البحث

عبارات مقترحة:

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

تتبع عورات الناس

العربية

المؤلف مراد تارضا
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المهلكات
عناصر الخطبة
  1. ظهور أمراض القلوب على الجوارح .
  2. ظاهرة تتبع العورات .
  3. الفرق بين الغيبة والبهتان .
  4. شؤم تتبع العورات .
  5. بعض القصص المأسوية للمبتلين بالشماتة .
  6. حرمة المسلم .
  7. الواجب نحو من أخطأ .
  8. عقوبة الغيبة وتتبع العورات .
  9. ليكن حظ أخيك منك ثلاثاً .
  10. أناس لا يجب الستر عليهم .
  11. التقوى خير لباس .
  12. الستر لأصحاب الهفوات .

اقتباس

حُرمةُ المُسلِم تُنتَهك، وسرُّه يُذاع، وذنبُه يُشاع، وعِرضُه يُباع، مرتعٌ وخيم، وعملٌ ذميم، عمَّ وطمَّ، ولم يقتصِر أذاه على المفضوحِ وحده؛ بل ربما تعدَّاه إلى أسرته، وعشيرته، وقبيلته، وبلده ومُجتمعه، وهذه المقاهي المنتشرة في كل مكان والتي لا يمر المسلم من أمامها حتى يعرف من هو وأصله وفصله، وماضيه وحاضره، ويقيم منظره ولباسه ومركبه -إلا من رحم الله-. أين نحن من...

الخطبة الأولى:

الحمد لله، آوى إلى لُطفه من أوَى، وداوَى بإنعامه من يئِسَ من أسقامه الدواء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حرَّم العدوان والبغيَ والأذى، وأمرَ بالسِّتر والزكاءِ والحياء، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله من اتبعَه كان على الخير والهُدى، ومن عصاه كان في الغوايةِ والرَّدَى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه معادِن التقوى، وينبوع الصَّبَا، صلاةً تبقَى، وسلامًا يَترَى.

أيها الأحبة في الله: عِلل القلوب وأدواؤها مشهودةٌ في أفعال السلوك، فالمبتلَى بالعُقد النفسية مكشوفٌ أمره بما يُرى من سلوكه، والمأسورُ قلبُه بآفة الحقد والحسد والغل مفضوحٌ أمره بفلَتاتِ لسانه، وأفعالِ سلوكه، وكل ما في القلب من عوار تستخرجه الجوارح واللسان.

ومن هذه القلوب: قلبٌ يرى النقص في غيره عواراً وعيباً، ويراه في نفسه جِبلّةً وطبيعةً بشرية، تراه بصيراً بعيوب الناس، متعامياً عن عيوب نفسه، ديدنُه الخوضُ في الأعراض، وتتبعُ العورات، وانتقادُ العيوب؛ يلمز هذا، ويسبُ ذاك، يطعنُ في عدالة فلان، ويقدح في ديانة فلان.

هذا المسكين لا يحضر مجلساً إلا وحوَّر حديثَه إلى الغيبة، وتتبّعِ العورات، والخوضِ في الأعراض، والتشهيرِ بالخاطئين؛ لا يكاد يُذكر عنده أحدٌ إلا انتقصه وعيَّبه، وذَكرَ فيه مأخذاً ليُعيَّب به.

مَن يسمعه يظن أنه مجمعُ الكمال؛ حتى لم يبق فيه مَطعنُ ولا مثلبة.

ومن شدة غلَبةِ الغل والكِبر والحقد على قلب هذا المبتلى أنَّه لا يُذكرَ أحدٌ بمحضره بخير إلا وعقَّب على ذلك بالتشهير به بعيب لا يُعلم، أو بمنقصة لم تُذكر، وكأنه يريد أن يُذكِّر بسوأته، ويشهِّر بعيبه، فإذا كان هذا منكَراً وإنْ كان بالصدق، فكيف إن كان بالكذب والبهتان؟

نتذكر في هذا المشهد قوله صلى الله عليه وسلم: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتَبْتَه، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه".

مِن قُبح صنيعه: أنَّ ما يلوكه لسانه دائرٌ بين الغيبة والبهتان، فإن تورع وصدق في تعييبه بأن لا يَذكر أحداً إلا بما فيه من العيوب، فقد وقع في كبيرة الغيبة، فلم يزده صدقه وتورُّعه إلا بعداً، وإن افترى على الناس فعابهم بما ليس فيهم، ونسب إليهم ما لم يقع منهم، فقد بهَتَهُم، وأعْظِم بالبهتان إثماً عظيماً: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب: 58].

عباد الله: بعض الناس لا همّ لهم إلا تتبع العورات، تجد أحدهم يصبح ويمسي ولا همّ له إلا الإيقاع بأخيه، يتربص به، بل والله لقد عرفنا أناسًا يؤجرون من يأتيهم بالأخبار، فإذا ما ظفروا بخبر كادت قلوبهم تطير من الفرح!.

والله ما هذه حال المؤمن! المؤمن الذي إذا رأى في أخيه ما لا يسر اهتم لحاله، وتأثر ودعا له بظهر الغيب، وإن وجد مجالاً نصحه برفق ولين.

أما الذي يتربص بأخيه المسلم، ويتتبع عورته، ويتمنى ذلته، ويتمنى فضيحته، فهذا متوعَّد بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته" [رواه أبو داود].

كثير من هؤلاء الذين ابتلوا بتتبع العورات تجد عندهم المصائب العظام، مثلا تجد أحدهم يتعامل بالربا، ولا ينظر إلى نفسه، لا ينظر إلا إلى أخيه إن بدرت منه هفوة أو زلة، ولا ينظر إلى زلته التي هي من أقبح الزلات، بل هي حرب على رب الأرض والسماوات، قال الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)[البقرة: 278-279].

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته" [رواه ابن ماجة].

عباد الله: من شؤم هذا التتبع للعورات، والاشتغالِ بعيوب الناس: أن المشتغِل بذلك يُبتلى بما يعيب به غيره؛ فهذا رجلٌ ممن ابتُلي بهذا العمل القبيح كان يعيِّر آخرَ وينتقدُه علناً باسمه في المجالسِ: أنه مضيِّعٌ لأولاده، مهملٌ تربيتَهم، فهم لا يشهدون الصلاة في المساجد، وصار يعيِّره بذلك بخبث وشماتة، يتساءل كيف يسكت عنهم ويهمل تربيتهم وهو الأسوة في تدينه ومحافظته على الصلاة؟!

فتلاحقت السنون، وشبَّ لهذا المشتغِلِ بتعيير الناس أولادٌ لا يشهَدون الصلاة إلا لماماً، يُرى فيهم من الشر ما لا يرى منهم من الخير.

لقد كان يعيب على ذلك الرجل أنه مقصر في تربية أولاده، وما درى أن الهداية بيد الله -سبحانه-، وأن الرجل ربما حاول استصلاحهم فأعياه ذلك، ونسي أن لنوح -عليه السلام- ابناً استعصى على الهداية؛ حتى قال الله عنه: (إنَّهُ عمَلٌ غيرُ صالح) [هود: 46].

ثم: (كان مِن المغْرَقِين) [هود: 43].

وهذا آخَرُ كان يعيِّر رجلاً في المجالس بأن القِوامة في بيته لزوجته وليست له، وأنه رهنُ إشارتها، تسيِّره حيث شاءت، فهو كما تقول العامة: لا يَهشُّ ولا يَنشّ.

وإذا بالمقادير تسوق هذا المعيِّرَ إلى عاقبة طِنـزَتِه سوقاً، فتزوج بثانيةٍ بعد سنين، فتسلطت عليه وأرغمتْ أنفَه في التراب، وما عيَّر به أخاه رآه في نفسه بعد حين.

إن كثيراً من المُبتَلَين بالشماتة لا يُظهرونها في صورتها الصريحة؛ إنما يظهرونها في مجالسهم في لَبوس الإنكار، أو الغيرةِ وإظهارِ الأسى على أحوال الناس!.

وأحياناً يحذِّرون الحاضرين بما يقصدون به تعييرَ الآخرين ولمزَهم وإظهارَ عوارهم؛ ولذا لا يتورعون عن التصريح بأسمائهم، بل لا تهنأ نفوسهم إلا أن يصرِّحوا بأسمائهم، ويخوضوا في أعراضهم؛ لأن المقصود في الحقيقة ليس هو تحذيرَ الجالسين، وإنما هو تعيير الآخَرين، والتشفِّي منهم.

فما الذي حصل لنا -معشر المسلمين-؟ ما الذي دهانا لنراقب ألسنتنا التي أصبحت كالمقاريض تنهش الأعراض وتتذلل من أجل الأغراض؟ هل نسينا وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ التي يقول في آخرها: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم"؟.

أيُّ حالٍ هذه؟!

حُرمةُ المُسلِم تُنتَهك، وسرُّه يُذاع، وذنبُه يُشاع، وعِرضُه يُباع، مرتعٌ وخيم، وعملٌ ذميم، عمَّ وطمَّ، ولم يقتصِر أذاه على المفضوحِ وحده؛ بل ربما تعدَّاه إلى أسرته، وعشيرته، وقبيلته، وبلده ومُجتمعه، وهذه المقاهي المنتشرة في كل مكان والتي لا يمر المسلم من أمامها حتى يعرف من هو وأصله وفصله، وماضيه وحاضره، ويقيم منظره ولباسه ومركبه -إلا من رحم الله-.

أين نحن من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

لما دفعَ هزَّان بن يزيد الأسلميُّ -رضي الله عنه- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ماعزًا ليعترِف بالزنا، قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "واللهِ -يا هزَّان- لو كنتَ سترتَه بثوبِك كان خيرًا مما صنعتَ به".

فلا تكُنْ -أخي المؤمنَ-: كَمَنْ قالَ عنْ نَفْسِه: عُيُوبي لا أرَاها، أمَّا عُيوبُ غَيرِي أرْكُضُ ورَاها.

بلْ إنْ عَرَفْتَ هَفْوةً مِن مُسلمٍ انصحْهُ في السِّرِّ، ولا يَغُرَّنَّكَ الشيطانُ، فيدعُوكَ إلى اغتيابِه.

إنْ عَلِمتَ في أخيكَ المسلمِ عَيْبًا، نَقصًا، حرامًا، انصَحْهُ ولا تَفْضَحْهُ.

وتذَّكرْ حديثَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، ويُدْخَلَ الجنّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُه -أي فَلْيَمُتْ- وَهُوَ يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِر، وَلْيَأْتِ الناسَ بما يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْه".

عامِل إخوانَكَ كمَا تحبُّ أنْ تُعامَل: فَمَنْ مِنَّا بلا خطيئة؟.

والله لم يسلم من هذا المرض حتى بعض العابدين، وهم في مساجدهم، ومعهم مصاحفهم، يغتابون الناس، ويأكلون لحومهم!.

إنها مأساة يحزن لها من يعرف: ما هي الغيبة؟ وما هي عقوبتها عند رب العالمين؟

عائشة -رضي الله عنها- لما قالت في صفية كلمة تشير أنها قصيرة، قال لها الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته".

يعني لغيرت طعمه ورائحته.

وصدق من قال: "عيوب الناس نحفرها على النحاس، أما فضائلهم فنكتبها على الماء".

فلِيَعلمَ الجميعُ: أن من تتبعَ عوراتِ الناسِ، وتلمسَ معايبَهم، كشفَ اللهُ سترَهُ، وفضحَهُ في عورتِهِ؛ عن أبي برزةَ الأسلمي -رضي الله عنه- مرفوعاً: "يا معشرَ من أسلمَ بلسانِهِ، ولم يدخلْ الإيمانُ قلبَهُ، لا تذموا المسلمينَ ولا تؤذوهم، ولا تتبعوا عوراتِهِم، فإن من يطلبُ عورةَ أخيه المسلمِ هتكَ اللهُ سترَهُ، وأبدى عورتَهُ، ولو كان في سترِ بيتِهِ".

فاتقِ اللهَ -يا عبدَ اللهِ-: وليكنْ حظُ أخيكَ منك ثلاثاً: إن لم تنفعْهُ فلا تضرُّهُ، وإن لم تفرحْهُ فلا تُغِمُّهُ، وإن لم تمدحْهُ فلا تَذمُّهُ.

إذَا رُمْتَ أنْ تحيَا سَلِيماً مِنَ الأذى

وَدِينُكَ مَوفُورٌ وَعِرْضَكَ صَيِّنُ

فَلاَ يَنْطِقَنْ مِنْكَ اللِسَانُ بِسَوأَةٍ

فَكُلَكَ سَواءَتٌ وَلِلناسِ أَلْسُنُ

وَعَيْنُكَ إِن أَبْدَتْ إِلَيكَ مَعايباً

فَصُنْهَا وَقُلْ يَا عَيْنُ لِلناسِ أَعْيُنُ

وَعَاشِر بِمَعْروفٍ وَسَامِحْ مَنِ اْعتَدَى

وَفَارِقْ وَلَكِنْ بِالَتِي هِيَ أَحْسَنُ

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه.

أما بعد:

أيها المسلمون: ومن كان ضررُه مُتعدِّيًا، وفسادُه باديًا، وأذاه ظاهرًا كمن كان داعيةً إلى بدعةٍ، أو فتنةٍ، أو مُروِّجًا لرذيلةٍ، أو مُتعاطيًا للسحر والشعوذة والكِهانة، أو كان مُروّجًا للمُخدِّرات والمُسكِرات والمُنبِّهات والمُفتِّرات، أو كان ساعيًا لشقِّ عصا المُسلمين، وتفريقِ جماعتهم، وزعزعة استقرارهم وأمنهم، أو كان أمينًا على مصالحِ المُسلمين فخانَهم، أو أمينًا على صدقاتٍ، أو أوقاف، أو أيتامٍ، فخانَ الأمانةَ، فلا يحِلُّ السَّترُ عليه، ووجبَ رفعُ أمره إلى وليِّ الأمر، أو نوَّابه، لقطعِ فساده، وحماية المُسلمين من إفساده، وليس ذلك من الغِيبة المُحرَّمة؛ بل هو من النصيحة الواجبة.

سُئِل الإمامُ أحمد -رحمه الله تعالى-: إذا عُلِم من الرجل الفُجور أيُخبَرُ به الناس؟! قال: "لا؛ بل يُستَر عليه، إلا أن يكون داعيةً" يعني: لفُجُوره.

وفي الختام: فعيوب الجسد يسترها اللباس أيا كانت، عيوب الآخرة فضائح الآخرة لا يسترها إلا التقوى، ولهذا قال الله -جل وعلا-: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف: 26].

فمن لبس التقوى في دنياه سُتر يوم القيامة، ومن أسباب الستر يوم القيامة، ألا تفضح مسلما، ولا تفرح أبدا بأن يفضح مسلم، ولا تسعى بخطوة، ولا بكلمة، ولا بيدك، ولا بأي شيء في فضيحة أحد وقع في معصية، فإن باب التوبة مفتوح، لا تدري لعل الله يتوب عليه فيبقى عليك إثم نشر فضيحته، كلما استطعت أن تستر على مسلم استر.

فلو جاءك في جوالك شيء لا طاقة لك به، يصور فلانا أو زيدا أو عمرا، أول عمل: اسأل الله العافية، ثم امسحه ولا تبالي، فإن من أعظم ما يدخره المسلم عند ربه: الستر على المسلمين، أيا كانت أحوالهم، ويبقى يستر غيره، ولا يحاول أن يفضحهم، مع وجل في القلب، نحو ربه -تبارك وتعالى-؛ لأن يوم القيامة سماه الله -جل وعلا- يوم التغابن، يغبن الناس بعضهم بعضا، على ما يرون.

والعاقل من استعد للقاء الله -جل وعلا- في هذا اليوم، بصلواته، وبر والديه، وبعمله الصالح، وبالستر على المسلمين.

فاتقوا الله -أيها المسلمون-: وأظهِروا محاسِنَكم، أظهِروا قِيَمكم، أظهِروا شِيَمكم، وانشُروا برَّكم وخيرَكم وإحسانكم، وكفُّوا عن هذه المسالِك المُردية، والأفعال الشائِنة.

واعلموا: أن دينكم دينُ السترِ والتزكيةِ والنصيحة، لا دينَ الهتكِ والفضحِ وإشاعةِ الرذيلة، فأظهِروا المحاسِن والممادِح، واستُروا المساوئَ والقبائِح، وأشهِروا الخيرَ والنصائح، وغطُّوا العيوبَ والفضائِح.

ومن علِمَ من مسلمٍ قُصورًا أو فُجورًا، فلا يُظهِر للناس زلَّته، ولا يُشهِر بين الخلق هفوتَه، ولا يكشِف سترَه، ولا يقصِد فضيحتَه؛ بل يُخفِي عيوبَه، ويستُر هناتِه؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يستُر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا سترَه الله يوم القيامة".

أيها المسلمون: إن ثمرةَ الاستِماع الاتِّباع، فكونوا من الذين يستمِعون القولَ فيتَّبِعون أحسنَه.

ثم صلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.

اللهم يا من لا تراه العيون، ولا تخالطهُ الظنون، يا من دبر الدهور، وقدر الأمور، وعلم هواجسَ الصدور، يا من عليه يتوكل المتوكلون، ارزقنا قلوبا من الشر نقيّة، لا كافرة ولا شقيّة، طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وباعد بيننا وبين الحسد الكبر والعجب وتتبع العورات كما باعدت بين المشرق والمغرب، وأعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، يا رحيم يا رحمن.

اللهم هب لنا فرجاً قريباً، وصبراً جميلاً، وكن لنا ولا تكن علينا، وامكر لنا ولا تمكر بنا، وتولَّ أمرنا، لا إله إلا أنت، أنتَ حسبُنا.

اللهم اجعلنا أغنى خلقِكَ بك، وأفقرَ عبادِكَ إليك، وهب لنا غناً لا يطغينا، وصحةً لا تلهينا، وأغننا اللهم عن من أغنيته عنا.

اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا بالباقيات الصالحات أعمالنا، واجعل آخر كلامنا من الدنيا: "لا إله إلا الله محمدًا رسول الله" وتوفنا وأنت راضٍ عنا غير غضبان، وابعثنا يوم القيامة في زمرة نبيك محمد.

اللهم إنا عبيدُك بنو عبيدِك بنو إمائك، في حاجةٍ إلى رحمتِك وأنت غنيُ عن عذابنا، اللهم فجازِنا بالإحسانِ إحساناً، وبالإساءةِ عفواً وغفراناً.

اللهم آنس وحشتنا في القبور، وآمن فزعنا يوم البعثِ والنشور، واغفر لنا ولجميعِ موتى المسلمين يا أرحم الراحمين.

اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين.