المتكبر
كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...
العربية
المؤلف | هلال الهاجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان - الحياة الآخرة |
هذا الرجلُ في استعجالِه وعدمِ تثبتِه وحكمِه على الأشياءِ بمجردِ الظنِ, فيه شبهٌ كبيرٌ بكثيرٍ من الناسِ وبعضِ وسائلِ الإعلامِ في هذه الأيامِ, والتي لا همَ لها إلا البحثَ عن الإثارةِ والتشويقِ دونَ التثبتِ من صحةِ الخبرِ وصدقِ الحدثِ, بل هذا الرجلُ أفضلُ لأنه بنى ما قالَه على شيءٍ محسوسٍ, وهو مشاهدةُ هذه الريحِ الحمراءِ...
الخطبة الأولى:
إن الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه, (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أما بعد: "هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى -أي شأنٌ- إِلَّا -أن يُردِّدَ- يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، جَاءَتِ السَّاعَةُ"، هذا الرجلُ في استعجالِه وعدمِ تثبتِه وحكمِه على الأشياءِ بمجردِ الظنِ, فيه شبهٌ كبيرٌ بكثيرٍ من الناسِ وبعضِ وسائلِ الإعلامِ في هذه الأيامِ, والتي لا همَ لها إلا البحثَ عن الإثارةِ والتشويقِ دونَ التثبتِ من صحةِ الخبرِ وصدقِ الحدثِ, بل هذا الرجلُ أفضلُ لأنه بنى ما قالَه على شيءٍ محسوسٍ, وهو مشاهدةُ هذه الريحِ الحمراءِ, وأما ما يُنشرُ اليومَ ويُذاعُ عن قربِ نهايةِ العالمِ ليس له مصدرٌ إلا ظنونٌ واهيةٌ، وتخرُّصاتٌ فَلكيةٌ، وحضاراتٌ وثنيةٌ، واعتقاداتٌ شركيةٌ.
ثم إن هذا الرجلَ قد أحسنَ حين ردَ الأمرَ إلى أهلِ العلمِ؛ كما قالَ -تعالى-: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)[النساء: 83], وأما في زمانِنا فالخبرُ يُذاعُ ويُنشرُ دونَ الرجوعِ إلى الراسخينَ في العلمِ, الذين يرجعون إلى الكتابِ والسنةِ لبيانِ صحةِ الخبرِ من كذبهِ، ومصلحةِ نشرِه أو كتمِه.
لما جاءَ الخبرُ إلى عبدِاللهِ بنِ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنه- "فَقَعَدَ وَكَانَ مُتَّكِئًا", ثم أخبرَهم بواقعةٍ سمعَها من الصادقِ المصدوقِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- ولم تقع إلى الآن، مستدلاً بها على عدمِ قيامِ الساعةِ؛ فَقَالَ: "إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى لَا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ، وَلَا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ، قَالَ بِيَدِهِ: هَكَذَا وَنَحَّاهَا نَحْوَ الشَّامِ, فَقَالَ عَدُوٌّ: يَجْمَعُونَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ, وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ", قُلْتُ : الرُّومَ تَعْنِي, قَالَ : نَعَمْ".
وهذه المعركةُ تقومُ بعد هدنةٍ وصلحٍ مع الرومِ؛ كما جاءَ في حديثٍ آخر: "تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا، وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِهِمْ, فَتَسْلَمُونَ، وَتَغْنَمُونَ، ثُمَّ تَنْزِلُونَ بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ، فَيَقُومُ رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ، فَيَرْفَعُ الصَّلِيبَ، وَيَقُولُ: أَلَا غَلَبَ الصَّلِيبُ، فَيَقُومُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلُهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وَتَكُونُ الْمَلَاحِمُ، فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْكُمْ، فَيَأْتُونَكُمْ فِي ثَمَانِينَ غَايَةً -أَيْ: رَايَةً-، مَعَ كُلِّ غَايَةٍ عَشْرَةُ آلَافٍ".
ثم تحدثُ المعركةُ التي ذكرها ابنُ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنه- حيثُ قال: "وَتَكُونُ عِنْدَ ذَاكُمُ الْقِتَالِ رَدَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَيَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً -أي طائفةٌ من الجيشِ- لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ, فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ, فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً, فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا, فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الرَّابِعِ نَهَدَ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ الدَّبْرَةَ عَلَيْهِمْ، فَيَقْتُلُونَ مَقْتَلَةً لَمْ يُرَ مِثْلُهَا؛ حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنَبَاتِهِمْ، فَمَا يُخَلِّفُهُمْ حَتَّى يَخِرَّ مَيْتًا، فَيَتَعَادُّ بَنُو الْأَبِ كَانُوا مِائَةً، فَلَا يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنْهُمْ إِلَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ أَوْ أَيُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا بِبَأْسٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَجَاءَهُمُ الصَّرِيخُ إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَهُمْ فِي ذَرَارِيِّهِمْ، فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَيُقْبِلُونَ، فَيَبْعَثُونَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً"، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنِّي لَأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ، وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ".
وقائدُ هذا الجيشِ هو المهدي الذي قالَ عنه النبي -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيا إلاّ يَومٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ اليَوْمَ؛ حَتّى يُبْعَثَ فيهِ رَجُلٌ مِنْ أهْلِ بَيْتي، يُواطِئُ اسْمُهُ إسمي، واسمُ أبيهِ اسمَ أبي؛ يَمْلأُ الأرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً" فيرجعُ بهم إلى الشامِ.
وأما الدجالُ فيخرجُ كما جاءَ التحذيرُ منه بقولِه -عليه الصلاةُ والسلامُ-: "يَا أيُّها النَّاسُ! إنَّها لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ عَلى وَجْهِ الأَرْضِ، مُنْذُ ذَرَأَ اللّهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ، أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَإنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَمْ يَبْعَثْ نَبِيَّاً إلاّ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ، وأنا آخِرُ الأنْبِياءِ وأَنْتُمْ آخِرُ الأُمَمِ وَهُوَ خارِجٌ فيكُم لا مَحالةَ، فَإنْ يَخْرُجْ وأنا بَيْنَ أَظْهُرِكُم فَأنا حَجيجٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَإنْ يَخْرُجْ مِنْ بَعْدِي فَكُلٌّ حَجيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَليفَتي عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَإنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ خَلَّةٍ بَيْنَ الشَّامِ والعِراقِ، فَيَعيثُ يَميناً وَشِمالاً، يا عِبادَ اللَّهِ، أيُّها النَّاسُ: فَاثْبُتوا فَإنِّي سَأَصِفُهُ لَكُمْ صِفَةً لَمْ يَصِفْها إيّاهُ قَبْلي نَبِيٌّ.. يَقُولُ: أَنا رَبُّكُم، وَلا تَرَوْنَ رَبَّكُم حَتّى تَموتُوا، وَإنَّهُ أَعْوَرُ، وَإنَّ رَبَّكُم لَيسَ بِأعْوَرَ، وَإنَّهُ مَكْتوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كافِرٌ، يَقْرَؤهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كاتِبٍ أَوْ غَيْرِ كاتِبٍ، وَإنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنَّ مَعَهُ جَنَّةً وَناراً، فَنارُهُ جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ نارٌ، فَمَنِ ابْتُلِيَ بِنارِهِ فَلْيَسْتَغِثْ بِاللَّهِ وَلْيَقْرَأْ فَواتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ، وَإنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أنْ يُسَلَّطَ عَلى نَفْسٍ واحِدَةٍ فَيَقْتُلُها، يَنْشِرُها بِالْمِنْشارِ حَتَّى تُلْقى شِقَّيْنِ، ثُمَّ يقولُ: أُنْظُروا إلى عَبْدي هذا فَإنِّي أَبْعَثُهُ ثُمَّ يَزْعُمُ أنَّ لَهُ رَبَّاً غَيْري، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ، وَيَقولُ لَهُ الْخَبيثُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقولُ: رَبِّيَ اللَّهُ وَأَنْتَ عّدُوُّ اللَّهِ، أَنْتَ الدَّجَّالُ، وَاللَّهِ ماكُنْتُ أشَدَّ بَصيرَةً بِكَ مِنِّي الْيَوْمَ، وَإنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَأمُرَ السَّماءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرُ، وَيَأْمُرَ الأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتُ، وَإنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَمُرَّ بِالْحَيِّ فَيُكُذِّبونَهُ، فَلا يَبْقى لَهُمْ سائِمَةٌ إلاّ هَلَكَتْ، وَإنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَمُرَّ بِالْحَيِّ فَيُصَدِّقونَهُ، فَيَأْمُرُ السَّماءَ أن تُمْطِرَ فَتُمْطِرُ، ويَأْمُرَ الأَرْضَ أن تَنْبِتَ فَتَنْبِتَ؛ حَتّى تَروحَ مَواشيهِمْ مِنْ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ أَسْمَنَ ما كانَتْ وأَعْظَمَهُ وَأَمَدَّهُ خَواصِرَ وَأَدَرَّهُ ضُروعاً، وَإنَّهُ لا يَبْقَى شَيءٌ مِنَ الأَرْضِ إلاّ وَطِئَهُ أو ظَهَرَ عَلَيْهِ، إلاّ مَكَّةَ والْمَدينَةَ، لا يَأْتيهِما مِنْ نَقْبٍ مِنْ أَنقابِها إلاّ لَقيَتْهُ المَلائِكَةُ بِالسِّيوفِ صَلْتَةً، حَتَّى يَنْزِلَ عِنْدَ الكَثيبِ الأَحْمَرِ، عِنْدَ مُنْقَطَعِ السَّبْخَةِ، فَتَرْجُفُ المَدينَةُ بِأَهْلِها ثَلاثَ رَجَفاتٍ، فَلا يَبْقى فيها مُنافِقٌ ولا مُنافِقَةٌ إلاّ خَرَجَ إلَيْهِ، فَتَنْفي الخَبِيثَ مِنْها كَما يَنْفي الكِيْرُ خَبَثَ الحَديدِ، وَيُدْعى ذَلِكَ الْيَومُ يَوْمَ الخَلاصِ".
قَالَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "يَأْتي الْمَسيحُ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ يَتْبَعُهُ مِنْ يهودِ أصْبَهانَ سَبعونَ أَلْفاً عَليهِمُ الطَّيالِسَةُ -وهو من لباسِ اليهودٍ-, وهِمَّتُهُ المدينَةُ حَتّى يَنْزِلَ دُبُرَ أُحُدٍ، ثُمَّ تَصْرِفُ المَلائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشّامِ وهُناكَ يَهْلِكُ"، قالَ الصحابةُ -رضيَ اللهُ عنهم-: يا رسولَ اللّهِ! وما لَبْثُهُ في الأَرْضِ؟ قالَ: "أَرْبَعونَ يَوماً، يومٌ كَسَنَةٍ، ويَومٌ كَشَهْرٍ، وَيَومٌ كَجُمُعَةٍ، وَسائِرُ أيّامِهِ كَأَيّامِكُمْ"، قُلْنا: يا رسولَ اللّهِ! فَذَلِكَ اليومُ الّذي كَسَنَةٍ أَتَكْفينا فيهِ صَلاةُ يَومٍ؟، قالَ: "لا، أُقْدروا لَهُ قَدْرَهُ".
"فَبَيْنَما هُوَ كذلِكَ إذْ بَعَثَ اللّهُ المَسِيحَ ابنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنارَةِ البَيْضاء شَرْقِيَّ دِمَشْقَ واضِعاً كَفَّيْهِ عَلى أجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إذا طَأطَأَ رَأسَهُ قَطَرَ، وإذا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمانٌ كَاللُّؤلُؤِ، فلا يَحِلُّ لِكافِرٍ يَجِدُ ريحَ نَفَسِهِ إلاّ ماتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهي حَيْثُ يَنْتَهي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتّى يُدْرِكَهُ بِبابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأتي عيسى بنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِم وَيُحَدِّثُهُم بِدَرَجاتِهِم في الجِنَّةِ, فَبَيْنَما هُوَ كَذلِكَ إذْ أَوْحى اللّهُ إلى عيسى أَنّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِباداً لي لا يَدانِ لأحَدٍ بِقِتالِهِم فَحَرِّزْ عِبادي إلى الطُّورِ".
"ويَبْعَثُ اللّهُ يَأْجوجَ وَمَأْجوجَ وَهُم مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلونَ، فَيَمُرُّ أَوائلُهُم عَلى بُحَيرَةِ طَبَرِيّة فَيَشْرَبونَ ما فيها، وَيَمُرُّ آخِرُهُم فَيَقولونَ لَقد كان بِهَذهِ مَرّةً ماءٌ, وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عيسى وأصْحابُهُ، حَتّى يَكونَ رَأسُ الثَّوْرِ لأحَدِهِم خَيراً مِنْ مِائَةِ دينارٍ لأحَدِكُمُ اليَوْم، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللّهِ عيسى وَأصْحابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ في رِقابِهِم، فَيُصْبِحونَ فَرْسى كَمَوْتِ نَفْسِ واحِدَةٍ، ثُمّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللّهِ عيسى وأصْحابُهُ إلى الأَرْضِ فلا يَجِدونَ في الأرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إلاّ مَلأَهُ زَهَمُهُم ونَتَنُهُم، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عيسى وَأَصْحابُهُ إلى اللَّهِ؛ فَيُرْسِلُ اللّهُ طَيْراً كَأَعْناقِ البُخْتِ, فَتَحمِلُهُم فَتَطْرَحُهُم حَيْثُ شاءَ اللَّهُ، ثُمّ يُرْسِلُ اللّهُ مَطَراً لا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ، فَيَغسِلُ الأرْضَ حَتّى يَتْرُكَها كَالزَّلَفةِ، ثُمَّ يُقالُ لِلأَرْضِ أَنْبِتي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ العِصابَةُ مِنَ الرُّمانَةِ ويَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِها ويُبارَكُ في الرَّسْلِ، حَتّى أنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإبِلِ لَتَكْفي الفِئآمَ مِنَ النَّاسِ، واللِّقْحَةَ مِنَ البَقَرِ لَتَكْفي القَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، واللِّقْحَةَ مِنَ الغَنَمِ لَتَكْفي الفَخِذَ مِنَ النَّاسِ, فَبَيْنَما هُمْ كَذَلِكَ إذْ بَعَثَ اللَّهُ ريحاً طَيِّبَةً فَتَأخُذُهُم تَحْتَ آباطِهِم؛ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وكُلِّ مُسْلِمٍ, ويَبْقى شِرارُ النَّاسِ يَتَهارَجونَ فيها تَهارُجَ الحُمُرِ، فَعَلَيْهِم تَقومُ السّاعَةُ".
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ, وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وكفى، وسلامٌ على عبادِه الذين اصطفى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، أما بعد:
عباد الله: إن من يقرأُ كتابَ اللهِ -تعالى- وسنةَ رسولِه -صلى اللهُ عليه وسلمَ- يعلمُ علماً يقينياً أن الساعةَ لا تقومُ وأن العالمَ لا ينتهي؛ حتى تحدثَ هذه الأحداثُ وغيرُها مما أخبرَ به نبيُنا -صلى الله عليه وسلمَ-.
كيفَ تقومُ الساعةُ ولم يَحْسِرِ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو؟!.
كيفَ تقومُ الساعةُ ولم تخرجْ دابةُ الأرضِ التي تكلمُ الناسَ (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ)[النمل: 82]؟1.
كيفَ تقومُ الساعةُ ولم ينزلِ الدخانُ الذي يَأْخُذُ المُؤْمِنَ كالزَّكْمَةِ، ويَأْخُذُ الكَافِرَ فَيَنْتَفِخَ حتى يَخْرُجَ مِنْ كُلّ مَسْمَعٍ مِنْهُ؛ (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)[الدخان: 10، 11]؟!.
كيفَ تقومُ الساعةُ ولم تخرجِ الشمسُ من مغربِها؛ "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا, فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا, فَذَاكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا, لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ"؟!.
لا ينتهي العالمُ حتى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ، تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا, وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا.
إذا وقعَ ذلك كلُه فإننا سنقولُ نحنُ أهلُ الإسلامِ للعالمِ كلِه: انتظروا نفخةَ الصعقِ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)[الزمر: 68].
اللهم إنا نعوذُ بك من الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ، اللهم اقسم لنا من خشيتِكَ ما تَحولُ به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتِك ما تبلغنا به جنتَك، ومن اليقينِ ما تُهوِّنُ به علينا مصائبَ الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعِنا، وأبصارِنا، وقواتِنا أبداً ما أبقيتنا، واجعله الوارثَ منا، واجعل ثأرَنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتَنا في دينِنا، ولا تجعل الدنيا أكبرَ همِّنا، ولا مبلغَ علمِنا، ولا إلى النارِ مصيرَنا، اللهم أصلحْ ولاةَ أمرِنا وهيئ لهم من أمرِهم رشداً وانصر بهم دينَك وسنةَ نبيك محمدٍ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-، اللهم اختمْ بالصالحاتِ أعمالَنا واجعلْ خيرَ أيامِنا يومَ لقائِك,
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك سيدِنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.