البحث

عبارات مقترحة:

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

الشيطان مصدر الشرّ في الوجود

العربية

المؤلف محمد الشاذلي شلبي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. صراع الإنسان بين شهوات نفسه وضوابط عقله .
  2. الفائزون والخاسرون بعد رحيل شهر رمضان .
  3. ولاية الله تعالى للمؤمنين ومعيته لهم .
  4. الاستقامة على الطاعات .
  5. لا سلطان للشيطان على المؤمن .
  6. وسائل توقي وساوس الشيطان. .

اقتباس

إنّ أسلافكم آمنوا هذا الإيمان واستقاموا هذه الاستقامة، فثبتوا أمام الأحداث، وتغلّبوا على الصعاب، ورزقهم الله جَلَدًا في الحياة، وثباتًا أمام عدوّهم "الشيطان"، فلم يهنوا ولم يضعفوا ولم يستكينوا، بل كانوا دائمًا وأبدًا جنود الحقّ صامدين صمود الجبال...

الخطبة الأولى:

نحمدك اللهم على ما أنعمت وأوليت.. ونشكرك على ما هديت ووفّقت، ونستسلم إلى ما قدّرت وقضيت، لا إله إلاّ أنت ربّ العالمين، وهادي الغافلين، وراحم الناس أجمعين، لا إله إلاّ الله قبل كل أحد، لا إله إلاّ الله بعد كل أحد، لا إله إلاّ الله يبقى ربّنا ويفنى كل أحد.

وأشهد أن لا إله إلاّ الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، وأشهد أنّ سيّدنا محمدًا عبدُ الله ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقّ، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

قال الله -تعالى-: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا)[الكهف:103-105].

وقال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران:104]، وقال -تعالى-: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الأعراف:199].

وعن أبي رقيّة تميم بن أوس الدّاريّ -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدين النصيحة"، قلنا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم"(رواه مسلم). وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم"(رواه البخاري ومسلم).

أمّا بعد: فإنّ الله خلق الإنسان من بدن بشهوة، وروح بعقل، وكان غذاء البدن بشهوته ما يأكل وما يشرب، وغير ذلك من المتع النفسيّة، والرغبات الشهوانية الحسيّة والمعنوية على إطلاقها، وكان غذاء الروح بعقله المعرفة والإدراك المميّز بين الحسن والقبيح، وبين الخير والشرّ. ولمّا كانت شهوة البدن في صراع مع العقل، فتطغى كثيرًا على ما ليس لها بحقّ، فتقع الجرائم، ومآتم، ومفاسد، وفتن، وظلم، وتَعَدّ.

فجاء الدين بأركانه الخمسة ليعين العقل على الشهوة، فوضع حولها ضوابط، ليحصرها في إطار الحقّ، لتخضع لقانون العقل، وأخذ يوجّه العقل ويبيّن له العِبَر ووجوه الحقّ في التبصّر. وبالعقل تمكنّا بمعونة الله -تعالى-، من ضبط النفس وكبح الشهوات الحسيّة والرغبات الشهوانية المختلف لونها لنخرج من شهر رمضان من السعداء المقبولين.

وإن كنّا قد نجحنا في الامتحان الأول، فإنّنا بانقضاء العيد في مجابهة امتحان أصعب واختبار أطول، ويتمثّل ذلك في مدى قدرتنا للمحافظة على نسق العبادات التي قمنا بها طوال شهر رمضان، من صيام وقيام وتلاوة القرآن والإنفاق والإطعام ومواساة والأخذ بيد المحروم، وخصوصًا الاستقامة العملية والقلبية والقولية. في كلمة: كيف يمكننا أن نبقى دائما نتحلّى بأخلاق الصائم التي يريدها منّا الحق -تبارك وتعالى-، ويرتضيها لنا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-.

أيها الناس: قد انقضى شهر رمضان، وربح فيه العاملون، وباء المقصّرون بالخسران، إنّ المؤمنين الذين اغتنموا فرصة العمل، لا شكّ أنّ الله -تعالى- ضاعَف لهم الأجر، ومحا عنهم الوزر، ومنحهم الغفران والرضوان.

المؤمنون الذين أدركوا سرّ الصوم، وذاقوا حلاوة الطّاعة، لا بدّ أنهم أسفوا على انقضاء شهر رمضان وتمّنوا، كما تنمى لهم رسولهم -عليه الصلاة والسلام-، أن تكون السنة كلها رمضان، لما كانوا يرون فيه من نعيم الطّاعة ولذّة القرب والتغلّب على الشهوات.

إنّ هؤلاء المؤمنين استفادوا كثيرا من هذه المدرسة، فخرجوا منها بنجاح باهر، وحظّ وافر، وإذا هم يخوضون غمار الحياة بقوّة وثبات واستقامة، فهم على نور من ربهم، ويقين من إيمانهم.

أمّا أولئك الذين كانوا يترقّبون رمضان بكره واشمئزاز، ويتمنون انقضاءه بفارغ الصبر، ويجدونه عبئًا ثقيلاً على نفوسهم، ويعتبرونه وافدًا غريبًا يحدّ من شهواتهم، ويكبح جماحهم، أولئك لم يخرجوا من الصوم بنتيجة، وآية ذلك أنّهم رجعوا بعد رمضان إلى ما كانوا عليه من شرور وفساد وتهاون واستهتار.

إنّ الصّائمين المقبولين معهم آية قبولهم ونجاحهم، ذلك أنهم إذا استمرّوا بعد رمضان على الطّاعة، واستقاموا على الحقّ، واستمسكوا بالخلق الكريم، وداوموا على أداء الفرائض والواجبات، واجتنبوا المعاصي والموبقات، إنهم إذا فعلوا ذلك كان دليلاً قاطعاً وبرهاناً ساطعاً على قوّة إيمانهم وقبول صيامهم، وأنهم استفادوا من مدرسة الصيام، فتغلّبوا على الشيطان، وأصبحوا من عباد الرحمن. وإنّ المؤمن الذي يقرّ بوحدانية الله -عزّ وجلّ-، ويستقيم على امتثال أمره واجتناب نواهيه، لهو المؤمن الفائز الذي يمدّه الله -تعالى- بالعون والنصر والقوّة والثبات في الدنيا والآخرة.

أيها المؤمنون: إنّ أسلافكم آمنوا هذا الإيمان واستقاموا هذه الاستقامة، فثبتوا أمام الأحداث، وتغلّبوا على الصعاب، ورزقهم الله جَلَدًا في الحياة، وثباتًا أمام عدوّهم "الشيطان"، فلم يهنوا ولم يضعفوا ولم يستكينوا، بل كانوا دائمًا وأبدًا جنود الحقّ صامدين صمود الجبال بعظمة الأبطال.

نعم! إنّ الذين يثقون بربّهم، ويؤمنون بعدالة قضيتهم، ويطالبون بحقّهم، كان حقًّا على الله -عز وجل- أن يؤيدهم وينصرهم، وقد عرفنا من دروس رمضان: كيف خاض المؤمنون غمار المعارك في بدر وأُحُد وفي الخندق، والفتح الأكبر الذي أعزَّ الله به الدين، وخذل به المعتدين.

وهذه سنّة الله في خلقه، ووعده لعباده، ما من أمّة تثق بربّها وتدافع عن حقّها، إلاّ أيدها الله بنصره، وأمدّها بالعون والتأييد.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)[فصّلت:30-32].

الله أكبر ما أجمل هذا الوعد، وعد صريح وواضح، جاء ليثلج صدور المؤمنين ويطمئن قلوب المناضلين؛ حيث يعتقدون أنّ الله وليّهم، ومعنى الوليّ: الناصر والمعين والمعزّ والمثبّت والمؤيد، وإذا كان الجندي يعتقد أنّ الله معه وأنّه وليّه فإنّه لا يهاب الموت ولا يخشى العدوّ.

ونلاحظ في الآية الكريمة أنّ ولاية الله وملائكته للمؤمنين في الحياة الدنيا مقدمة على الحياة الآخرة كيلا يكون المؤمنون في ريب من ذلك، وحتى لا يتوهموا أنّ النصر قد يكون بعيدًا، بلى إنّ الله مع الذين استقاموا على توحيده، واستداموا على طاعته، وحينما يتساءلون: متى نصر الله؟ يأتيهم الجواب الفوري: (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)[البقرة:214]. نعم إنّ نصره قريب حاضر، وملائكته على استعداد دائمًا لينفّذوا أمره، ويؤيدوا جنده.

نلاحظ كذلك أنّ هذا الوعد الصادق تكرر في عدّة آيات من القرآن الكريم، ففي قوله -تعالى-: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ)[البقرة:257]. وقوله في: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)[آل عمران:68]، وفي قوله -تعالى-: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا)[النساء:54]، وفي سورة القتال يقول الحقّ -تبارك وتعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ)[محمد:11]. وفي القرآن الكريم آيات عديدة من هذا النوع.

إذا تأملنا هذه الآيات الكريمة نجد أنّ الحقّ -تبارك وتعالى- يدعونا بحرارة وقوّة، لنؤمن به ونستقيم على طاعته، وعليه بعد ذلك أن ينصرنا ويثبّت أقدامنا ويدمّر عدوّنا، ويجعل من إمكاناتنا الضعيفة وأعدادنا القليلة، قوّة لا تخطئ الهدف، ومناعة لا تطالها مدمّرات الأعداء.

أيها المؤمنون: إن كنتم تريدون القوّة فاطلبوها من القويّ، وإن كنتم تريدون العزّة فاطلبوها من العزيز: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)[فاطر:10]؛ فهو الذي له الخلق، وبيده الأمر، وهو على كل شيء قدير.

أيها الشباب: استقيموا على طاعة الله، وتعاونوا على البرّ والتقوى، وقاطعوا إخوان السوء وأصحاب الشرور، وشقّوا طريقكم في الحياة، واعرفوا مكانكم في المجتمع، ولا ترضوا من الأمور بالدّون، فإنّ المرء حيث يضع نفسه:

وما المرء إلاّ حيث يجعل نفسه

فكن طالبًا في الناس أعلى المراتب

إنّكم سمعتم في الآيات التي تلوت عليكم أنّ الله يقول: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)[البقرة:257]؛ معنى هذا أنّ الله يخرج المؤمنين من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمات الحيرة والشك إلى نور اليقين، ومن ظلمات الخوف إلى نور الأمن، ومن ظلمات الذلّة إلى نور العزّة، ومن ظلمات التردّد إلى نور الإقدام، فالآية بليغة وشاملة كغيرها من آيات الكتاب العظيم، فهي تعبير واضح أنّ الله يرعى المؤمن ويعينه ويهديه إلى كل خير وعزّة وقوّة. فإذا خاض المؤمنون معركة فالله معهم يثبّتهم ويربط على قلوبهم، وإذا أطلقوا نيرانهم فالله يحقّق أملهم، ويوقع بعدوّهم، وصدق الحقّ -تبارك وتعالى- إذ يقول لرسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا)[الأنفال:17]، وإذ يقول -جل وعلا-: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)[الأنفال:12].

عباد الرحمن: أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي عمرة سفيان بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: "قل آمنت بالله، ثم استقم". فلاحظوا -حضرات الإخوان- أنّ حديث سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا مطابقًا تمامًا لقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)[فصلت:30]. والاستقامة كلمة جامعة لأنواع التكاليف، لهذا جاء في قول للرسول -عليه الصلاة والسلام-: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أنّ خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلاّ مؤمن".

وكما تلاحظون فإنّ السنة متمّمة وشارحة وحافظة ومفسّرة للقرآن، وبلا فهم جيّد للسنة لا نستطيع أن نفهم القرآن. فالسنة حافظة للدين وحافظة للتشريع التي جاء بها كتاب الله -تبارك وتعالى-.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الحليم لي ولكم ولوالديّ ولوالديكم ولجميع المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنّه هو التواب الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله الذي اجتبى وعلى آله وصحبه ومن به اقتدى.

أمّا بعد: أيها الناس: إنّ الإيمان يفيض على النفس إشراقًا ويملأ القلب نورًا، وإذا أشرقت النفس واستنار القلب بطل كل ما يوسوس به الشيطان من شرّ. قال -تعالى-: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[النحل:98-99]، ويقول -تعالى-: (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)[الأعراف:27].

ولا شيء أقوى على طرد الشيطان من ذكر الله بالقلب، واللسان، ومراقبته في السرّ والعلانية، فذكر الله يجلي البصيرة ويقوّي في النفس حبّ الحقّ ودواعي الخير، ويضعف فيها الميل إلى الباطل والشر حتى لا يكون للشيطان مدخل إليها، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[الأعراف:201].

والمعنى أنّ المتقين إذا اتصل بهم طيف من الشيطان ليحملهم على المعصية تذكروا أن هذا من عدوهم الشيطان وإغوائه، وتذكروا عقاب الله لمن اتبع الشيطان، فإذا هم أولو بصيرة يفرقون بها بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، فيبعدون عن أنفسهم نزغ الشيطان ووساوسه.

ولا بد من الإشارة إلى أنّ الشيطان لا يتمكن من الإنسان إلاّ إذا أعرض عن ذكر الله أو إذا كان في حالة غضب، وفي هذا يقول -تعالى-: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)[الزخرف:36]، والمعنى: ومن يعرض عن ذكر الله يهيئ له شيطانا يضلّه ويغويه، كما أنّ من داوم على ذكر الله باعد عنه الشيطان.

وملخّص القول: إنّ في العالم الغيبي مخلوقًا خفيًّا اسمه الشيطان لا تدركه حواسنا، له أثر في أنفسنا؛ فهو يتصل بها ويقوّي داعية الشر، وقد سمّى الله دواعي الشر التي تصدر من الشيطان: وسواسًا، ونزغًا، ومسًّا، ونحن نجد أثر ذلك في أنفسنا وإن لم ندرك مصدره، وتأثير هذه الشياطين في الأرواح كتأثير الميكروبات في الجسم، والميكروب ينتهز كل ضعف في الجسم، وتهاون في الاحتراز منه والتوقّي منه باستعمال الوسائل الطبية المعروفة فيتسلّل إلى الجسم ليفتكّ به.

وهكذا الشياطين يمكن أن نتقي تأثيرها بتقوية الأرواح بالإيمان بالله -تعالى- ومراقبته ومناجاته وإخلاص العبادة له، وترك الفواحش ما ظهر منها وبطن حتى ترسخ في النفس ملكات الخير وحب الحق وكراهية الباطل، عندها نحصّن أنفسنا من هذه الشياطين التي تدعو إلى الباطل والشر.

والحكمة من تحذيرنا من الشياطين في القرآن، أن نراقب أفكارنا وخواطرنا وميولنا ولا نغفل عنها، كما نراقب ما يحدث في أجسادنا من سقم؛ فنبادر إلى علاجه بالوسائل الطبية، فمتى لمسنا ميلاً من أنفسنا إلى الشر أو الباطل التجأنا إلى الله واحتمينا به من وساوس الشيطان بما أمرنا به: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[الأعراف:200].

فالقرآن ينصّ على أنّ الوسوسة ليس مصدرها شياطين الجن فقط، بل إنّ هناك أناسًا من البشر هم كالشياطين في أفعالهم وفي إيحائهم للشر، فهم أعضاء في حزب الشيطان. كما قال -تعالى-: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[المجادلة:19].

عباد الرحمن: كل شيء دون الله باطل. وكل نعيم دون نعيم الجنة زائل. فتحبّبوا إلى الله بإقامة الفروض، وتقرّبوا إليه بالنوافل، فإنه من أحبّه كان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورِجْله التي يمشي بها، وإذا سأله أعطاه ما هو سائل، وإذا استعاذ به أعاذه من مكروه الآجل والعاجل.

فعَامِل الله -يا عبد الله- واعلم أنّك إليه واصل، ومن هذه الدنيا راحل، كما رحل الأوائل، ولا يخدعنّك الشيطان بزخارف الدنيا وما فيها، ولا يصرفنّك عن الآخرة فإنّك آتيها، واتّق الله وأصلح الأعمال فإنّك ملاقيها، وعند الحكم العدل ستوافيها.

أسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يرد المسلمين إلى دينهم ردّاً جميلاً.

فاتّقوا الله عباد الله وصلّوا وسلّموا على سيد رسله وخاتم أنبيائه والشافع المشفّع عند الله يوم نلقاه، المنزل عليه إرشاداً وتعليماً وتشريفاً له وتعظيماً؛ اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد وعلى آل سيّدنا محمّد كما صلّيت وسلّمت وباركت على سيّدنا إبراهيم وآل سيّدنا إبراهيم في العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدّين ودمّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامّة يا ربّ العالمين. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.