البحث

عبارات مقترحة:

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

تأملات في اسم الله القدير

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الإيمان بالله - التوحيد
عناصر الخطبة
  1. عظمة الله وكمال قدرته وقوته .
  2. بيان معاني أسماء الله الدالة على كمال قدرته .
  3. من مظاهر قدرة الله في الكون .
  4. حكمة القدير في بقاء الشر والظلم .
  5. آثار الإيمان باسم الله القدير .

اقتباس

فلا يظنن مخلوق أن بقاءه على باطله وشره، وظلمه وجبروته سيدوم، وأن الله القادر عاجزٌ أو غافل عنه، كلا -والله- إن الأمر ليس كذلك؛ لأنه -تعالى- القدير القوي يقدر أن يأخذ الظالم والمذنب في لمحة بصر...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:

أيها الموحدون: إن الكون بما فيه من مخلوقاتٍ دالٌ على عظمة الله، وكمال قدرته -عزَّ وجلَّ-، وصدق الملك الحق: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[لقمان:10-11].

ولقد أثنى الله -تبارك وتعالى- على ذاته العلية؛ فوصف نفسه بأنه القادر والقدير والمقتدر، وكلها من أسماء الله الحسنى، قال -تعالى-: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)[الأنعام:65]، وقال -جل وعلا-: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الملك:1]، وقال -تبارك وتعالى-: (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)[القمر:55]، وقال -تعالى-: (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القَادِرُونَ)[المرسلات:23]، والآيات القرآنيّة الدالة على القدرة الإلهية كثيرة ومستفيضة.

أما السنة المطهرة؛ فقد أثنى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- على ربه؛ فوصفه وسماه بالقدير؛ فعن مُعَاوِيَة -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ، وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"(رواه البخاري)، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ -تبارك وتعالى- يَقُولُ: مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ غَفَرْتُ لَهُ، وَلَا أُبَالِي مَا لَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا"(رواه الحاكم وحسنه الألباني).

أيها المسلمون: تدل أسماء الله القادر والقدير والمقتدر على السيطرة والتمكن والهيمنة، مع الحكمة التامة؛ فالقادر -تبارك وتعالى- هو الذي له القدرة المطلقة، والقوة الكاملة، الذي لا يُعجزه شيء، ولا يفوته مطلوب، القادر على ما يشاء، الفعّال لما يريد، لا يعترضه عجزٌ، ولا ينتابه فتور، وهو الذي إذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون.

والمقتدر -سبحانه- هو المتمكن من كل شيء بإحاطة تامة وقوة بالغة، لا يمتنع عليه شيء، ظهرت قدرته -سبحانه- في كل شيء.

والقدير -سبحانه- هو المُصلح للخلائق على وجهٍ لا يقدر عليه أحدٌ إلا هو، وهو الذي عظمت قدرته على خلق أعظم المخلوقات، وما من شيء تسمع به أو تراه أو تشعر بوجوده إلا والله هو الذي خلقه فقدَّره تقديرًا.

أيها المسلمون: نظرة إلى الكون والحياة من حولنا تتجلى فيها قدرة القادر -جل وعلا-؛ فمن مظاهر قدرة الله -تعالى-:

خلق المخلوقات كبيرها وصغيرها، وما فيها من عجائب الخلق، وكثرة أعدادها واختلاف أحجامها، وتنوع صورها وألوانها، قال -سبحانه-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)[الطلاق:12]، وقال -تعالى-: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[النور:45].

ومن المظاهر الدالة على قدرته -سبحانه وتعالى-: إخضاعه لجميع الكائنات بقدرته أينما كانت؛ فالإنسان وهو أرقى الكائنات وأقواها قدرته ضعيفة، وهو عاجز مهما بلغ من العلم والقوة أمام قدرة الله -تعالى-؛ (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[البقرة:148].

ومنها: ما يحدث في الأرض من الآيات الربانية العظيمة من الزلازل المدمرة، والبراكين المحرقة، والأعاصير المهلكة، والطوفانات المغرقة؛ ففي لحظات تصبح مدناً بمن فيها خراباً كأن لم تكن من قبل؛ (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[يونس:24].

ومن مظاهر قدرة القدير -سبحانه-: قدرته في نصر أوليائه رغم ضعفهم وقلة عدتهم وعددهم، قال -عز وجل-: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)[الحج:39].

ومن مظاهر القدرة الإلهية: قدرته -تعالى- في إهلاك المكذبين والمعاندين للرسل، قال -جلا وعلا-: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)[فاطر:44]، وقال -تعالى-: (وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ)[القمر:41-42].

أيها المسلمون: إن لله -تعالى- سننًا في خلقه، قدّر أن تكون في هذا الوجود، ولا يخرج شيء منها عن إرادته وحكمه، وقدرته وسلطانه؛ فمن ذلك سنة وجود الحق والباطل، والخير والشر، والقوي والضعيف، والقادر والعاجز، والظالم والمظلوم؛ حتى يتمخض عن ذلك فريق أهل الجنة وفريق أهل السعير؛ فدار الدنيا لأجل ذلك خُلقت، ودار الآخرة لنتائجها أُعدّت، قال -تعالى-: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)[هود:118].

فلا يظنن مخلوق أن بقاءه على باطله وشره، وظلمه وجبروته سيدوم، وأن الله القادر عاجزٌ أو غافل عنه، كلا -والله- إن الأمر ليس كذلك؛ لأنه -تعالى- القدير القوي يقدر أن يأخذ الظالم والمذنب في لمحة بصر، ولكنه -تعالى- يمهل عباده بمقتضى حلمه وحكمته، حتى لا تكون لهم معذرة لديه بعدم الإمهال للتوبة؛ كما قال -تعالى-: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا)[فاطر:45].

فإذا انتهت فرصة الإمهال جاء زمن مؤاخذة المبطل والظالم؛ ففي الصحيحين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته"، قال ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)[هود:102].

وفيما جرى في الماضي لكل جبار ومذنب معتبر للحاضر، قال -تعالى-: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[العنكبوت:40].

إخوة الإسلام: لا يأمن ظالم من انتصار الله القدير منه للمظلوم؛ فإن زمان الدنيا مهما طال بالظالم فستأتي عقوبته في حياته أو بعد مماته، ولا يحزن مظلوم من بقاء ظالمه بدون نزول عقوبة عاجلة؛ فإن ما جرى للمظلوم قد يكون تكفيراً لسيئاته، ورفعًا لدرجاته، وتكثيراً لحسناته، وحقه من المتعدي عليه سيناله ولو امتد حبل الإمهال؛ (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)[إبراهيم: 42].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً، والصلاة والسلام على عبده ونبيه محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، أما بعد:

عباد الله: اعلموا أنه لا يحدث شيء في هذا الكون صغيرا كان أم كبيرا خارج عن قدرته -تعالى-: (قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤْتِي المُلكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران:26].

فوا عجبًا! إلهٌ هذا خلقُه، وهذه قدرتُه؛ كيف يُعصى؟! وكيف لا يُشكر؟! وكيف لا يُعبَد ويُطاع؟! وكيف لا يُتذلل له ويُخاف منه وهو القاهر فوق عباده، العليم بهم، وله الكمال والجلال والجمال، وله الكبرياء في السموات والأرض؟! وصدق الله: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزمر:67].

أيها المسلمون: إن اسم الله القدير يملأ النفس ثقةً بنصر الله -عز وجل-، وأمانًا معه وطمأنينةً وأُنسًا به؛ فإذا كان الله معك فمن عليك؟! وإذا كان عليك فمن معك؟! وصدق من قال: "يا رب! ماذا فقَد مَن وجدك؟ وماذا وجد مَن فقدك؟".

والواجب على المؤمن أن يطمع المؤمن في نصر الله وقوته وتدبيره، ويلجأ لقدرته وقوته، ثم يأخذ بأسباب القوة والقدرة المشروعة، ونعمل ونجد لكي يعود للمسلمين مجدهم وقوتهم.

ولا ينبغي للمؤمن أن يذل لقويّ ويخضع له، ويطمع في عطائه، وهو عبدٌ لربٍّ قوي قادر قاهر على كل شيء قدير، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ"(رواه مسلم).

ولا ينبغي للعبد المؤمن أن يغفل عن دعاء الله -تعالى- باسمه القادر؛ فقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- المؤمن على التوسل إلى الله -تبارك وتعالى- وسؤاله بقدرته عند رغبته وإقدامه على أمر مستقبلي لا دراية له بعاقبته؛ كأن يرغب في أمرٍ ما من سفرٍ أو زواجٍ أو عملٍ أو غير ذلك، حثَّه النبي -عليه الصلاة والسلام- على أن يستخير الله، ويرجوه ويدعوه ويتوسل إليه بقدرته وعلمه واطلاعه على ما كان وما سيكون، ويلحّ عليه ويرجوه؛ لأنه الأعلم والأحكم والأقدر، أن يتخير له بعلمه ما ينفعه، قال جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمنا الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها؛ كما يعلِّمنا السورةَ من القرآن، يَقُولُ: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ"(رواه البخاري)؛ ففي هذا الدعاء ركون العبد إلى قدرة الله، مع إظهار ضعفه وجهله وقلة علمه.

فهذه مفاتيح القوة والقدرة بين يديك -أخي- فَأْوي إلى الركن الشديد والقوي القدير، وتذلل بين يديه، واشكُ له ضعفك، واستعنْ به على أمرك، واعرف قوته وضعفك، وعلمه وجهلك، وحلمه وطيشك، واسألْه أن يعينك ويأخذ بيدك، وكن على يقين أن الخير بيده، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وهو على كل شيء قدير.

وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى؛ حيث أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].