ مُفارَقَةِ الدُّنْيَا, لأَنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَأْلُو جُهْدًا فِي إِضْلاَلِ الْعَبْدِ, وَلاَ يَفْتُرُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى آخِرَ لَحْظَةٍ، وَأَعْظَمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ هُوَ أَمْرُ الْخَاتِمَةِ, فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَقُضُّ مَضَاجِعَ الصَّالِحِينَ؛ لِأَنَّ الأَعْمَالَ بِالْخَوَاتِيمِ. وَيَدْخُلُ فِي فِتْنَةِ الْمَمَاتِ: فِتْنَةُ الْقَبْرِ وَسُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ فِي الْقَبْرِ.
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاسْتَعِيذُوا بِرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ ذِي شَرٍّ، فَهِيَ عِبَادَةٌ مِنْ أَجَلِّ الْعِبَادَاتِ، تَتَعَلَّقُ بِتَوْحِيدِ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، قَالَ تَعَالَى: (خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُون، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .. أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا الْفِتْنَةُ الرَّابِعَةُ فِي الْحَدِيثِ: فَهِيَ فِتْنَةُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ, أَعْظَمُ فِتْنَةٍ يُبْتَلَى بِهَا أَهْلُ الأَرْضِ, وَلِذَلِكَ مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ حَذَّرَ أُمَّتَهُ مِنْ فِتْنَتِهِ، فَهُوَ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَسُمِّيَ بِالْمَسِيحِ؛ لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى, وَسُمِّيَ بِالدَّجَّالِ؛ لِمَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الدَّجَلِ وَالْكَذِبِ الَّذِي يَفْتِنُ بِهِ النَّاسَ، وَيَتَّبِعُهُ بِسَبَبِه الْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ خُصُوصًا الْيَهُودَ وَالنِّسَاءَ، وَلاَ يَسْلَمُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ إِلاَّ مَنْ عَصَمَهُ اللهُ مِنْهُ, وَقَامَ بِأَسْبَابِ السَّلاَمَةِ مِنْ فِتْنَتِه, وَالَّتِي مِنْهَا: الإِيمَانُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ, وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ.
فَيَنْبَغِي لَكَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ- أَنْ تَعَضَّ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ بِالنَّوَاجِذِ, وَأَنْ تُدَاوِمَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ صَلَوَاتِكَ الْمَفْرُوضَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ. وَأَنْ تُعَلِّمَهُ أَهْلَ بَيْتِكَ وَأَوْلاَدِكَ, وَأَنْ تَحُثَّهُمْ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ! فَإِنَّ اللهَ الْكَرِيمَ الرَّؤُوفَ اللَّطِيفَ الرَّحِيمَ إِذَا عَلِمَ مِنْكَ الْحِرْصَ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمُدَاوَمَةَ وَالإِلْحَاحَ وَالتَّكْرَارَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ, لاَ بُدَّ وَأَنْ يَفْتَحَ لَكَ بَابَ رَحْمَتِهِ، وَأَنْ يُعِيذَكَ مِنْ هَذِهِ الشُّرُورِ الأَرْبَعِ؛ لأَنَّ السَّلاَمَةَ مِنْ هَذِهِ الشُّرورِ هِيَ عُنْوَانُ السَّعَادَةِ, وَهِيَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" رَوَاهُ مُسْلِم.