البحث

عبارات مقترحة:

التواب

التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

ثناء الأنبياء على الله تعالى (2) ثناء الخليل عليه السلام على ربه سبحانه

العربية

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. سيرة الخليل إبراهيم حافلة بالأحداث والعظات .
  2. كثرة ثناء الخليل إبراهيم على ربه .
  3. بقدر ثناء العبد على الله يكون ثناؤه عليه في الملأ الأعلى .
  4. ينبغي للمسلم الاقتداء بهدي إبراهيم الخليل في الثناء على الله .

اقتباس

فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَأَسَّى بِأَبِيهِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-؛ فَيُثْنِي عَلَيْهِ -سُبْحَانَهُ- فِي أَحْوَالِهِ كُلِّهَا، فِي سَرَّائِهِ وَضَرَّائِهِ، وَفِي حِوَارَاتِهِ وَمُنَاقَشَاتِهِ، وَفِي مُرَاسَلَاتِهِ وَكِتَابَاتِهِ، وَفِي دُعَائِهِ وَابْتِهَالِهِ، وَفِي نَفْسِهِ وَعِنْدَ أَهْلِهِ وَعِنْدَ النَّاسِ؛ لِيُذَكِّرَهُمْ بِرَبِّهِمْ -سُبْحَانَهُ- إِذَا نَسُوا...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَبِير الْمُتَعَالِ، ذِي الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، الْعَزِيزِ الَّذِي لَا يُضَامُ، وَالْقَيُّومُ الَّذِي لَا يَنَامُ، نَحْمَدُهُ فَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ كُلِّهِ، لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ كَمَا أَثْنَى هُوَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ * وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[الزُّخْرُفِ: 84- 85]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ إِمَامُ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى-، وَأَثْنُوا عَلَيْهِ -سُبْحَانَهُ- بِمَا هُوَ أَهْلُهُ؛ فَإِنَّهُ خَلَقَكُمْ مِنَ الْعَدَمِ، وَتَابَعَ عَلَيْكُمُ النِّعَمَ، وَهَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ، وَعَلَّمَكُمُ الْقُرْآنَ، وَجَعَلَكُمْ مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ. وَأَرْزَاقُكُمْ وَآجَالُكُمْ بِيَدِهِ -سُبْحَانَهُ-، وَسَعَادَتُكُمُ الْأَبَدِيَّةُ فِي طَاعَتِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَهُوَ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِكُمْ ثُمَّ يَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ "فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ".

أَيُّهَا النَّاسُ: سِيرَةُ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- سِيرَةٌ حَافِلَةٌ بِالْأَحْدَاثِ، مَمْلُوءَةٌ بِالْمُنَاظَرَاتِ وَالْمُحَاوَرَاتِ؛ فَقَدْ نَاظَرَ الْمَلِكَ الْبَابِلِيَّ فِي الرُّبُوبِيَّةِ، وَنَاظَرَ الصَّابِئَةَ فِي عِبَادَتِهِمْ لِلْكَوَاكِبِ، كَمَا نَاظَرَ قَوْمَهُ فِي عِبَادَتِهِمْ لِلْأَصْنَامِ، وَحَاوَرَ أَبَاهُ فِي الْأُلُوهِيَّةِ. وَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ.

وَمِمَّا يَلْفِتُ انْتِبَاهَ قَارِئِ الْقُرْآنِ كَثْرَةُ ثَنَاءِ الْخَلِيلِ عَلَى رَبِّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فِي كُلِّ حِوَارَاتِهِ وَمُنَاظَرَاتِهِ؛ فَفِي مُنَاظَرَتِهِ لِلْمَلِكِ أَثْنَى عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الشَّمْسِ كَيْفَ يَشَاءُ (قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)[الْبَقَرَةِ: 258].

وَفِي مُنَاظَرَتِهِ لِعُبَّادِ الْكَوَاكِبِ أَثْنَى عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِالْخَلْقِ، وَبِعِلْمِهِ الَّذِي وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَالَ: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ)[الْأَنْعَامِ: 79- 80].

وَفِي مُحَاوَرَتِهِ لِقَوْمِهِ عَلَى التَّوْحِيدِ أَثْنَى عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْقُدْرَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالْهِدَايَةِ (قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)[الشُّعَرَاءِ: 75 - 82].

وَفِي خِتَامِ مُحَاوَرَتِهِ لِأَبِيهِ وَعَدَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ، وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِحَفَاوَتِهِ -سُبْحَانَهُ- بِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا)[مَرْيَمَ: 47].

وَالْخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي دُعَائِهِ لِرَبِّهِ -سُبْحَانَهُ- كَانَ كَثِيرَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَهَذَا مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ، وَمِنْ أَسْبَابِ إِجَابَتِهِ؛ فَقَدْ "سَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللَّهَ -تَعَالَى-، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: عَجِلَ هَذَا، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ).

وَفِي دُعَاءِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-وَهُوَ يَبْنِي الْبَيْتَ الْحَرَامَ- أَثْنَى عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِالسَّمْعِ وَالْعِلْمِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ وَقَبُولِ التَّوْبَةِ: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127 - 129].

وَفِي مَقَامٍ آخَرَ دَعَا الْخَلِيلُ رَبَّهُ -سُبْحَانَهُ- فَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَبِالرَّحْمَةِ وَبِعِلْمِهِ الْمُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَبِسَمَاعِهِ -سُبْحَانَهُ- لِلدُّعَاءِ وَاسْتِجَابَتِهِ، وَحَمِدَ الْخَلِيلُ رَبَّهُ عَلَى مَا رَزَقَهُ مِنَ الْوَلَدِ فِي كِبَرِهِ (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 35- 36]. إِلَى أَنْ قَالَ فِي دُعَائِهِ: (رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ)[إِبْرَاهِيمَ: 38- 39].

وَفِي آيَاتٍ عِدَّةٍ فِي مُنَاظَرَاتِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِقَوْمِهِ فِي الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ كَانَ يُثْنِي عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِالْخَلْقِ، وَيَلْفِتُ انْتِبَاهَهُمْ لِهَذِهِ الصِّفَةِ الْعَظِيمَةِ فِي الْخَالِقِ -سُبْحَانَهُ-، وَمِنْ ذَلِكَ:

أَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، فَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِفِعْلِ الْآبَاءِ، فَدَحَضَ حُجَّتَهُمْ بِبَيَانِ ضَلَالِ آبَائِهِمْ، فَاسْتَنْكَرُوا مَقُولَتَهُ، فَلَفَتَ انْتِبَاهَهُمْ إِلَى عِبَادَةِ خَالِقِهِمْ دُونَ مَا سِوَاهُ: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 51 - 56].

وَفِي مَقَامٍ آخَرَ كَرَّرَ عَلَيْهِمُ الدَّعْوَةَ، وَأَقَامَ الْحُجَّةَ، مُثْنِيًا عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِصِفَةِ الْخَلْقِ: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)[الزُّخْرُفِ: 26- 27].

وَفِي مَقَامٍ ثَالِثٍ أَعَادَ عَلَيْهِمُ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِالْخَلْقِ: (قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 85 - 87]، إِلَى أَنْ قَالَ لَهُمْ: (أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)[الصَّافَّاتِ: 95- 96].

كُلُّ هَذَا الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- مِنَ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي مُنَاظَرَاتِهِ وَمُحَاوَرَاتِهِ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ لَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَادَّةَ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-وَلَا سِيَّمَا أُولِي الْعَزْمِ مِنْهُمْ- هِيَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِمَا هُوَ أَهْلُهُ. وَبِقَدْرِ ثَنَاءِ الْعَبْدِ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- يُثْنِي اللَّهُ -تَعَالَى- عَلَيْهِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ..."(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ...

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَأَثْنُوا عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَلَنْ تُحْصُوا ثَنَاءً عَلَيْهِ كَمَا أَثْنَى هُوَ عَلَى نَفْسِهِ: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتٍ الصُّدُورِ)[الْحَدِيدِ: 1 - 6].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَمَا أَثْنَى الْخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَى رَبِّهِ -سُبْحَانَهُ- بِمَا هُوَ أَهْلُهُ فَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- جَزَاهُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ، وَبَقِيَ هَذَا الثَّنَاءُ مَا بَقِيَ الْقُرْآنُ، وَأُمِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالتَّأَسِّي بِوَالِدِهِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي إِيمَانِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَثَنَائِهِ عَلَى رَبِّهِ -سُبْحَانَهُ-، وَبَرَاءَتِهِ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، وَمِنْ ثَنَاءِ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَى الْخَلِيلِ قَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ-: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[النَّحْلِ: 120 - 123].

فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَأَسَّى بِأَبِيهِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-؛ فَيُثْنِي عَلَيْهِ -سُبْحَانَهُ- فِي أَحْوَالِهِ كُلِّهَا، فِي سَرَّائِهِ وَضَرَّائِهِ، وَفِي حِوَارَاتِهِ وَمُنَاقَشَاتِهِ، وَفِي مُرَاسَلَاتِهِ وَكِتَابَاتِهِ، وَفِي دُعَائِهِ وَابْتِهَالِهِ، وَفِي نَفْسِهِ وَعِنْدَ أَهْلِهِ وَعِنْدَ النَّاسِ؛ لِيُذَكِّرَهُمْ بِرَبِّهِمْ -سُبْحَانَهُ- إِذَا نَسُوا، وَيُنَبِّهَهُمْ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ إِذَا غَفَلُوا، فَيُكْتَبَ لَهُ أَجْرُهُ مَعَ أَجْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا فِي ثَنَائِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ). وَاللَّهُ -تَعَالَى- يَقُولُ: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)[الْبَقَرَةِ: 152].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...