البارئ
(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...
العربية
المؤلف | عبدالله عوض الأسمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إذاً ما هو التوكل؟ وما معناه؟ التوكل على الله: هو الاعتماد على الله بالقلب في حصول النفع ودفع المكروه, وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- سيد المتوكلين, فهو يتوكل على الله -عز وجل- في أبسط الأمور؛ فعندما يخرج من بيته -عليه الصلاة والسلام- يتوكل على الله فيقول...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَّى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ، ومَنْ سارَ على نَهْجِه واقْتَفَى أثَرَهُ إلى يوم الدين.
أما بعد: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عباد الله: إن التوكل على الله -عز وجل- من لوازم التوحيد, وأمر الله -عز وجل- بالتوكل عليه في آيات كثيرة منها: قوله -تعالى-: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[المائدة: 23], وقوله -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[آل عمران: 159].
إذاً ما هو التوكل؟ وما معناه؟ التوكل على الله: هو الاعتماد على الله بالقلب في حصول النفع ودفع المكروه, وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- سيد المتوكلين, فهو يتوكل على الله -عز وجل- في أبسط الأمور؛ فعندما يخرج من بيته -عليه الصلاة والسلام- يتوكل على الله فيقول: "بِسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ".
وكان في أشد الأمور في حالة الخوف يقولها أيضاً؛ ففي غزوة أحد عندما أخبر أن قريشاً ستعود للحرب قال -صلى الله عليه وسلم-: "حسبنا الله ونعم الوكيل", فلم يضرهم شيء عندما قالوها, حيث قال الله -عز وجل- في ذلك: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)[آل عمران: 174]؛ وهذا نتيجة التوكل واعتماد القلب على الله -عز وجل- أنه سوف يحفظ العبد ويرعاه, وتوكل على الله -عز وجل- إبراهيم -عليه السلام- عندما ألقي في النار؛ فحفظه الله -عز وجل- من النار, قال -تعالى-: (قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[الأنبياء: 69].
عباد الله: إن التوكل على الله نصف الدين, والناس في التوكل أقسام:
منهم من يتوكل على الله في الإيمان ونصرة الدين, وإعلاء كلمة الله -عز وجل- وجهاد الأعداء, وحفظ البلاد من شر الفتنة والآثام والمعاصي, فهذا التوكل على الله في أمور الدين هو منهج الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- ومنهج المؤمنين الصالحين وأتباعهم إلى يوم الدين.
ومنهم من يتوكل على الله في أمور الدنيا فقط؛ في طلب الرزق والعافية في جسده, ورد الأعداء, أو نجاح في مدرسة أو جامعة, أو طلب شيء من أمور الدنيا؛ فهذا توكل على الله جائز ومباح، لكن هؤلاء اهتموا بالدنيا فقط, فاهتم هؤلاء برزق قد كتبه الله -عز وجل-, أو أمور دنيوية بسيطة, وتركوا أهم من ذلك فلم يتوكلوا على الله في أمور الدين أولا, ثم في إخوانهم المسلمين ثانياً.
فالأولى أن يهتم المسلم في أمور الدين أولا؛ بأن يعتمد على الله -عز وجل- ويدعوه دائماً أن يحفظ له دينه الذي هو عصمة الأمر والفلاح, والسعادة في الدنيا والآخرة, وأن يفوض أمر المسلمين إلى الله -عز وجل-, ويوكله -سبحانه- في أن يحفظ بلاد الحرمين وبلاد المسلمين من شر الكائدين بها والمتربصين أعداء الدين, من اللبراليين والعلمانيين وشرهم, وأن يحفظ بلادنا من شرورهم, وأن يجعل كيدهم وتخطيطهم في نحورهم.
فيجب عليك -أخي المسلم- أن تهتم بأمر المسلمين, وفي الحديث: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم", وفي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى"(متفق عليه).
فعلينا أن نتوكل على الله, ونعتمد عليه في إصلاح ديننا أولا, وحفظ دين المسلمين والمسلمات في هذه البلاد خاصة, وبلاد المسلمين عامة, وأن يقيهم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
ثم نعتمد على الله بعد ذلك في أمور الدنيا؛ كالرزق والصحة وأي أمر نرغب في الدنيا, ولا يصح أن نقدم الدنيا على الآخرة؛ فأمر الآخرة أهم من أمر الدينا.
نسأل الله -عز وجل- أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
أقول ما سمعتم, واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد, وعلى آله وصحبه ومن تبعه, وبعد:
ثم اعلموا أن التوكل على غير الله على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يتوكل على غير الله اعتماداً وعبادة؛ فهذا شرك أكبر وخروج من الملة, فيفوض أمره إليه تفويضاَ كاملاً في جلب المنافع ودفع المضار؛ كالذين يستغيثون بالأولياء والصالحين سواء كانوا أحياءً أو أمواتا.
الثاني: أن يتوكل على غير الله بشيء من الاعتماد لكن فيه إيمان بالله, وهو يعلم أن الأمر إلى الله؛ كمن يعتمد على كثير من الناس في معاشهم, ويعتمد عليهم في أرزاقهم؛ سواء كانت وظيفة أو تجاره أو صاحب مؤسسة, أو يعتمد عليهم في صحتهم؛ فتراه يذكر أن الدكتور الفلاني فعال في علاجه, أو أن الدواء الفلاني مؤثر ويشفي المرض الفلاني, فإذا تعلق المسلم بهذه الأسباب دون التعلق بالله -عز وجل- فان هذا شرك أصغر, والشرك الأصغر لا يقل عن كبائر الذنوب؛ كما ذكر العلماء -رحمهم الله-.
فعليك أن تفعل الأسباب في تحصيل رزقك وصحتك ولا تعتمد عليها في حصول المنفعة أو في دفع المكروه, بل اعتمد على الله -عز وجل- الفعال والمؤثر في كل شي, وما تفعله مجرد سبب إن شاء الله نفع, وإن لم يشأ لم ينفع أبدا.
نسأل الله أن يرزقنا الاعتماد على الله بقلوبنا, ونعوذ بالله من الشرك الأصغر والأكبر, إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ألا صلوا وسلموا على سيدنا ونبينا محمد؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.