الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
العربية
المؤلف | عبدالله البرح - عضو الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
أيها المؤمنون: تلكم بعضا من الدعوات التي لا ترد لأصحابها؛ فلنحرص عليها لنبلغ بها سعادة الدنيا والآخر؛ لكن ثمة هناك دعوات لا ترد ينبغي أن نحذر أن تصل سهامها إلينا فتصيبنا في.. وقد حفظ التاريخ بعض القصص من دعوة المظلومين على الظالمين، ومنها؛ قصة خالد بن عبد الله البَرمَكيِّ وولده في...
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:
معاشر المسلمين: كل عاقل يدرك عظيم افتقاره إلى ربه وخالقه ومولاه وحاجته إليه في أمر دينه ودنياه، وصدق الله حين قال في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ)[فاطر: 15]؛ يقول السعدي -رحمه الله-: "يخاطب -تعالى- جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى الله من جميع الوجوه: فقراء في إيجادهم، وإمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة، ودفع المكاره عنهم، وإزالة الكروب والشدائد، وهم فقراء إليه في تألههم له، وحبهم له، وتعبدهم، وإخلاص العبادة له؛ فلو لم يوفقهم لذلك، لهلكوا، وفسدت أرواحهم، وقلوبهم وأحوالهم، وهم فقراء إليه، في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم؛ فلولا تعليمه، لم يتعلموا، ولولا توفيقه، لم يصلحوا".
عباد الله: وما دام أننا آمنا بحتمية افتقارنا إلى الغني الكبير وعظيم حاجتنا إلى العلي القدير -سبحانه وتعالى-؛ فلا بد أن نبحث عن الأسباب والوسائل التي بها ننال حاجاتنا، ونسد فقرنا ونكفي أنفسنا؛ ألا وإن من أعظم تلك الأسباب والوسائل لنيل ذلك؛ سؤال الكريم الذي كرمه لا يُعد وملكه الذي لا يُحد؛ وليس أكرم على الله من الدعاء، كما في الحديث الحسَن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- مِنْ الدُّعَاءِ"، وتذكّر وأنت تدعو بأنك تدعو الكريم -سبحانه-، وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ ربَّكُم -تبارك وتعالى- حييُّ كَرِيمٌ يستَحي مِنْ عبدهِ إذا رفع يديه إليه أن يردَّهما صِفراً".
ولن يكون -أيها المؤمنون- حديثنا في هذا المقام عن الدعاء وفضله وآدابه؛ فقد سالت بذلك المحابر وصدحت بالتذكير به المنابر؛ ولكننا سنقتصر على بيان جملة من الدعوات التي لا ترد بين الربح والخيبة، ومن ذلك:
دعوة الصائم والمسافر؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر ثلاث دعوات لا ترد، ومنها: "دعوةً الصائمُ حتى يُفطرَ والمسافرُ حتى يرجِعَ"(صححه الألباني)، وروي عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن للصائم عند فطره لدعوةً ما تُرد"(رواه ابن ماجة وحسنه الألباني).
ومن الدعوات التي لا ترد: الدعاء عند اشتعال الحرب والتقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "اطلبوا إجابةَ الدعاءِ عندَ التقاءِ الجيوشِ، وإقامةِ الصلاةِ، ونزولِ المطر"(الألباني).
ومن تلك الدعوات: دعاء من بات طاهرا يذكر ربه ومولاه، وقد روي عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: "ما مِن مُسلِمٍ يَبِيتُ على ذِكْرٍ طاهرًا، فيتعارُّ مِن اللَّيلِ فيسأَلُ اللهَ خيرًا مِن الدُّنيا والآخِرةِ، إلّا أعطاه إيّاه"(رواه أبو داود).
ومن الدعاء الذي لا يرد لصاحبه: الدعاء بدعوة ذي النون؛ فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ"(رواه الترمذي وصححه الألباني).
ومن الدعوات التي لا ترد: دعوة الولد الصالح لوالديه؛ كما جاء في حديث أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"(رواه مسلم).
ومن ذلك: دعوة المسلم لأخيه في ظهر الغيب؛ فعن صفوان بن عبدالله بن صفوان: قَدِمْتُ الشّامَ؛ فأتَيْتُ أَبا الدَّرْداءِ في مَنْزِلِهِ؛ فَلَمْ أَجِدْهُ وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْداءِ؛ فَقالَتْ: أَتُرِيدُ الحَجَّ العامَ؛ فَقُلتُ: نَعَمْ، قالَتْ: "فادْعُ اللَّهَ لَنا بخَيْرٍ"؛ فإنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يقولُ: "دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّما دَعا لأَخِيهِ بخَيْرٍ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بهِ: آمِينَ وَلَكَ بمِثْلٍ"(رواه مسلم).
ومن الدعوات التي لا ترد: دعوة المضطر؛ قال -سبحانه-: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)[النمل:62].
أيها المؤمنون: تلكم بعضا من الدعوات التي لا ترد لأصحابها؛ فلنحرص عليها لنبلغ بها سعادة الدنيا والآخر؛ لكن ثمة هناك دعوات لا ترد ينبغي أن نحذر أن تصل سهامها إلينا فتصيبنا في مقتل، ومن ذلك:
دعوة المظلوم على من ظلمه؛ وقد جاءت نصوص كثيرة؛ فمنها ما رواه عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ مُعاذًا إلى اليَمَنِ؛ فَقالَ: "اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فإنَّها ليسَ بيْنَها وبيْنَ اللَّهِ حِجابٌ"(رواه البخاري في صحيحه)، وصح عن ابن حبان -رحمه الله- قول النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-: "ودعوةُ المظلومِ تُحمَلُ على الغَمامِ وتُفتَحُ لها أبوابُ السَّمواتِ" ويقولُ الرَّبُّ: "وعِزَّتي لَأنصُرَنَّكِ ولو بعدَ حينٍ".
وقد حفظ التاريخ بعضاً من قصص دعوة المظلومين على الظالمين، ومنها؛ قصة خالد بن عبد الله البَرمَكيِّ وولده في حوارٍ بينهما وهُما في السجنِ؛ فيقول له: "يا أبَتَاه: لقد كُنَّا بعد العِزِّ والمُلكِ صِرنا في القَيْدِ والحبس. فقال له: يا بُنيّ: دعوةُ مظلومٍ سَرَت بليلٍ غفَلنَا عنها والله لم يغفَل عنها".
ومن القصص ما ذُكِرَ عن مالكَ بن دينارٍ -رحمه الله-؛ أنه حُمَّ أيامًا -أي: وجَدَ حرارةً في بدنه-، ثم وجدَ خِفَّةً فخرجَ لبعضِ حاجته؛ فمرَّ بعضُ أصحاب الشُّرط بين يديه قومٌ، قال: "فأعجَلوني فاعترضتُ في الطريقِ؛ فلحِقَني إنسانٌ من أعوانه فقنَّعَني أسواطًا -أي: ضرَبَني أسواطًا- كانت أشدَّ عليَّ من تلك الحُمَّى؛ فقلتُ: قطَعَ اللهُ يدَكَ؛ فلما كان من الغدِ غدوتُ إلى الجسرِ في حاجةٍ لي فتلقَّاني ذلك الرجلُ مقطوعة يدُهُ يحمِلُها في عُنقِهِ".
فيا حسرة الظالمين بفعلهم المشين ويا هناء المظلومين بنصر رب العالمين، وصدق القائل:
لا تَظْلِمَنَّ إِذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِرًا | فَالظُّلْمُ آخِرُهُ يَأْتِيكَ بِالنَّدَمِ |
تَنَامُ عَيْنَاكَ وَالْمَظْلُومُ مُنْتَصِبٌ | يدعو عليك وعينُ الله لم تنمِ |
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
عباد الله: ألا وإن مما يقصم الظهر من الدعوات التي لا ترد: دعوة الوالد على ولده؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- ذكر ثلاث دعوات لا ترد وذكر منها: "دعوةُ الوالدِ"(رواه أحمد وغيره)؛ فيا خيبة من أسخط والديه أحدهما أو كليهما!.
فيا -أيها الابن الكريم- احذر دعوة والديك عليك، وتودد لإرضائهما وأحسن إليهما؛ كما أحسنا إليك، واعلم أن برك بهما ليس تفضلا منك؛ بل دَينٌ عليك، وتمثل وصية الشاعر؛ حيث قال:
أَطِعِ الإلَهَ كَمَا أَمَرْ | وَامْلأْ فُؤادَكَ بِالحَذَرْ |
وَأَطِعْ أَبَاكَ فَإِنَّهُ | رَبَّاكَ فِي عَهْدِ الصِّغَرْ |
وَاخْضَعْ لأُمِّكَ وَارْضِهَا | فَعُقُوقُهَا إِحْدَى الكُبَرْ |
أيها المسلمون: ما أحوجنا إلى المبادرة بالقيام بأسباب نيل هذه الدعوات المباركة؛ حتى يصلح الله لنا أمر الدنيا والآخرة؛ كما أنه ينبغي علينا أن نحذر سهام الدعوات التي تصيبنا في مقتل؛ فنخسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.
اللهم أجب دعاءنا وحقق رجاءنا وأصلح أحوالنا.
اللهم بلغنا ما نود واجعل لنا دعوة لا ترد وهب لنا رزقا لا يعد وافتح لنا بابا إلى الجنة لا يسد.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين.
اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق والدين.
وصلوا وسلموا على البشير النذير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].