الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | سالم بن محمد الغيلي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
اسألوا العلماء العارفين بالله وبكتابه وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم, وإذا ما وجدت من يفتيك فانتظر حتى تجد, لا تذهب إلى المتساهلين والمتهاونين والمميعين للدين؛ فإن عاقبة ذلك سيئة على دينك وعلى أعمالك الصالحة, كم سمعنا ورأينا من أُناس تجرأوا على الفتيا فضلوا وأضلوا الناس...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1], (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70 – 71 ].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
عباد الله: إن دين المسلم هو رأس ماله بل هو حياته كلها, وما أنعم الله بشيء على الإنسان أعظم من نعمة الإسلام, أعظم نعمة وأعظم منّة أن هداك للإسلام, وجعلك تسجد له وتركع, وغيرك ممن أضلهم الشيطان يركعون ويسجدون ويتقربون لغير الله.
ومن أجل الحفاظ على نعمة الإسلام, على هذا الكنز العظيم الذي نحمله في قلوبنا يجب علينا أن نتلقى تعاليمه وتوجيهاته من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-, ونقول سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة؛ لأن هناك آلاف الأحاديث الضعيفة والموضوعة والمكذوبة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, ولأن هناك من تصدّرَ للناس يفتيهم ويعلمهم ويقول لهم بغير علم, وبغير هدى من الله, وخاصة في هذه الأزمنة, وقد حذرنا الله -تعالى- أن نسأل أو نستفتي غير أهل العلم الربانيين, أهل العلم العالمين بالقرآن والسنة, أهل العلم الذين لا يريدون إلا رضا الله, أهل العلم الذين ينظرون في الأمور وفي الدليل الصحيح, وفي المصالح والمفاسد, قال الله -تعالى- لنا عندما نأخذ الفتوى أو نسأل عن أمور ديننا: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النحل: 43].
فاسلوا أهل العلم إن كنتم لا تعلمون, اسألوا العلماء العارفين بالله وبكتابه وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم, وإذا ما وجدت من يفتيك فانتظر حتى تجد, لا تذهب إلى المتساهلين والمتهاونين والمميعين للدين؛ فإن عاقبة ذلك سيئة على دينك وعلى أعمالك الصالحة, كم سمعنا ورأينا من أُناس تجرأوا على الفتيا فضلوا وأضلوا الناس!.
لا يجوز لأحد أن يفتي بغير علم لا تحلل ولا تحرم لهواك أو لظنونك أو مزاجك, قال الله -تعالى-: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ)[النحل: 116], وقال -سبحانه-: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)[يونس: 59], إن الله -تعالى- هو المُشرع, إن الله -تعالى- هو المُحلل وهو المُحرم؛ لأن الدين دينه, والعباد عباده, والشرع شرعه, وقد أوجب الله على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يحكم عندما كان اليهود يترددون إليه يستفتونه فيأخذون ما يعجبهم ويذرون ما لا يوافق أهواءهم؛ فقال الله له: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[المائدة: 42].
إن قضية الفتوى خطيرة جداً, وإذا انعدم المُفْتون الربانيون ولم يجد الناس من يفتيهم بحق؛ تخبط الناس في أمور دينهم ودنياهم, وارتكبوا المعاصي وقصروا في حق الله عليهم, إن المفتي يوقع عن الله؛ لأنه يقول هذا حلال وهذا حرام, (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[الأعراف: 33]؛ فجعل الله الفتوى بغير علم قرينة للشرك, لقد ضاع منصب الإفتاء بين كثير من جهات المسلمين, وأصبح من يملؤه أهل الجهل وأصحاب الهوى والمبتدعة, وأهل الدنيا وأصحاب الأطماع الذين لا يخافون الله -عز وجل-.
هناك أمور في الدين لا يختلف عليها اثنان ويقدر الجميع الإجابة عليها والفتوى فيها, مثل: كم أركان الإسلام؟ كم الصلوات المفروضة؟ كم عدد الركعات؟ متى يبدأ الصيام, ومتى ينتهي؟ وهكذا, والإشكال في الأمور الأخرى التي لا يعلمها إلا العالمون المتجردون من الأهواء, حتى إن بعض الناس يقولون: اسألوا فلانا وفلانا؛ لأنهم ميسرون في فتواهم, وفلان لا تسألونه لأنه متشدد, وهذا أمر خطير على الدين.
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا | فلا ديننا يبقى ولا ما نُرقِّعُ |
لقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يخشون الفتوى, لا يتجرؤون عليها لخطورتها, قال عبدالرحمن بن أبي ليلى: "أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما كان منهم محدث إلا ودَّ أن أخاه كفاه الحديث, ولا مفت إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا", وكان ابن عمر إذا سئل قال: "اذهب إلى هذا الذي تولى أمر الناس فضعها في عنقه, يريدون أن يجعلونا جسراً يمرون علينا على جهنم".
وتأملوا اليوم كم المفتون؟! في كل شاشة مفتٍ, وفي كل موقع مفتٍ, وفي كل زاوية مفتٍ, كل الناس يفتون, انظروا إليهم في المجالس والاجتماعات إذا سأل أحد عن مسألة قام الجميع يفتون بحق وبغير حق!, سُئل الشعبي عن مسألة فقال: لا أدري, فقيل: ألا تستحي من قولك: لا أدري؛ وأنت فقيه أهل العراق؟! قال: "لكن الملائكة لم تستحِ حين قالت: (سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا)[البقرة: 32]".
لذلك -يا عباد الله- لا نفتِ بغير علم, ولا نأخذ الفتوى ممن هب ودب؛ فإن هذا دين الله لا يصح التلاعب فيه, ولا إضلال الناس, ولا تمييع الدين ليوافق الأهواء والرغبات.
اللهم وفقنا في الدين, وعلمنا التأويل, وسددنا في الفعل والأقاويل, أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه؛ كما يحب ربُنا ويرضى.
عباد الله: في آخر الزمان يموت العلماء الربانيون؛ فيموت معهم علمهم وفتواهم, ويبقى في الناس جهلة وغافلون وضالون يقولون على الله بغير حق, وهذا مصداق لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا"(صحيح البخاري).
في الدين مسائل اجتهادية وقضايا عصرية ومشتبهات لا يجوز أن يتكلم فيها إلا أهل العلم الراسخون, قال الهيثم بن جميل: "شهدت مالكاً سئل عن ثمان وأربعين مسألة, فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري"(الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء لابن عبدالبر), وكان -رحمه الله- يقول: "من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار, وكيف الخلاص منها ثم يُجيب؟", وقال أبو حنيفة: "لولا الخوف من الله أن يضيع العلم ما أفتيت, يكون لهم المهنأ وعليَّ الوزر, هم يأخذون الجواب يعملون به وعليَّ الوزر".
قال الإمام أحمد –رحمه الله-: "لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا؛ حتى يكون فيه خمس خصال: أولاً: أن تكون له نية صالحة, ثانياً: أن يكون له علم وحلم, ووقار وسكينة, ثالثاً: أن يكون قوياً على ما هو فيه وعلى معرفته, رابعاً: الكفاية وإلا مضغه الناس, خامساً: معرفة الناس وأحوالهم وحاجتهم".
ولنحذر من تتبع رخص العلماء؛ من هذا رخصة, ومن هذا رخصة, لا يجوز تتبع الرخص؛ لأن الرخص تأتي مع المشقة, فإذا انتفت المشقة انتفت الرخص وجاء دور العزيمة والجد؛ لأن الله -تعالى- يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[التغابن: 16]؛ بقدر ما تستطيعون اتقوا الله, وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم- : "واسألك العزيمة على الرشد".
الله الله -يا أحبه- لا نفتي بغير علم, ولا نأخذ الفتوى ممن هب ودب؛ حتى ولو لبس البشت, وأطال اللحية, وجاء بالأحاديث, ولعب على عقول الناس, انظروا وابحثوا عمن تأخذون منه دينكم وفتواكم.
اللهم ثبتنا على الحق, وفقهنا في الدين, واصرف عنا المبطلين والمضلين.