الملك
كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...
العربية
المؤلف | عبدالله عوض الأسمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
ومن صبر الله -عز وجل-: أنه يرزقهم ويغدق عليهم النعم ليلاً ونهاراً, ويعطيهم الصحة والعافية, ويرزقهم بالأولاد والمال, والشفاء من الأمراض والأسقام, ويحفظهم من الحوادث والنكبات؛ ومع ذلك لا يقدرون الرزاق ولا يشكرونه على نعمه, ويجحدون نعمه وفضله, ولا يعاجلهم بالعقوبة...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: إن من أسماء الله -تعالى- الحسنى وصفاته العليا اسم الله "الصبور", مأخوذ من صفة الصبر, يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله؛ يدُعون له الولد, ثم يعافيهم ويرزقهم"(رواه البخاري), وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله؛ إنهم ليدعون له ولدا, ويجعلون له أندادا, وهو مع ذلك يعافيهم ويرزقهم"(متفق عليه).
قال الخطابي: "الصبور هو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام منهم, بل يؤخر ذلك إلى أجل مسمى, ويمهلهم لوقت معلوم", وقال ابن حجر: "والصبور الذي لا يستعجل في مؤاخذة العصاة, أو الذي لا تحمله العجلة على المنازعة إلى الفعل قبل أوانه".
عباد الله: ما أعظم صبر الله على عباده! وما أطول إمهال الله!, ولو أنه أخذ الناس بأول جرم وابتداء الإثم ما ترك على الأرض من أحد أبداً؛ عدلاً منه وقسطاً, ولكنه صبور على عباده غفور رحيم كريم, قال -تعالى-: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا)[الكهف: 58].
عباد الله: وصبر الله -عز وجل- له صور متعددة؛ فمن ذلك: صبره على كفر كثير من الناس ومسبتهم له, والقول على الله بغير علم وما ليس فيه, (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا)[مريم: 88 - 91], قال بن القيم -رحمه الله-:
وَهُوَ الصبور على أَذَى أعدائه | شتموه بل نسبوه للبهتان |
قَالُوا لَهُ ولد, وَلَيْسَ يعيدنا | شتما وتكذيبا من الْإِنْسَان |
هَذَا وَذَاكَ بسمعه وبعلمه | لَو شَاءَ عاجلهم بِكُل هوان |
لَكِن يعافيهم ويرزقهم وهم | يؤذونه بالشرك والكفران |
ومن صبره -سبحانه وتعالى- على عباده: صبره على من اتخذ الأنداد والشركاء يعبدونهم من دونه, فلا يعاجلهم بالعقوبة بل يترك لهم الفرصة, فإذا عادوا إليه وتابوا إليه؛ فإنه يقبل توبتهم, ويغفر ذنوبهم ويرحمهم, حتى مع المسرفين في الشرك والكفر, (قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزمر: 53].
من صبر الله على عباده: أنهم يعملون المعاصي والسيئات ولا يعاجلهم العقوبة, ثم من رحمته أن يقلب سيئاتهم حسنات, قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الفرقان: 68 - 70].
ومن صبر الله -عز وجل-: أنه يرزقهم ويغدق عليهم النعم ليلاً ونهاراً, ويعطيهم الصحة والعافية, ويرزقهم بالأولاد والمال, والشفاء من الأمراض والأسقام, ويحفظهم من الحوادث والنكبات؛ ومع ذلك لا يقدرون الرزاق ولا يشكرونه على نعمه, ويجحدون نعمه وفضله, ولا يعاجلهم بالعقوبة, وهذا يدل على صبره على عباده, والواجب تعظيم الله وتقديره, (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزمر: 67].
نسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا طاعته وتقديره وتعظيمه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه, أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبه الثانية:
الحمد لله حق حمده، وصلاة وسلاما على خير خلقه، وعلى آله وصحبه ومن تبعه، أما بعد:
عباد الله: إن من آثار الإيمان باسم الله الصبور: أن يبادر المسلم بالتوبة, وأن لا يستمر على المعاصي, بل عليه التوبة إلى الله -عز وجل-, ولا يعتريه اليأس من رحمة الله.
ومن آثار الإيمان باسم الله الصبور: أن يتعلم المسلم الصبر على عبادة الله وطاعته, (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آل عمران: 200].
وكذلك يتعلم المسلم الصبر على أقدار الله المؤلمة, وعلى ترك المعاصي والشهوات والشبهات, وكذلك يتعلم الصبر على معاملته مع الناس, ابتداء من أهل بيته وجيرانه وزملائه في العمل, وجميع أخوانه المسلمين؛ فإنه قد يلاقي منهم أذى أو كلمات جارحة, أو مخاصمات وشجار, فعليه بالصبر, (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[الشورى: 43].
ومن الآثار: أن يحتسب المسلم صبره, فيصبر من أجل الله, ويستعين بالله في صبره؛ حتى يؤجر.
جعلنا الله من الصابرين على طاعته, وعلى ترك المعاصي, ورزقنا الصبر على الأقدار المؤلمه, ألا صلوا على سيدنا محمد؛ كما أمركم الله -عز وجل-: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56], اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.