النصير
كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
إنَّ للإيمان طعماً وحلاوة يجدها من ألف العبادة وداوم عليها، وإنَّه لمن النعيم أن يذوق المؤمن طعم الإيمان، فيعيش في عبادته في لذة من حُرمها فهو المحروم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل عباده المؤمنين هم السعداء في دنياهم وآخرتهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أمَّا بعد: فيا أيها المؤمنون: إنَّ للإيمان طعماً وحلاوة يجدها من ألف العبادة وداوم عليها، وإنَّه لمن النعيم أن يذوق المؤمن طعم الإيمان، فيعيش في عبادته في لذة من حُرمها فهو المحروم، قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "إِذَا لَمْ تَجِدْ لِلْعَمَلِ حَلَاوَةً فِي قَلْبِكَ وَانْشِرَاحًا فَاتَّهِمُهُ، فَإِنَّ الرَّبَّ -تَعَالَى- شَكُورٌ. يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُثِيبَ الْعَامِلَ عَلَى عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ حَلَاوَةٍ يَجِدُهَا فِي قَلْبِهِ، وَقُوَّةِ انْشِرَاحٍ وَقُرَّةِ عَيْنٍ. فَحَيْثُ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ فَعَمَلُهُ مَدْخُولٌ". (مدارج السالكين:2/68).
عبد الله: هل سألت نفسك أذاقت طعم الإيمان، أوجدت حلاوته؟ وكيف أشعر بتلك الحلاوة وأذوق طعم الإيمان؟
عباد الله: قال -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل:97]؛ قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "الحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أيّ جهة كانت.. وقال الضحاك -رحمه الله-: هي العمل بالطاعة والانشراح بها"(تفسير ابن كثير 4/601).
وقال الإمام السعدي -رحمه الله-: "من جمع بين الإيمان والعمل الصالح (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، وذلك بطمأنينةِ قلبه وسكونِ نفسه وعدمِ التفاته لما يشوِّشُ عليه قلبَه ويرزقه اللهُ رزقاً حلالاً طيِّباً من حيث لا يحتسب"(تفسير السعدي: ص449).
وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "هذه الحياةُ الطيبةُ تكونُ في الدور الثلاث، أعني: دارَ الدنيا، ودارَ البرزخ، ودارَ القرار"(مدارج السالكين:3/ 243).
عباد الله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ"(رواه الشيخان).
قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-: "هذه الثلاث خصال من أعلى خصال الإيمان، فمن كمَّلها فقد وجد حلاوة الإيمان"، إلى أن قال: "فإذا سلم -أي: القلب- من مرض الأهواء المضلة والشهوات المحرمة وجد حلاوة الإيمان حينئذ، ومتى مرض وسقم لم يجد حلاوة الإيمان، بل يستحلي ما فيه هلاكه من الأهواء والمعاصي"(فتح الباري لابن رجب: 1/ 50).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً"(رواه مسلم)، قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "وَهَذَا الذَّوْقُ أَصْحَابُهُ فِيهِ يَتَفَاوَتُونَ، فَاَلَّذِي يَحْصُلُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ عِنْدَ تَجْرِيدِ تَوْحِيدِ قُلُوبِهِمْ إلَى اللهِ وَإِقْبَالِهِمْ عَلَيْهِ دُونَ مَا سِوَاهُ بِحَيْثُ يَكُونُونَ حُنَفَاءَ لَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينُ، لَا يُحِبُّونَ شَيْئًا إلَّا لَهُ، وَلَا يَتَوَكَّلُونَ إلَّا عَلَيْهِ، وَلَا يُوَالُونَ إلَّا فِيهِ، وَلَا يُعَادُونَ إلَّا لَهُ وَلَا يَسْأَلُونَ إلَّا إيَّاهُ، وَلَا يَرْجُونَ إلَّا إيَّاهُ، وَلَا يَخَافُونَ إلَّا إيَّاهُ"(الفتاوى الكبرى لابن تيمية 5/286).
وقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ -رَحِمَهُ اللهُ-: "مَعْنَى الْحَدِيثِ: صَحَّ إِيمَانُهُ وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ نَفْسُهُ، وَخَامَرَ بَاطِنَهُ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِالْمَذْكُورَاتِ دَلِيلٌ لِثُبُوتِ مَعْرِفَتِهِ وَنَفَاذِ بَصِيرَتِهِ وَمُخَالَطَةِ بَشَاشَتِهِ قَلْبَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَ أَمْرًا سَهُلَ عَلَيْهِ، فَكَذَا الْمُؤْمِنُ إِذَا دَخَلَ قَلْبَهُ الْإِيمَانُ سَهَّلَ عَلَيْهِ طَاعَاتِ اللهِ -تعالى- وَلَذَّتْ لَهُ"(شرح النووي على مسلم: 2/2).
وقال عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- لابنه: "يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ"، يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي"(رواه أبو داود وصححه الألباني).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَحِبَّ فِي اللهِ، وَوَالِ فِي اللهِ، وَعَادِ فِي اللهِ، فَإِنَّمَا تُنَالُ وِلَايَةُ اللهِ بِذَلِكَ، لَا يَجِدُ رَجُلٌ طَعْمَ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ"(رواه ابن أبي شيبة).
وقال بعض المحبين: "مساكينُ أهلُ الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيبَ ما فيها، قالوا: وما أطيبُ ما فيها؟ قال: محبةُ الله، والأنسُ به، والشوقُ إلى لقائه، والإقبالُ عليه، والإعراضُ عمَّا سواه"(مدارج السالكين:1/452).
وسئل الإمام ابن باز -رحمه الله-: كيف أجد حلاوة الإيمان؟ فأجاب: "بالإقبال على الله والعناية بالعبادة وإحضار القلب فيها، والتفكُّر في عظمة الله وإحسانه وتذكُّر الجنة والنار والموت كل هذا من أسباب وجود حلاوة الإيمان.. والتلذذ بالمناجاة لربه بالقراءة والدعاء عند استحضار عظمة الله وعند استحضار ذهاب هذه الدنيا وأنَّ العبد صائر إلى ما قدَّم من خير وشر" (فتاوى نور على الدرب لابن باز 4/ 210).
وقال -رحمه الله-: "الإكثار من ذكر الله، ومن قراءة القرآن، والاستقامة على طاعة الله ورسوله، ومحبة الله ورسوله، وأن تحب إخوانك في الله، وأن تكره الكفر وسائر المعاصي، كل هذا من أسباب ذوق طعم الإيمان، ووجود حلاوة الإيمان في قلبك، وأنسك بطاعة الله ورسوله، وتلذذك بذلك، بسبب صدقك في طاعة الله، ومحبة الله -سبحانه وتعالى-" (فتاوى نور على الدرب لابن باز 4/ 214).
اللهم ارزقنا حلاوة الإيمان وأذقنا طعمه يا رب العالمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.