اللطيف
كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...
العربية
المؤلف | أحمد حسين الفقيهي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | السيرة النبوية |
محمدٌ صلى الله عليه وسلم، سمي بهذا الاسم؛ لما اشتمل عليه من مسماه وهو الحمد، فنبينا صلى الله عليه وسلم محمودٌ عند الله، ومحمودٌ عند ملائكته، ومحمودٌ عند إخوانه من المرسلين، ومحمودٌ عند أهل الأرض كلِهم وإن كفر به بعضهم، فمحمد صلى الله عليه وسلم محمودٌ بما ملأ به الأرض من الهدى والإيمان والعلم النافع والعمل الصالح
عباد الله: لقد كان العربُ يعيشون قبل مولده ومبعثِه صلى الله عليه وسلم جاهليةً جهلاء في مدلهمةٍ ظلماء، كانوا أسارى شبهات، وأرباب شهوات، يعبدون الأصنام، ويستقسمون بالأزلام، جهلٌ وكفر، وعربدة وسكر، ظلوا على ذلك الحال إلى أن أذن اللهُ سبحانه بخروج النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أشرق بمولده عليه الصلاة والسلام فجر جديد، وتنفسَ صبحٌ مجيد، ليبعثَ الحرية الحقيقية من قبرها، ويطلق العقول من أسرها، وينقذ البشرية من جهلها.
نورٌ من الرحمن أرسلـه هـدى
أيها المسلمون: تزوج عبدالله بن عبدالمطلب أشرف عقيلةٍ في قريش آمنة بنتَ وهب بن عبد منافِ، فلما أفضى إليها حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرجَ عبدالله بن عبدالمطلب إلى الشام في عير لقريش يحملون تجارات، فلما فرغوا من تجارتهم، مال عبدالله بن عبدالمطلب إلى أخواله بني عدي بن النجار، فأقام عندهم شهراً مريضاً، ومضى أصحابه إلى مكة فسألهم عبدالمطلب عن ابنه عبدالله، فقالوا: خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار وهو مريض، فبعث إليه عبدالمطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي في دار النابغة، فرجع الحارث إلى أبيه فأخبره، فوجد عليه عبدالمطلب وأخوته وأخواته وجداً شديداً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حملٌ، ولعبدالله بن عبدالمطلب يوم توفي خمس وعشرون سنة.
أيها المسلمون: توفي عبدالله بن عبدالمطلب ونبينا صلى الله عليه وسلم جنينٌ في بطن أمه، وهذا أبلغ اليُتم وأعلى مراتبه، وفي حالِه صلى الله عليه وسلم أسوةٌ للأيتامِ في كلِ زمانٍ ومكان، ليعرفوا أن اليتم ليس نقمةً، وأنه لا ينبغي أن يقعد بصاحبهِ عن بلوغِ أسمى المراتب.
تقول آمنةٌ بنتُ وهب: لقد علقتُ به تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم فما وجدتُ له مشقةً حتى وضعتُه، فلما فصل مني خرج معه نورٌ أضاءت له قصورُ الشام، وهو مصداق رؤيا رأتها أمه قبل مولده أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "رأت أمي حين حَملت بي كأنه خرج منها نورٌ أضاءت له قصور بُصرى من أرض الشام.. " أخرجه أحمد.
عباد الله: في شهر ربيع الأول من عام الفيل ولدِ صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة، وكان المولود آنذاك يدفع إلى نسوةٍ من قريش إلى الصبح، فيكفأن عليه برمةً، فلما ولد صلى الله عليه وسلم دفعه عبدالمطلب إلى نسوةٍ فكفأن عليه برمةً، فلما أصبحن أتينَ، فوجدن البرمة قد انفلقت عنه باثنتين، ووجدنه مفتوحَ العينين، شاخصاً ببصره إلى السماء، فأتاهُن عبدالمطلب فقلن له: ما رأينا مولوداً مثله، وجدناه قد انفلقت عنه البرمة، ووجدناه فاتحاً عينيه شاخصاً ببصره إلى السماء فقال جده عبدالمطلب: أحفظنه؛ فإني أرجو أن يكون له شأن أو أن يصيب خيراَ، وقد كان له ما توقع من شأنه صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون: حدثت آمنة بنت وهب أنها أُتيت وهي حاملٌ بمحمد صلى الله عليه وسلم فقيل لها: إنك قد حملتِ بسيد هذه الأمة، فإذا وقع إلى الأرض فسميه محمداً، فإن أسمه في التوراة محمد، وأسمه في الإنجيل أحمد، يحمده أهل السماء والأرض، وأسمه في القرآن محمد فسمته بذلك ثم جاءت به إلى عبدالمطلب فقالت: ولدت الليلة غلاماً، فانظر إليه، فلما جاءها أخبرته وحدثتُه بما كانت رأت حين حَمَلت به، وما قيل لها فيه، وما أُمرت أن تسميه، فأخذه عبدالمطلب وأدخله البيت يطوف به حول الكعبة ثم قام يدعو ويشكر الله عز وجل.
عباد الله: لما كان يوم السابع للنبي صلى الله عليه وسلم ذبح عنه جده عبدالمطلب ودعا له قريشاً فلما أكلوا، قالوا: يا عبدالمطلب، أرأيتً أبنك هذا الذي كرمتنا على وجهه، ما سميته؟ قال: سميته محمداً، قالوا: فلم رغبتَ به عن أسماء آل بيته؟ قال: أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض، قال بعض أهلِ العلم: ألهمهم اللهُ عز وجل أن سموهُ محمداً لما فيه من الصفات الحميدة، ليلتقي الاسمُ والفعل، ويتطابقُ الاسم والمسمى، في الصورة والمعنى، كما قال عمهُ أبو طالب، ويروى عن حسان:
وشق له من اسمه ليُجلَّهُ
عباد الله: محمدٌ صلى الله عليه وسلم، سمي بهذا الاسم؛ لما اشتمل عليه من مسماه وهو الحمد، فنبينا صلى الله عليه وسلم محمودٌ عند الله، ومحمودٌ عند ملائكته، ومحمودٌ عند إخوانه من المرسلين، ومحمودٌ عند أهل الأرض كلِهم وإن كفر به بعضهم، فمحمد صلى الله عليه وسلم محمودٌ بما ملأ به الأرض من الهدى والإيمان والعلم النافع والعمل الصالح، حيث فتح اللهُ به القلوب وكشف به الظلمةَ عن أهل الأرض، استنقذهم من أسر الشياطين ومن الشرك بالله والكفر به والجهل، حتى نال به أتباعه شرفَ الدنيا والآخرة.
ولقد وافق صلى الله عليه وسلم أهل الأرض أحوج ما كانوا إليه، فإنهم كانوا بين: عباد أوثانٍ، وعباد صلبانٍ، وعباد نيران، وعباد كواكب، ومغضوب عليهم قد باؤوا بغضبٍ من الله، وحيران لا يعرف رباً يعبدهُ، ولا بماذا يعبدهُ، والناسُ يأكل بعضهم بعضا، من استحسن شيئاً دعا إليه وقاتل من أجله من خالفه، ليس في الأض آنذاك موضعُ مشرقٌ بنور الرسالة، فأغاث الله بمحمد صلى الله عليه وسلم البلاد والعباد، كشف به تلك الظلم، أحيا الله به الخليقةَ بعد الموت، هدى به من الضلالة، وعلَّم به من الجهالة، كثَّر به بعد القلة، وأعز به بعد الذلة، فتح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فعرف الناس ربهم ومعبودهم غاية ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة صلى الله وسلم وبارك عليه وجزاه عنا خير ما جزا نبياً عن أمته.
ربـاك ربُك جلَّ من ربـاك
أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية:
عباد الله: إن مما أحدث الناسُ في هذه الأزمان، ما يقومُ به فئام من البشر من الاحتفال في شهر ربيع الأول بمولد النبي صلى الله عليه وسلم حيث يجتمعون في الليلة الثانية عشر منه في المساجد والبيوت، فيصلون على النبي صلى الله عليه وسلم بصلوات مبتدعة، ويقرؤون مدائح للنبي صلى الله عليه وسلم تخرج بهم إلى حد الغلو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وربما صنعوا مع ذلك طعاماَ فأضاعوا المال والزمان، وأتعبوا الأبدان فيما لم يشرعه الرحمن، ولو كان خيراَ ما حرمه الله سلفَ هذه الأمة، وفيهم الخلفاءُ الراشدون والأئمة المهديون، وما كان الله تعالى ليحرم سلفَ هذه الأمة ذلكَ لو كان خيراً، ثم يأتي أناس بعدهم فيحدثون تلك البدعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "واتخاذ الموالد عيداً بدعة من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رحمهم الله أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص.. ثم أضاف رحمه الله: فأما الاجتماع في عملِ المولد على غناءٍ ورقص، واتخاذ ذلك عبادة فلا يرتابُ أحدٌ من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي يُنهى عنها، ولا يستحبُ ذلك إلا جاهل أو زنديق" أ.هـ.
عباد الله: إن ادعاء المحبة وإحياء ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم من خلال الموالد والمحدثات دون أن يكون الإنسان على هديه ونهجه إن إدعاء ذلك من الكذب الصريح، إذ كيف يجتمعُ حبُ الرسول صلى الله عليه وسلم ومخالفة أمرهِ وهديه بالإحداث في الدين، بل كيف يجتمعُ حبهُ وذكرهُ مع تلك المحرمات التي تفعل في تلك الليلة المزعومة من رقص وخمور ولهو وغناء محرم (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران:31].
أيها المسلمون: ذهبَ جمهور العلماء إلى أن نبينا محمداَ صلى الله عليه وسلم ولدِ في شهر ربيع الأول، ولكنهم اختلفوا في تاريخ اليوم الذي ولد فيه اختلافاً كثيراً، وفي المقابل اتفق العلماء على أن وفاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كانت في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من العام الحادي عشر للهجرة النبوية، وبناء عليه فإن الاحتفال في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول إساءة أدبٍ وجفوة للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنهم في الحقيقة إنما يحتفلون بموتِه لا بمولدهِ، وكفى بذلك قبحاً وضلالا، وجفوةً وإعراضاً، وعلى فرض أنه ولد في الثاني عشر من ربيع الأول، فإن صاحب العقل السليم يدركُ أن الفرح في تلك الليلة ليس بأولى من الحزن على وفاته، فإن الأمة ما أصيبت بأعظم من فقده عليه الصلاة والسلام، ولكنها قلوبٌ ضعيفة الإيمان، غلبت عليها الشبه والأهواء فأغواها الشيطان حتى عصت الرحمان وزاغت عن هدي المصطفى العدنان صلى الله عليه وسلم.
بتنا على ظمأ وفينا المنهل
ثم صلوا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة.