الحكم
كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...
العربية
المؤلف | ماهر بن حمد المعيقلي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
فمراعاة المشاعر وجبر الخواطر جزء من شريعة الإسلام، وعبادة نتقرَّب بها إلى الرحمن، فصاحب النفس العظيمة، والقلب الرحيم، رؤوف بإخوانه، رفيق بهم، يجتهد لهم في النصح، ويحب لهم الخيرَ كما يحبه لنفسه، ولا يحمل في صدره غِلًّا لهم، ويتجاوز عن هفواتهم، ويلتمس الأعذار لأخطائهم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله العزيز الغفَّار، القوي الجبَّار، (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ)[الرَّحْمَنِ: 14-15]، وأشهد ألَّا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، الواحد القهَّار، وأشهد أن سيدنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه المختار، إمام المتِّقينَ الأبرار، صلى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصَحْبه الأخيار، ما تعاقَب الليل والنهار، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ معاشرَ المؤمنينَ: اتقوا الله حق التقوى، وراقِبوه في السر والنجوى؛ فتقوى الله -تعالى- سبب للبركات، وتكفير السيئات، ودخول الجنات، قال الله -تعالى- عن أهل الكتاب: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)[الْمَائِدَةِ: 65]، وقال عز في علاه: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)[الْأَعْرَافِ: 96].
أمةَ الإسلامِ: إن التعرف على أسماء الله الحسنى وصفاته العلا يدعو إلى عبادته، ومحبته وخشيته، وتعظيمه وإجلاله، وبحسب معرفة العبد بأسماء الله وصفاته يكون إيمانه واجتهاده في عبادته، ولقد أثنى سبحانه وتعالى على ذاته العلية، فوصَف نفسَه بصفات الكمال والجلال، فقال في محكم تنزيله: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الْحَشْرِ: 23]، فهو -سبحانه- الجبار، الذي له العلو على خلقه، فسبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، لن يبلغ الخلقُ نفعَه فينفعوه، ولن يبلغوا ضرَّه فيضروه، قهَر الجبابرةَ بجبروته، وعلاهم بمجده وعظمته، وفي سنن ابن ماجه بسند صحيح، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر يقول: يأخذ الجبار سماواته وأراضيه بيده، -وقبَض يدَه، فجعل يقبضها ويبسطها- ثم يقول: أنا الجبَّار، أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟".
إخوةَ الإيمانِ: وكما أن اسم الجبار فيه صفة علو وقوة، فهو كذلك فيه صفة رأفة ورحمة، وفي (سنن الترمذي بسند صحيح)، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين السجدتين: "اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني"، فالله -جل جلاله- يجبر الفقير بالغِنَى، والضعيف بالقوة، والمنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها، وإحلال الفَرَج والطمأنينة فيها، ومِنْ لُطفِ الجبارِ وكرمه يَنزِل -تبارك وتعالى- كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر؛ فيقول: "مَنْ يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟"، فيجبر كسيرا، ويعافي مبتلى، ويشفي مريضا، ويغيث ملهوفا، ويُجيب داعيا، ويُعطي سائلا، ويُفرِّج كربًا، ويزيل حزنا، ويكشف همًّا وغمًّا.
وفي القرآن العظيم يُخبرنا الجبارُ -سبحانه- بجبر قلوب أنبيائه ورسله، فهذا نبي الله موسى -عليه السلام- لَمَّا رغبت نفسُه إلى رؤية الله -تعالى- وطلب ذلك منه، أخبره سبحانه أن ذلك غير حاصل له في الدنيا، ثم سلَّاه، وجبر خاطره بما آتاه، فقال: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 144]، ولَمَّا أُخرِجَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- من موطنه مكة، وهي أحب البقاع إليه، وقَف قبل خروجه على موضع يقال له الحزورة، وهو تل مرتفع يطل على الكعبة، فقال: "ما أطيبَكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَكِ، واللهِ إنكِ لَخيرُ أرضِ الله، وأحبُّ أرضِ اللهِ إلى الله، ولولا أني أُخرجتُ منكِ ما خرجتُ" (رواه الترمذي بسند صحيح)، فجبر الله -تعالى- خاطره، وأوحى إليه وهو في طريقه إلى المدينة: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ)[الْقَصَصِ: 85]، أي: إن الذي أنزل عليكَ القرآن وأمركَ بتبليغه لَرَادُّكَ إلى الموضع الذي خرجت منه، عزيزا فاتحا منتصرا، ولقد صدَق اللهُ وعدَه، ونصَر عبدَه، ووعده بأن يعطيه حتى يرضيه، (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)[الضُّحَى: 5].
معاشرَ المؤمنينَ: إن جبر الخواطر سجية تدل على سمو نفس صاحبها، ورجاحة عقله، وسلامة صدره؛ فلذلك كان الحظ الأوفر منها لسيد المرسلين وإمام المتقين، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، فقد كان -صلوات ربي وسلامه عليه- أصلح الناس قلبًا، وأصدقهم لسانًا، وَسِعَ خُلُقُه الناسَ، سهولةً ورفقًا، وفاضت يداه بالعطايا كرما وجودا، فكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما، يجبر خواطرهم، ويتفقَّد أحوالهم، ويسأل عن غائبهم، ويعود مريضهم، وكان لا يعيب طعاما صنعه آدميٌّ؛ لئلا ينكسر خاطره، ويُنسب إلى التقصير فيه، وإذا بلغه عن الرجل الشيءُ المكروهُ لم يصرح باسمه، ولكن يقول: "ما بال أقوما يقولون كذا وكذا"؛ حفاظًا على المشاعر وكسبا للود.
وكان صلى الله عليه وسلم من كريم أخلاقه إذا ردَّ هديةً اعتذر لصاحبها تطييبا لخاطره، (ففي الصحيحين) أن الصعب بن جثَّامة -رضي الله عنه- أهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمارَ وحشٍ -وهو بالأبواء وهو محرم- فرَدَّه صلى الله عليه وسلم، قال صعب: "فلما عَرَفَ في وجهي ردَّه هديتي قال: ليس بنا رَدٌّ عليكَ، ولكنَّا حُرُمٌ"؛ أي المحرم لا يأكل ممَّا صِيدَ من أجله، ومن صور جبره -صلى الله عليه وسلم- ما (أخرجه الترمذي في سننه بسند حسن)، عن جابر -رضي الله عنه- قال: "لقيني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا جابرُ، ما لي أراكَ منكسرًا -أي منكسر البال والخاطر مهمومًا حزينا- قلتُ: استُشهد أبي وترك عيالا ودَيْنًا، فاجتمعت عليه -رضي الله عنه- وأرضاه أسبابُ الحزن؛ عيال كثير ودين ثقيل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جَابِرًا لقلب جابر: أفلا أُبَشِّرُكَ بما لقي اللهُ به أباك؟ قلتُ: بلى يا رسول الله، قال: ما كلَّم اللهُ أحدًا قطُّ إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحا فقال: يا عبدي، تمنَّ عليَّ أُعطِكَ" وكأنه -عليه الصلاة والسلام- يقول: لا تهتم بأمر العيال والدين؛ فإن الله -تعالى- سيقضي عن أبيك دَيْنه، ويَلْطُف بعياله، ولكن أبشرك بما نال والدك من القرب عند الله -سبحانه-، وما لقيه به من الكرامة.
ولا شك -إخوتي الكرام-، أن فقد الولد صدعٌ في الفؤاد، وسببٌ للحزن والانكسار، يحتاج مَنْ أُصِيبَ بذلك إلى من يجبر خاطره، ويطيِّب نفسَه، (ففي سنن النسائي بسند صحيح)، أن رجلا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- توفي ولده فانعزل عن الناس، فلمَّا فَقَدَهُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما لي لا أرى فلانا؟ قالوا: يا رسول الله، بُنَيُّه الذي رأيتَه هَلَكَ، فلقيه النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن بنيه، فأخبره أنه هلك، فعزَّاه عليه، ثم قال: "يا فلان، أيُّما كان أحبَّ إليكَ، أن تمتَّع به عمرك، أو لا تأتي غدا إلى باب من أبواب الجنة إلا تجده قد سبقكَ إليه، يفتحه لكَ" قال: يا نبيَّ الله، بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي، لَهُوَ أحبُّ إليَّ، قال: فذاكَ لكَ".
وكشفت الريح يومًا عن ساقَي ابن مسعود -رضي الله عنه- فضحك القوم منه، فجبر النبي -صلى الله عليه وسلم- خاطره، وأعلى شأنه وبيَّن مكانتَه عند ربه، فقال: "والذي نفسي بيده لهما أثقلُ في الميزان من أُحُدٍ"(رواه الإمام أحمد).
وللصغار في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- نصيب من جبر الخواطر، مع ما يحمله من قيادة الأمة، وتكاليف تبليغ الدعوة، ففي (مسند الإمام أحمد) عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل علينا، وكان لي أخ صغير، وكان له نغر يلعب به فمات، فدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فرأه حزينًا، فقال: "ما شأن أبي عمير حزينا؟" قالوا: مات نغره الذي كان يلعب به يا رسول الله. فقال: "يا أبا عمير، ما فعل النغير".
وتأمَّلْ أخي المبارك كيف كانت مشاعر هذا الصبي الحزين وهو يسترسل في حديثه وبثِّ مشاعره وذكرياته لرسول الأمة -صلوات ربي وسلامه عليه-، وما لهذا الحديث من أثر في تسلية قلبه الصغير الكسير.
إخوةَ الإيمانِ: ويدخل في جبر الخواطر البشاشةُ والتهنئةُ، والمصافحةُ والمعانقةُ، والمشاركةُ في سرور وفرح، أو في بكاء وترح، فهذه عائشة -رضي الله عنها-، تذكَّرت في حادثة الإفك، امرأة من الأنصار شاركتها في حزنها بدمعات كان لها أعظم الأثر والمواساة، (ففي الصحيحين)، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "وقد بكيتُ ليلتين ويوما، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، حتى إني لَأظن أن البكاء فالِقٌ كَبِدي، فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذَنَتْ عليَّ امرأةٌ من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي"، وهكذا حال كثير من أساليب جبر الخواطر، يكفي فيها ابتسامة صادقة، أو كلمة حانية، أو اعتذار عن خطأ أو دعاء.
وليكن أخي المبارك لأهلك من جبر القلوب أوفر الحظ والنصيب، وخاصة الوالدين والزوجة والأبناء، والإخوة والأخوات وبقية القرابات، فاجبروا الخواطر، وشارِكُوا الإخوان في المشاعر، وتذكروا أنها عبادة جليلة يجازي عليها الجبار بأجور عظيمة، ففي (صحيح مسلم) قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -عز وجل- يقول يومَ القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني؟ قال: يا رب كيف أعودك وأنتَ رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مَرِضَ فلم تعده، أما علمتَ أنك لو عدتَه لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم، استطعمتُكَ فلم تطعمني؟ قال: يا رب، وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما إنك لو أطعمته لوجدتَ ذلك عندي؟ يا ابن آدم، استستقيتك فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيتَه وجدتَ ذلك عندي؟".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[الضُّحَى: 1-11].
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه كان غفورا رحيما.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وله الحمد ملء الأرض وملء السماوات، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: معاشر المؤمنين: إن أحكام الشريعة جاءت بمراعاة الخواطر وجبرها، وتطييب النفوس عند كسرها، فشرعت الدية في جبر الخطأ جبرًا لنفوس أهل المجني عليه، وتطييبًا لخواطرهم، واستحبت التعزية لأهل الميت؛ لتسليتهم ومواساتهم، وتخفيف آلامهم، ومن حِكَم زكاة الفطر جبر قلوب الفقراء؛ ليفرحوا بالعيد كما يفرح به الأغنياء، فمراعاة المشاعر وجبر الخواطر جزء من شريعة الإسلام، وعبادة نتقرَّب بها إلى الرحمن، فصاحب النفس العظيمة، والقلب الرحيم، رؤوف بإخوانه، رفيق بهم، يجتهد لهم في النصح، ويحب لهم الخيرَ كما يحبه لنفسه، ولا يحمل في صدره غِلًّا لهم، ويتجاوز عن هفواتهم، ويلتمس الأعذار لأخطائهم، ويجبر خواطرهم، ويطيب نفوسهم.
وأما صاحب اللفظ الجافي، والقلب القاسي فقد مضت سنة الله -تعالى- أن ينفر الناس منه، فلا يُقبَل منه توجيهٌ ولا دعوةٌ، ولا تُسمع منه نصيحة، ولا يرتاح له جليس، ولا يأنس به ونيس (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[آلِ عِمْرَانَ: 159]، وفي (صحيح مسلم) من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "بينما نحن في المسجد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَهْ مَهْ -يعني: اكفف- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزرموه، دعوه" فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعاه فقال له: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القَذَر، إنما هي لذِكْر الله -عز وجل-، والصلاة وقراءة القرآن" قال: فأمَر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه"، وزاد في (صحيح البخاري)، أن ذلك الأعرابي قال وهو في الصلاة: "اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا"، فلما سلَّم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قال له: "لقد حجَّرتَ واسِعًا"؛ يريد رحمةَ اللهِ.
اللهم اجبر خواطرنا برحمتك وفضلك، اللهم اجبر خواطرنا برحمتك وفضلك، وجودك وكرمك ومنتك يا أرحم الراحمين، وأدخلنا جنتك من غير حساب ولا عقاب، مع آبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأزواجنا وذرياتنا، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمِنًا مطمئنًا، وسائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك بفضلك ومنتك أن تحفظ بلاد المسلمين من كل مكروه وسوء، اللهم احفظ بلاد الحرمين، اللهم احفظها بحفظك برحمتك يا رب العالمين، اللهم أدم أمنَها ورخاءها واستقرارها، اللهم أدم أمنَها ورخاءها واستقرارها، اللهم مَنْ أراد بلاد الحرمين بسوء فاجعل تدبيره تدميرا عليه، بقوتك وعزتك وجبروتك يا قوي يا عزيز.
اللهم وفِّق خادم الحرمين لما تحب وترضى، واجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، اللهم اجمع به كلمة المسلمين يا رب العالمين، اللهم وفقه ووليَّ عهده الأمين، لما فيه خير للإسلام والمسلمين، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم أيدهم بتأييدك واحفظهم بحفظك، برحمتك يا رب العالمين.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-183].