السيد
كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
فأول هذه الأوقات: الدعاء بين الأذان والإقامة؛ وهذا وقت فرط فيه الكثير بتأخرهم عن الحضور قبل إقامة الصلاة, أخرج الترمذي في جامعه من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة, فادعوا", ففي هذا دعوة للمؤمن أن يبكر للصلاة ثم يدعو وهو ساجد ويكثر الدعاء...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أما بعد:
فيا أيها الناس: لقد وهب الله المؤمن سلاحا يحارب به ويدافع به عن نفسه في هذه الحياة, وهو سلاح لا يغلب؛ لأنه سلاح رباني, إنه سلاح الدعاء, (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر: 60], فالدعاء: طلب من الله فيه توسل وتمسكن واستضعاف وازدراء للنفس إلى الله بدون واسطة, تطلب ما شئت يستجاب لك, مالم يكن إثما أو قطيعة رحم, ومالم تسد الطريق بينك وبين الإجابة بمانع .
عباد الله: إن الدعاء عبادة يثاب عليها العبد ولو لم يستجب له, غير أن الله وعد بالإجابة لكل داع, وقد تمنع الإجابة وقد تتأخر لصارف, أو لحكمة أرادها الله -جل جلاله-, وقد يجاب بأكثر من سؤاله .
غير أن الله قد جعل أوقاتا, الإجابةُ فيها أحرى, وهذا ما سنتكلم عنه في هذه الخطبة -بإذن الله-, فالأصل في الدعاء أنه يجاب بوعد من الله, ولكن من رحمة الله أن جعل أوقاتا تسرع فيها الإجابة, فكان حرياً بالمؤمن أن يقصد هذه الأوقات, ويلح في الدعاء؛ فالله يحب العبد اللحوح في الدعاء, يحب أن يسمع تضرع عبده بين يده.
فأول هذه الأوقات:
الدعاء بين الأذان والإقامة؛ وهذا وقت فرط فيه الكثير بتأخرهم عن الحضور قبل إقامة الصلاة, أخرج الترمذي في جامعه من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة, فادعوا", ففي هذا دعوة للمؤمن أن يبكر للصلاة ثم يدعو وهو ساجد ويكثر الدعاء, ثم إذا فرغ من الصلاة دعا, فإن بقي وقت قرأ القرآن .
ومن أوقات الإجابة: جوف الليل وآخره؛ فالليل فيه ساعة لا يرد فيها سائل، أحراها جوف الليل وهو الثلث الأخير, أخرج الترمذي في جامعه من حديث عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن", وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ينزل ربنا -تبارك وتعالى- كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له", وأخرج الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد: هل من داعٍ فيستجاب له؟ هل من سائل فَيُعطى؟ هل من مكروب فَيُفَرج عنه؟ فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله -تعالى- له، إلا زانيةً تسعى بفرجها، أو عشاراً", وقد مدح الله المستغفرين بالأسحار فقال -سبحانه وتعالى-: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الذاريات: 17، 18].
ومن أوقات الإجابة: الدعاء في ساعة يوم الجمعة, أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر يوم الجمعة فقال: "فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله -تعالى- شيئاً؛ إلا أعطاه إياه" وأشار بيده يقللها.
أخرج أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا؛ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ", وأخرج أبو داود في سننه من حديث جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً, لَا يُوجَدُ فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا؛ إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ, فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ".
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال عبد الله بن عمر: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ساعة الجمعة؟ قال: قلت: نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقضى الصلاة".
ورجح ابن القيم -رحمه الله تعالى- وغيره من أهل العلم: أن الساعة في يوم الجمعة هي بعد العصر, قال ابن القيم: "وعندي أن ساعة الصلاة ساعة تُرجى فيها الإجابة أيضاً، فكلاهما ساعة إجابة، وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخر ساعة بعد العصر؛ فهي ساعة معينة من اليوم، لا تتقدم ولا تتأخر, وأما ساعة الصلاة فتابعة للصلاة تقدمت أو تأخرت؛ لأن لاجتماع المسلمين وصلاتهم وتضرعهم وابتهالهم إلى الله -تعالى- تأثيراً في الإجابة, فساعة اجتماعهم ساعة تُرجى فيها الإجابة, وعلى هذا تتفق الأحاديث كله".
فيدعو المسلم إذا جلس الخطيب بين الخطبتين, ويدعو في صلاته, فهذا وقت إجابة, وكذلك دعاء الخطيب على المنبر .
اللهم اجعلنا ممن إذا دعاك أجبته يارب العالمين, أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ, وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: لا يزال الحديث موصولا عن أوقات الإجابة, فمن أوقات الإجابة كذلك في السجود, أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ فأكثروا الدعاء".
وكذلك عند الاستيقاظ من النوم ليلاً والدعاء بالمأثور, أخرج البخاري في صحيحه من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير, الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله, ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا؛ استجيب له, فإن توضأ وصلى قبلت صلاته".
ومنها كذلك: الدعاء بـدعوة ذي النون, أخرج الترمذي في صحيحه من حديث سعد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت؛ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط؛ إلا استجاب الله له".
ومنها: الدعاء في المصيبة بالمأثور, أخرج مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجُرْني في مصيبتي، وأَخْلِفْ لي خيراً منها؛ إلا أخلف الله له خيراً منها".
ومنها: دعاء الناس بعد وفاة الميت, أخرج مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال: "إن الروح إذا قبض تبعه البصر", فضج ناس من أهله, فقال: "لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون", ثم قال: "اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين, وأخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره ونور له فيه"
عباد الله: ادعوا الله في كل وقت, وتحينوا أوقات الإجابة, فهذه نعمة عظيمة, ومنة جسيمة من الرب الكريم.