الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
العربية
المؤلف | أيمن سامي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - |
من نعم الله –عز وجل- ومنته وكرمه ما يفتح الله –عز وجل- على عباده من مواسم الخيرات، تلك الأيام المباركات التي يمن الله بها -جل وعلا- على عباده، فما أن انقضى شهر رمضان في الليلة التي انقضى فيها الشهر، بدأ موسم كريم وهو موسم الحج لبيت الله الحرام. ربي -جل وعلا- يقول: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) ..
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
الليالي في سيرهن مسرعات، والأيام في انقضائهن ذاهبات، والأعمار في سيرهن منتهيات، وإلى الله المصير. فجدوا -رحمكم الله-، فأمامنا يوم ثقيل تذهل فيه المرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد.
لمثل هذا فليعمل العاملون، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.
أيها الأحبة: من نعم الله –عز وجل- ومنته وكرمه ما يفتح الله –عزّ وجل- على عباده من مواسم الخيرات، تلك الأيام المباركات التي يمن الله بها -جل وعلا- على عباده، فما أن انقضى شهر رمضان في الليلة التي انقضى فيها الشهر، بدأ موسم كريم وهو موسم الحج لبيت الله الحرام.
ربي -جل وعلا- يقول: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) [البقرة: 197]، وهذه الأشهر كما بينها أهل العلم تبدأ من أول شهر شوال، فهي أشهر الحج، أشهر مباركات فيها فرائض من فرائض الله، وركن من أركان الدين، لكن منة الله وفضل الله يأتي مرة أخرى بدخول الأشهر الحرم، والتي تبتدئ من أول ذي القعدة، يقول الله –عز وجل-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) [التوبة: 36].
فبيّن الله –عز وجل- أن عدة الشهور وعددها في داخل السنة اثنا عشر شهرًا.
هذه الشهور موجودة منذ خلق الله -جل وعلا- السماوات والأرض، وإن كانوا أهل الجاهلية قد حرفوا فيها وبدلوا هروبًا من الأشهر الحرم وهي الأشهر الأربعة، منها أربعة حرم: أربعة أشهر حرمها الله –عز وجل-، حرّم فيها سفك الدم، سفك الدم محرم طوال العام، ولكنه في هذه الأشهر أشد تحريمًا.
هذه الأشهر الأربعة بيّنها الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، في حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-: والمخرج في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب فقال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب، شهر مُضر، الذي بين جمادى وشعبان".
فهذه هي الأشهر الحرم، وهذا هو بيانها، ثلاثة متوالية وواحد فرد، ثلاث متوالية: تبدأ بذي القعدة، ذي الحجة، شهر المحرم، هذه الشهور الثلاثة متوالية كلها محرمة وكلها أشهر حرم. وشهر واحد بمفرده وهو شهر رجب، شهر رجب الذي هو الشهر السابع في السنة الهجرية أي وسط السنة الهجرية، شهر رجب مضر، نسب إلى قبيلة مضر؛ لأن قبيلة مضر كانت تعظم هذا الشهر ولا تنسئه ولا تغيره، ورجب مضر هو الذي في وقته الحقيقي بين جمادى وشعبان، فكان أهل الجاهلية لحرصهم على تعظيم هذه الأشهر الحرم لا يريدون أن يرتكبوا سفك الدم فيها، ولا يريدون إيقاع القتال فيها. فماذا يفعلون؟! استحلوا محارم الله بحيلة لا تنطلي على عقل عاقل!! سيدخل عليهم شهر حرام كشهر ذي القعدة مثلاً، ولكنهم يعدون العدة لحرب الله أعلم بسببها، ربما بسبب أن ناقة فلان شربت قبل ناقة فلان، فتداعى القوم للحرب!! تداعوا لتلك الحرب وهم مقبلون على شهر حرام، وربما يريدون الأخذ بثأر حرب قديمة مثلاً، فتداعوا إلى الحرب، والشهر الحرام على الأبواب، فماذا يفعلون؟!
مقدم شهر ذي القعدة شهر حرام، بعده ذي الحجة شهر محرم، بعده شهر المحرم شهر حرام، بعده شهر صفر ليس من الأشهر الحرم، فينسئوا هذه الأشهر -النسيء هو التأجيل والتأخير- فيؤجلوها ويقدموا صفر مثلاً، فبعد يومين نستقبل ذي القعدة فيقولون: لا، بعد يومين نستقبل صفر!! كيف جاء صفر؟! نسأوا الأشهر الحرم، وأتوا بشهر صفر حتى يوقعوا القتال وبظنهم أنهم لا يتعدون على حرمات الله.
فلما كانت الأشهر يقع فيها هذا وتبدل، فوقف -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع بعد أن تم الدين وكمل، وبيّن -صلوات ربي وسلامه عليه- أن الزمان كله قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وأن هذه الأشهر هي في مواعيدها الحقيقة هي ثابتة غير نسيئة ولا مؤجلة، بل في مواعيدها ومواقيتها، فرجب هو رجب، ورمضان هو رمضان، والأشهر الحرم كما هي.
هذه هي الأشهر الحرم، ثلاثة متوالية، وشهر فرد، وهو شهر رجب.
فنحن -أيها الأحبة- سنستقبل هذه الأشهر المتوالية تباعًا، في هذا الأسبوع الذي نستقبله ندخل في هذه الأشهر.
قال الله –عز وجل-: (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ)، (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ): ظلم النفس بالوقوع فيما لا يرضي الله –عز وجل-، بالتجرؤ على معصية الكبير المتعالي، محرم في سائر العام، ولكنه في هذه الأشهر أشد تحريمًا وأشد تعظيمًا، وأشد تجريمًا، أشد جرمًا وإثمًا.
(فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ): ظلم النفس بالتعدي على حق الكبير المتعالي ظلم وأي ظلم، ظلم النفس بالتعدي على حقوق عباد الله ظلم وأي ظلم. فعلى المرء المسلم أن يتقي الله –عز وجل-، وأن يراقب الله -تبارك وتعالى- في نفسه في هذه الأشهر، فهو أمام حرمة من حرمات الله: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32]، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج: 30]، وهو أمام حرمة من حرمات الله وشعيرة من شعائر الله، فينظر الله –عز وجل- كيف نعمل في هذه الأيام وفي هذه الأشهر، التي هي حقيقة وجودنا على هذه الدار، ثم إلى ربنا مرجعنا ومحاسبنا على ما فعلنا.
ظلم النفس حرام، ظلم عباد الله، اجتناب الظلم أيًّا كان نوعه واجب في سائر العام، وهو في الأيام القادمة أشد وجوبًا.
ثم علينا الاجتهاد في الطاعة والإقبال على ما يُرضي الله –عز وجل-، رغبة في ثواب الله وطمعًا في كرم الله، فربي -جل وعلا- إذا غلّظ العقوبة ضاعف الحسنات، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما سأله عبد الله بن عمر، فقال له -صلوات ربي وسلامه عليه-: "صُمْ من الحرم واترك".
فهذه الأشهر الحرم فيها تقرب من الله –عز وجل- بالطاعات، ولا سيما عبادة الصيام، أمامنا -أيها الأحبة- موسم جديد للمتاجرة مع الله، فأين الرابحون في رمضان؟! أين من أقبلوا على الواحد الديان؟!
إن من علامة قبول الطاعة الطاعة بعدها، إن من علامات قبول الحسنة الحسنة بعدها، فهيا -أيها المحسنون- أحسنوا، إن الله يحب المحسنين.
اجتهدوا -رحمكم الله- في مواقعة الطاعات في هذه الأشهر المباركات وفي سائر الأيام.
ووقفة ثالثة وأخيرة: في تحريم سفك الدماء في هذه الأشهر وفي تحريم القتال. أيها الأحبة: كم عدد أشهر السنة؟! اثنا عشر شهرًا، كم عدد الأشهر الحرم؟! أربعة، فكم تساوي الأربعة بالنسبة للاثني عشر شهرًا؟! إنها ثلث العام، سلم وسلام وأمن وأمان، يأمن الناس على أموالهم وأعراضهم ودمائهم، يأمنون في أشهر الحج للحج، ويأمنون في شهر رجب للعمرة، يأمنون في هذه الأشهر، على أموالهم ودمائهم.
عظم الإسلام الدم، وجعل سافك الدم مرتكبًا لإثم كبير، وفي هذه الأشهر تتضاعف تلك الجريمة، إنها رسالة للعالم وللإنسانية أن هذا الدين دين سلم وسلام، وأمن وأمان، ثلث العام سلم وسلام، وأمن وأمان.
أمّن الإسلام الناس على أموالهم وأعراضهم ودمائهم، وجعل هذه الأشهر يحرّم فيها القتال، فهلا فقهت البشرية؟! وهلا اعتبر عقلاء الإنسانية إلى هذا الدين العظيم؟! الإسلام الذي تحيته السلام، والذي يدعو للسلم والسلام، ويجعل ثلث العام سلم وسلام وأمن وأمان.
أقول قولي هذا وأستغفر الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله كما ينبغي أن يحمد، وأصلي وأسلم على النبي أحمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أيها الأحبة في الله: إن الأيام تمر مسرعات، وهي مراحل نطويها إلى الدار الآخرة، أيام تمر نقطعها مرحلةً مرحلةً، وكل يوم يمر يقربنا إلى الدار الآخرة. فهلا اعتبرنا بسرعة مرور الأيام؟! هلا اعتبرنا بما مضى كيف مضى؟! هلا اعتبرنا كم ودعنا في الأيام الماضية من حبيب وقريب وصاحب؟! هلا اعتبرنا بمن رحلوا للدار الآخرة؟!
أيها الأحبة: إنها حقيقة الدنيا، (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن: 26،27].
فاعتبروا -رحمكم الله- واتعظوا بمرور الأيام، وتزودوا منها لوقوفكم بين يدي الكبير المتعال.
هذا، وتوجهوا لله –عز وجل- في هذا الجمع المبارك في هذا اليوم المبارك في هذه الساعة المباركة بالدعاء.
وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.