الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | أحمد بن علي الغامدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المعاملات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إنه يجب على المسلم إذا استدان أنْ تكونَ له عزيمة صادقة على الوفاء، ونيَّة طيِّبة في القضاء، فلا يبيِّت نيةً سيئةً، ولا يُخفي مقصداً خبيثاً، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله" رواه البخاري ..
أما بعد: فلقد حرصت تعاليم الإسلام على حقوق العباد حفظاً وصيانةً وتقديراً، وجعلت لها من الأسس والضمانات ما يكفلها؛ فالإسلام حذر كل التحذير من التهاون في أداء الدين، أو المماطلة والتأخير في قضائه، أو التساهل وعدم الاكتراث في سداده؛ ولذلك استثنى النبي -صلى الله عليه وسلم- الدين من قاعدة المكفرات، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "يَغْفِرُ اللهُ للشهيد كلَّ شيء إلا الدَّين" رواه مسلم.
وفي حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضلُ الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيتَ إن قُتلتُ في سبيل الله، أتكفَّرُ عني خطاياي؟ فقال له رسول الله: "نعم، إن قُتلتَ في سبيل الله، وأنت صابر محتسب، مقبلٌ غيرُ مدبرٍ"، ثم قال رسول الله للصحابي: كيف قلت؟ فأعاد الصحابي السؤال: أرأيت إن قُتلت في سبيل الله، أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله للصحابي: "نعم، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، إلا الدَّيْن! فإن جبريلَ سارَّني به آنفا" رواه مسلم.
وتأملوا -عباد الله- نزول جبريل من السماء، وذلك حتى يستثني النبي -صلى الله عليه وسلم- الدين!.
ومن منطلق هذا المنهج الرباني ، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يصلي على جنازةِ مَن عليه دين، فعن جابر -رضي الله عنه- قال: توفي رجل منا، فغسلناه وحنطناه وكفّناه، ثم أتينا رسول الله فقلنا له: أتصلي عليه؟ فمشى معهم خطوات ثم قال لهم: "أعليه دَيْنٌ؟" قلنا: ديناران؛ فانصرف رسول الله ولم يصل عليه.
فمع أن الميت صحابي من أصحابه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- رؤف رحيم، ومن أجل أن دَينه بلغ دينارين فقط، والديناران تساوي الآن مع غلاء الذهب الشديد حوالي 1500 ريال! مع ذلك لم يصلِّ عليه!.
يقول جابر: فتحمَّل أبو قتادة الدين الذي على الميت، ثم ذهبنا إلى رسول الله، فقال أبو قتادة: هما عليّ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي قتادة: "حقَّ الغريم، وبرئ منهما الميت"، قال: نعم، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الميت.
ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقي أبا قتادة بعد ذلك بيوم فقال له: "ما فعل الديناران؟" فقال أبو قتادة: إنما مات أمس! فعاد إليه أبو قتادة من الغد, فقال: قد قضيتهما, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الآن برَّدت على جلدته".
وفي حديث أبي هريرة أنه كان يؤتى بالرجل المتوفى ولكن عليه الدين، فيسأل رسول الله: "هل ترك لدينه قضاء؟" فإن قيل له إنه ترك مالا يوفي به صلى عليه، وإلا قال: "صَلُّوا على صاحبكم".
عباد الله: إنه يجب على المسلم إذا استدان أن تكون له عزيمة صادقة على الوفاء، ونية طيبة في القضاء، فلا يبيِّت نية سيئة، ولا يخفي مقصداً خبيثاً، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله" رواه البخاري.
قال أهل العلم: وتأدية الله عن المدين تشمل: تيسيره تعالى لقضاء دينه في الدنيا، فيرزقه الله ما يقضي به دينه؛ وأداؤه عنه في الآخرة بأن يرفع دينه بما شاء -سبحانه وتعالى-, وذلك إذا لم يستطع العبد القضاء في الدنيا.
والحذَرَ الحذَرَ من تبييت نية سيئة أو مقصد خبيث بعدم الوفاء بحقوق العباد! فمَن وقع في ذلك عرض نفسه للإتلاف الوارد في الحديث السابق، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ومَنْ أخذها يريد إتلافها أتلفه الله".
قال أهل العلم: والإتلاف هنا يشمل إتلاف النفس في الدنيا بإهلاكها، ويشمل أيضاً إتلاف طيب عيشه، وتضييق أموره، وتعسّر مطالبه، ومحق بركة حياته وماله، فضلاً عما يحصل له من العذاب في الآخرة.
واستمعوا -عباد الله- لهذا الحديث: عن محمد بن جحش -رضي الله عنه- قال: كنا جلوسا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرفع رأسه إلى السماء، ثم وضع راحته على جبهته، ثم قال: "سبحان الله! ماذا نزل من التشديد؟"، فسكت الصحابة، وفزعوا، فلما كان من الغد، سألته: يا رسول الله! ما هذا التشديد الذي نزل؟ فقال: "والذي نفسي بيده! لو أن رجلا قُتِلَ في سَبِيلِ اللَّهِ ثمَّ أُحْيِيَ، ثمَّ قُتِلَ ثمَّ أُحْيِيَ، ثم قتل، وعليه دَين، ما دخل الجنة حتى يُقضَى عنه دينه" رواه النسائي وحسنه الألباني.
عباد الله: لقد حث الله -سبحانه وتعالى- على كتابة الدين، مهما كان قليلاً، كما قال تعالى: (وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ) [البقرة:282].
وإذا كانت على أحدنا ديونٌ أو حقوق ليس عليها وثائق ومستندات تثبتها لأهلها فيجب عليه أن يوصي بها حتى لا تضيع حقوق الناس؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده".
عباد الله: إن الدين هَمٌّ بالليل، وذُلٌّ بالنهار، والمدين مهموم مغموم، ولو رآه الناس فرحًا مسرورًا! كيف يرتاح في بيته وقد طرقت عليه الأبواب من أصحاب الديون وأصحاب الحقوق؟ كيف تنام عينه وهمُّ الدين يقلقها؟ لذلك -عباد الله- استعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من غلبة الدين وقهر الرجال.
معاشر المدينين: أنزلوا حوائجكم كلها بأرحم الراحمين، وقفوا بباب أكرم الأكرمين، واجعلوا كل فقركم إلى الله، وغناكم بالله، وتوكلوا على مَن بيده خزائن السماوات والأرض، وفوضوا الأمور إليه، وأحسنوا الظن بالله.
وإن ضاقت عليكم قلوبكم فوسعوها باليقين بالله -سبحانه وتعالى-، فكم من هموم وغموم أحاطت بأصحابها فرجها الله عنهم من حيث لا يحتسبون!.
الخطبة الثانية:
عنْ عَلِيٍّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-، أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ مُكَاتَبَتي فَأَعِني، فقَالَ له علي: أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ؟ قَالَ: "قُلْ: اللَّهُمَّ اكْفِني بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِني بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ".
عباد الله : إن العَجَب أن بعض المدينين -للأسف!- قد استدان لغير حاجة ماسة، وتحمل الديون العظيمة، وذلك بسبب الإغراق في الكماليات، والبذخ في الحفلات والمناسبات والزواجات والملابس والجوالات والأثاث وغير ذلك! فيستدين البعض من أجل سيّارة فارهة آخر موديل، ويستدين آخر لكي يسافر للسياحة، بل ربما رأيت من يستدين لأمر محرم وعبث وإسراف!.
أيها الإخوة في الله: ألا وإن من الحقوق الواجبة التي أكد الإسلام على الحرص عليها، وعلى عدم تأخيرها عند استحقاقها، أجرة العمال الضعفاء كالسائقين والخدم و عموم الأجراء ، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله عز وجل- ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة"، وذكر منهم: "رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره" رواه البخاري.
وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" حسنه الألباني.