الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | محمد بن سليمان المهوس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - |
نَعِيشُ هَذِهِ الأَيَّامَ الْمُبَارَكَةَ مَعَ أَعْظَمِ وَأَفْضَلِ أَيَّامِ الْعَامِ؛ بَلْ فَضَّلَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ نَهَارَهَا عَلَى سَائِرِ أَيَّامِ الْعَامِ حَتَّى عَلَى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَقَدْ مَضَى أَوَّلُهَا وَسَيَمْضِي آخِرُهَا، وَلَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا قَدَّمَ؛ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: نَعِيشُ هَذِهِ الأَيَّامَ الْمُبَارَكَةَ مَعَ أَعْظَمِ وَأَفْضَلِ أَيَّامِ الْعَامِ؛ بَلْ فَضَّلَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ نَهَارَهَا عَلَى سَائِرِ أَيَّامِ الْعَامِ حَتَّى عَلَى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَقَدْ مَضَى أَوَّلُهَا وَسَيَمْضِي آخِرُهَا، وَلَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا قَدَّمَ؛ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.
وَقَدْ جَاءَ فِي بَيَانِ فَضْلِهَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ"؛ يَعْنِي: أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: "وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَالأَعْمَالُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الْمُبَارَكَةِ تَتَنَوَّعُ، وَالْمُسْلِمُ النَّاصِحُ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ سَهْمًا؛ فَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ الأَعْمَالِ فِي الْعَشْرِ وَغَيْرِهَا: الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلاَةِ، وَالاِعْتِنَاءُ بِهَا؛ فَهِيَ خَيْرُ الأَعْمَالِ، وَأَحَبُّ الطَّاعَاتِ إِلَى اللهِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللهِ؟ قَالَ: "الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا.." والحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمِنَ الأَعْمَالِ: ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى؛ فَقَدْ أَمَرَ اللهُ -تَعَالَى- بِكَثْرَةِ ذِكْرِهِ فِيهَا، قَالَ -تَعَالَى-: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)[الحج:28]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَيَّامٌ مَعْلُومَاتٌ هِيَ أَيَّامُ الْعَشْرِ"، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ"(رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ)، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلاَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ شُعَيْبُ الأَرْنَاؤُوطُّ).
وَكَانَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ، وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ، حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الأَيَّامَ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ وَهُوَ بَيْتُ الشَّعَرِ، وَمَجْلِسِهِ، وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الأَيَّامَ جَمِيعًا. وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَصِفَةُ التَّكْبِيِرِ: قَوْلُ: "اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ".
وَمِنَ الأَعْمَالِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ: تِلاَوَةُ كِتَابِ اللهِ -تَعَالَى- بِتَدَبُّرٍ وَتَفَهُّمٍ وَوُقُوفٍ عِنْدَ عَجَائِبِهِ؛ فَبِهِ تَنْشَرِحُ الصُّدُور، وَتَسْتَنِيرُ الْقُلُوبُ، وَتُشْفَى مِنْ جَمِيعِ الْعِلَلِ، وَقَدْ قَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[يونس:57]، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ --صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- يَقُولُ: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فَتَدَبَّرِ الْقُرْآنَ إِنْ رُمْتَ الْهُدَى | فَالْعِلْمُ تَحْتَ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ |
وَمِنَ الأَعْمَالِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ: صِيَامُ هَذِهِ الأَيَّامِ أَوْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهَا، وَخُصُوصًا يَوْمَ عَرَفَةَ؛ فَقَدْ رَغَّبَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصِّيَامِ بِعُمُومِهِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَقَالَ: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ).
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صِيَامِ عَرَفَةَ: "صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ).
اللَّهُمَّ يَا عَظِيمَ الْعَفْوِ، يَا وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ، يَا قَرِيبَ الرَّحْمَةِ، هَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ مَغْفِرَةً وَرَحْمَةً، وَأَسْعِدْنَا بِتَقْوَاكَ، وَاجْعَلْنَا نَخْشَاكَ كَأَنَّنَا نَرَاكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- يا عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنَ الأَعْمَالِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ: الأُضْحِيَةُ، وَهِيَ سُنَّةٌ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فَجَعَلَ الأُضْحِيَةَ مَرْدُودَةً إِلَى إِرَادَةِ الْمُسْلِمِ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَيْسَ وَاجِبًا؛ لَكِنْ تَتَأَكَّدُ الأُضْحِيَةُ عَلَى مَنْ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ؛ حَيْثُ يُوجِبُهَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ، وَهِيَ مِنَ الشَّعَائِرِ الَّتِي حَثَّ اللهُ عَلَى تَعْظِيمِهَا، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج:32]، وَقَالَ فِيهَا: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ)[الحج:36].
وَمِنْ تَعْظِيمِ الشَّعِيرَةِ: اخْتِيَارُ الطَّيِّبِ مِنْهَا، وَذَبْحُهَا أَوِ الْحُضُورُ عِنْدَ ذَبْحِهَا، وَاطِّلاَعُ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ عَلَيْهَا؛ لِتَعْظُمَ هَذِهِ الشَّعِيرَةُ عِنْدَهُمْ؛ فَمِنَ الأُسَرِ مَنْ لاَ يَعْرِفُ شَيْئًا عَنِ الأُضْحِيَةِ الْبَتَّةَ.
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاسْتَغِلُّوا أَوْقَاتَكُمْ فِيمَا يُقَرِّبُكُمْ إِلَى اللهِ، وَاغْتَنِمُوا هَذِهِ الأَيَّامَ الْفَاضِلَةَ، وَاحْرِصُوا عَلَى تَنَوُّعِ الأَعْمَالِ فِيهَا، وَسَلُوا رَبَّكُمْ قَبُولَهَا.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).