البحث

عبارات مقترحة:

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

موقف المسلم من الأزمة المالية - خطبة عيد الأضحى لعام 1429هـ

العربية

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - صلاة العيدين
عناصر الخطبة
  1. دعاء المسلمين في عرفة .
  2. مشروعية الأضحية ومشروعية التكبير في هذه الأيام .
  3. ركنا الحياة : الأمن والرزق ، وموقف المسلم من الأزمة المالية .
  4. مطالب دعاة السفور .

اقتباس

الحياة على الأرض تقوم على ركنين لا يتم الاستقرار إلا بهما، وهما الأمن والرزق؛ وكل واحد منهما له تعلق بالآخر، فإذا ضاقت الأرزاق والموارد عن الناس اختل الأمن فيهم، وإذا فُقِد الأمن ضاقت أرزاق الناس؛ ولأهمية هاتين النعمتين الضروريتين للعيش دعا بهما إبراهيم عليه السلام لأهل البيت الحرام ..

 

 

 

 

الحمد لله العلي الأعلى؛ خلق فسوى، وقدر فهدى، وكل شيء عنده بأجل مسمى (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا) [مريم:93-95].

الحمد لله خالقِنا ورازقِنا وكافِينا وهادِينا.. هو ربُنا وإلهنا ومعبودنا ومولانا؛ توجهت إليه قلوبُنا، ورُفعت له أكفُنا، وعُلقت به حاجاتُنا، فلا يقضيها سواه، هو الرافع الخافض، وهو المعز المذل، وهو المانح المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير.

الحمد لله حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه (هُوَ الأَوَّلُ وَالآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[الحديد:3] نحمده فهو أهل الحمد، ونشكره فلا أحد أحق بالشكر منه؛ خيرُه علينا متتابع، وإحسانه فينا متواتر، لا نبصرُ شيئا إلا وله سبحانه فيه علينا نعمة ومنَّة، وما نالنا خير إلا وهو منه؛ فهو مسدي النعم ومتممها، وهو رافع البلايا ودافعها (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله) [النحل:53] (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا) [النحل:18].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له (المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الحشر:23].

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ حج بالناس حجة واحدة، وخطبهم يوم النحر خطبة سمعوها وهم في منازلهم، قال عبدُ الرحمنِ بنِ مُعَاذٍ التَّيْمِيُّ رضي الله عنه: "خَطَبَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ بِمِنًى فَفُتِحَتْ أَسْمَاعُنَا حتى كنا نَسْمَعُ ما يقول وَنَحْنُ في مَنَازِلِنَا فَطَفِقَ يُعَلِّمُهُمْ مَنَاسِكَهُمْ".

صلى الهو وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ شَرُفوا بالصحبة، فكانوا خير هذه الأمة، ومن جاءوا بعدهم فهم دونهم مهما كانوا، فرضي الله عنهم وأرضاهم، ولعنةُ الله على من لعنهم أو تنقصهم قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "لسنا نقيس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً" وعلى التابعين لهم بإحسان.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

الله أكبر ذُلَّاً له وحبا، الله أكبر تعبدا له ورِقَّا، الله أكبر حقا وعدلا وصدقا.

الله أكبر؛ كم أعتق بالأمس من الرقاب! الله أكبر؛ كم جاد على عباده في عرفات! الله أكبر؛ كم كتب فيها من الحسنات! وكم محا فيها من الخطيئات! وكم رفع فيها من الدرجات؟!

الله أكبر؛ عج له الحجيج بالتلبية في عرفات، الله أكبر؛ رفعوا أيديهم له بالدعوات، الله أكبر؛ سألوه عظيم الحاجات، الله أكبر؛ سكبوا على بابه العبرات؛ فسبحان من أحاط علمه بهم، وسبحان من وسع سمعه أصواتهم، وسبحان من وسعت خزائنه حاجاتهم.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها الإخوة المؤمنون: هذا اليوم الأغر هو يوم العيد الأكبر، وهو يوم النحر، تراق فيه الدماء شكرا لله تعالى على تسخيرها لنا (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ) [الحج:36-37].

بالأمس وقف إخوانكم الحجاج في عرفات، ورفعوا أيديهم يسألون الكريم الوهاب، فاحمدوا الله الذي هداكم وهداهم، واشكروه على تأليفه بين قلوبكم (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران:103].

كم من دعوة وصلت إليكم من عرفات وأنتم في بيوتكم.. دعوات أهديت إليكم ممن حجوا من قرابتكم وجيرانكم وأصحابكم، بل إنكم قد نلتم دعوات لا تُحصى ممن لا تعرفونهم ولا يعرفونكم، ولم تروهم ولم يروكم، من عرب وعجم، رفعوا أيديهم في عرفات فدعوا لإخوانهم المسلمين بالرحمة والمغفرة والعتق من النار..

دعوات سحت معها العيون، واقشعرت لها الجلود، وخشعت لها القلوب، خالصة لله تعالى.. دعوات لا يحصيها إلا من يجيبها سبحانه وتعالى قد ظفرتم بها من عرفات، وأنتم لم تبارحوا بيوتكم، ودعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مرجوة الإجابة، روى صَفْوَانُ بنُ عبدِ الله قال: "قَدِمْتُ الشَّامَ فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ في مَنْزِلِهِ فلم أَجِدْهُ وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ فقالت: أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ؟ فقلت: نعم، قالت: فَادْعُ الله لنا بِخَيْرٍ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قال الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ"رواه مسلم.

فاشكروا الله تعالى على أخوة الدين، وتمسكوا بها، ولا تستبدلوا بها أخوة أدنى منها كأخوة النسب أو أخوة التراب والوطن أو غيرها؛ فإنها تذهب ويبقى الدين (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10] وتأتيكم بسببها دعوات مباركات من إخوانكم لا تعلمون عنها شيئا، فما أعظم الإسلام حين جمع قلوب المسلمين على البر والتقوى، والأخوة في الله تعالى.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها المؤمنون: شرع الله تعالى لكم في هذا اليوم العظيم التَنَسُّك له سبحانه بإراقة دماء الضحايا، كما يُرِيق الحجاج دماء الهدايا، فتنسكوا لله تعالى بهذه الشعيرة العظيمة، وطيبوا بها نفسا، مخلصين لربكم سبحانه، موقنين بالأجر منه عز وجل، روى الْبَرَاءُ بن عَازِبٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَوَّلَ ما نَبْدَأُ في يَوْمِنَا هذا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذلك فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ نَحَرَ قبل الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هو لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ ليس من النُّسْكِ في شَيْءٍ"رواه الشيخان، وروت عَائِشَةُ رضي الله عنها"أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ في سَوَادٍ وَيَبْرُكُ في سَوَادٍ وَيَنْظُرُ في سَوَادٍ فأتى بِهِ ليضحيَ بِهِ فقال لها: يا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ ثُمَّ قال: اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قال: بِاسْمِ الله، اللهم تَقَبَّلْ من مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ"رواه مسلم.

واختاروا الطيب السمين منها؛ فإنها من الله تعالى، وهي قربان له سبحانه، ثم تعود إليكم لتنتفعوا بها، وقد أجمع العلماء على استحباب سمينها وطيبها، قال أَبَو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ: "كنا نُسَمِّنُ الْأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ وكان الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ".

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: يُشرع التكبير في هذه الأيام العظيمة، ويجتمع فيها التكبير المقيد بأدبار الصلوات مع التكبير المطلق في كل وقت إلى غروب شمس يوم الثالث عشر، وهي أيام عيد وأكل وشرب وذكر لله تعالى، لا يحل صيامها، ولا أن تنتهك حرماتها، وإنما وُصِف هذا العيد بالأكبر لمزية التكبير في عشره وأيامه، ولما فيه من الشعائر الظاهرة الكبيرة، كما روى نُبَيْشَةُ الْهُذَلِيُّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لله تعالى"رواه مسلم. فأكثروا من ذكر الله تعالى في هذا العيد الكبير، وأظهروا شعيرة التكبير فيه وفي أيام التشريق؛ تعظيما لله تعالى، وإظهارا لشعائره، واحذروا المنكرات في أيام الشكر؛ فإن ذلك يستوجب رفع النعم، وحلول النقم، نعوذ بالله تعالى من زوال نعمته، وتحول عافيته، وفُجَاءَةِ نقمته، وجميع سخطه.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: الحياة على الأرض تقوم على ركنين لا يتم الاستقرار إلا بهما، وهما الأمن والرزق؛ وكل واحد منهما له تعلق بالآخر، فإذا ضاقت الأرزاق والموارد عن الناس اختل الأمن فيهم، وإذا فُقِد الأمن ضاقت أرزاق الناس؛ ولأهمية هاتين النعمتين الضروريتين للعيش دعا بهما إبراهيم عليه السلام لأهل البيت الحرام (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِالله وَاليَوْمِ الآَخِرِ) [البقرة:126] فاستجاب الله تعالى دعوة الخليل عليه السلام، فحل الأمن بالبيت العتيق، وتواردت الأرزاق عليه من كل مكان (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص:57].

وامتن الله تعالى على قريش بذلك (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش:3-4].

وهاجس الأمن والرزق يؤرق الأفراد والدول والأمم، ويقض مضاجعهم، وفي الأزمات الاقتصادية يتداعى أهل السياسة والاقتصاد والخبرة لإيجاد حلول عاجلة لها؛ لعلمهم بما تخلفه من نكبات لا يُحصى ضررها.

وعقب النكبة المالية العالمية التي أفلست فيها كثير من الشركات الكبرى بسبب النظام الاقتصادي الفاسد المبني على الربا والاحتكار والمعاملات المحرمة، واحتمالِ أن يسود التجارة العالمية كساد كبير، وركود لا سابق له؛ فإن كثيرا من الدول صارت تخاف على اقتصادها واستقرارها، وأضحى الأفراد يخافون على مواردهم وأرزاقهم، وهو خوف له ما يسوغه؛ فإن المال عصب الحياة، ولا استقرار للدول إلا به، ولا يعيش الأفراد بفقده، ولكن المؤمن بالله تعالى يسير على نور الشريعة، ويلتمس الحلول في الكتاب والسنة، ولا يحيد عنهما إلى تخبطات البشر واجتهاداتهم.

لنعلم -يا عباد الله- أن مقاليد كل شيء بيد الله تعالى، وأن مردَّ كل شيء إليه، وأنه لا يقع شيء إلا بأمره، ولا يُقضى شأنٌ إلا بعلمه (وَلله مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:189] (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الشُّورى:12].

فواجب علينا أن نسلم الأمر إليه تعالى، وأن نلوذ به سبحانه، وأن ننطرح على بابه عز وجل؛ فنواصينا بيده، وأرزاقنا عنده (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ) [الذاريات:58] (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ) [سبأ:24] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر:3].

وأما البشر فلا يملكون شيئا إلا بأمر ربهم تبارك وتعالى (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ) [الطُّور:37].

إنه لا خوف على أرزاقنا وأمننا إلا من أنفسنا، ولن يُنقَص رزقُنا ويُرفعَ أمنُنا إلا بذنوبنا (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشُّورى:30].

إنْ أراد الله تعالى نَقْصَ رزقنا أو ذهاب أمننا فلن ينفعنا أفرادٌ ولا دول ولا أمم ولا البشرُ جميعا، ولن يمنع ذلك أي قوة مهما كانت (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ) [التوبة:51] (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ) [الأنبياء:42] (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ الله إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً) [الأحزاب:17] (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) [الملك:21].

وإنْ أراد الله تعالى رزقنا وأمننا وعافيتنا فلن يقدر أحد على منع ذلك، فهو سبحانه من منحنا ذلك، وهو وحده سبحانه القادر على بقائه أو رفعه (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى الله رِزْقُهَا) [هود:6] (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) [العنكبوت:60].

فلنعلق بالله تعالى قلوبنا، ولنحسن الظن بربنا، ولنلجأ إليه في كربنا، ولنسأله دفع العذاب عنا، فلن نُنْصر ونُرزق ونأمن إلا به سبحانه (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:49] (قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلُونَ) [الزُّمر:38] (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطَّلاق:3] ومن كان الله تعالى حَسْبَهُ فلن يخش أحدا، ولن يخاف بخسا ونقصا.

عباد الله: إن أي حلول لهذه المشكلات المالية العالمية التي تتفاقم يوما بعد يوم لا تنطلق من شرع الله تعالى فلن يُكتب لها النجاح، فإن كانت هذه الحلول في الإصرار على ما حرم الله تعالى من الربا والعقود الفاسدة، والتجارات المحرمة فويل للبشر ثم ويل لهم، وويل لمن شارك في ذلك أو رضيه (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الزُّخرف:43] (فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّكَ عَلَى الحَقِّ المُبِينِ) [النمل:79].

حمى الله تعالى بلادنا وبلاد المسلمين من القوارع والنكبات، وحفظ علينا وعلى المسلمين ديننا وأمننا ورزقنا، إنه سميع مجيب.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيتها المرأة المسلمة: إن الله تعالى هو خالق الذكر والأنثى كما قال سبحانه (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى) [النَّجم:45] وقال سبحانه (فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى) [القيامة:39].

ومن المتقرر عند أصحاب العقول الصريحة أن الخالق سبحانه أعلم بما خلق، كما أن الصانع أعلم بصنعته، ولكن أهل الكفر والنفاق لم يرتضوا ذلك، وزعموا أنهم أعلم بخلق الله تعالى منه سبحانه، فاجترءوا على شريعته، واستدركوا على أحكامه فيما يتعلق بالذكر والأنثى، وزعموا المساواة بينهما، ونشروا ثقافتهم الفاسدة في هذا الشأن على البشر بالإرهاب والقوة، فأخرجوا المرأة من منزلها، وانتزعوها من أطفالها، وخلطوها بالرجال لتشاركهم وتنافسهم، وتكتوي بإجرام المجرمين منهم، الذين لا يرون فيها إلا متعة لنزواتهم، وألعوبة في أيديهم، فشقيت بنفسها، وشقي بها المجتمع.

إن ظاهرة تساهل النساء بالحجاب واللباس، وانتشار التبرج والسفور والاستعراض، سببه الأكبر الاختلاط وغشيان النساء لمجمعات الرجال، فهي كانت قبل تحتجب عنهم فإذا خالطتهم في العمل فلم إذن الحجاب، والعجب أن من هؤلاء النسوة اللائي يتساهلن بحجابهن، ويبدين مفاتنهن للأجانب عنهن، منهن مصليات صائمات عابدات، لكن اختلاطهن بالرجال كل يوم أذهب الكُلفة، وجرأهن على التخفف من حجابهن شيئا شيئا، حتى صرن فتنة للناس.

إن المرأة المسلمة لا ترضى أن تكون فتنة لأحد، وإلا باءت بإثمه مع إثمها، وإن الله تعالى الذي فرض الصلاة والصيام والحج هو الذي فرض الحجاب، وحرم السفور والاختلاط، فلا يليق بالمسلمة أن تأخذ من دين الله تعالى ما تهوى، وتذر ما لا تهوى، وإلا كانت متبعة لهواها ولو كانت من المصلين ، والله تعالى يقول (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ الله إِنَّ الله لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص:50] وقال سبحانه (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ الله أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية:23].

وواجب على كل مسلم ومسلمة أن تكون أهواءُهم خاضعة لدين الله تعالى، منضبطة بشريعته، حفظ الله تعالى نساء المسلمين من شر المنافقين والشهوانيين، وأكمل لهن دينهن، وأتم نعمته عليهن، وأبقى لهن عفافهن.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: ضحوا تقبل الله تعالى ضحاياكم، وكلوا منها وأَهْدُوا وتصدقوا، وافرحوا بعيدكم في حدود ما أحل الله تعالى لكم.

بروا والديكم، وصلوا أرحامكم، وأحسنوا إلى جيرانكم، وأصلحوا ذات بينكم، وطهروا قلوبكم من الشحناء على إخوانكم، وتذكروا إخوانكم الفقراء والمرضى والأرامل واليتامى والمشردين، فابذلوا لهم ما تستطيعون من العون والدعاء؛ فإن الله يجزي المتصدقين، واحذروا منكرات العيد؛ فإنكم في أيام الشكر والذكر والتكبير، فاذكروا الله على ما هداكم، واشكروه على ما أعطاكم.

أعاده الله علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

وصلوا وسلموا على نبيكم ...