التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | عبد الله اليابس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - المنجيات |
فَهَذَا حَدِيْثٌ عَظِيْمٌ جَلِيْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَحْفَظَهُ كُلٌّ مِنَّا، وَأَنْ يُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ بِهِ، وَيَعْمَلَ بِهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ؛ فاللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
الخطبة الأولى:
الحَمْدُ للهِ، أَعْظَمَ لِلْمُتَّقِينَ العَامِلينَ أُجُورَهَمْ، وَشَرَحَ بِالهُدَى وَالخَيْرَاتِ صُدُورَهُمْ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَفَّقَ عِبَادَهُ لِلْطَاعَاتِ وَأَعَانَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبَيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولَهُ خَيْرُ مَنْ عَلَّمَ أَحْكَامَ الدِّينَ وَأَبَانَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَهْلِ الهُدَى وَالإِيمَانِ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِيمَانٍ وَإِحْسَانٍ مَا تَعَاقَبَ الزَّمَانِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيْدًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: أُوتيَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- جَوَامِعَ الكَلِمِ؛ فَكَانَ يَأْتِيْ بِالكَلِمَاتِ القَلِيْلَةِ ذَاتِ المَعَانِي المُجْمَلَةِ الشَامِلَةِ، وَلَا عَجَبَ: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم:3-4]، أَخْرَجَ البُخَارِيُ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهِ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِياءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنائِمُ، وجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بيَ النَّبِيُّونَ".
وَمِنْ ضِمْنِ الكَلِمِ الجَامِعِ الذِي كَانَ يَأْتِيْ بِهِ النَّبيُّ -صَلَّى اللهِ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بَعْضَ الأَدْعِيَةِ ذَاتِ الأَلْفَاظِ القَلِيلَةِ وَالمَعَانِي الشَامِلَةِ، وَحَدِيْثُنَا اليَوْمَ -بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى- عَنْ دُعَاءٍ ثَبَتَ فِي حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ؛ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهِ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو بِهِ، وَيَسْتَعِيْذُ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءٍ؛ رَوَى مُسْلِمٌ فِيْ صَحِيْحِهِ عَنِ اِبْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَال: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ".
أَرْبَعَةُ أُمُورٍ اِسْتَعَاذَ مِنْهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-:
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ": الاِسْتِعَاذَةِ هِيَ طَلَبُ العَوْذِ، قَالَ اِبْنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "اِعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ عَاذَ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا تَدُلُّ عَلَى التَّحَرُّزِ وَالتَّحَصُّنِ وَالنَّجَاةِ".
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ": نِعَمُ اللهِ -تَعَالَى- عَلَى عِبَادِهِ كَثِيْرَةٌ؛ فَالإِسْلَامُ نِعْمَةٌ، والأَمْنُ نِعْمَةٌ، والصِّحَةُ وَالعَافِيَةُ نِعْمَةٌ، وَالطَّعَامُ وَالشَّرَابُ نِعْمَةٌ، وَمَهْمَا عَدَدْتَ مِنَ النِّعَمِ فلَنْ تَسْتَطِيعَ إِحْصَاءَهَا، (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)[النحل:18].
أأَقْدِرُ شُكْرَ رَبِّي أَنْ أكِنَّهْ | وَشُكْرُ العَبْدِ مِنْ مَولَاهُ مِنَّهْ |
فَإِمَّا يَهْدِنِي لِلشُّكْرِ ربِّي | فَإِنِّي مَا حَيِيتُ لَأشْكُرَنَّهْ |
فَكَيفَ أَضِنُّ عَنْهُ وَقَالَ رَبِّي | لَئِنْ شَكَرَ العُبَيْدُ لَأُعْطِيَنَّهْ |
أَعُدُّ فَهَلْ سَأُحْصِيهَا بِعَدِّي | يَمِيناً لَا تُجيدُ العَدَّ فِطْنَهْ |
لَوْ تَفَكَّرَ الإِنْسَانُ فِي النِّعَمِ التِي نَتَقَلَبُ بِهَا لَيْلَ نَهَار، وَمَا أَسْبَغَ اللهُ -تَعَالَى- بِهِ عَلَى أَهْلِ هَذَا العَصْرِ لَوَجَدَ عَجَبًا؛ فَالمُتَوَسِّطُونَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنا يَتَنَعَمُونَ بِنِعَمٍ لَم يَكُنْ يَنْعَمُ بِهَا أَنْعَمُ أَهْلِ الأَزْمَانِ الغَابِرَةِ؛ فَفِي شِدَّةِ حَرِّ الصَّيفِ تَضْغَطُ زِرًا وَأَنْتَ مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِكَ لِتَتَحَوَّلُ الغُرْفَةُ إِلَى البُرُودَةِ فِي لَحَظَاتٍ، وَالمَسَافَاتِ التِي كَانَتْ تُقطَعُ بالأَشْهُر سَابِقًا صَارَتْ تُقْطَعُ بِسَاعَاتٍ، وَأَطْعِمَةُ العَالَمِ كُلِّهِ وَمُنْتَجَاتِهِ تأْتِيكَ إِلَى بَابِ دَارِكَ دُونَ عَنَاءٍ؛ (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إبراهيم:34].
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ -رَحِمَهُ الله-: "إِنَّ مِنْ شُكْرِ اللهِ عَلَى النِّعْمَةِ أَنْ تَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، وَتَسْتَعِيْنَ بِهَا عَلَى طَاعَتِهِ، فَمَا شَكَرَ اللهَ مَنِ اِسْتَعَانَ بِنِعْمَتِهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ".
إِنَّ مَنْ أَعْطَى هَذِهِ النِّعَمِ قَادِرٌ عَلَى إِزالَتِهَا فِيْ أَيَّةِ لَحْظِةٍ؛ قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- لَيُمَتِّعُ بِالنِّعْمَةِ بِمَا شَاءَ، فَإِذَا لَمْ يُشْكَرْ قَلَبَهَا عَلَيْهَا عَذَابًا".
إِذَا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ اللهِ نِعْمَةً | عَلَيَّ لَهُ فِي مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ |
فَكَيْفَ وُقُوعُ الشُّكْرِ إِلَّا بِفَضْلِهِ | وَإِنْ طَالَتِ الأَيَّامُ وَاتَّصَلَ العُمْرُ |
إِذَا مَسَّ بِالسَّرَّاءِ عَمَّ سُرُورُهَا | وَإِنْ مَسَّ بِالضَّرَّاءِ أَعْقَبَهَا الأَجْرُ |
وَمَا مِنْهُمَا إِلَاّ لَهُ فِيهِ مِنّةٌ | تَضِيقُ بِهَا الأَوْهَامُ وَالبَرُّ وَالبَحْرُ |
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ التِي يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَرْعَاهَا نِعْمَةُ الإِسْلَامِ وَالهِدايَةِ؛ رَوَتْ عَائِشَةُ أُمِّ المُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "يَا مُثَبِّتَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ"، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تُكْثِرُ أَنْ تَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ فَهَلْ تَخَافُ؟ قَالَ: "نَعَمْ؛ وَمَا يُؤَمِنِّي -أَيْ عَائِشَةُ- وقَلُوبُ العِبَادِ بَينَ إِصْبِعَينِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ".
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ": نِعْمَةُ العَافِيَةِ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ بَعْدَ نِعْمَةِ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ، رَوَى التِّرمذي فِي سُنَنِهِ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ الجُهَنِيِّ، قَالَ: قَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى المِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الأَوَّلِ عَلَى المِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: "سَلُوا اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، فَإنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْد الْيَقِينِ خَيرًا مِنَ الْعَافِيَةِ".
قَالَ اِبنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعْلِيقًا عَلَى الحَدِيثِ-: "فَجَمَعَ بَيْنَ عَافِيَتِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَلَا يَتِمُّ صَلَاحُ العَبْدِ فِي الدَّارَينِ إِلَّا بِاليَقِينِ وَالعَافِيَةِ؛ فَاليَقِينُ يَدْفَعُ عَنْهُ عُقُوبَاتِ الآَخِرَةِ، وَالعَافِيَةُ تَدْفَعُ عَنْهُ أَمْرَاضَ الدُّنْيَا فِي قَلْبِهِ وَبَدَنِهِ، فَجَمَعَ أَمْرَ الآَخِرَةِ فِي كَلِمَةٍ، وَأَمْرَ الدُّنْيَا كُلَّهُ فِي كَلِمَةٍ".
وَقَالَ -رَحِمَه اللهُ-: "اِستَعَاذَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مِنْ تَحَوُّلِ عَافِيَتِهِ -سُبْحَانَهُ-؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ اِخْتَصَّهُ اللهُ بِعَافِيَتِهِ، فَقَدْ ظَفَرَ بِخَيرِ الدَّارَينِ، فَإِنْ تَحَوَّلَتْ عَنْهُ فَقَدْ أُصِيبَ بِشَرِّ الدَّارَينِ، فَإِنَّ العَافِيَةَ بِهَا صَلَاحُ الدِّينِ وَالدُّنيَا".
قالَ بَكْرُ المُزَنِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "يَا اِبْنَ آَدَمَ! إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ قَدْرَ مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكَ، فَغَمِّضْ عَيْنَيْكَ".
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى.
يَاَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-؛ فَمَا زِلْنَا مَعَ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم- الذِي كَانَ يَدْعُو بِهِ فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ".
"وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ": فُجَاءَةُ النِّقْمَةِ هِيَ أَنْ يُفَاجَأَ الإِنْسَانُ بِأَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ التِي هِيَ جَزَاءُ فِعْلِهِ وَصُنْعِ يَدِهِ فَيَحِلُّ عَلَيهِ سَخَطُ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ بِتَبَدُّلِ الحَالِ التِي هُوَ عَلَيهَا.
كَمْ أَهْلَكَ اللهُ -تَعَالَى- مِنَ الأُمَمِ الكَامِلَةِ مِمَّنْ قَبْلَنَا بِفَجْأَةِ النِّقْمَةِ، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِيْ لِلإنْسَانِ أَنْ يَجْتَنِبَ كُلَّ مَا يُسْخِطُ اللهَ -جَلَّ وَعَلا-، وَأَنْ يَكُونَ دَوْمًا عَلَى حَذَرٍ؛ (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)[الأعراف:96-98].
نَعَمْ! مَنْ أَمِنَ مَكْرَ اللهِ خَابَ وَخَسِرَ؛ قَالَ الشَوكَانيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَاسْتَعَاذَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مِنْ فُجَاءَةِ نِقْمَةِ اللهِ -تَعَالَى-؛ لِأَنَّهُ إِذَا اِنْتَقَمَ مِنَ العَبْدِ فَقَدْ أَحَلَّ بِهِ مِنَ البَلَاء ِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ، وَلَا يُسْتَدْفَعُ بِسَائِرِ المَخْلُوقِينَ، وَإِنِ اِجْتَمَعُوا جَمِيعًا".
قَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: "وَخُصَّت فُجَاءَةِ النِّقْمَةِ بِالاِسْتِعَاذَةِ؛ لِأَنَّهَا أَشَدُّ وَأَصْعَبُ مِنْ أَنْ تَأْتِيَ تَدْرِيجِياً، بِحَيْثُ لَا تَكُونُ فُرْصَةٌ لِلْتَوْبَةِ".
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ"؛ ثُمَّ خُتِمَ هَذَا الدُّعَاءُ العَظِيمُ بِالاِسْتِعَاذَةِ مِنْ جَمِيْعِ سَخَطِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.
وَالإِنْسَانُ العَاقِلُ يَزِنُ تَعَامُلَاتِهِ مَعَ النَّاسِ وَأَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ، لَكِنَّ كَثِيْرًا لَا يَزِنُ أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ مَعَ اللهِ -جَلَّ جَلَالُهُ-. وَمَا عَلِمَ المِسْكِينُ أَنَّ كَلِمَةً مُسْتَهْتِرَةً قَدْ تُوبِقُ دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهً، أَخْرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَال: "إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ".
رِضَىَ اللهِ عَنْكَ أَوَ سَخَطُهُ سَيَتْبَعُهُ فَلَاحُكَ أَو خُسْرَانُكَ؛ رَوَى المُنْذِرِيُّ وَغَيْرُهُ وصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَال: "مَنِ اِلتَمَسَ رِضَا اللهِ بِسَخَطِ النَّاسِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَأَرْضَى عَنْهُ النَّاسَ، وَمَنِ اِلتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللهِ سَخِطَ اللهُ عَلَيهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيهِ النَّاسَ".
وَبَعْدُ -أَيُهَا الإِخْوَةُ- فَهَذَا حَدِيْثٌ عَظِيْمٌ جَلِيْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَحْفَظَهُ كُلٌّ مِنَّا، وَأَنْ يُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ بِهِ، وَيَعْمَلَ بِهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ؛ فاللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: اعلموا أن الله -تعالى- قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام، فاللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.