البحث

عبارات مقترحة:

الحق

كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...

المصور

كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

أسباب صلاح الأبناء

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. صلاح الذرية من بهجة الدنيا .
  2. الهدي النبوي في تربية الصغار .
  3. طائفة من أسباب صلاح الأبناء .
  4. أثر الأسرة في تربية النشء .
  5. انتشال الأبناء من دنيء السلوك .

اقتباس

ومن أسباب صلاح الأبناء أن يغرس الأبُ في قلوب أبنائه محبة الله، وخوف الله، ورجاءه، وتعظيمه، وإعلامهم حقاً بأن الله خالقهم ورازقهم، وأن الله بيد حياتهم وموتهم، يذكِّرُهُم عظمة الله، وكبرياءَه، وجلاله، وعُلُوَّه، وعلى خلقه، وكمال علمه، وإحاطته بخلقه، وأنه يعلم السراء والنجوى، (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)؛ ليستقر في قلب النشء تعظيم الله، ومحبة الله، والالتجاء إلى الله ..

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أمَّا بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.

عباد الله: صلاح الأبناء والبنات أمنية الآباء والأمهات، فيا لها من نعمةٍ عظيمة، ومنة كريمة جميلة، حين تصبح وتمسي وترى ذريتك وقد مَنَّ الله عليهم بالصلاح والهداية، يخافون الله، ويقيمون الصلاة، ويؤدون الزكاة، ويحافظون على الواجب، ويتخلقون بالأخلاق الكريمة!.

إن صلاح الذرية بهجة الدنيا وزينتُها وفرحها، ذرية تحبهم ويحبونك، وتودهم ويودونك، تأمرهم فيطيعونك، يبرون بك، وينفعون أنفسهم، وإخوانهم، ومجتمعهم، وأمتهم.

إن صلاح الأبناء وتقويمهم على الخلقِ الكريم مسؤوليةٌ عهِد الله بها للآباء والأمهات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) [التحريم:6].

وإنَّ خيرَ مُعِينٍ للعبد في تربية أبنائه وبناته هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهديه خير الهدي، وسنته أفضل السنن، فإن من هديه -صلى الله عليه وسلم-، صُحبة الأطفال والأُنس بهم، يردفهم في ركوبه، ويحادثهم ويؤنسهم، ويُعلمهم الخير، ويُربيهم التربية الصالحة بالقول والقدوة الحسنة.

كان يردف عبد الله بن عباس، والفضل بن عباس، وأسامة بن زيد وعبد الله بن جعفر، كل ذلك إيناس لهؤلاء لأجل أن يعلمهم ويثقفهم.

قال عبد الله بن عباس: كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً فقال لي: "يا غلام، إني مُعَلِّمُكَ كلماتٍ: أحفظ الله يحفظك" الحديث...

وقال عبد الله بن جعفر: أردفني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الدابة، فأَسَرَّ إلي أمراً لا أخبر به أحداً أبدا. إنها تربية على القيم، والأمانة، والفضيلة.

قال أنس -رضي الله عنه- مَرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بصبية، يلعبون فسلم عليهم وقال: "يا أنس، يا أنس، إذا أتيتَ أهلَكَ فسلّمْ عليهم تكون بركة عليك وعلى أهل بيتك".

ومما يروى عن الصبية أنهم كانوا يحضرون مائدة الطعام، قال أبو سلمة: كنت في حجر النبي -صلى الله عليه وسلم- فكنت آكل معه، فتطيش يدي في الصحفة، فقال لي: "يا غلام، يا غلام، سَمِّ الله، وكُل بيمنك، وكل مما يليك". فأرشده إلى هذه الكلمات فصلوات الله وسلامه عليه.

ومن هديه في التعامل معهم المزاح أحياناً معهم، قال أنس كان لي أخ يقال لي عمير، وكان معه طير يشبه العصفور فمات، فكان يقول له: "يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ يا أبا عمير، ما فعل النغير؟"، إيناساً له وتسليةً.

ومن هَدْيِهِ أيضاً أنه يحذِّر الصغار من الأخلاق السيئة حتى يفهموها ويحذروا منها، قال أنس -رضي الله عنه-، قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا بنيّ، إن استطعت أن تصبح وتمسي وليس في قلبك غلٌ على مسلم فافعل".

يُعلمه وهو لا يزال في سن الصغر حتى ينشئ على حب الخير والفضيلة، ومن هديه -صلى الله عليه وسلم- إعطاء الصغير حقه، واحترام حقه الذي له.

كان النبي جالساً فأوتي بشراب من الماء، وكان عن يساره الأشياخُ وعن يمينه غلام، فلما شرب، قال للغلام: "أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟"، قال: لا يا رسول الله، لا أوثر بحقي منك أحداً، فتلَّ الإناء في يد الصغير؛ كل هذا إعطاءً واحتراماً للحقوق؛ حتى ينشأ الناس على خير وأدب كريم.

ومن هديه أيضاً أمره بالعدل بينهم، يأتي بشير بن سعد بابنه نعمان صغيراً، قال: يا رسول الله، إن أمّ هذا أمرت لي أن أنحل ابنها غلاما، وأن أشهدك عليه، فقال: "أكُلُ إخوته أعطيتم مثله"، قال: لا، قال: "اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم، اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم، إني لا أشهد على جور، أشهِدْ على هذا غيري"، والغلام يسمع، تربية وإعداد لينشأ على أكمل الأخلاق.

أيها المسلم: وإن الخير له أسباب، كما للشر والبلاء أسباب، فمن أسباب صلاح الأولاد وهدايتهم بتوفيق الله، وإعدادهم للمستقبل إعدادا صحيحا ما أرشده النبي -صلى الله عليه وسلم- من اختيار المرأة ذات الدين، والخُلق الكريم، تربت في بيت خلق ودين، تجعل تربيتها لأبنائها وبناتها على ما تربت عليه من الأخلاق والفضائل: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) [النساء:34].

ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "تنكح المرأة لأربع: لجمالها، ومالها، وحسبها، ودينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك".

ومن أسباب صلاحهم سؤال الله -جل وعلا- الذرية الصالحة، فالله يقول عن زكريا -عليه السلام- بدعائه أنه: (قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) [آل عمران:38].

وجاء الحث على الدعاء لهم بالتوفيق، يقول الله في ذكر العبد الصالح أنه (قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) [الأحقاف:15].

وحذرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن ندعو عليهم بالهلاك والغواية والبلاء، فقال: "لا تدعو على أنفسكم، ولا على أولادكم، ولا على أموالكم، فتوافق ساعة العطاء فيستجيب لكم"، فحذَّر من أن ندعو عليهم، وكلما ضجرت من بعض أخلاقهم فاجعل بدل الدعاء عليهم دعاء الله لهم بالهداية.

ومن أسباب صلاحهم مراعاة آداب الإسلام في أول عهد المولود، فجاءت السنة بحلق شعر رأسه، وجاءت السنة بالأذان بأذنه؛ ليكون صوت الحق أول شيء يطرق سمعه الطفل، وجاء أيضاً اختيار الاسم الصالح، وجاءت العقيقة فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه في سابعة ويُسَمَّى".

وقال أبو رافع: رأيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يؤذِّنُ في أذُن الحسَن لمـــَّا وُلِدَتْ فاطمة -رضي الله عنها-، وأرشدنا إلى اختيار الاسم الطيب، ويقول -صلى الله عليه سلم-: "خير الأسماء عبد الله، وعبد الرحمن".

وأرشدنا إلى اختيار الاسم الحسن فقال: "أدبوا أبناءكم، وحسِّنُوا أسماءهم"، وأخبرنا أنْ نُدْعَى يوم القيامة بأسمائنا، وأسماء آبائنا، فأرشدنا إلى تحسين أسمائنا، فالاسم المنهي عنه ما فيه تزكيةٌ، أو ما فيه جفاء وغلظه، أو قبح، أو اسم وافد لا نعلم حقيقته فالبعد عنه أولى، واختيار اسم إسلامي عربي اسم واضح جليل ذاك أفضل وأكمل.

ومن أسباب صلاح الأبناء أن يغرس الأبُ في قلوب أبنائه محبة الله، وخوف الله، ورجاءه، وتعظيمه، وإعلامهم حقاً بأن الله خالقهم ورازقهم، وأن الله بيد حياتهم وموتهم، يذكِّرُهُم عظمة الله، وكبرياءَه، وجلاله، وعُلُوَّه، وعلى خلقه، وكمال علمه، وإحاطته بخلقه، وأنه يعلم السراء والنجوى، (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19]؛ ليستقر في قلب النشء تعظيم الله، ومحبة الله، والالتجاء إلى الله.

ومن أسباب ذلك أيضاً إرشادهم إلى مكارم الأخلاقِ، وفضائل الأعمال، وفي الحديث: "ما نحل والد ولده أفضل من أدبِ حسن"، فإرشادهم بالتحلي بالفضائل من صدقٍ وأمانةٍ ووفاء، وتعظيم الكبار، وحسن الأقوال، والكف عن الرذائل، وتحذيرهم من الكلمات القبيحة مهما تكون، فذك من الأدب الحسن.

ومِن ذلك أيضاً إبعادهم عن الأخلاق الرذيلة من كذبٍ، وغيبةٍ، وخيانة، وإرشادهم إلى ترك الأعمال الرذيلة، فإن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لكن بأسلوب يناسب أعمارهم، ورفق ولين؛ ليقبلوا ما جاء منك من الحق، ما جاء منك من غير تردد.

ومن أسباب ذلك أيضاً إرشادهم إلى الآداب المستحبة كآداب الطعام، وآداب اللباس، وآداب المعاشرة، كل هذا من الخير.

ومن ذلك أيضاً رحمتهم، والشفقة عليهم، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قبَّل بعض الصبية، فقال أحد الأعراب: عندي عشر من الولد ما قبلت واحدا، قال: "فما أصنع بك إن كان الله نزع الرحمة منك"، وقال: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء".

ومن أسباب صلاحهم -بتوفيق الله- تثقيفهم وتعليمهم علماً ينفعهم في حياتهم، يكتسبون به أدباً وخيراً وصيانةً وجوههم عن الاحتياج إلى الخلق، وإرداء نفوسهم بأن تكون نفوسهم نفوساً عزيزةً عالية لا تحتاج إلى مخلوق، ولا أن يمد يده لأحد، بل يستغني بإغناء الله له، ويستعز بعزة الله له، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون:8].

ومن ذلك -أيضاً- أن يُتقنوا حفظ كتاب الله، والالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن، فيا لها من نعمة! فكم لهذه الحلقات من آثار حسنة، وتوجيهات طيبة، وتربية حسنة، يخرج الطالب وقد حفظ كتاب الله أو معظمه؛ فيزداد أدباً وخلقاً حسنا.

ومن أسباب صلاحهم كون الآباء والأمهات قدوة للصغار من بنين وبنات في القيم والفضائل، والمحافظة على الفرائض، والترفع عن الرذائل والدنايا، ومنها -أيضاً- توعيتهم وإرشادهم وتذكيرهم بتحذيرهم من أصحاب السوء، ومواقع السوء التي تحملها الفضائيات والإلكترونيات.

فالتوعية والإرشاد والتحليل هو خير وسيلةٍ يمكن من خلالها أن نقي أبناءنا وبناتنا الانجراف مع هذه الوسائل الضارة المؤذية، لا بد من توعية صالحة؛ ليكونوا على بصيرة، فيدعون الشر اقتناعاً؛ لأنه شر وبلاء.

ومن أسباب صلاحهم إبعادهم عن التميع بالأخلاق، وإبعادهم عن مشابهة غير المسلمين، وإرشادهم إلى أن الأخلاق الإسلامية هي الأخلاق القيمة التي يجب المحافظة عليها.

ومن أسباب صلاحهم اصطحابهم للمسجد، وحثهم عليه، فإن في إتيان الصِّغَار للمساجد واعتيادهم عليها مع الآباء في بعض الأوقات ينشؤون معظِّمين لهذه الشعيرة، مُحِبِّين لها، محافظين عليها.

ومن أسباب صلاحهم وارتباطهم بآبائهم إعطاؤهم القرار الذي ينفع، واتخاذ قرار ينفع في إتيان البيت ورعايته؛ لينشأ عارفاً لحاجات البيت، عارفاً كيف يدار البيت، وكيف تقضى حاجاته؛ ليكون خلفاً لأبيه في غيابه وبعد موته؛ فإن البعض من الناس يُجَهِّلُون الأبناء، فلا يعلمون عن حقيقة أبيهم شيئاً، وكأن من في البيت ليسوا بأبنائه، كأنهم غرباء، يحاول كتم السر عنهم بكل مستطاع.

أنا لا أقول أعطيهم ما يريدون، ولكن أشعرهم بأمرك وشؤونك؛ حتى يكونوا على خبرة من أمرك، واطلاع على حالك؛ لذوي الرأي منهم ليكونوا خلفاً لك بعد حين.

ومن أسباب صلاح الآباء وارتباطهم بآبائهم أن تكون للأب مجالس دائمة معهم لا ينبغي عليهم أن يصدهم فتشغله الأعمال، أو الجلساء في الاستراحات من بعدُ عن أبنائه، فلا يعلم حالهم ولا مآلهم.

ومن أسباب صلاحهم أن تراعي في خطابك لهم سنهم، فسن الطفولة له خطاب، وسن المراهقة له خطاب، والشاب له خطاب، كلٌّ على حسب قدره، وتحمله لمسؤوليته.

ومن أسباب صلاحهم -بتوفيق الله وإعانته- أن تراعيهم عن بعد، وتعرف مَن يجالسهم، أو من يصاحبهم.

ومن أسباب صلاحهم -بتوفيق من الله- أن تشجع جلساءهم الصالحين ذوي الخير والتقى، فتكون معهم دائماً، مقدِّراً لهم، مكرِّماً لهم، مواصلا لهم؛ لتكتسب منهم تربية أولادك، واقتدائهم قدوة صالحة لهم.

ومن أسباب صلاحهم تفاهم الأب والأم في إصلاح الأولاد والبنات أو البنين، على أن لا يكون الأب في جانبٍ والأم في ضد ذلك؛ بل لابد من تعاون كلٍ من الأب والأم في إصلاح هذا النشء، والتعاون على حلول مشاكله.

ومن ذلك أيضاً عندما يقع الطلاق بين الرجل والمرأة فلا بد من تقوى الله في هؤلاء النشء، وعندما يقع الطلاق يأتي بتصرفات حمقاء من بعض الأمهات أو بعض الآباء فيذهب البنون والبنات ضحية لهذا النزاع وهذا الاختلاف بين تجاذب الأم والأب، وبين الترافع للمحاكم؛ فينشأ الأطفال في أزمات نفسية، وقلق نفسي، واضطراب يؤثر ذلك على سلوكهم وتعليمهم وحياتهم المستقبلية.

ولا بد للأب والأم من تزويج الأبناء مع القدرة عند بلوغ السن المعتاد لتزويج الأبناء، وقبول الخطيب لكل فتاة إذا عُلم دينه وأخلاقه واستقامته.

هذه أسباب -بتوفيق الله- إذا نظر المسلم إليها علم أنها أسباب لإصلاح الأبناء، والله يتولى ذلك، والله على كل شيء قدير.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

أما بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله: للأسرة أثرها الفعال في تربية النشء، فالأسرة الصالحة المستقيمة من تطلعات المنزل، والآباء والأمهات لهم الأثر الفعال -بتوفيق الله- في إصلاح هذا النشء.

وهذا النشء -في أول أمره- مستقر في ذهنه باقٍ لا تستطيع التخلص منه، فإن ربُي على قول حسن وعمل حسن نشأ على خير بتوفيق من الله.

وإن نشأ على خلاف الشرع، ورُبي بالكلمات السيئة، والكلمات القبيحة، وشاهد المناظر الإباحية، وشاهد الاندفاع والاضطراب بين الأب والأم، إلى غير ذلك، أثرت في نفسيته، وفي حال مستقبله.

والله -جل وعلا- جعل الهداية على قسمين، فهداية التقريب والإرشاد هي وظيفة الرُسل وأتباعهم، يقول الله لنبيه: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى:52].

أما هداية قبول الحق والعمل به فإلى الله أمرها: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [القصص:56]، وفي الحديث: "اعملوا، فكُلٌّ ميسَّرٌ لما خُلق له".

وقال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [الليل:5-10].

فالله يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، لكن على الآباء والأمهات بذل السبب الممكن، قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: الأدب في يد الآباء، والصلاح في يد الله.

واشتكى رجل لعمر عقوق ابنه به، فدعا عمر الابن وقال: إن أباك يشتكي من عقوقك، قال، يا أمير المؤمنين، إن أبي لم يختر اسماً لي... والله لم يعلمني آية ولا حديثاً ولا أمرني بمعروف ولا نهاني عن منكر، ولا أدبني على خير، فقال عمر: لقد عققت ابنك قبل أن يعقك.

صلاح الأبناء بتوفيق من الله على يد الآباء والأمهات أن يصلح هذا النشء ويوجههم التوجيه السديد، نشاهد أحياناً بعض شبابنا في الشوارع في طيش وسفه ولعب بالسيارات لعباً سيئاً، خسارة أموال، وتهديد أرواح.

وهذه الأمور الدنيئة لا بد من للآباء من موقف مع أبنائهم ليرشدوهم ويأخذوا على أيديهم، ويُبيَّن لهم أن هذا التبذير والفساد بالمال ليس من أخلاق الإسلام، فالإسلام يحذر التبذير، يحرم التبذير: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) [الإسراء:27].

فخذوا على أيادي أبنائكم من هذا الأسلوب السيئ من التسكع في الطرقات، وحذروهم من مصانع السوء وصحبة الأشرار الذين يريدون من صاحبهم أن يكون منحرفاً في أخلاقه وسلوكه، بعيداً عن التعليم، والتربية، وعن كل خلق قيم.

وربما دلوه على أسباب الفجور وترويج المخدرات والبلايا والمصائب، وربما استغلوا فكرهم السيئ بأنواع من الضرر على الأمة في حاضرها ومستقبلها.

فكونوا عيون أبنائكم، وأدِّبوهم، وأرشدوهم، وخذوا على أيديهم، ومُرُوهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر، يقول الله عن لقمان لابنه: (يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان:17-19]. هذه الآيات تؤدب أبناءنا، وترشدهم إلى الخير، وتبعدهم عن السوء

ونسأل الله أن يهديهم، ويأخذ بنواصيهم بما فيه خير دينهم ودنياهم: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) [الفرقان:74].

واعلموا -رحمكم اللهُ- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا...