البحث

عبارات مقترحة:

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

التأمل في عبادة التوكل (1)

العربية

المؤلف خالد بن علي أبا الخيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. منزلة التوكل في الإسلام .
  2. معنى التوكل وفضائله .
  3. درجات التوكل .
  4. أعظم ثمرات التوكل وفوائده. .

اقتباس

من أهم الأسباب الموصلة إلى السعادة والراحة النفسية وانشراح الصدر، ويدفع الهم والغم، منزلة عظيمة من منازل السائرين إلى الله إنها منزلة التوكل، أعظم ما يُدخل السعادة في القلوب وأعظم ما يُدخل الجنة التوكلُ على الله. وإن العبد المؤمن إذا توكل على الله حق التوكل رضي بما فعله وكيله سبحانه، فمَن رضي فتوكل على الله قبل الفعل، ورضي بالمقضي له بعد الفعل، فقد قام بالعبودية، وإذا حقَّق العبد هذه المنزلة استأنس بالله، واستوحش من الناس...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين جعل التوكل عليه من الدين المتين، وأشهد أن لا إله إلا الله كفى عباده المتوكلين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتوكلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، نالوا المقام الأعلى في التوكل على رب العالمين..

أما بعد: فاتقوه حق تقواه، وتوكلوا عليه فمَن توكل عليه كفاه وحماه، ومَن اعتمد عليه حفظه ووقاه..

عباد الله: من أهم الأسباب الموصلة إلى السعادة والراحة النفسية وانشراح الصدر، ويدفع الهم والغم، منزلة عظيمة من منازل السائرين إلى الله إنها منزلة التوكل، أعظم ما يُدخل السعادة في القلوب وأعظم ما يُدخل الجنة التوكلُ على الله.

فما هو التوكل؟ التوكل على الله هو الثقة بالله -تعالى- والاعتماد عليه وتفويض الأمر إليه بأن قضاءه ماضٍ واتباع السنة في السعي فيما لا بد منه من الأسباب، التوكل على الله هو صدق اعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح، ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، وكلت الأمور كلها إليه وتحقيق الإيمان؛ لأن لا يُعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه سبحانه، التوكل على الله هو التعلق بالله في كل حال والطمأنينة والسكون إليه.

التوكل على الله هو ترك تدبير النفس والانخلاع من الحول والقوة إلا إليه، التوكل على الله هو الثقة بما عند الله، واليأسُ عما في أيدي الناس، التوكل على الله هو طرح البدن في العبودية وتعلق القلب بتدبير الرب والطمأنينة فيها الكفاية؛ فإن أُعطي شكر وإن مُنِع صبر، سُئل يحيى بن معاذ متى يكون الرجل متوكلًا؟ فقال: "إذا رضي بالله وكيلًا".

وقد أمر الله بالتوكل في خمسة عشر موضعًا من القرآن:
الأول: إن طلبتم النصر والفرج فتوكلوا على الله (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ)[آل عمران:160] إلى قوله: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)[المائدة:23].

الثاني: إذا أعرضت عن أعدائي فليكن رفيقك التوكل، (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [النساء:81].
 

الثالث: إذا أعرض عنك الخلق اعتمد على التوكل، (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) [التوبة:129].
 

الرابع: إذا تُليَّ القرآن عليك أو تلوته فاستند إلى التوكل (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال:2].
 

الخامس: إذا طلبت الصلح والإصلاح بين قومٍ لا تتوسل إلى ذلك إلا بالتوكل (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) [الأنفال:61].
 

السادس: إذا وصلت قوافل القضاء استقبلها بالتوكل (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا) [التوبة:51].
 

السابع: إذا نصبت الأعداء حبالات المكر ادخل أنت في أرض التوكل: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ) [يونس:71].

الثامن: وإذا عرفت أن مرجع الكل إلى الله، وتقدير الكل منه وطن نفسك على فرش التوكل (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ)[هود:123]، (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة:5].

التاسع: إذا علمت أنه سبحانه والواحد على الحقيقة فلا يكن اتكالك إلا عليه (قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) [الرعد:30].

العاشر: إذا عرفت أن هذه الهداية من عنده سبحانه لاقها بالشكر والتوكل (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [إبراهيم:12].

الحادي عشر: إذا خشيت بأس أعداء الله والشيطان الغدار لا تلتجئ إلا إلى باب الواحد القهار (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [النحل:99].

الثاني عشر: إذا أردت أن يكون الله وكيلك في كل حال فتمسك بالتوكل في كل حال (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [الأحزاب:3].

الثالث عشر: إن أردت أن يكون الفردوس الأعلى منزلك انزل في مقام التوكل (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [النحل:42].

الرابع عشر: إن شئت النزول محل المحبة اقصد أولًا طريق التوكل (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران:159].

الخامس عشر: إن أردت أن يكون الله سبحانه لك وتكون له فاستقم على باب التوكل (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3]، (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) [النمل:79]، (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) [الفرقان:58].

أيها المسلمون وللتوكل درجات لا يتم التوكل إلا بها:

الدرجة الأولى: معرفة الرب بأسمائه وصفاته، بقدرته وكفايته وقيوميته، وانتهاء الأمور إلى علمه، وصدوره عن مشيئته، واليقين بكفاية وكيله وكمال قيام بما وكله إليه. قال ابن القيم: "التوكل من أعم المقامات تعلقًا بالأسماء الحسنى. فإن له تعلقًا خاصًّا بعامة أسماء الأفعال وأسماء الصفات فله تعلق باسم الغفار والتواب والعفو والرءوف والرحيم، وتعلقًا باسم الفتاح والوهاب والرزاق والمعطي والمحسن، وتعلقًا باسم المعز المذل الخافض الرافع المانع من جهة التوكل عليه في إذلال أعداء دينه، وخفضهم ومنعهم أسباب النصر، وتعلقٌ بأسباب القدرة والإرادة وله تعلقٌ بجميع الأسماء الحسنى ولهذا فسره مَن فسره من الأئمة بأنه المعرفة بالله وإنما أراد أنه بحسب معرفة العبد يصح له مقام التوكل، وكلما كان بالله أعرف كان توكله عليه أقوى.

الدرجة الثانية: اعتماد القلب على الله واستناده إليه وسكونه إليه بحيث لا يبقى فيه اضطراب من تشويش الأسباب ولا سكون إليها بل يخلع السكون إليها من قلبه ويُلبسه السكون إلى مسببها، وعلامة هذه ألا يُبالي في إقبالها وإدبارها، ولا يضطرب قلبه ويخفق عند إدبار ما يحب منها وإقبال ما يكره؛ لأن اعتماده على الله وسكونه إليه واستناده إليه قد حصنه من خوفها ورجاءها، فحاله حال مَن خرج عليه عدو عظيم لا طاقة له فرأى حصنًا مفتوحًا فأدخله ربه إليه، وأغلق عليه باب الحصن فهو يشاهد عدوه خارج الحصن فاضطراب قلبه وخوفه من عدوه في هذه الحال لا معنى له، ولذلك فإن سادة المتوكلين هم الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- فهم متوكلون على ربهم في السراء والضراء.

في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النار، وقالها محمد -صلى الله عليه وسلم- حين قالوا له: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران:173].

الدرجة الثالثة: حسن الظن بالله، وحسن الظن بالله يدعو إلى التوكل عليه، ولا يتصور التوكل على مَن ساء ظنك به ولا التوكل على مَن لا ترجوه، في صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله"، وفي المسند عن أبي هريرة في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي فإن ظن خيرًا فله، وإن ظن شرًّا فله".

الدرجة الرابعة: استسلام القلب لله وانجذاب دواعيه كلها إليه وقطع منازعته، وهذا من تمام التسليم لله فلا يريد إلا ما أراد الله، ولا يحب إلا ما أحبه الله، ولا يبغض إلا ما أبغضه الله، ولا يفعل ولا يترك إلا ما أمره الله بفعله أو تركه، ولله در القائل:

لا تدبر لك أمرًا

فأولو التدبير هلكَى

سلم الأمر تجد ما

نحن أولى بك منكَ

ولذلك فمَن يُسلم قلبه لمولاه تولاه الله، ولم يتركه بل حفظه في نفسه وأهله وماله، في صحيح البخاري قال ابن عباس: "جاء إبراهيم بأم إسماعيل وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة وهي شجرة عظيمة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذٍ أحد، وليس بها ماء فوضعها هنالك ووضع عندهما جرابًا فيه تمرٌ وسِقاءٌ فيه ماء، ثم قفا إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي؟ الذي ليس فيه إنسٌ ولا شيءٌ؟ فقالت له ذلك مرارًا وجعل لا يلتفت إليها فقالت له: الله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يُضيعنا".

الدرجة الخامسة: تفويض الأمر كله لله وهو روح التوكل إليه وحقيقته وهو إلقاء الأمور كلها لله، وإنزالها طلبًا واختيارًا لا كرهًا واضطرارًا، فالتفويض براءً وخروج من الحول والقوة وتسليم الأمر كله إلى مالكه، في ذلك جاء في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في البخاري "اللهم أسلمت إليك وفوضتُ أمري إليه".

وثبت في سنن أبي داود عن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، قال: فيقال حينئذٍ هُديت وكُفيت ووقيت فتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هُديَّ وكُفي ووقي" ومَن فوض أمره إلى مولاه علم أنه لن ينفعه أحد ولا يضره إلا بإذن الله.

ثبت في سنن الترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".

وفي صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله أنه غزا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما قفل رسول الله قفل معه فأدركتهم القائلة في وادٍ كثير العِظات فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتفرق الناس يستظلون بالشجر، فإذا رسول الله نزل تحت شجرة وعلق بها سيفه، ونام، فإذا رسول الله يدعونا وإذا عنده أعرابي فقال: "هذا اخترط عليَّ سيفي وأنا نائم فاستيقظتُ وهو في يده صلتًا، فقال: مَن يمنعك مني؟ فقلت: الله ثلاثًا، ولم يعاقبه". وفي رواية لأحمد "فقال: مَن يمنعك مني؟ قال: الله، فسقط السيف من يده فأخذ السيف، فقال: مَن يمنعك مني؟ فقال: كن خير أخذ، فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، قال: لا ولكني أُعاهدك ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك. فخلى سبيله، فأتى أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس".

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو التواب الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده.

الدرجة السادسة: الرضا وهو أعظم ثمرات التوكل وفوائده، فإن العبد المؤمن إذا توكل على الله حق التوكل رضي بما فعله وكيله سبحانه، فمَن رضي فتوكل على الله قبل الفعل ورضي بالمقضي له بعد الفعل، فقد قام بالعبودية، ولذلك ثبت في سنن النسائي من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: "وأسألك الرضا بعد القضاء".

إذا حقَّق العبد هذه المنزلة استأنس بالله، واستوحش من الناس، وفي ذلك العزة والصحبة مع الله ورسوله أن تكون راضيًا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولاً، وهذا يؤدي إلى الاستسلام لله -تعالى- في كل ما يأمُر وينهى، قيل ليحيى بن معاذ متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا؟ قال: إذا أقام على نفسه أربعة أصول فيما يُعامل فيه ربه، فيقول: إن أعطيتني قبلت، وإن منعتني رضيت، وإن تركتني عبدت، وإن دعوتني أجبت، ومتى ما رضي المؤمن بما قدره الله عليه جاءه الرزق من الرزاق سبحانه.

صح عند الحاكم عن عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خِماصًا وتروح بِطانًا".

توكلت في رزقي على الله خالقي وأيقنت بأن الله لا شك رازقي

فما كان من رزقٍ فليس يفوتني

ولو كان في قاع البحار العوامقِ

فلأي شيء تذهب النفس حسرةً

وقد قسم الرحمن رزق الخلائقِ

سيأتي به الله الكريم بفضلهِ

ولو لم يكن مني اللسان بناطقِ

وكيف أخاف الفقر والله رازقي

ورازق هذا الخلق في العسر واليسرِ

تكفل بالأرزاق للخلق كلهم

وللضب في البيداء والحوت في البحرِ

هذه هي درجات التوكل على الله فلا غنى للمسلم عنها، ولا يمكن أن يعيش المسلم بهناءً وسعادةٍ وراحة بال إلا بأن يتوكل على الله حق التوكل:

يجول الغنى والعز في كل موطنٍ

ليستوطن قلب امرئ إن توكلا

ومَن يتوكل كان مولاه حسبهُ

وكان له فيما يحاول معقلا

إذا رضيت نفسي بمقدور حظها

تعالت وكانت أفضل الناس منزلا

بل دخول الجنة مرتبط بالتوكل على الله، كما في الصحيحين عن ابن عباس في السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وذكر أنهم هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون.

توكل على الرحمن في كل حالةٍ

وأعدد لكل النائبات توكلا

فإن جنان الخلد يدخُلها غدا

بغير حساب كل عبد توكلا

إذا أردت العزة والمكانة والرفعة فتوكل على الله، إذا أردت التوفيق والسداد في أمورك كلها فتوكل على الله، إذا أردت أن توفق في رزقك ومعاشك فتوكل على الله، إذا أردت راحة القلب وانشراح الصدر وطمأنينة النفس فتوكل على الله، إذا أردت المنافع والمصالح، والبعد عن المفاسد والمضار فتوكل على الله (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) [المائدة:23]، (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [إبراهيم:12]، (رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [الممتحنة:4]، (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا) [الفرقان:58]، (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[آل عمران:159].

هذا، وللحديث بقية في جمعة وحلقة ثانية قادمة.

والله أعلم.