القريب
كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...
العربية
المؤلف | علي عبد الرحمن الحذيفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصيام |
إن عزَّ الإنسان في عبادة الله وحده لا شريك له، وسعادتَه في التذلُّل لربه -عز وجل- بالطاعات مع المحبة الصادقة، فذلك هو الفلاحُ في الدنيا والفوزُ في الآخرة، ومن قرَنَ بين فعلِ أمر الله وترك ما نهى عنه فهو من السابقين الصالحين الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون. قال الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)، وقال -عز وجل-: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) ..
الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون: إن عزَّ الإنسان في عبادة الله وحده لا شريك له، وسعادتَه في التذلُّل لربه -عز وجل- بالطاعات مع المحبة الصادقة، فذلك هو الفلاحُ في الدنيا والفوزُ في الآخرة، ومن قرَنَ بين فعلِ أمر الله وترك ما نهى عنه فهو من السابقين الصالحين الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.
قال الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الواقعة: 10- 12]، وقال -عز وجل-: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر: 32].
والسابقون: هم الذين قاموا بالفرائض والواجبات، وهجَروا المُحرَّمات والمكروهات، واستكثَروا من المُستحبَّات، والمُقتصِدون: هو دون هؤلاء، والظالمُ لنفسه: هو الذي خلطَ عملاً صالحًا وآخر سيئًا.
والعبادةُ التي يتقرَّبُ بها المسلمُ لربه -تبارك وتعالى-: هي كل ما يُحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، وأعظمُ العبادة بعد تحقيق الشهادتين هذه الصلاة؛ فقد جمعَ الله في هذه الفريضة أعمالَ القلب وأعمالَ الجوارح؛ فمن أقام صلاتَه ووفَّاها حقَّها فقد فازَ في أعلى الدرجات، ونهَتْه عن الفحشاء والمُحرَّمات، قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45]، وفي الحديث: "أولُ ما يُحاسَبُ عليه العبدُ يوم القيامة الصلاةُ، فإن قُبِلَت قُبِلَت وسائرُ عمله، وإن رُدَّت رُدَّت وسائرُ عمله".
وعن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرجَ في الشتاء والورق يتهافَت، فأخذَ بغُصنٍ فجعل الورقُ يتهافَت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا ذر!". قلتُ: لبيكَ يا رسول الله، قال: "إن العبدَ المسلمَ ليُصلِّي الصلاةَ يريدُ بها وجهَ الله فتهافَتُ عنه ذنوبُه كما تهافَتَ هذا الورق من هذه الشجرة". رواه أحمد. قال في مجمع الزوائد: "ورجاله ثقات".
أيها المسلمون: ألا تُحبُّون أن تعلَموا ما يرفعُ الدرجات ويُكفِّر السيئات؟! ألا تُحبُّون أن تعرفوا الأعمال التي فاز بها الفائزون، وتقرَّبَ إلى الله بها المُقرَّبون؟!
اعلموها من كتاب ربكم وسنةِ نبيِّكم -عليه الصلاة والسلام-، إنها أعمالُ القلوب؛ فأعمال القلوب أفضلُ الأعمال عند الله تعالى، فهي أساسُ أعمال الجوارح، وأعمالُ الجوارح تبَعٌ لها.
وقد تعبَّدنا الله -عزَّ وجل- بأعمال القلوب لتسلمَ قلوبُنا مما يُضادُّ أوامر الله -تبارك وتعالى-، ولتُحفَظَ من دواعي الهوى والوقوع في المُحرَّمات، ولتتطهَّر نفوسُنا ولتتزكَّى أعمالُنا، فتعبَّدنا الله -تبارك وتعالى- بالتوكُّل عليه، والرغبة فيما عنده من الفضل والخير، والرهبة منه والخوف من عقوباته، والرجاء في ثوابه والرجاء في النجاة من عذابه.
كما تعبَّدنا سبحانه بالإخلاص في القول والعمل والاستقامة على هدي سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وأمرَنا بالصبر والإخبات والتواضع لله تعالى، وسلامة الصدر من المكر والخداع والنفاق والحسد، وتعبَّدنا بحُبِّ الله -عزَّ وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وحبّ ما يُحبُّه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وبُغض ما يُبغِضُه الله ورسوله، وبالتوبة والإنابة والرحمة، والنُّصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، إلى غير ذلك من أعمال القلوب التي يتفاضَلُ الناسُ عند الله بها.
وأفضلُ من قامَ بأعمال القلوب بعد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، وأفضلُ من اتَّصَفَ بحقائقها وطبَّق أركانَها ومعانيها هم الصحابةُ والتابعون -رضي الله عنهم-؛ لأنهم علِموا معانيها مُطابقةً وتضمُّنًا والتزامًا من لغتهم العربية، وما اشتبَه عليهم سألوا عنه رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل: 44].
وأنت -أيها المسلم- اسلُك سبيلَهم، فاعمَل بما علِمتَ، واسأل عما تجهلُ من دينك، قال الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 43]، وأهلُ العلم فرضٌ عليهم بلاغ الدين للعالم كله، قال الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بلِّغوا عنِّي ولو آيةً".
أيها المسلمون: إنكم عبدتُم ربَّكم في شهر رمضان بأنواع العبادات، وملأتُم صحائفَ الأعمال بالحسنات، وأتيتُم بما يُكفِّر السيئات، فاحفَظوا أعمالكم الصالحات من النقص والمُبطِلات، فكما أن الحسنات يُذهِبن السيئات، كما قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: 114]، فكذلك السيئاتُ تُنقِصُ ثوابَ الحسنات، أو تُبطِلُها تلك المُوبِقات.
وداوِموا على العبادات، وكُن -أيها المسلم- أشدَّ حرصًا على حفظِ الطاعة من المُبطِلات أكثر من حرصِك على فعل الطاعات، واعبدوا ربَّكم في جميع الشهور والأوقات؛ فحقُّ ربنا علينا عظيمٌ، ولن نقدِر أن نعبُدَه حقَّ عبادته، ولكن سدِّدوا وقارِبوا وأحسِنوا العمل باتباع السنة، وأبشِروا وأمِّلوا.
قيل لبشرٍ الحافي: إن قومًا يعبُدون اللهَ في رمضان، فإذا ذهبَ انقطعوا، قال: "بئس القوم؛ لا يعرِفون اللهَ إلا في رمضان".
قال الله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99]؛ يعني: اعبُد ربَّك حتى يأتيَك الموتُ، فليس لعبادة الله نهاية إلا أن يموتَ الإنسان.
واستقيموا واثبُتوا على دين الله الذي رضِيَه لنفسه وقبِلَه ممن عبدَ اللهَ به، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأحقاف: 13، 14].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله مُجيب الدعوات، خالقِ الأرضِ والسماوات، أحمدُ ربي وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحدُ الأحدُ الصمد، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله خيرُ من تقرَّبَ إلى الله بالطاعات، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله -معشر المسلمين-، واحذروا عصيانَه، واطلبُوا رضوانَه.
عباد الله: إن الله تعالى منَّ عليكم في رمضان بطاعات الرحمن، فلا تُبدِّل ذلك -أيها المسلم- بطاعة الشيطان، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) [محمد: 33].
واعلموا أن الشياطين كانت في رمضان مُقيَّدةً بالسلاسل، ويريدُ الشيطانُ أن يأخُذَ من المسلمين بثأره، فيأتي المسلمَ من كل طريقٍ، فرُدُّوه خائبًا مدحورًا، لئلا يُفسِدَ الأعمال فيجعلها هباءً منثورًا.
واعملوا أن خيرَ أحوال المسلم أن يُتبِعَ الحسناتِ السيئات، مع هجر المُحرَّمات، ودون ذلك أن يُتبِعَ الحسنةَ السيئة، وأن يكون يقِظًا تائبًا لله في كل أحواله؛ عن معاذ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأتبِعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ".
عباد الله: إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال -تبارك وتعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحبِ أجمعين.
اللهم إنا نسألك أن تغفرَ لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلمُ به منَّا، أنت المُقدِّمُ وأنت المُؤخِّرُ، لا إله إلا أنت.
اللهم اغفر لنا ذنوبَنا، وإسرافَنا في أمرنا، وثبِّت أقدامَنا، وانصُرنا على القوم الكافرين.