الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | العقيدة - التوحيد |
لقد غار هدهد سليمان عندما وجد أمة لا توحد الله، ويسجدون للشمس من دون الله؛ فأبلغ سليمان -عليه السلام- وتحرك يخاطبهم بتوحيد الله، وإلا فأنه مصبحهم بجيش لا قبل لهم به، حتى يوحد الله في أرضه...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102], (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1], (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]، أما بعد:
أيها المؤمنون: من أجل عبادة الله توحيده, أرسل الله الرسل, وأنزل الكتب, وخلق الجنة والنار, وانقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار, وأبرار وفجار، ومن أجلة قامت الملة, وشرعت الشرائع, وفرض الجهاد, وهو حق الله على جميع العباد, وبه تقسم الأنوار؛ (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور:40].
عباد الله: التوحيد لغة: مصدر وحّـد يوحد توحيدا، أي جعل الشيء واحداً, وهذا التوحيد لا يكون إلا بنفي وإثبات, وهما ركنا كلمة التوحيد لا إله (نفي) وإلا الله (إثبات) أي لا إله معبود بحق إلا الله.
واصطلاحا : إفراد الله -سبحانه- بما يختص به من الربوبية, والألوهية, والأسماء والصفات. وبالتتبع والاستقراء لنصوص الوحي قسم العلماء التوحيد إلى ثلاثة أقسام:
الأول: توحيد الربوبية، وعرفه أهل العلم: بأنه إفراد الله بأفعاله، أي: أننا نعتقد أن الله منفرد بالخلق والملك والتدبير، قال -تعالى-: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)[ الزمر :62].
الثاني: توحيد الألوهية، وهو توحيد الله بأفعال العباد, أي: أنّ العباد يجب عليهم أن يتوجهوا بأفعالهم إلى الله -سبحانه- فلا يشركون معه أحداً، قال -تعالى-: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)[ الكهف: 110].
الثالث: توحيد الأسماء والصفات: وهو إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات, أو أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تأويل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل, ولكن على حسب قوله -تعالى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11].
معاشر المسلمين: إن للتوحيد أهمية عظيمة من ذلك: أن العلم به من أشرف العلوم, وتعليمها للناس على ضوء الكتاب والسنة الصحيحة؛ لأنه يدل على أشرف معلوم وهو الرب - عز وجل - فكلما كان المعلوم أعظم منزلة وأشرف مكانة كان العلم به أعلى وأكمل.
ومنها: أن التوحيد هو أول دعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام-؛ فلم يكن الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- يبدؤون أقوامهم بغير توحيد الله مع وجود انحرافات اجتماعية وأخلاقية واقتصادية, وذلك لأن التوحيد هو القاعدة الأساسية لكل شيء, قال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء:25].
ومنها: أن التوحيد هو أول واجب على المكلف؛ من حيث تعلمه وفهمه ودراسته والعمل به والدعوة إليه, لا كما يقول المبتدعة: "إن أول واجب النظر أو الشك", دليل ذلك حديث معاذ المتقدم وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- له: "وليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله"(البخاري).
ومنها: أن التوحيد شرطٌ أساس في قبول الأعمال الصالحة؛ فلو صلى العبد أو صام أو قام بالعبادات ولم يكن موحداً لله -تعالى- فإن أعماله كلها ترد عليه لأنها غير متقبلة، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الزمر:65].
عباد الله: ومن أهمية التوحيد أنه مقدمٌ على ما سواه, قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: "وَحَاجَةُ الْعِبَادِ إِلَيْهِ فَوْقَ كُلِّ حَاجَةٍ، وَضَرُورَتُهُمْ إِلَيْهِ فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ لِلْقُلُوبِ، وَلَا نَعِيمَ وَلَا طُمَأْنِينَةَ، إِلَّا بِأَنْ تَعْرِفَ رَبَّهَا وَمَعْبُودَهَا وَفَاطِرَهَا، بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ".
ومن أهميته -أيضاً-؛ أنه من العبادات التي لا يستغني عنها العبد طرفة عين؛ فهو محتاج إليه في كل أوقاته وفي جميع أحواله كلها, بخلاف العبادات الأخرى كالصلاة والصيام وغيرها حيث تؤدى في أوقات محددة؛ فالموحد مرتبط بالواحد -سبحانه- في كل حين، ارتباط حب وخضوع وعبادة وافتقار وتعظيم وشكر، كما ترتبط به جميع المخلوقات.
لله في الآفاق آيات لعل | أقلها هو ما إليه هداكا |
ولعل ما في النفس من آياته | عجب عجاب لو ترى عيناكا |
والكون مشحون بأسرار إذا | حاولت تفسيراً لها أعياكا |
من بالمنايا يا صحيح دهاكا؟ |
أيها المسلمون: ومن أهميته أن الجهاد في سبيل الله -تعالى- ما فرض إلا من أجله؛ لتبليغ الناس العقيدة الصحيحة والتوحيد الخالص, فمن وقف في وجه الدعوة إلى توحيد الله وعبادته وجب قتاله؛ حتى يبلغ هذا التوحيد أرجاء المعمورة, ويفسح المجال للناس لعبادة ربهم -سبحانه وتعالى-, قال -صلى الله عليه وسلم-: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإن فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها"(متفق عليه).
عباد الله: لقد غار هدهد سليمان عندما وجد أمة لا توحد الله، ويسجدون للشمس من دون الله؛ فأبلغ سليمان -عليه السلام- وتحرك يخاطبهم بتوحيد الله، وإلا فأنه مصبحهم بجيش لا قبل لهم به، حتى يوحد الله في أرضه، قال -تعالى-: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إله إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)[النمل:20-26].
قل للجنين يعيش معزولا بلا *** راع ومرعى: مالذي يرعاكا؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء *** لدى الولادة: مالذي أبكاكا؟
وإذا ترى الجبل الأشم منا طحاً *** قمم السحاب فسله: من أرساكا؟
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال *** جرى فسله: من الذي أجراكا؟
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج *** طغى فسله: من الذي أطغاكا؟
وإذا رأيت الليل يغشى داجيا *** فاسأله: من ياليل حاك دجاكا؟
وإذا رأيت الصبح يُسفر ضاحياً *** فاسأله: من ياصبح صاغ ضحاكا؟
هذي عجائب طالما أخذت بها | عيناك وانفتحت بها أذناكا! |
والله في كل العجائب ماثل | إن لم تكن لتراه فهو يراكا |
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطــبة الثانـية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
أيها المؤمنون: ومن أهمية التوحيد، أن التوحيد شرط في النصر والتمكين، قال -تعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 55].
وفي الآية وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات من هذه الأُمّة: (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأرض)؛ أي: ليجعلنهم خلفاء الأرض، الذين لهم السيطرة فيها، ونفوذ الكلمة، والآيات تدلُّ على أن طاعة الله بالإيمان به، والعلم الصالح سبب للقوَّة والاستخلاف ونفوذ الكلمة؛ كقوله -تعالى-: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ)[الأنفال: 26].
ومن أهمية التوحيد: أن من ختم له به فقد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة"(رواه أبو داود).
ولا نجاة للعبد يوم القيامة إلا به، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء، أكنت مفتديًا به؟ قال: فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك؛ قد أخذت عليك في ظهر آدم ألاّ تشرك بي شيئًا، فأبيت إلاَّ أن تشرك بي"(البخاري ومسلم).
فيا مَن مَنَّ اللهُ عليه بمعرفة التوحيد: اشكر ربك ومولاك بما مَنَّ بِه عليك واصطفاك، وأدِّ حقَّها بنسبة الفضل لصاحب الفضل -سبحانه وتعالى-؛ فلولاه ما اهتدينا ولا تصدَّقنا ولا صلَّينا، ثم حافظ عليها بإخلاص القول والعمل في السر والعلن، ثم الدعوة للتوحيد الخالص على منهاج النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[فصلت: 33]، ثم الصبر على الأذى فيه؛ كما قال ورقة بن نوفل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "لم يأتِ رجلٌ قطُّ بمثل ما جئتَ به إلا عودي"(رواه البخاري).
فاجعل من الصبر لك زادًا؛ فالطريق طويل والعقبة كَؤود، أسأل الله أن يجعلنا من دعاة التوحيد وأنصاره.
هذا وصلوا وسلموا على أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].