الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | عبد الله بن علي الطريف |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الحياة الآخرة |
إن المواعظ -كما يقول الأوّلون ويؤكّد الآخِرون- سِياطُ القُلوب، فإنها تؤثّر في الإنسان كتأثير السِّياط في الأَبدان.! وفي ذلكَ يقول ابنُ رجب -رحمه الله-: "إن المواعظ سِياطٌ تُضربُ بها القلوب فتؤثّر فيها كتأثير السِّياط في البَدن.! والضربُ لا يؤثّر بعد انقضائه كتأثيره في حال وجوده"، وكان كثيرٌ من السَّلف إذا خرجوا من مجلس سَماع الذِّكر خرَجوا وعليهم السَّكينةُ والوقارُ حتى كأنهم نسوا دنياهم التي اعتادوا عليها وكأنهم صاروا في فَلَك آخر.. ومن أعظم ما يوعظ به في هذا الشهر وهذا الحر ذكر شيء من وصف النار -أعاذنا الله منها-...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الواحد القهار، خلق الجنة وأعدها لعباده الأبرار، وخلق النار وجعلها للكفار والفجار، أحمده سبحانه وأشكره وأساله لنا الفوز بالجنة والسلامة من النار، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله. اللهم صلّي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه الأخيار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثير.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها الإخوة: إن المواعظ -كما يقول الأوّلون ويؤكّد الآخِرون- سِياطُ القُلوب، فإنها تؤثّر في الإنسان كتأثير السِّياط في الأَبدان.! وفي ذلكَ يقول ابنُ رجب -رحمه الله-: "إن المواعظ سِياطٌ تُضربُ بها القلوب فتؤثّر فيها كتأثير السِّياط في البَدن.! والضربُ لا يؤثّر بعد انقضائه كتأثيره في حال وجوده".
وكان كثيرٌ من السَّلف إذا خرجوا من مجلس سَماع الذِّكر خرَجوا وعليهم السَّكينةُ والوقارُ حتى كأنهم نسوا دنياهم التي اعتادوا عليها وكأنهم صاروا في فَلَك آخر..
ومن أعظم ما يوعظ به في هذا الشهر وهذا الحر ذكر شيء من وصف النار -أعاذنا الله منها-، والتي قَالَ عَنْها رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ". (حديث صحيح رواه أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-)، وعند مسلم "وغُلقت أبواب جهنم".
أيها الأحبة: النار التي قال عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما قال له الصحابة -رضي الله عنهم- وهو يؤمهم رَأَيْنَاكَ تكَعْكَعْتَ أي: توقفت وأحجمت قال: "إِنِّي أُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ"، وذلك لما رآها يحطمُ بعضُها بعضاً..!!
النار التي أقسم الصادق المصدوق على هولها فقال: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا" قَالُوا وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.؟ قَالَ: "رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ".
النار التي قال عنها جبريل -عليه السلام- لما بعثه الله إليها وقال: "اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأهْلِهَا فِيهَا، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَرَجَعَ وقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لا يَسْمَعَ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا..! فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَقَالَ جبريل: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا" (رواه أحمد وهو صحيح).
هذه النار التي هذا هولها تغلق أبوابها في هذا الشهر فلا يفتح منها باب... وذلك لكثرة الخير في رمضان وزيادة الإقبال على أسباب المغفرة والرضوان.
تغلق أبوابها تقريبًا للرحمة إلى العباد..
تغلق أبوابها تنشيطًا للعاملين، وتحفيزاً لهم على مزيد العمل والصبر عليه... جعلنا الله وولدينا وأزواجَنا وذرياتنا ممن ينجو من النار...
أيها الإخوة: النار هي الدار التي أعدها الله للكافرين به، المتمردين على شرعه المكذبين لرسله، وهي عَذَابُهُ الذي يُعذّبُ فيه أعداءَه، وسجنُه الذي يسجنُ فيه المجرمين، وهي الخزي الأكبر والخسران العظيم الذي لا خزي فوقه، ولا خسران أعظم منه نعوذ بالله منها.
كيف لا تكون النار كما وصفنا وفيها من العذاب والآلام والأحزان ما تعجز عن وصفه الألسنة، وهي خالدة.. وأهلها فيها خالدون.. قال الله تعالى: (إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) [الفرقان: 66]. وقال: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا، يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا) [الأحزاب:64،66].
أيها الأحبة: النار شاسعةٌ واسعةٌ، بعيدٌ قعرها، مترامية أطرافها، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً أي سقطة فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "تَدْرُونَ مَا هَذَا؟" قَالَ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "هَذَا حَجَرٌ رُمِىَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِى فِي النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا". (رواه مسلم).
"يُؤْتَى بِالنارِ يوم القيامة أي بجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا" (رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن رسول الله صلي الله عليه وسلم).
ولكم أن تتخيلوا عِظم هذا المخلوقَ الرهيب الذي احتاج إلى هذا العدد الهائل من الملائكة لجره للمحشر الذي يقدر بأربع مليارات وتسعمائة مليون ملك من الأشداء الأقوياء الذين لا يَعلمُ مدى قوتهم إلا اللهُ -تبارك وتعالى- ليأتوا بها.
النار التي لا يعلم أحد عدد من يدخلها من البشر إلا الله." يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: -أي يوم القيامة- يَا آدَمُ فَيَقُولُ عليه السلام: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ الله: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ آدم: وَمَا بَعْثُ النَّارِ.؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى، وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ". (رواه البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-).
ويُضَخْمُ اللهُ تعالى أجسادَ أهلِها، فمَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ فِي النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ. رواه مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَرْفَعُهُ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وضِرْسُ الْكَافِرِ أَوْ نَابُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ" (رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَرْفَعُهُ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-).
وقال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ غِلَظَ جِلْدِ الْكَافِرِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَإِنَّ ضِرْسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ وَإِنَّ مَجْلِسَهُ مِنْ جَهَنَّمَ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ". (رواه الترمذي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصححه الألباني).
وهذا التعظيم لأجساد الكافرين ليكون ذلك أنكى في تعذيبهم، وأعظم في تعبهم ولهيبهم. نعوذ بالله من حالهم...
ومع هذا كله فإنها تستوعب هذه الأعداد الهائلة التي وجدت على امتداد الحياة الدنيا من الكفرة المجرمين على عظم خلقهم، ويبقى فيها متسع لغيرهم قال الله -تعالى-: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) [ق: 30]، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "لاَ تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ قَطْ، قَطْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ"(رواه مسلم).
وخزنتها الذين يقومون عليها -أعاذنا الله وإياكم منها- من الملائكة، خلقهم عظيم... وبأسهم شديد قال الله تعالى: (نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:10]. وعددهم تسعة عشر ملكاً قال الله تعالى عنهم: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ، لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ، لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ، عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر:26،30].
وأبوابها أعاذنا الله منها سبعة أبواب كما قال الله تعالى: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)، وتغلق هذه الأبواب على المجرمين فلا مطمع لهم بالخروج منها بعد ذلك قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ، عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ)، أي: مغلقة الأبواب، وقال سبحانه: (إنَّهَا عَلَيْهم مُؤْصَدَة فِي عَمَد مُمَدَّدَة)، أسأل الهٌ بمنه وكرمه أن يجيرنا من النار ووالدينا إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا..
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي قضى وحكم، ووضع الموازين القسط ليوم القيامة فعدل وما ظلم، حذرنا من النار وما فيها من شديد الأهوال والنقم، وقد أوجب وأقسم أن كل بر وفاجر سوف يرد على النار، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، أي مدفوع، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه على آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: يقول ربنا جل حلاله: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
أحبتي: أما وقود النار فهي الأحجارُ والفجرةُ الكفار قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: 6]، وقال سبحانه: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ، لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ) [الأنبياء: 98- 100]، وحَصَبُ جَهَنَّمَ أي: وقودها وحطبها، والحكمة في دخول الأصنام النار، وهي جماد لا تعقل، وليس عليها ذنب، لبيان كذب من اتخذها آلهة، وليزداد عذابهم بدخولها.. ودخول آلهة المشركين النار، إنما هو للأصنام، أو من عُبد، وهو راضٍ بعبادته.. وأما المسيح -عليه السلام- وعزير، والملائكة ونحوهم، ممن عُبد من الأولياء، فإنهم لا يعذبون فيها. كذا قال ابن كثير..
أيها الإخوة: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ، فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ، وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ، لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) [الواقعة: 42- 44]، بالماء والهواء والظل يتبرد الناس من الحر في الدنيا، أما أهل جهنم -أعاذنا الله ووالدينا منها- فهواءهم السموم، وهو الريح الحارة الشديدة الحر، وماؤهم الحميم الماء الحار الذي اشتد حره، وظلهم اليحموم وهو لهب النار المختلط بدخانها.
والظل بالعادة يُشعرُ بالنداوة والبرودة وتحبه النفس وتستريح إليه، أما هذا الظل فإنه ليس ببارد المدخل ولا بكريم المنظر، إنه ظل من يحموم... وللنار قوة عجيبة وتأثير عظيم في المعذبين قال الله تعالى: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ، لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ، لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ)، إنها تأكل كل شيء وتدمر كل شيء، لا تبقي ولا تذر، تحرق الجلود، وتصل إلى العظام، وتصهر ما في البطون، وتطلع على الأفئدة، قد أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عنها فقال: "نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ"، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً.! قَالَ: "فُضِّلَتْ عَلَيْهِا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا". (رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).
وهذه النار لا يخبو أوارها مع تطاول الزمن، ومرور الأيام وإنما يقال لأهلها: (فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) [النبأ:30] (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) [الإسراء:97]، ولذلك لا يجد الكافر طعم الراحة ولا يخفف عنهم العذاب مهما طال العذاب، (فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) [البقرة:86] بل تسعر النار كل يوم فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة عند قيام الشمس في الظهيرة، وقال: "فإنها حينئذ تسجر جهنم"، أي توقد...
أسأل الله بمنه وكرمه أن يجيرنا ووالدينا ومن نحب من النار وصلوا وسلموا على نبيكم..