الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
ألا ما أحوجنا -عباد الله- إلى اجتماع القلوب في هذا العصر ووحدة الصفوف والرجوع في كل أمر من أمورنا إلى الكتاب والسُّنَّة، وإلى أهل العلم العاملين، ولنجعل من قاعدة رفع الملام عن الأئمة الأعلام نبراسًا يُحتذى، ومنهجا يُقتفى في التصدي لأسباب الخلاف والخصام، ودواعي الفُرْقَة والانقسام...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، نحمده -سبحانه- حمد الإخلاص على حسن الخلاص، ونشكره على الفضل والجود والإرهاص:
لو برينا الأشجار أقلامَ شُكْرٍ | بمدادٍ من دجلةٍ والفراتِ |
ما أتينا بذرَّة من جَلالٍ | أو شَكَرْنا آلاءَكَ الغامِرَاتِ |
أوَّلٌ آخِرٌ عَلِيٌّ غنيٌّ | كَيْفَ نُحصي نِعَمَكَ الوَافِراتِ |
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ألَّف بين قلوب المؤمنين تأليفًا، وقال في محكم التنزيل: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)[الْأَنْفَالِ: 63].
وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبد الله ورسوله، دعانا إلى الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة حنيفا، وحذَّرَنا من مخالفتهما خُرقةً أو تصنيفًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين حازوا بالاجتماع شرفا مُنيفا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم يحشر الخلائق لفيفا.
أما بعد: فيا عبادَ اللهِ: اتقوا اللهَ ربَّكم واشكروه على نعمه الوافرة، وآلائه المتكاثرة:
على أن الشكر ليس ببالغ | بعضَ ما أولى وأجزل من ندا |
وأنَّى يوازي الشكرَ إحسانُ منعمٍ | يَمُنُّ بلا مَنٍّ ويولي بلا أذى |
معاشرَ المسلمينَ: في عصر علت فيه فتن الماديات واستفحلت فيه علل الأفكار والشبهات، وأدلج فئام من الناس عقولَهم سوء الوثن، ومدُّوا في ميادين الغواية كلَّ رَسَن، وزُيِّن لهم سوءُ عملهم فرأوه كالحَسَن، وأهاجوا فتنا وخطوبا، ومعارك وحروبا، سالت فيها دماء، ومُزقت فيها أشلاء، وذهَب فيها أبرياء، من أجل رأي علمي أو اختلاف سائغ في اجتهاد فردي، وكل يدعي محضَ الصواب، ويزعم أنه المُحِقُّ بلا ارتياب، يوالي من أجل مشرب، ويعادي من أجل فكر أو مذهب، هنا تبرز إشراقات هذا الدين، وعظيم خصائصه التي أبهرت العالمينَ، حيث كلأتِ الشريعةُ بعين أحكامها، وضمَّخت برداع لطفها وحنانها أواصرَ الألفة والتلاحم، والأخوة والتراحم، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الْحُجُرَاتِ: 10]، تلكم الأواصر الدينية والاجتماعية السامية، والوشائج الروحية والخلقية النامية، التي حثَّت عليها تعاليمُه القاصدةُ، وأكدتها أحكامُه ومقاصِدُه، حتى في الاختلاف، وسد ذرائع الخلاف، ولزوم المحبة والائتلاف، يقول الله -سبحانه-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آلِ عِمْرَانَ: 103]، ويقول عليه الصلاة والسلام: "إنَّ اللهَ يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم" (خرَّجه مسلم في صحيحه).
معاشرَ المؤمنينَ: الاختلاف قد يكون محمودا؛ لأنه سُنَّة من سنن الله الكونية، يقول سبحانه: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)[هُودٍ: 118-119]، قال الحسن البصري -رحمه الله-: "ولذلك خلقهم؛ أي: خلقهم للاختلاف، ولكن الخلاف هو الشر الذي يؤدي إلى النزاعات والخصومات، والفساد والإفساد"، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "من الفساد ما يسبِّبه التفرقُ والاختلافُ، المخالِف للإجماع والائتلاف، حتى يصير بعضُهم يُبغض بعضًا ويعاديه، ويحب بعضًا ويواليه على غير ذات الله، وحتى يُفضي الأمرُ ببعضهم إلى الطعن واللعن والهمز والغمز واللمز، وببعضهم إلى الاقتتال بالأيدي والسلاح، وببعضهم إلى المجاهَدة والمقاطَعة، حتى لا يصلي بعضُهم خلفَ بعض، وهذا كله من أعظم الأمور التي حرمها الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-"، ويقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "ووقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروريّ لا بد منه؛ لتفاوُت إراداتهم وأفهامهم، وقُوى إدراكهم، ولكن المذموم بَغْيُ بعضِهم على بعض وعدوانه، وإلا فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدِّي إلى التبايُن والتحزب وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف".
إخوةَ الإسلامِ: المتأمل في تاريخ الأمة الإسلامية يلحَظُ أن الغالب اشتغالُها بالاختلاف فيما بينَ أفرادها في أزمنة الاسترخاء والترف الفكريّ، ويَضْمُر حين تُواجِه الأمةُ خطرًا مُحدِقًا، أو عدوًّا متربصًا فتعود إلى الاشتغال بالمهمات، والحرص على وحدة الصف الداخلي في مواجَهة عدو خارجي مخالِف في أصل الملة، وليس في مسألة أو مسائل أو اجتهادات.
ألَا فليكُنْ منكم بحسبان أنه لا ينبغي لمن وَلَجَ بنفسه فنظَر في اختلاف الأمة أن يغفُل أو يُهمل التفرقةَ بين من خالَف في مسألة أو مسائل باجتهاد يُعذَر به، ومَنْ خالَف في أصول لا يَسَعُ المسلمَ جهلُها أو مخالفتُها؛ فالأدلة الشرعية على أقسام أربعة: منها ما هو قطعيُّ الثبوتِ قطعيُّ الدلالةِ، وليس هذا محلًّا للاختلاف، وليس فيه اجتهاد ولا نظر، ومنها ما هو قطعيُّ الثبوتِ ظنيُّ الدلالةِ، وآخَرُ ظنيُّ الثبوتِ ظنيُّ الدلالةِ، وآخِرُها ظنيُّ الثبوتِ قطعيُّ الدلالةِ، وهذه الثلاثة الأخيرة هي محل الاجتهاد المعتَبَر، وميدان تسابُق العقول وتبارِي الأذهان والقرائح، ومَواطِن الاختلاف بالضوابط الشرعية، التي تَجْمَع ولا تُفَرِّق، وتَبْنِي ولا تهدم، وتقرِّب ولا تُباعِد، ويتسَنَّم ذروةَ هذه الضوابط تصحيحُ النيةِ وإخلاصُ المقصدِ، فعلى مَنْ ينظر في اختلاف الأمة أن يكون قصدُه الوصولَ إلى الحق، مع تصحيح الخطأ وبيان الصواب، لا التشهير بالمخالِف أو تنقُّصه أو الظهور والشهرة والرياء والسمعة.
والذي لا يستطيع ذلك فعليه التوقف؛ لِيَسْلَمَ وتَسْلَم الأُمَّةُ، جلبًا لمصلحةِ تضييقِ الاختلافِ، يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وبلادُ المشرقِ مِنْ سببِ تسليطِ اللهِ التَّتَرِ كثرةُ التفرقِ والفتنِ بينَهم في المذاهب وغيرها، وكل هؤلاء المتعصبين بالباطل المتبعينَ للظنِّ وما تهوى الأنفسُ والمتبعينَ لأهوائهم بغير هدًى من الله مستحقون للذَّمِّ والعقاب؛ فإن الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين".
أُمَّةَ الإسلامِ: ثاني هذه الضوابط -يا رعاكم الله- توطينُ النفس على الرجوع إلى الحق؛ فالرجوع إلى الحق خيرٌ من التمادي في الضلال، وقد قال رجل لابن مسعود -رضي الله عنه-: "أَوْصِني بكلماتٍ جوامعَ؛ فكان مما أوصاه به -رضي الله عنه-: مَنْ أتاكَ بحقٍّ فاقبله منه، وإن كان بعيدًا بغيضًا، وَمَنْ أتاكَ بالباطلِ فارْدُدْهُ وإن كان قريبًا حسيبًا".
ويقول ابن القيم -رحمه الله-: "فعلى المسلم أن يتَّبِع هديَ النبي -صلى الله عليه وسلم- في قَبولِ الحقِّ ممن جاء به مِنْ وَلِيٍّ أو عَدُوٍّ، وحبيبٍ وبغيضٍ، وبَرٍّ وفاجرٍ، ويرد الباطلَ على مَنْ قاله كائنًا مَنْ كان".
ثالثها: التعامل مع الاختلاف على أنه أمرٌ طَبَعِيٌّ، من جِبِلَّةِ البشرِ، يقول الإمام الشاطبي -رحمه الله-: "فإن الله -تعالى- حكَم بحكمته أن تكون فروعُ هذه الملة قابلةً للأنظار، ومجالًا للظنون، والخطأُ في الاجتهاد واردٌ، والأخذُ بالعذر معتَبَرٌ بشرطه عند أهل السُّنَّةِ والجماعةِ، وأهل الحِجَى تضطغن في الرأي عقولهم ولا تضطغن صدورهم"، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "كانوا يتناظرون في المسائل العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأُخُوَّة الدِّين، ولو كان كلما اختلف مسلمانِ في شيء تهاجَرَا لم يبقَ بين المسلمين عصمةٌ ولا أُخُوَّةٌ".
رابعها: مراعاة الأحوال والبيئات، حيث اتسعت رقعة العالم الإسلامي، وتعددت مجتمعاته وتنوَّعت، ونشأ بسبب ذلك اختلافٌ في مناهج الاجتهاد، وطُرُق الاستنباط والاستدلال؛ مما نتج عنه اختلاف في تفسير كثير من النصوص، واختلاف أحكام النوازل، يقول ابن القيم -رحمه الله-: "والفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف والبيئات والأحوال".
أُمَّةَ الاجتماعِ والائتلافِ: خامسُ هذه الضوابط والآداب الإنصاف مع المخالِف: يقول سبحانه: (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الْمَائِدَةِ: 8]:
ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة | بين الرجال ولو كانوا ذوي رحم |
وتَعَرَّ مِنْ ثوبين من يلبسهما | يلق الردى بمذمة وهوان |
ثوب من الجهل المركَّب | فوقه ثوب التعصب بئستِ الثوبانِ |
وتَحَلَّ بالإنصاف أفضل حُلَّةٍ | زينت بها الأعطاف والكتفان |
أورَد الإمامُ الذهبيُّ -رحمه الله- عن يونس الصدفي قال: "ما رأيتُ أحدًا أعقلَ من الشافعي؛ ناظرتُه يومًا في مسألة فاختلفنا، فلما افترقنا أخَذَ بيدي والتزمني، وقال: يا أبا حسين، ألَا يصلح أن نكون إخوةً وإن اختلفنا في مسألة؟!" الله أكبر، الله أكبر، إنه منهج الأسلاف في أدب الاختلاف وآثاره في المحبة والائتلاف والاعتصام لا الانقسام، والتوافق لا التفارق، والاجتماع لا النزاع.
سادسها: أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد إلا إذا خالَفَتْ نصًّا صحيحًا، يقول ابن تيمية -رحمه الله-: "مسائلُ الاجتهادِ مَنْ عَمِلَ فيها بقول بعض العلماء لم يُنكر عليه، ولم يُهجر، ومن عمل بأحد القولين لم يُنكر عليه، وإذا كان في المسألة قولان فإن كان الإنسان يَظهر له رُجحان أحد القولين عَمِلَ به، وإلا قلَّد بعضَ العلماء الذين يُعتمد عليهم في بيانِ أرجحِ القولينِ"، ويقول أيضا -رحمه الله-: "وأمَّا إذا لم يكن في المسألة سُنَّة ولا إجماع، وللاجتهاد فيها مساغ فلا يُنكر على مَنْ عَمِلَ بها مجتَهِدًا أو مُقَلِّدًا".
سابعا: التعامل مع الظاهر؛ لأن اقتحام النوايا والمقاصد وأعمال القلوب مما لا يجوز التعامل به؛ فإذا أظهر المخالِفُ قولًا مُوافِقًا قَبِلْناه ولو ظنَنَّا أنه لا يعتقده إلا إذا كان من معتقده جواز الكذب أو وجوبه فنقبل مع الحذر، فالإسلام إنما يعامِل الناسَ في الدنيا بحسب ظواهرهم، وأما السرائر فأمرها إلى الله.
ثامنها: الحذر من تزكية النفوس، فإذا وقع اختلاف في مسألة فلا يَعتقد أحدٌ أن الصواب حِكْرٌ عليه، وأنه مصيب فيها صوابًا لا يحتمل الخطأَ، وأن مخالِفَه مخطئٌ خطأً بَيِّنًا لا يحتمل الصوابَ، فمن الذي ما ساء قطُّ؟ ومن له الحسنى فقط (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)[النَّجْمِ: 32].
وبعد: فهل يعي المسلمون بعد أن سادت بينهم الفُرْقةُ والخلافاتُ، وعمتهم الشقاقاتُ والمنازعاتُ هذه الآدابَ التي جاءت بها شريعتُنا الإسلاميةُ الغراءُ؟ إن الخلاف في المسائل الفرعية لا يجب أن يكون مدعاةً للنزاعات والانقسامات والطعون والاتهامات في المقاصد والنيات، حسبنا أن تَسْلَمَ صُدُورُنا لبعضنا، حسبنا أن تسلم صُدُورُنا لبعضنا، (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10].
ألا ما أحوجنا -عباد الله- إلى اجتماع القلوب في هذا العصر ووحدة الصفوف والرجوع في كل أمر من أمورنا إلى الكتاب والسُّنَّة، وإلى أهل العلم العاملين، ولنجعل من قاعدة رفع الملام عن الأئمة الأعلام نبراسًا يُحتذى، ومنهجا يُقتفى في التصدي لأسباب الخلاف والخصام، ودواعي الفُرْقَة والانقسام، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)[النِّسَاءِ: 83].
بارك اللهُ لي ولكم في الوحيينِ، ونفعني وإياكم بهديِ سيدِ الثقلينِ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل الذنوب والخطيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ولي التوفيق والمِنَنِ، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، من اعتصم به وُقِيَ الغِيَرَ وأَمِنَ، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، خير من هَدَى إلى أزكى السَّنَنِ، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فاتقوا الله -عبادَ اللهِ- واشكروه فإنه مَنِ اتَّقى اللهَ وقاه، ومن شَكَرَه زاده مما وهبَه وحَبَاهُ.
إخوةَ الإيمانِ: ما أجدرَ الأمةَ الإسلاميةَ اليوم وهي تبحث عن مخرج لِمَا بُلِيَتْ به من فِتَنٍ، وما مُنِيَتْ به من محن أن تترسَّم خطى رسولها محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الأخيار، في حُسْن الولاء وصِدْق الانتماء؛ فبلادُ الإسلامِ عامةً، وبلادُ الحرمينِ خاصةً تتعرض هذه الأيام لحملات شعواء، عبَر قنوات فضائية، ومواقع إلكترونية؛ مما يُوجب على الجميع الوقوفَ صفًّا واحدًا في وجه تلك الفتن الهوجاء، وموجات الاستهداف الظالمة، والحملات الإعلامية الجائرة، والتصدي لكل مَنْ يحاول النَّيْلَ من بلاد الإسلام أو أَمْنِ الحرمين الشريفين حرسهما الله.
وعلى شباب الأمة الفطناء ألا يغتَرُّوا وينخدعوا بهذه الشناعات المفسدة، وألا يركنوا لتلك الشائعات المغرضة، فليس وراءها إلا هدمُ المجتمعات وتفككها وإخلال أمنها واستقرارها.
هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على الحبيب المصطفي والرسول المقتفى، صلى الله على خير من افتتحت بذكره الدعوات، واستنجحت بالصلوات عليه الطلبات، وعلى آله وصحبه مقاليد السعادة ومفاتيحها، ومجاديح البركة ومصابيحها، الطيبين الأخيار، الطاهرين الأبرار، الذين أذهب عنهم الأرجاس، وطهرهم من الأدناس، فعظمهم توقيرا، وطهرهم تطهيرا:
فمن يصل على المختار واحدة | عليه عشرا يصل الله فافتخرِ |
يا رب صلِّ عليه كلما لمعت | كواكب في ظلام الليل والسَّحَرِ |
وآله وجميع الصحب قاطبةً | الحائزين بفضل أحسن السِّيَرِ |
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على النبي المصطفى والرسول المجتبى، وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار المهاجرين منهم والأنصار، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعن الطاهرات أمهات المؤمنين، وعن التابعينَ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأعلِ بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح واحفظ أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّدْ بالحق إمامَنا خادمَ الحرمين الشريفين، اللهم وفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وهيئ له البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، وشد أزره بولي عهده، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفقهم لما فيه صلاح البلاد والعباد، ولما فيه خير الإسلام والمسلمين، يا ذا الجلال والإكرام.
يا حي يا قيوم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم، وولِّ عليهم خيارَهم، يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، وأصلح لنا شأننا كله، اللهم انصر إخواننا في فلسطين، اللهم انصر إخواننا في فلسطين وفي بلاد الشام، اللهم أنقذ المسجد الأقصى، اللهم أنقذ المسجد الأقصى، اللهم أنقذ المسجد الأقصى، من عدوان المعتدين، ومن احتلال الغاصبين، اللهم اجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين، اللهم كن لإخواننا في بلاد الشام، اللهم انصرهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح حال إخواننا في العراق وفي اليمن، واجعلهم محكِّمِين لكتابك، وسُنَّة نبيك -صلى الله عليه وسلم- يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في دينهم في كل مكان، وفي أراكان يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنتَ غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]. (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين؛ الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].