المبين
كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...
العربية
المؤلف | سالم بن محمد الغيلي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
"من أَتَى عَرَّافًا أو كاهنًا فصَدَّقه بما يقولُ؛ فقد كَفَر بما أُنْزِلَ على مُحَمَّدٍ"(صحيح الجامع للألباني)؛ كفرَ بالله, كفر بالقرآن بالسنة, خرج من الدين, بطل عمله خسر حسناته, فقولوا بربكم: ما حكم من سحر مسلماً أو مسلمة أو طالباً أو طالبة؟! ما...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: إن مما ينبغي أن نهتم به ونحافظ عليه أشد الاهتمام وأشد المحافظة حسناتنا التي جمعناها على مدى أعمارنا, تعبنا في جمعها ووفقنا لها, ولكن قد نعمل أعمالاً لا نظنها خطيرة؛ فتذهب بحسناتنا, فإذا نحن قد خسرنا الدنيا والآخرة, قال -صلى الله عليه وسلم-: "بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم, يصبح فيها الرجل مؤمنا ويمسي كافرا, ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً؛ يبيع دينه بعرض من الدنيا".
فأهل الحق على خطر, خطر على دينهم, خطر على عقيدتهم, خطر على سنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-, وهذا موضوع كبير وخطير لا نلم به في عجالة, لكن المقصود اليوم أن المسلم صاحب الحق قد يعترض طريقه إلى الله ما يصرفه وما يمنعه وما يصده من مواصلة سيره إلى ربه -جل وعز-.
قد تكون تلك الصوارف أقوالاً أو أعمالاً إذا فعلها المسلم وتلبس بها ودخل في ظلالها؛ فقد يخرج من دينه, وقد يحبط عمله, وقد يصبح من الخاسرين, نعوذ برب العالمين!.
قد نسميها مبطلات الأعمال, أي: أنك تعمل أعمالاً صالحة تُؤجر عليها تثاب عليها, تكون لك رصيد عند ربك, ثم تعمل عملاً من هذه الأعمال القولية والفعلية؛ فيحبط عملك وتفقد أجرك, ويضيع تعبك, فلنحرص على حسناتنا وما جمعنا وما عملنا أشد من حرصنا على دنيانا.
انظروا وتأملوا إلى سلفنا الصالح -رضي الله عنهم- كيف هم مع قوة إيمانهم بالله وشدة تمسكهم بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخافون أن لا يكونوا عند الله من المقبولين!, يخافون أن يسلب منهم الإيمان, يقول الله -تعالى- عنهم وأمثالهم: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)[المؤمنون: 57 - 60]؛ قالت عائشة -رضي الله عنها-: سألتُ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- عن هذِهِ الآيةِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ), قالت عائشةُ: أَهُمُ الَّذينَ يشربونَ الخمرَ ويسرِقونَ؟ قالَ: "لا يا بنتَ الصِّدِّيقِ! ولَكِنَّهمُ الَّذينَ يصومونَ ويصلُّونَ ويتصدَّقونَ، وَهُم يخافونَ أن لا تُقبَلَ منهُم, (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)[المؤمنون: 61]"(صحيح الترمذي للألباني)؛ يعملون ويخافون أن لا يتقبل الله منهم, ونحن أقل منهم وأقل وأقل, ومع ذلك نزكي أنفسنا ونزكي أعمالنا, ونرى أننا أحسن من غيرنا, فانظروا إلى الفارق بيننا وبينهم!.
أيها المؤمنون: إن هناك أعمال سيئة تحبط الأعمال الصالحة؛ منها:
الشرك والردة والنفاق -أجارنا الله منها-, فمن وقع في شيء من هذا بسبب قنوات أو مواقع أو سفر للخارج؛ فأحسن الله عزاءه في دينه وحسناته, قال -تعالى-: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[البقرة: 217], ويقول -تعالى- عن أهل الشرك: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ)[التوبة: 17], ويقول -تعالى- عن المكذبين بالبعث يوم الحساب يوم المعاد: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأعراف: 147], وقال -سبحانه-: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[المائدة: 5], ويقول -تعالى- لنبيه وللأنبياء من قبله -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الزمر: 65], ويقول -تعالى- عن أنبيائه: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأنعام: 88].
الرياء؛ الذين يراؤون الناس بأعمالهم الصالحة, إذا رأى الناس أحسن في صلاته, إذا صام يوم لا يهدأ له بال حتى يخبر من يقابله, ويعزم ويعطي الماء فيقول: "صائم صائم", ليس كل الناس لكن الملوم من يجد في نفسه دافعاً؛ ليخبر الناس ويرتاح عندما يعلمون أنه صائم, أو أنه يدعو إلى الله, أو أنه يحسن الصلاة, هذا المرائي وغيره كثير مثل من ينفق ليراه الناس, ويعاون في الزواج والأعمال من أجل الناس, ويظهر الخشوع والتدين من أجل نظر الناس وثناء الناس هذا الرياء.
يريد الله -تعالى- أن تعمل لوجهه, وتعطي لوجهه, وتصوم لوجهه, وتدعو إليه, سواء علم الناس أم لم يعلموا, سواء مدح الناس أم لم يمدحوا, سواء رأوك أم لم يروك, قال الله -تعالى- عن المرائين في الصلاة: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ)[الماعون: 4 - 7], وقال -تعالى- عن المنفقين المرائين: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)[البقرة: 264], وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ أَخْوَفَ ما أَخافُ عليكُمُ الشِّرك الأصغر، الرِّياءُ، يَقولُ اللهُ -عزَّ وجلَّ- إذا جَزَى النَّاسَ بأعمالِهِم: اذهَبوا إلى الَّذين كنتُم تُراؤُون في الدُّنيا؛ فانظُروا هل تَجِدون عندَهُم جَزاءً؟"(صحيح الترغيب للألباني).
وهذا الشرك الأصغر الرياء خفي دقيق لا يتنبه له إلا العارفون, وصفه -صلى الله عليه وسلم- بأنه أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في ظلمة الليل, وأخبرنا -صلى الله عليه وسلم- بحديث كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يرتعد ويخاف عندما يروى هذا الحديث حيث أخبرنا فيه -صلى الله عليه وسلم-: "أنَّ اللَّهَ -تبارَك وتعالى- إذا كانَ يومُ القيامةِ ينزلُ إلى العباد؛ِ ليقضيَ بينَهم, وَكلُّ أمَّةٍ جاثيةٌ, فأوَّلُ من يدعو بِه رجلٌ جمعَ القرآنَ, ورجلٌ يقتَتِلُ في سبيلِ اللهِ, ورجلٌ كثيرُ المالِ, فيقولُ اللَّهُ للقارئِ: ألم أعلِّمْكَ ما أنزلتُ علَى رسولي؟ قالَ: بلى يا ربِّ! قالَ: فماذا عملتَ فيما عُلِّمتَ؟, قالَ: كنتُ أقومُ بِه آناءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ, فيقولُ اللَّهُ لَه: كذَبتَ, وتقولُ الملائِكةُ: كذَبتَ, ويقولُ له اللَّهُ: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ قارئٌ؛ فقد قيلَ ذلكَ, ويؤتى بصاحبِ المالِ فيقولُ اللَّهُ: ألم أوسِّعْ عليكَ حتَّى لم أدعْكَ تحتاجُ إلى أحدٍ, قالَ: بلى يا ربِّ! قالَ: فماذا عمِلتَ فيما آتيتُك؟, قالَ: كنتُ أصلُ الرَّحمَ وأتصدَّقُ, فيقولُ اللَّهُ لَه: كذَبتَ, وتقولُ الملائِكةُ لَه: كذَبتَ, ويقولُ اللَّهُ: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جَوادٌ؛ وقد قيلَ ذلكَ! ويُؤتى بالَّذي قُتلَ في سبيلِ اللهِ فيقولُ اللَّهُ لَه: في ماذا قُتلتَ؟ فيقولُ: أُمِرتُ بالجِهادِ في سبيلِك فقاتلتُ حتَّى قُتلتُ, فيقولُ اللَّهُ لَه: كذبتَ, وتقولُ لَه الملائِكةُ: كذبتَ, ويقولُ اللَّهُ: بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ جريءٌ؛ فقد قيلَ ذلكَ! ثمَّ ضربَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- علَى رُكبتي, فقالَ: يا أبا هريرةَ! أولئِك الثَّلاثةُ أوَّلُ خلقِ اللهِ تُسعَّرُ بِهمُ النَّارُ يومَ القيامةِ"(صحيح الترمذي للألباني).
ومما يحبط الأعمال: التألي على الله -تعالى-؛ فبعض الناس يرى بعض الناس غارقاً في الشهوات والمحرمات, معرضاً عن ربه -تعالى-, فيقول: "فلان في النار, فلان من أعمدة جهنم, هذا لا يغفر الله له, والله ما يتوب الله على فلان!", وهذا قول على الله بغير حق, فالله أعلم بعباده, والأعمال بالخواتيم, ومن كان هذا قوله فليتب وليستغفر, وليعلم أنه مسؤول عن نفسه وأعماله ونيته, قال -صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ لا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلانٍ، فَقَالَ اللهُ - عز وجل -: مَنْ ذا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ!؛ فَإنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ، وَاحْبَطْتُ عَمَلَكَ"(صحيح مسلم), لا تشخص الناس ولا تحكم عليهم من أجل معصية أو مظهر أو منظر دع, الخلق للخالق وتفقد نفسك وأعمالك وخلواتك وخطواتك ونظراتك.
اللهم اجعلنا من المتقين, وعند حدودك وقّافين, ولشرعك معظمين, وإليك توابين, ولك مخلصين يا أرحم الراحمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولوالدي ولوالديكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد الأحد, الفرد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفواً أحد.
عباد الله: إنّ مما يحبط الأعمال: مشاقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- قولاً وعملاً, يشاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هيئته في قدوته, في هديه في اتباعه, في تعظيم سنته وأصحابه, يقول -سبحانه-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)[الحجرات: 2], وقال -سبحانه-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)[محمد: 33]؛ أي: لا تتركوا أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فتحبط أعمالكم, حتى لو أنت مخالف لسنته -صلى الله عليه وسلم- ومعرض عن هديه لا تجادل عن مخالفتك, ولا تخاصم عن إعراضك, ولا تكره ما جاء به -صلى الله عليه وسلم-.
ومما يحبط الأعمال: الابتداع في الدين, فالدين كامل أكمله الله, قال -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة: 3], لا نقص في الدين, ممنوع على أحد أن يأتي بشيء في الدين؛ لأن الله بجلاله وكماله هو الذي قال: اليوم أكملت لكم دينكم, لا تفعل مثل الجاهلين الذين يغررون أو يجهلون, الذين تأتيهم رسائل ويؤمرون بإرسالها لعدة أشخاص, وإذا لم يرسلوها فسيخسرون وسيصابون وسيمرضون, الذين يهنئون بيوم الجمعة وبذكرى مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقيمون حفلات المولد, ورأس السنة, وآخر السنة.
والله -تعالى- لا يقبل عملا إلا بشرطين: الإخلاص لله, ومتابعة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ولذلك يقول -عليه الصلاة والسلام-: "مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ؛ فَهو رَدٌّ"(أخرجه البخاري واللفظ له), وفي رواية أخرى: "مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا؛ فَهو رَدٌّ"(صحيح مسلم).
ومما يحبط الأعمال: انتهاك حرمات الله في السر: أمام الناس خاشع ومتدين, ومتمسكن وطيب وحنون, ويغض البصر, فإذا خلا لوحده وأغلق الأبواب وغاب عن أعين الناس -ولم يغب عن نظر الله- تعدى الحدود وحطّم القيود, وبارز الله بالمعصية؛ قنوات, مقاطع, صور, مواقع, رسائل, دردشات, ميوعات, عن ثوبان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لأعلمنَّ أقوامًا من أمتي يأتون يومَ القيامةِ بحسناتٍ أمثالِ جبالِ تهامةَ بيضًا, فيجعلُها اللهُ -عزَّ وجلَّ- هباءً منثورًا!", قال ثوبانُ: يا رسولَ اللهِ! صِفْهم لنا جَلِّهم لنا؛ أن لا نكونَ منهم ونحنُ لا نعلمُ!, قال: "أما إنهم إخوانُكم ومن جِلدتِكم ويأخذون من الليلِ كما تأخذون, ولكنَّهم أقوامٌ إذا خَلْوا بمحارمِ اللهِ انتهكُوها"(صحيح ابن ماجه للألباني), فالحذر الحذر, كل يتفقد جواله وغرفته وسيارته ومكتبه.
ومما يحبط الأعمال: إتيان السحرة والكهان والعرافين؛ تساهل فيه كثير من الناس خاصة النساء, تجدهم يصلون في المساجد, ويحضرون الجمع ويصومون ويحجون, لكن إذا حدث له مصيبة, أو تعادى مع أحد, أو حقد على أحد, أو قهره أحد, لا يتردد أن يذهب ويبيع دينه, يبيع دنياه وأخرته على أعتاب السحرة, الشيطان سول لهم وأملى لهم, قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عن شيءٍ؛ لَمْ تُقْبَلْ له صَلاةٌ أرْبَعِينَ لَيْلَةً"(صحيح مسلم)؛ بمجرد سؤاله عن شيء, استطلاع فقط, يصلي أربعين يوماً لا تقبل منه, فكيف بمن أتاهم وسألهم وصدقهم؟! قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أَتَى عَرَّافًا أو كاهنًا فصَدَّقه بما يقولُ؛ فقد كَفَر بما أُنْزِلَ على مُحَمَّدٍ"(صحيح الجامع للألباني)؛ كفرَ بالله, كفر بالقرآن بالسنة, خرج من الدين, بطل عمله خسر حسناته, فقولوا بربكم: ما حكم من سحر مسلماً أو مسلمة أو طالباً أو طالبة؟! ما حكم من شتت الأسر, ما حكم من فرق الأزواج, ما حكم من خرب البيوت؟! ما حكم من تسبب في جعل الناس يعانون ويمرضون ويتفرقون عشر سنوات وعشرين سنة؟! أي قلوب يحملون, وأي جرم يعملون؟!.
وأخيراً مما يحبط الأعمال ويذهب بالحسنات: تربية الكلاب؛ الذين يربون الكلاب مثل النصارى واليهود الذين تفككت أسرهم, وشتت الله قلوبهم ومجتمعاتهم, فيعوضون عن خسارة الأبناء والبنات, وترابط الأسر بتربية الكلاب, ذهبت بناتهم وأولادهم إلى المسارح والمراقص والسواحل, ضاعوا من بين أيديهم فعوضوهم بالكلاب, يؤكلونها ويشربونها ويسكنونها, ويمشطونها ويعالجونها كأنها أبناؤهم, فمن فعل من المسلمين مثل ذلك أحبط الله عمله.
فلا يجوز تربية الكلاب إلا كلب صيد أو حراسة, قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَمْسَكَ كلبًا فإِنَّه ينقُصُ مِنْ عملِهِ كلَّ يومٍ قيراطٌ، إلَّا كلبَ حرثٍ أوْ كلبَ ماشِيةٍ"(أخرجه البخاري ومسلم), وفي رواية: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلاَّ كَلْبَ زَرْعٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ صَيْدٍ؛ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ".
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك, وصرف قلوبنا على طاعتك, نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن, اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها, وخير أعمارنا أواخرها, وخير أيامنا يوم نلقاك.
معاشر المسلمين: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56], اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.