البحث

عبارات مقترحة:

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

صفات الملائكة وعباداتها

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات العقيدة - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. الإيمان بالملائكة أحد أركان الإيمان .
  2. صفات الملائكة .
  3. عبادة الملائكة لربهم. .

اقتباس

الملائكة مكلفون بعبادة الله وطاعته، وتكون عبادتهم لربهم بالإيمان به والحمد والتمجيد والثناء عليه بما هو أهله، وذكره ودعائه واستغفاره والصلاة له، وهذا وصفهم العام مع ما يكلفون به من مهام، ومنهم من هذا...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:

أيها المؤمنون: الإيمان بالملائكة، هو أحد أركان الإيمان الثابتة بالأدلة القطعية اليقينية من الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح، قال الله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)[البقرة: 285].

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المشهور المتضمن لأسئلة جبريل -عليه السلام- للرسول-صلى الله عليه وسلم- ما الإسلام والإيمان والإحسان: قال - أي جبريل -عليه السلام- فأخبرني عن الإيمان، قال - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم-: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره" قال - أي جبريل -عليه السلام-: صدقت.."(رواه مسلم).

فالمؤمن عليه أن يعتقد اعتقاداً جازماً بأن الله خلق عالماً سماه الملائكة؛ فمن أنكر وجود الملائكة كان إنكاره كفراً وضلالاً؛ لأنه أنكر ما هو ثابت ثبوتاً صريحاً في القرآن الكريم والسنة الشريفة قال الله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا)[النساء: 136].

فما هي صفات الملائكة وكيف هي عبادتهم وطاعتهم لله؟

معاشر المسلمين: من صفات الملائكة أن خلقهم الله -عز وجل- من نور، عن عائشة -رضي الله عنها- عن أبيها أبي بكر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق أدم مما وصف لكم"(رواه مسلم).

ولا ندري متى خُلقوا، فالله - سبحانه - لم يخبرنا بذلك، ولكننا نعلم أنّ خلقهم سابق على خلق آدم أبي البشر، فقد أخبرنا الله أنه أعلم ملائكته أنه جاعل في الأرض خليفة: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)[البقرة: 30]، والمراد بالخليفة آدم -عليه السلام-، وأمرهم بالسجود له حين خلقه: (فإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ)[الحجر: 29].

وللملائكة أجنحة كما أخبرنا الله تعالى؛ فمنهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، أو أربعة، ومنهم من له أكثر من ذلك: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[فاطر: 1].

وورد في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- جبريل له ستمائة جناح".

وهم موصوفون بالحسن والجمال، قال تعالى فـي جبرائيل (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى)[النجم: 6] فسّرها ابن عباس وقتادة بالحُسن والجمال فـي المنظر والخلق والطول، وقالت النسوة صواحب يوسف فـي جمال يوسف: (مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)[يوسف: 31].

والملائكة لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة، ولقد ضلّ في هذا المجال مشركو العرب الذين كانوا يزعمون أن الملائكة إناث، واختلطت هذه المقولة المجافية للحقيقة عندهم بخرافة أعظم وأكبر؛ إذ زعموا أن هؤلاء الإناث بنات الله، قال تعالى: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ)[الصافات: 149-155].

وقد جعل الله قولهم هذا شهادة سيحاسبهم عليها؛ فإن من أعظم الذنوب القول على الله بغير علم: (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُون)[الزخرف: 19].

عباد الله: ومن صفات الملائكة الحياء فهي تستحي استحياء يليق بحالها؛ ففي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها-: أن رسول الله كان جالسا كاشفا عن فخذه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على حاله، ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثوبه، فلما قاموا، قالت: يا رسول الله استأذن أبو بكر وعمر فأذنت لهما، وأنت على حالك، فلما استأذن عثمان أرخيت عليك ثيابك، فقال: "يا عائشة ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة".

ومن صفاتهم: أنهم منزهون عن الأعراض البشرية من نوم وأكل وشرب وتعب، قال تعالى: (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)[الأنبياء: 19-20]، وقال تعالى: (يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ)[فصلت: 38].

ونقل السيوطي عن الفخر الرازي: "أن العلماء اتفقوا على أن الملائكة لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتناكحون".

وهم موصوفون بالعلم كذلك بالقوة والشدة: قال تعالى: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[البقرة:30]، وقال تعالى: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى)[النجم: 5]؛ يعني: جبرائيل -عليه السلام، وقال تعالى فـي وصف خزنة جهنم: (عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ)[التحريم: 6].

وقد قص علينا القرآن فصة الملائكة وقوم لوط وكيف كان العذاب الشديد يقولُ الله تبارك وتعالى: (وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ * قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءاوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ)[هود:77-80].

يقال إنّ لوطًا -عليه السلام- كان قد أغلق بابه والملائكة معه في الدار، وأخذ يناظر ويجادل قومه من وراء الباب وهم يعالجون الباب ليفتحوه، فلما رأت الملائكة ما يلقى نبي الله لوط -عليه السلام- من كربٍ شديد أخبروه بحقيقتهم وأنهم ليسوا بشرًا وإنما هم ملائكة ورسل الله قدموا وجاءوا لإهلاك هذه القرية بأمر من الله؛ لأن أهلها كانوا ظالمين بكفرهم وفسادهم، وأمروه أن يخرج من أرض قومه مع أهله ليلاً قبل طلوع الصبح؛ لأن موعد إهلاكهم سيكونُ في وقت الصبح، يقول الله -تبارك وتعالى- إخبارًا عن قول الملائكة لنبيه لوط -عليه السلام-: (قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْإِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)[هود:81].

يقول الله -عز وجل-: (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ* وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ)[القمر:37-38]، وقال تعالى: (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)[الحجر: 74-77]

قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين، أما بعد:

عباد الله: فالملائكة مكلفون بعبادة الله وطاعته، وتكون عبادتهم لربهم بالإيمان به والحمد والتمجيد والثناء عليه بماهو أهله، وذكره ودعائه واستغفاره والصلاة له، وهذا وصفهم العام مع ما يكلفون به من مهام، ومنهم من هذا شأنه أبداً؛ فهم صفوف لا يفترون، ومنهم سجّد لا يرفعون منذ خلقهم الله، وقد وردت أحاديث بهذا المعنى احتج بها أهل العلم، كقولـه -صلى الله عليه وسلم-: "أطّت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها شبر"، وفي رواية: "أربع أصابع إلا وملك قائم أو راكع أو ساجد"، وفي رواية: "لا يرفعون رؤوسهم منذ خلق الله السموات والأرض"، وفي رواية: "لا يرفعونها إلى يوم القيامة"(السلسلـة الصحيحـة للألبانـي).

فإذا رفعوا رؤوسهم نظروا إلى وجه الله -عز وجل-، فقالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.

ومن عبادتهم لربهم: ذكر الله تعالى، وأعظم ذكره التسبيح، يسبحه تعالى حملة عرشه: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ)[غافر: 7]، كما يسبحه عموم ملائكته: (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ)[الشورى: 5].

وتسبيحهم لله دائم لا ينقطع، لا في الليل، ولا في النهار: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ)[الأنبياء: 20].

ولكثرة تسبيحهم فإنهم هم المسبِّحون في الحقيقة، وحق لهم أن يفخروا بذلك: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ)[الصافات: 165-166].

وما كثرة تسبيحهم إلا لأن التسبيح أفضل الذكر، روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذكر أفضل؟ قال: "ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده".

ومن ذلك: الحج؛ فللملائكة كعبة في السماء السابعة يحجون إليها، هذه الكعبة هي التي أسماها الله تعالى: البيت المعمور، وأقسم به في سورة الطور: (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ)[الطور: 4].

قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية: ثبت في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث الإسراء، بعد مجاوزته السماء السابعة: "ثم رفع بي إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألفاً، لا يعودون إليه آخر ما عليهم"؛ يعني يتعبدون فيه، ويطوفون به كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم، والبيت المعمور هو كعبة أهل السماء السابعة، ولهذا وَجَد إبراهيمَ الخليل -عليه الصلاة والسلام- مسنداً ظهره إلى البيت المعمور؛ لأنه باني الكعبة الأرضية، والجزاء من جنس العمل.

وذكر ابن كثير أن البيت المعمور بحيال الكعبة؛ أي فوقها، لو وقع لوقع عليها، وذكر أن في كل سماء بيتاً يتعبد فيه أهلها، ويصلون إليه، والذي في السماء الدنيا يقال له: بيت العزة.

ومن ذلك: خوفهم من الله وخشيتهم له؛ فلما كانت معرفة الملائكة بربهم كبيرة كان تعظيمهم له، وخشيتهم له عظيمة، قال الله فيهم: (وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)[الأنبياء: 28].

ويبين شدة خوفهم من ربهم ما رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كالسلسلة على صفوان"، قال علي، وقال غيره: "صفوان ينفذهم ذلك. فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، وهو العلي الكبير".

ومن ذلك: تدبير أمور الخلائق كما أمرهم ربهم وكلفهم من أعمال، قال: (لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].

أيها المؤمنون: هذه صفات الملائكة وهذه عباداتهم وطاعتهم لربهم، وإنه حري بنا أن نستشعر عظمة الله وقدرته، وأن نتأسى بالملائكة في طاعتهم وعبادتهم لربهم.

واعلموا أن الله -تبارك وتعالى- قال قولًا كريمًا تنبيهًا لكم، وتعليمًا وتشريفًا لقدر نبيه وتعظيمًا: (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].