العربية
المؤلف | محمد بن إبراهيم النعيم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - المنجيات |
إن أفضل ما أوتي العبد بعد الإيمان ليس المال ولا الجمال، وإنما السلامة في الدين والبدن والمال والأهل.. فليس شيء من الدنيا يهنأ لصاحبه إلا مع العافية وهي الأمن والصحة وفراغ القلب من كل ما يكدره؛ لذلك ينبغي الإكثار من سؤال الله العافية...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، تفضَّل علينا بنعمه العظيمة، وأكرمنا بإحسانه العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أيها الإخوة في الله: هل سألتم الله العافية ودوام العافية، بل هل أكثرتم من سؤال الله -عز وجل- العافية في الدنيا والآخرة؟ وماذا نقصد بالعافية؟ وما المواطن التي يستحب عندها سؤال الله العافية؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذه الخطبة -بإذن الله-.
فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا عباس، يا عم النبي -صلى الله عليه وسلم- أكْثِرْ من الدعاء بالعافية"(رواه الحاكم وابن أبي الدنيا).
وروى العباسُ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ -عز وجل- قَالَ: "سَلْ اللَّهَ الْعَافِيَةَ"؛ فَمَكَثْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ جِئْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ، فَقَالَ لِي: "يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ سَلْ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ"(رواه الترمذي).
تأملوا فِي أَمْرِهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلْعَبَّاسِ بِالدُّعَاءِ بِالْعَافِيَةِ بَعْدَ تَكْرِيرِ الْعَبَّاسِ سُؤَالَهُ بِأَنْ يُعَلِّمَهُ شَيْئًا يَسْأَلُ اللَّهَ بِهِ، فهذا دَلِيلٌ جَلِيٌّ بِأَنَّ الدُّعَاءَ بِالْعَافِيَةِ لا يُسَاوِيهِ شَيْءٌ مِنْ الأَدْعِيَةِ وَلا يَقُومُ مَقَامَهُ شَيْءٌ مِنْ الْكَلامِ الَّذِي يُدْعَى بِهِ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ.
ومَعْنَى الْعَافِيَةِ -كما ذكر شارح الترمذي- أَنَّهَا دِفَاعُ اللَّهِ عَنْ الْعَبْدِ؛ فَالدَّاعِي بِهَا قَدْ سَأَلَ رَبَّهُ دِفَاعَهُ عَنْ كُلِّ مَا يَنْوِيهِ، وَفِي تَخْصِيصِهِ -صلى الله عليه وسلم- بِهَذَا الدُّعَاءِ لعمه العباس وَقَصْرِهِ عَلَى مُجَرَّدِ الدُّعَاءِ بِالْعَافِيَةِ تَحْرِيكٌ لِهِمَمِ الرَّاغِبِينَ عَلَى مُلازَمَتِهِ، وَأَنْ يَجْعَلُوهُ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَتَوَسَّلُونَ بِهِ إِلَى رَبِّهِمْ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وَيُسْتَدْفَعُونَ بِهِ فِي كُلِّ مَا يُهِمُّهُمْ، ثُمَّ كَلَّمَهُ -صلى الله عليه وسلم- بِقَوْلِهِ: "سَلْ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ". فَكَانَ هَذَا الدُّعَاءُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ قَدْ صَارَ عُدَّةً لِدَفْعِ كُلِّ ضُرٍّ وَجَلْبِ كُلِّ خَيْرٍ.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر أصحابه بسؤال الله العافية منذ أول إسلامهم ، فعن أبي مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الصَّلاةَ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي"(رواه مسلم).
وأتاه رجل يريد أن يتعلم كيف يدعو ربه، فأمره بسؤال العافية؛ حيث روى طارق بن أشيم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّي؟ قَالَ: "قُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي"، وَيَجْمَعُ أَصَابِعَهُ إِلاَّ الإِبْهَامَ "فَإِنَّ هَؤُلاءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ"(رواه مسلم).
والدعاء بالعافية -أي: بدوامها- واستمرارها عليك من أفضل الأدعية التي ينبغي الحرص عليها، وذلك لما رواه ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ بَابُ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ وَمَا سُئِلَ اللَّهُ شَيْئًا يَعْنِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ الْعَافِيَةَ"(رواه الترمذي). أي: مَا سُئِلَ اللَّهُ سُؤَالاً أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ سُؤَالِ الْعَافِيَةِ.
وروى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْمُعَافَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ"(رواه ابن ماجه).
ولما علمت عائشة -رضي الله عنها- أفضلية سؤال الله العافية، قالت: "لو علمت أيّ ليلة ليلة القدر لكان أكثر دعائي فيها أن أسأل الله العفو والعافية"(السلسلة الصحيحة 1011).
وينبغي سؤال الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة فقد روى أَنَس بن مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ قَالَ: "سَلْ رَبَّكَ الْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ"، ثُمَّ أَتَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ: "فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَأُعْطِيتَهَا فِي الآخِرَةِ فَقَدْ أَفْلَحْتَ"(رواه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد).
ذكر العلماء أن الفرق بين العافية والمعافاة هو أن الْعَافِيَة أَنْ تَسْلَمَ مِنْ الأَسْقَامِ وَالْبَلايَا وَهِيَ الصِّحَّةُ وَضِدُّ الْمَرَضِ، أما َالْمُعَافَاةُ فهِيَ أَنْ يُعَافِيَك اللَّهُ مِنْ النَّاسِ وَيُعَافِيَهُمْ مِنْك أَيْ يُغْنِيك عَنْهُمْ وَيُغْنِيهِمْ عَنْك وَيَصْرِفَ أَذَاهُمْ عَنْك وَأَذَاك عَنْهُمْ (شرح الترمذي).
وذكر ابن جرير أن العافية في الدارين؛ السلامة من تبعات الذنوب؛ فمن رزق ذلك فقد برئ من المصائب التي هي عقوبات والعلل التي هي كفارات؛ لأن البلاء لأهل الإيمان عقوبة يمحص بها عنهم في الدنيا ليلقوه مطهرين؛ فإذا عوفي من التبعات وسلم من الذنوب الموجبة للعقوبات سلم من الأوجاع التي هي كفارات. اهـ.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان حريصاً على سؤال الله العافية، بل وكان يتعوذ من تحولها عنه، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ"(رواه مسلم وأبو داود).
إن أفضل ما أوتي العبد بعد الإيمان ليس المال ولا الجمال، وإنما السلامة في الدين والبدن والمال والأهل، فعن رفاعة بن رافع قال: قام أبو بكر الصديق على المنبر، ثم بكى فقال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام أول على المنبر ثم بكى فقال: "سلوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية"(رواه الترمذي).
واليقين هو الإيمان، والعافية هي السلامة من الشدائد والبلايا والمكاره الدنيوية والأخروية؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"(رواه الترمذي).
فليس شيء من الدنيا يهنأ لصاحبه إلا مع العافية وهي الأمن والصحة وفراغ القلب من كل ما يكدره؛ لذلك ينبغي الإكثار من سؤال الله العافية استجابة لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
انظروا إلى مكانة الجهاد في الإسلام، وإلى عظم أجرها عند الله -عز وجل-؛ إلا أننا أمرنا أن لا نتمناه ولا نتمنى مواجهة الأعداء؛ لأن السلامة لا يعدلها شيء؛ لأننا مأمورون أن نسأل الله العافية، فقد روى عبد الله بن أبي أوفى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ يَنْتَظِرُ حَتَّى إِذَا مَالَتْ الشَّمْسُ قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا"(متفق عليه).
أما من تمنى الشهادة في سبيل الله فليسألها فقط، ولا يتمنى خوض المعارك ولقاء العدو، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ"(رواه مسلم).
دعا رجل صاحبه على طعام فمدح الضيف الطعام قائلاً: إنه طعام طيب فرد عليه قالاً: إنك لم تطيبه ولا الخباز ولكن طيبته العافية. وهذا صحيح فلو كان مريضاً لما أحس بلذة ذلك الطعام.
وهذا أمر يغيب عن كثير من الناس حينما يأكلون ويشربون ولا يحمدون الله على أن أذاقهم لذة الطعام والمنام وحرمها غيرهم. فلا يَعرف طعم العافية إلا من حرمها، ولذلك قالوا: أن العافية تاج على رؤوس الأصحاء. بل قال بعضهم أن العافية هي المُلك الخفي.
وقد أحسن الشاعر في مقارنته بين نعمة العافية وسائر النعم؛ فقال:
ما أنعم الله على عبده | بنعمة أوفى من العافية |
وكل من عوفي في جسمه | فإنه في عيشة راضية |
والمال حلو حسن جيد | على الفتى لكنه عاريه |
ما أحسن الدنيا ولكنها | مع حسنها غدارة فانية |
فالعافية والصحة يغفل عنها كثير من الناس وتراهم لا يشكرونها ولا يستغلونها في طاعة الله وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؛ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ"(رواه البخاري).
فينبغي ألا نغفل عن أهمية الإكثار من سؤال الله العافية في الدنيا والآخرة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العلمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- ولا تعصوه وأكثروا من سؤال الله العافية في الدنيا والآخرة، وهناك بعض المواطن التي حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على سؤال العافية عندها.
بعض مواطن سؤال الله -عز وجل- العافية:
(1) في دعاء الاستفتاح: سُئِلَت عائشة بما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفتتح قيام الليل قالت: سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد كان يكبر عشراً ويسبح عشراً ويستغفر عشراً ويقول: "اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني".
(2) بين السجدتين: فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل الله العافية كل يوم سبع عشرة مرة في الفرائض واثنتا عشرة مرة في النوافل، وذلك في دعائه بين السجدتين، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين السجدتين: "اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني"(رواه أبو داود).
(3) في دعاء الوتر: فعن الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ"(رواه الترمذي).
ولعل قائل يقول: إننا نقول هذه الأدعية، ولكننا لم نفطن أننا نسأل فيها العافية، أقول: لعل هذه الخطبة تجعلنا نعي أهمية هذه الأدعية وأن نقولها بحضور قلب لأهميتها في حياتنا.
(4) عند قول أذكار الصباح والمساء: فمن المشروع أن تسأل الله -تعالى- العافية صباحاً ومساءً ثلاث مرات؛ وذلك لما رواه ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما- قال: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَعُ هَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي"(رواه أبو داود).
وروى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي أَسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَدَاةٍ "اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ"؛ تُعِيدُهَا ثَلاثًا حِينَ تُصْبِحُ وَثَلاثًا حِينَ تُمْسِي فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُو بِهِنَّ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ"(رواه أبو داود).
(5) عند الاستيقاظ: عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي رد على روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره"(رواه ابن السني).
(6) عند النوم: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ قَالَ: "اللَّهُمَّ خَلَقْتَ نَفْسِي وَأَنْتَ تَوَفَّاهَا لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا إِنْ أَحْيَيْتَهَا فَاحْفَظْهَا وَإِنْ أَمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ"(رواه مسلم).
(6) عند رؤية مبتلى: فعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأى أحدكم مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني عليك وعلى كثير من عباده تفضيلا كان شكر تلك النعمة"(رواه البيهقي).
فالمؤمن لا يتمنى البلاء طمعاً في الأجر العظيم فلعله لا يصبر، قال بعض العارفين: أكثروا من سؤال العافية فإن المبتلى وإن اشتد بلاؤه لا يأمن ما هو أشد منه، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَادَ رَجُلاً قَدْ جُهِدَ حَتَّى صَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ فَقَالَ لَهُ "أَمَا كُنْتَ تَدْعُو؟ أَمَا كُنْتَ تَسْأَلُ رَبَّكَ الْعَافِيَةَ"؟ قَالَ كُنْتُ أَقُولُ اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّكَ لا تُطِيقُهُ أَوْ لا تَسْتَطِيعُهُ أَفَلا كُنْتَ تَقُولُ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"(رواه الترمذي)، وفي رواية مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا الله له فشفاه.
تأملوا فيمن ابتلي بزيارة المستشفى كل يومين أو ثلاثة لغسيل الكُلى، وتفكروا في الآلام المبرحة التي تصيبه لمدة أربع أو ست ساعات فلا يعود إلى بيته إلا وهو منهار القوى فلا يستعيد قواه إلا بعد يوم فيفاجئ بموعد جديد ينتظره لغسل كلاه.
فالعافية لا يشكر عليها كثير من الناس، إنما ترى من يتذمر من حاله ومن وضعه الاقتصادي والمالي، ولكن لو فكر في عافيته وقارن حاله بمن حوله؛ لأوجب عليه المقام أن يكثر من حمد الله وسؤال الله دوام العافية.
والبلاء لا ينحصر في الأمراض والعاهات، وإنما هو أوسع من ذلك، فكم يمر الناس على أهل المعاصي والذنوب ولا يحمدون الله على العافية، فهذا الذي يتعامل بالربا أو يأخذ الرشوة أو يكسب من المحرمات أو ينظر إلى المحرمات فهؤلاء وغيرهم كثير مبتلون، فنحمد الله -تعالى- أن عافانا مما ابتلاهم به، ونسأله -تعالى- العافية والسلامة من الآثام التي تغضب الرحمن.
قيل لحامد اللفاف: كيف أصبحت؟ قال أصبحت أشتهي عافية يوم إلى الليل، فقيل له: ألست في عافية في كل الأيام؟ فقال: العافية؛ يوم لا أعصي الله -تعالى- فيه (إحياء علوم الدين 2/230).
(7) عند زيارة المقبرة: فعن بُرَيْدَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلاحِقُونَ أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ"(رواه مسلم). وسؤال العافية للأموات هو الدعاء لهم بالسلامة من تبعات الذنوب.
فالمطلوب أن نكثر من سؤال الله العافية خصوصاً في المواطن التي حث فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، فهكذا النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل وهكذا كان يأمر أصحابه وللموضوع بقية في خطبة قادمة -بإذن الله-.
جعلني وإياكم ممن يستمعون القول ويتبعون أحسنه.
اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك، اللهم وفقنا لصالح القول والعمل وجنبنا الزلل، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة يا رب العالمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.
اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.