الخالق
كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...
العربية
المؤلف | صالح بن محمد الجبري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
وإن مما يحز في النفس، أن نرى بعض الناس ممن هم في أشد الحاجة إلى تعليم الأدب والأخلاق نرى أحدهم حيثما يخبر بأن زوجته قد ولدت ذكرًا فرح واستبشر، وتهلل وجهه وأنفق الكثير من ماله ابتهاجًا بهذا المولود، مع أنه لا يدري، فربما يكون هذا الولد سببًا في شقائه وطغيانه إذا ما كبر وترعرع، وأما إذا أخبر بأنها وضعت أنثى غضب واغتم وأظلمت الدنيا في وجهه ..
أما بعد: أبناؤنا نعمة من الله علينا، ومنحة منه إلينا؛ لهذا فالواجب علينا أن نتقبلها منه شاكرين، وأن نكون بما حبانا به راضين، سواء أكان الموهوب لنا ذكرًا أم أنثى، فالخير كل الخير في الذي يختاره الله لنا، قال تعالى: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].
وإن مما يحز في النفس، أن نرى بعض الناس ممن هم في أشد الحاجة إلى تعليم الأدب والأخلاق نرى أحدهم حيثما يخبر بأن زوجته قد ولدت ذكرًا فرح واستبشر، وتهلل وجهه وأنفق الكثير من ماله ابتهاجًا بهذا المولود، مع أنه لا يدري، فربما يكون هذا الولد سببًا في شقائه وطغيانه إذا ما كبر وترعرع، وأما إذا أخبر بأنها وضعت أنثى غضب واغتم وأظلمت الدنيا في وجهه، وأصابته كآبة شديدة، وانطوى على نفسه، ولا شك بأن هذا التصرف هو شبيه بما كان يحدث من أهل الجاهلية الأولى الذين قال الله فيهم: (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَـاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِلاْنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوء مَا بُشّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ) [النحل:57-59].
لكن رغم هذا التحذير فهناك الكثير من الرجال لا يزال يستقبل قدوم البنات بالتجهم والعبوس، والمشكلة الكبرى هي إذا كانت البنت المولودة، هي الثالثة أو الرابعة، فتكون ولادتها مصيبة من المصائب خاصة على الأم المسكينة التي تعيش في خوف وقلق من ردة فعل الأب، وقد سمعنا عن أزواج طلقوا زوجاتهم بسبب هذا الموضوع، وكأن الزوجة هي المسؤولة الوحيدة.
ونحب أن ننبه هنا إلى أن الطب الحديث قد أثبت أنه ليس للزوجة ذنب إذا أنجبت أنثى، لهذا ليس من حق الزوج أن يغضب أو يثور إذا حدث ذلك، لماذا؟! لأن الطب يقول: إن البويضة التي تحملها المرأة لها نوع واحد في كل نساء الأرض، بعكس الحيوان المنوي الذي يفرزه الرجل، فهو عند الرجل يحتوي على نوعين ولنقل عليها (أ، ب).
فإذا كان الحمل ناتجًا عن الرجل الذي يحمل النوع (أ) مثلاً كان المولود بنتًا، وإذا كان ناتجًا عن النوع الآخر (ب)، كان المولود ذكرًا، إذن الرجل هو المسؤول عن هذا الأمر، فَلِمَ التشنيع والظلم، لِمَ؟!
ويروى في ذلك أنه كان لأبي حمزة الأعرابي زوجتان، فولدت إحداهما بنتًا، فعز عليه ذلك واجتنبها، وصار يسكن في بيت الأخرى، فأحست الأولى به يومًا عند الثانية، فجعلت تلاعب ابنتها الصغيرة وتقول:
ما لأبـي حمـزة لا يأتينـا
فلما سمعها ندم على ما فعل ورجع إليها؛ لهذا فليتق الله أمثال هؤلاء، وليعلموا أنه من الجحود والنكران أن يتكبروا على نعمة الله -سبحانه وتعالى-؛ لأنه يقول: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَـاوتِ وَلأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَـاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَـاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) [الشورى:49-50]، وليس هذا فقط، بل إن واثلة بن الأسقع يقول: "إن من يُمنِ المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر؛ لأنّ الله تعالى قال: (يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَـاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ) فبدأ بالإناث".
والغريب أنّ مسلسل الظلم يعتمد عند بعض الناس، فبعدما تنشأ البنت تسمع أول ما تسمع كلمات الدعاء عليها بالموت، حتى ولو بالمزاح والمداعبة، فإذا طلبت شيئًا وألحت في طلبه أفهمت أنها أرخص من أن تعطى ما تطلب، وإذا اختصمت مع أخيها الولد، فضربته، ضُرِبَت وأُهِينَت على مسمع ومرأى من الولد حتى يشمت فيها ويرضى، وقد يعاملها إخوتها الذكور بالقسوة والشدة، والويل لها كل الويل إذا تأخرت في تلبية أي طلب لهم، فعندها قد يضربونها ويشتمونها ويحتقرونها، وقد يكون هذا بمساعدة الوالد. أين هؤلاء عما رواه ابن عباس أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان له أنثى فلم يئدها، ولم يصنها، ولم يؤثر ولده -الذكور- عليها، أدخله الله تعالى الجنة". [أبو داود في الأدب 5146 باب فضل من عال يتيمًا، والحاكم صححه ووافقه الذهبي].
وقد يزوّجها فاسقًا عاصيًا أو يتاجر بها، أين هؤلاء عن معاملة الرسول –صلى الله عليه وسلم- لبناته؟! فقد كان يستقبل ابنته فاطمة إذا دخلت عليه ويقبلها ويجلسها مكانه ويقول: "مرحبًا يا ابنتي". [البخاري، كتاب الأنبياء، باب علامات النبوة في الإسلام].
وعن أبي قتادة –رضي الله عنه- قال: "خرج علينا النبي –صلى الله عليه وسلم- وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فصلى، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها، حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها". [البخاري: (5650)].
فأين نحن من هذا المنهج النبوي العظيم؟! وبعضهم إذا بلغت سن الزواج يقطع الأمر دونها من قبل الأب أو الولي، فيرد ذلك ويقبل، ويأخذ ويعطي، ويشترط من الشروط ما يشاء، ويطلب من المهر ما يريد، فلا يؤخذ لها رأي، ولا يُعرض عليها أمر، رغم أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تستأمر". [البخاري ومسلم].
ورغم هذا إلا أن البعض لا يبالي بذلك، ولو حصل وأيدت الفتاة رأيها بالاعتراض أو الانتقاد على هذا الوضع فإنها تصبح عند ذلك الفتاة الوقحة السيئة الأدب التي لا تملك خلقًا ولا حياءً، رغم أن الإسلام يعطيها الحق في اختيار الزوج المناسب لها؛ فعن ابن عباس "أن جارية بكرًا أتت النبي –صلى الله عليه وسلم- فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي –صلى الله عليه وسلم- بين أن توافق أو ترفض". [صحيح ابن ماجه 1520].
إن علينا أن نعلم أن النتيجة المباشرة لهذه المعاملة السيئة، بالغة الخطورة في المجتمع، فهي أولاً تغرس في نفس البنت شعورًا بالمهانة والضعف، حتى إذا أصبحت أمًّا لم يكن في مقدورها أن تبث في نفوس أبنائها الشعور بالغيرة والاعتداد بالكرامة، وكيف تفعل ذلك وهي تفقد هذا الشعور أصلاً.
ثم إن البنت عندما تشعر أنها مظلومة مهضومة الحق، فإن هذا الشعور قد يولِّد لديها التمرد على أوامر الدين؛ لأنها تظن أن هذه التصرفات هي من الدين، وهي ليست كذلك فتتمرد وتصبح ضحية للأفكار الهدامة التي بثها أعداء الإسلام عن المرأة المسلمة، فتتحين أول فرصة تحصل عليها للانفلات والتسيب، ويتولَّد لديها الحقد والرغبة في الانتقام، فإذا تزوجت بعد ذلك فإنها لن تجد أمامها من تثأر منه وتنتقم إلا زوجها وأولادها، ما ينتج عنه حدوث الخصام والمشاكل التي لا تنتهي.
وإذا كنا نعترض على القسوة في تربية البنات، فهناك بالمقابل بعض الناس يفرط في تدليلهن والتساهل معهن إلى أقصى حد، فتنشأ الابنة مدللة خليعة لا هم لها إلا نفسها، أو الاهتمام بأخبار الموضات والتقليعات من الشرق والغرب، أو إمضاء الساعات الطويلة أمام الهاتف، أو النزول للأسواق بصورة مستمرة لمتابعة كل ما يجد فيها من البضائع وغيرها، ويزداد الأمر سوءًا إذا كانت الأم مشغولة عن تربية البنات بزياراتها وخروجها الدائم من المنزل، والأسوأ من ذلك إذا كانت الأم من هذا النوع المستهتر بالدين والأخلاق، كاللاتي يربين بناتهن على الطريقة الغربية، أو حسب ما يشاهدنه في الأفلام والمسلسلات، فيجنين على أنفسهن وبناتهن.
يقول لي طبيب فاضل: حَضَرَتْ إلى المستشفى فتاة شابة حاولت الانتحار عن طريق تناول بعض الأدوية، ويقول: بعد أن قمنا بإجراء الإسعافات اللازمة، وتم إنقاذها بفضل الله، سألت الأم التي كانت ترافقها عن سبب محاولتها الانتحار، ثم يقول: إن الأم -ومع الأسف الشديد- أم متعلمة، وتحاول الظهور أمام الناس بمظهر الأم العصرية المتعلمة، يقول: فقالت لي: أنا أترك الحرية لابنتي تفعل ما تشاء، وقد حدث لابنتي أنها أحبت شابًا ولكنه لم يقابلها بالحب، حتى بعد أن دعته للمنزل وأفهمته بذلك، ولكنه رفض، فغضبت البنت وحاولت الانتحار.
ويضيف قائلاً: بعد هذا الكلام بيني وبين الأم بيومين جاءتني الأم مرة أخرى تسأل عن أحد الأطباء، عن اسمه، وعما يتعلق بحياته، لماذا؟! يقول: اكتشفت أن الابنة رأته فأعجبت به، فأرسلت الأم اللعوب كي تجمع المعلومات عنه، تخيلوا الأم تفعل ذلك. سبحان الله.
مثل هذه الأم لا تُؤمن على تربية مجموعة من الأغنام، فكيف تُؤْمَن على تربية بناتها وهي تعيش بهذا الفكر المنحرف، كيف؟!
ومن التدليل عدم تدريب البنت على أعمال المنزل من طهي وتنظيف وترتيب؛ ما يولِّد في نفس البنت نفورًا من دخول المطبخ، وأعمال البيت المختلفة، ويزداد الأمر سوءًا عندما تتزوج البنت، فتذهب إلى منزل الزوج وهي لا تعرف شيئًا أو تعرف القليل فقط، فينشأ الصراع بينها وبين الزوج، خاصة إذا طلبت خادمة وكانت حالة الزوج لا تسمح بذلك، فتبدأ بالتمرد والاستكبار على الزوج وعلى حقوقه؛ نتيجة أنها لم تتربَّ في الأساس على الخلق الحسن وعلى التجهيز المبكر في أداء أعمال المنزل، وعلى التنبيه عليها بأن اهتمامها بمنزلها وبحقوق زوجها عليها هو من أعظم الطاعات والقربات إلى الله، كما جاء هذا في الحديث العظيم: فقد أتت أسماء بنت يزيد الأنصارية إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، إن الله -عز وجل- بعثك إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك وبايعناك، إنا -معشر النساء- مجهودات مقصورات، قواعد بيوتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم -معشر الرجال- فضلتم علينا بالجمع والجماعات وشهود الجنائز والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن أحدكم إذا خرج حاجًّا أو معتمرًا أو مجاهدًا حفظناكم في أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا أولادكم، أنشارككم في هذا الأجر والخير، قال الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "هل سمعتم مسألة امرأة قط أحسن من مقالتها في أمر دينها؟!"، فقالوا: يا رسول الله: ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا؟! فالتفت إليها –صلى الله عليه وسلم-: "يا أسماء: أبلغي من خلفك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها، يعدل ذلك كله".
فأين بناتنا من هذه التربية؟! ألا ما أبعد المسافة بين بنات السلف وبنات الخلف.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فإن الأخطار التي تواجه البنات في هذا العصر، هي أخطار عظيمة ورهيبة، وإذا لم تكن البنت قد ربيت تربية صحيحة فإنها قد تقع فريسة لإحدى هذه الأخطار المنتشرة في هذا العصر.
فعلى الأسرة مثلاً نصح البنات منذ الصغر على الحجاب وتدريبهن عليه، ثم إذا كبرن فعلى الأسرة أن تلزمهن بالحجاب وبالحشمة وستر العورات لقوله تعالى: (وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) [النور:30].
وتحذير البنت من التبرج من الأفضل أن يكون عن طريق الإقناع وغرس أوامر الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم- في ذلك في نفسها، ونحن نقول هذا الكلام لأن هناك البعض من الفتيات قد دُرِّبن على أن الحجاب عادة من العادات؛ لذلك ترى بعضهن يخرجن من بيوت آبائهن بأكمل حشمة، حتى إذا ابتعدن عن المنزل خلعن الحجاب رداء الحياء وظهرهن للأعين في أقبح صورة من الفتنة والإغراء.
إذن على الأسرة أن تعلم البنات أن الحجاب أمر من أوامر الله، وأن التي لا تستجيب لهذا الأمر فهي منافقة لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم".
كذلك على اٍلأسرة أن توضح للبنت أن الحجاب لم يفرض لانعدام الثقة في النساء والبنات، وإنما هو حماية لهن من أصحاب القلوب المريضة، وحماية للرجال مما يقع أبصارهم عليه من الفتنة والإغراء، لهذا يقول -سبحانه وتعالى-: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَـاعاً فَسْـئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب:53].
كذلك على الأسرة إفهام البنات أن الأزياء الفاضحة هي من وسائل الإغراء، والله ينادي ويقول: (يَـابَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُورِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف: 26]، ويقول –صلى الله عليه وسلم-: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".
والتبرج فتنة من الفتن، وعلى الأسرة أن تضرب بيد من حديد وتمنع البنات والنساء من التبرج، وعلى الوالد في ذلك مسؤولية عظيمة في أمرهن بالمعروف ونهيهن عن المنكر، وإلا حق عليه قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن ينزل عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".
كذلك على الأسرة منع البنات وتحذيرهن من مشاهدة واقتناء أفلام الحب أو العنف التي تحرض البنت على أهلها، والمرأة ضد زوجها، وتبارك الحب الحرام، والعلاقات المشبوهة.
وعلى الأسرة أن توضح للبنت أن هذا الحب الذي تروِّجه الأفلام والمسلسلات والروايات إنما هو حب شهوة، وهو مرفوض ولو كان باسم الزمالة والخِطبة.
هذا الحب المشبوه يجر للويلات ويفسد العلاقات، وينتهك الأعراض، لهذا حذر القرآن من مثل هذا الحب ممثلاً في حب امرأة العزيز ليوسف، هذا الحب الشهواني الذي أدى بها إلى التصريح برغبتها الحرام، لكن الله ردها عن يوسف فقال: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الاْبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّـالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوء وَلْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف:23-24].
لهذا لا يصدق أحد أن في زماننا هذا حبًّا عفيفًا، أو كما كان يطلق عليه الحب العذري بين قيس وليلى، كلا، فالشهوة عاتية، ولا يمكن أن توضع النار بجانب البترول، وليس هناك إلاَّ طريق واحد، وهو الزواج الحلال.
كذلك على الأسرة أن تحمي بناتها من الصحف والمجلات التي تبرز الصور الخليعة، وتنشر قصص العبث واللهو والحذر من أولئك الذين ينشرونها بين الناس؛ ما أفسد عقول البنات وأفكارهن، وصدق الله: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَـاحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَلآخِرَةِ وَللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النور:19].
أخيرًا، على الأسرة أن تربي في البنات الشعور بأنهن مسؤولات أمام الله عن أعمالهن وسلوكهن، وأن يشعرن برقابته الدائمة معهن في كل لحظة، وأنه يعلم السر وأخفى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاْعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ) [غافر:19]، (لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى السَّمَـاوتِ وَلاَ فِى الأرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِى كِتَـابٍ مُّبِينٍ) [سبأ:3].
وأن تغرس الأسرة في بناتها أيضًا حب الله والخوف منه والرغبة في ثوابه، والرهبة من عقابه لقوله تعالى: (نَبّئ عِبَادِى أَنّى أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ الْعَذَابُ الاْلِيمُ) [الحجر:49-50]، وقد ثبت -وهذا شيء ملاحظ- أن قلوب البنات والنساء أسرع إلى التأثر بالدين وتعاليمه من الرجال. فهل نحن فاعلون؟!
إن من يربي بناته ويجتهد في تربيتهن التربية العميقة على طاعة الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم- ويتعب في ذلك ويصبر على صعوبة تربيتهن، فإنه يدخل في حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- عن عقبة بن عامر الذي قال فيه: "من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جِدته -يعني ماله- كن له حجابًا من النار". [صحيح الجامع (5/34)].
وقال أيضًا: "من كان له ثلاث بنات يؤدبهن، ويرحمهن، ويكفلهن، وجبت له الجنة البتة"، قيل: يا رسول الله: فإن كانتا اثنتين؟! قال: "وإن كانتا اثنتين". قال: فرأى بعض القوم أن لو قالوا له: واحدة، لقال: واحدة. [البخاري في الأدب، وأحمد، الترغيب والترهيب]. إنه لفضل عظيم ولا شك في ذلك.
ونسأل الله العلي القدير أن يعيننا على تربية أنفسنا وأزواجنا وبناتنا وأولادنا.