البحث

عبارات مقترحة:

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

البصير

(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...

عيون دامعة

العربية

المؤلف حفيظ بن عجب الدوسري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم .
  2. فضل البكاء من خشية الله .
  3. بكاء الملائكة من خشية الله .
  4. بكاء الأنبياء والرسل .
  5. البكاء خوفا من النار .
  6. البكاء عند قراءة القرآن .
  7. خطر عدم البكاء .
  8. بكاء القساوسة عند سماع آيات الله .
  9. بكاء الصحابة (قصص رائعة) .
  10. بكاء التابعين (نماذج رائعة) .

اقتباس

أرق الناس قلوبا، أقلهم ذنوبا، وكلما قلت ذنوب العبد كلما رق قلبه، وصفى وخشع ودمعت عينه، لما حضرت محمد بن سرين الوفاة بكى، فقيل له: ما يبكيك ؟ فقال: "أبكي لتفريطي في الأيام الخالية، وقلة عملي للجنة العالية، وما ينجيني من النار الحامية. عيون دامعة وقلوب خاشعة، إنها عيون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلبه وقلب أصحابه وإنما بكى صلى الله عليه وسلم عند هذا؛ لأنه...

الحمد لله رب العالمين، لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحق المبين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.

أيها الأحباب: إن عيون رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عيون دامعة كان يبكي من خشية الله صلى الله عليه وسلم وتدمع عيناه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : "اقرأ علي القرآن"، قلت يا رسول الله: أقرأ عليك وعليك أنزل ؟!، قال: "إني أحب أن أسمعه من غيري" فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا)[النساء:41] قال: "حسبك" فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.

عيون دامعة وقلوب خاشعة، إنها عيون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلبه وقلب أصحابه وإنما بكى صلى الله عليه وسلم عند هذا؛ لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة، وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بتصديقه، والإيمان به، وسؤاله الشفاعة لهم ليريحهم من طول الموقف وأهواله، وهذا أمر يحق له طول البكاء والحزن.

أيها الأحباب: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي وتدمع عيناه من خشية الله صلى الله عليه وسلم، فبالله عليكم كيف بنا ؟!

عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء".

إنه يبكي صلى الله عليه وسلم وكأنه القِدر الذي يغلي فيه الماء، رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ويشتد بكاءه عليه الصلاة والسلام.

عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا: أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي، قَالَ: "يَا عَائِشَة ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَيْلَةَ لِرَبَّي"، قُلْتُ: وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ وَأُحْبُّ مَا سَرَّكَ، قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ، قالت: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالُ يُؤَذِّنه بِالصَّلَاةِ فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: "أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا، لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَيْلَةَ آيَةٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ)[آل عمران:190].

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم ليلة كاملة يقرأ آية من كتاب الله: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة:118].

فرفع يديه، وقال: "اللهم أمتي أمتي" وبكى، وقال الله عز وجل: "يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم – فاسأله ما يبكيك؟" فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم، فقال: "يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك".

رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس وكان في سجوده صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في كسوف الشمس، قال: "أوف " ثم "ربي ألم تعدني ألا تعذبهم وأنا فيهم، ألم تعدني ألا تعذبهم وهم يستغفرون" ونحن نستغفرك.

الله أكبر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بحالنا يا عباد الله، كيف نفعل ونحن الذين أسرفنا على أنفسنا بالذنوب وازدادت خطايانا وتكاثرت فلا نعلم الخطايا تأتينا من شرق أم من غرب تتكاثر علينا وتزداد ونحن لا نبكي من خشية الله؟!.

لقد كانت عيون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دامعة، والصالحون عيونهم دامعة، قال الله تعالى: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)[الطور:25-28].

أيها الأحباب: لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع " كما روى الترمذي.

ولما حدث النبي صلى الله عليه وسلم بالسبعة الذين يظلهم الله في ظله كما في الحديث المتفق عليه يوم لا ظل إلا ظله قال: "ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه".

الله أكبر يا عباد الله: لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الترمذي وهو صحيح: "ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة من دموع خشية الله، وقطرة دم تهرق في سبيل الله، وأما الأثران: فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله".

أيها المسلمون: أين هي العيون الدامعة التي تخشع القلوب من خشوعها لقراءة كتاب الله ومن خوفها من الله ومن خشيتها من الله، أين هي حتى تحوز الدرجة العالية والفوز العظيم لا تمسها النار، قال صلى الله عليه وسلم ونسأل الله من فضله: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" أسأل الله من فضله.

فأين العيون التي تبكي من خشية الله؟! وأين العيون التي تحرس في سبيل الله؟ الله أكبر ما أعظم الأجر والمثوبة.

كان ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه يقول: "لأن أدمع من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار ".

وكعب الأحبار يقول: "لأن أبكي من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إلي من أن أتصدق بوزني ذهب".

الله أكبر .. كانوا خير الناس وأفضل الناس، وأتقى الناس، وأنقى الناس، ومع ذلك كانت عيونهم دامعة.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لجبريل: "مالي لا أرى ميكائيل ضاحكا قط؟" قال: "ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار ".

فاللهم إنا نسألك العافية والسلامة من النار.

وعن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن عند الطبراني في الأوسط: "مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى وجبريل عليه السلام كالحلس البالي من خشية الله تعالى".

أيها الأحباب: ألم يقل الله تعالى عن الأنبياء والمرسلين عن الصالحين والأتقياء: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) [مريم: 58].

لا إله إلا الله .. أنبياء الله ورسله الصالحون الأتقياء، الأنقياء يبكون خوفا من الله تعالى، أولم يمر بكم خبر أنس رضي الله عنه لما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا" فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين.

وفي رواية: أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب، فقال: "عرضت علي الجنة والنار فلم أرك اليوم من الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا" فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه غطوا رؤوسهم ولهم خنين، رضي الله عنهم وأرضاهم.

تذكروا عظمة الله، وانتقامه ممن يعصيه، والأهوال التي تقع عند النزع وفي القبر ويوم القيامة، فتتالت دموعهم على خدودهم، فكانت عيونهم دامعة، فلله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

أيها المسلمون، أيها الأحباب: عن هانئ مولا عثمان قال: كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى تُبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال سيدنا عثمان: إن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينجو منه فما بعده أشد منه" نسأل الله العافية والسلامة.

وقال صلى الله عليه وسلم كما عند أحمد والترمذي وابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما رأيت منظر قط إلا والقبر أفظع منه" نسأل الله العافية والسلامة.

بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك ؟ فقال: "أخاف أن يطرحني الله غدا في النار ولا يبالي".

لله در العيون الدامعة التي من خشية الله تساقطت على الخدود.

لما بكى معاذ رضي الله عنه بكائه الشديد، فقيل له: ما يبكيك ؟ قال: "لأن الله عز وجل قبض قبضتين واحدة في الجنة والأخرى في النار، فأنا لا أدري من أي الفريقين أكون" نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار.

وعن تميم الداري رضي الله عنه انه قرأ هذه الآية: (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) [الجاثية:21] فجعل يرددها إلى الصباح ويبكي.

وكان حذيفة رضي الله عنه يبكي بكاءً شديداً، فقيل له: ما بكاءك؟ فقال: "لا أدري على ما أقدم أعلى رضا أم على سخط" نسأل الله الرضا ونعوذ به من السخط.

وعن سعد عن أبيه قال: أتي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يوم بطعامه، فقال: "قتل مصعب بن عمير فكان خيرا مني فلم يوجد ما يكفن فيه إلا بردة، وقتل حمزة أو رجل أخر خيرا مني فلم يجد له ما يكفن فيه إلا بردة، لقد خشيت أن يكون قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا " ثم جعل يبكي.

وكان سعد بن الأخرم يمشي مع ابن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بالحدادين، وقد أخرجوا حديدا من النار، فقام ينظر إلى الحديد المذاب ويبكي؛ لأنه يخاف النار.

أيها المؤمنون: خطب أبو موسى الأشعري رضي الله عنه مرة الناس بالبصرة، فذكر في خطبته النار، فبكى حتى سقطت دموعه على المنبر، وبكى الناس يومئذ بكاءً شديداً.

وقال مسروق رحمه الله: قرأت على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) [الطور:27] فبكت، وقالت: "ربِّ مُنَّ وقني عذاب السموم".

وكان ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه إذا قرأ: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)[الحديد:16] كان ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه إذا قراها يغلبه البكاء.

وفي رواية يقول: "بلى آن .. بلى آن".

قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما كان بين إسلامنا وبين أن يعاتبنا الله بهذه الآية إلا أربعة سنين".

ووقف هذا الصحابي المتبع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ) [المطففين:1] فلما بلغ: (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين:6] بكى حتى خر وامتنع عن قراءة ما بعده.

كان عبد الله ابن رواحة إذا ذكر: (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا) [مريم:71] يبكي بكاءً شديداً، فيقول: "لا أدري أأنجو منه أم لا " الله أكبر.

لقد كانوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبكون من خشية الله، وكانت عيونهم دامعة، فأين في زماننا من يقتفي أثر الرسول صلى الله عليه وسلم ويستن بسنة أصحابه؟

قست القلوب، وغلب عليها الران، فلم تعد تبكي من خشية الله، ولم تعد العيون دامعة.

اشتكى سلمان الفارسي فعاده سعد بن أبي وقاص فرآه يبكي، فقال له سعد: "ما يبكيك يا أخي أليس قد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أليس .. أليس ؟" قال سلمان: "ما أبكي واحدة من اثنتين: ما أبكي ظنا للدنيا ولا كراهية للآخرة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهد فما أراني إلا قد تعديت" قال: "وما عهد إليك؟" قال: "عهد إلي أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب ولا أراني إلا قد تعديت وأما أنت يا سعد فاتق الله عند حكمك إذا حكمت وعند قسمك، إذا قسمت وإذا همك إذا هممت" قال ثابت: "فبلغني أنه ما ترك إلا بضع وعشرين درهم من نفقة كانت عنده" كما روى ابن ماجه.

الله أكبر .. هذا الذي ترك وكيف بنا ونحن قد تعلقنا بالدنيا، ولهثنا ورائها، فأصبحت همنا الذي نريد ألا نزول عنه.

أسأل الله ألا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا.

عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب: "إن الله أمرني أن أقرؤك القرآن" قال: "ألله سماني لك؟" قال: "نعم" قال: "وقد ذكرت عند رب العالمين؟" قال: "نعم" فذرفت عيناه، وجعل يبكي رضي الله عنه وأرضاه.

أيها المسلمون: عتب يزيد الرقاشي على كثرة بكاءه وقيل له: لو كانت النار خلقت لك ما زدت على هذا، قال: "وهل خلقت النار إلا لي ولأصحابي ولإخواني من الجن والإنس".

وكان بعض الصالحين يبكي ليلا ونهارا، فقيل له في ذلك، فقال: "أخاف أن الله تعالى رآني على معصية فيقول مر عني فإني غضبان عليك".

وكان إسماعيل بن زكريا يروي حال حبيب بن محمد وكان من جيرانه يقول: "كنت إذا أمسيت سمعت بكاءه، وإذا أصبحت سمعت بكاءه، فأتيت أهله، فقلت: ما شأنه! يبكي إذا أمسى ويبكي إذا أصبح؟" قالوا: "يا خاف والله إذا أمسى ألا يصبح وإذا أصبح ألا يمسي".

الله أكبر ..

ولما سئل أحد السلف: ما هذا الحزن؟ قال: "ويحك الموت في عنقي، والبيت بيتي، وفي القيامة موقفي، وعلى جسر جهنم طريقي، ما أدري ما يصنع بي".

وكان فضالة بن صيفي كثير البكاء، فمر عليه رجل وهو يبكي، فقال لزوجته: ما شأنه ؟ قالت: "زعم أنه يريد سفرا بعيدا وما له زاد " وهذه الدنيا دار سفر، دار ارتحال، دار مقيل فاستعدوا بالزاد يا عباد الله استعدوا بالزاد.

حضر أناس عند عمر بن عبد العزيز وهو أمير على المدينة فقرأ رجل عنده: (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا) [الفرقان:13] فبكى حتى غلبه البكاء، وعلا نشيجه، فقام من مجلسه فدخل بيته، وتفرق الناس.

ودخل رجل على سفيان الثوري فوجده رافعا بصره إلى السماء يقرأ في بيته: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم) فيقول: بلى يا ربي .. بلي يا ربي، وينتحب وينظر إلى سقف البيت ودموعه تسيل ما انتبه للذي بجواره.

الله أكبر يا عباد الله: لقد كانوا يحسون بمراقبة الله، وقد كانوا يخافون الله في السر والعلن، قلوبهم كانت رقيقة ولم تكن قاسية، ولذلك كانت عيونهم دامعة.

قال ابن القيم في بدائع الفوائد رحمه الله: "متى أقحطت العين من البكاء من خشية الله تعالى، فاعلم أن قحطها من قسوة القلب، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي".

وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله بقوله: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها".

أيها المسلمون: إذا كثرت الذنوب وغلب الران على القلوب حضر عندنا قول الله تعالى: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين:14].

قال صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صُقِل قلبه وإن زاد زادت حتى تَعْلُوَا قلبه فذالك الران الذي ذكر الله في كتابه: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)".

ولما قال عقبة بن عامر كما عند الترمذي وهو حسن قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك".

فأين الذين يبكون على خطاياهم؟ وأين الذي تصبح عيونهم دامعة وتمسي؟

إنهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين يقومون أناء الليل وأطراف النهار ويبكون من خشية الله؟ إنهم يبكون حبا لله، ويبكون خوفا من الله، ويبكون رجاء فيما عند الله، يبكون للحب، ويبكون من الخوف، ويبكون للرجاء!!

أيها المؤمنون: لقد قال أبو سليمان الدراني كما ذكر ابن كثير في ترجمته في البداية والنهاية: "لكل شيء علم وعلم الخذلان ترك البكاء من خشية الله، فإذا خذل الله العبد سلبه هذه الخصلة المباركة، وصار شقيا، قاسي القلب، جامد العين، فالمحب يبكي شوقا لمحبوبه، والخائف يبكي خوفا من فراقه وخشية فراقه، والراجي يبكي لحصول مطلوبه، فإذا أحببت الله دعاءك حبه للبكاء شوقا إليه، وإذا خفت منه دعاك خوفه للبكاء من خشيته وعقابه، وإذا رجوته دعاك رجاءه للبكاء طمعا في رضوانه".

أسأل الله أن يعفو عنا وأن يرضى، وأن يرفع عنا البلاء وأن يرزقنا الثواب.

أيها المسلمون: لما رسول الله صلى الله عليه وسلم السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ذكر: "ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" ذكر الله محبا أو خائفا أو راجيا، ففاضت عيناه، فإذا اتصف المسلم بهذا فهو سعيد، وإلا فهو مخذول.

أيها المسلمون : اقرؤوا القرآن وابكوا من خشية الله، فإن وصف عباد الله العلماء الصالحين في كتابه يقول: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا)[الإسراء:107-109].

وكان الذين من قبل النبي صلى الله عليه وسلم يبكون إذا سمعوا القرآن يهودا أو نصارى، وهي بشرى للمتقين منهم أنهم يسلمون، وهو الذي حصل كما في قول الله تعالى: (وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ) [المائدة:83].

وقال الله عنهم: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) [مريم:58].

ألم تسمعوا قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ  * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[المطففين:29-36].

أيها المؤمنون: تمر الآيات بالمسلمين فلا يتعظون/ ولا تدمع عيونهم فأين الإتباع؟!

قال الله تعالى: (هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى * أَزِفَتْ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ * أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا)[النجم:56-62].

لقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبكون وكانت عيونهم دامعة، كانوا يخافون الله ويخشونه ولقد كان السلف من بعدهم على هذه الحال يبكون.

قال إبراهيم بن الأشعث سمعت فضيل يقول ذات ليلة وهو يقرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم ويبكي ويردد الآية: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [محمد:31] وجعل يقول: وتبلو أخبارنا! إن بلوت أخبارنا فضحتنا، وهتكت أستارنا! إن بلوت أخبارنا أهلكتنا وعذبتنا!

فالله أكبر .. مع صلاحهم وعلمهم وحسن عملهم يخشون في السر والعلن، وعيونهم دامعة، فأين هي العيون الدامعة؟!

عن صفية أن امرأة أتت عائشة تشكو إليها القسوة، فقالت: "أكثري ذكر الموت يرق قلبك وتقدرين على حاجتك " قالت: ففعلت فوجدت أن قلبها رق، فجاءت تشكر أم المؤمنين رضي الله عنها.

كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول في حكمة عظيمة ويقول في حكمة تدل على معرفة بالكتاب والسنة، وبهدي خير الأمة: "أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمل دنيا والموت يطلبه، وغافل ليس بمغفول عنه، وضاحك ملء فِيهِ لا يدري أرضي عنه أم سخط، وأبكاني فراق أحب الأحبة محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه، وهول المطلع والوقوف بين يدي الله يوم تبدو السريرة علانية، فلا يدري إلى الجنة أم إلى النار".

وكان سعيد بن جبير يقول: "لو فارق ذكر الموت قلوبنا ساعة لفسدت قلوبنا".

فأين الذين يتذكرون الموت في كل ساعة، فترق قلوبهم وتخشع، وتدمع عيونهم، وتصبح عيونهم، بإذن الله دامعة من خشية الله.

أرق الناس قلوبا، أقلهم ذنوبا، وكلما قلت ذنوب العبد كلما رق قلبه، وصفى وخشع ودمعت عينه، لما حضرت محمد بن سرين الوفاة بكى، فقيل له: ما يبكيك ؟ فقال: "أبكي لتفريطي في الأيام الخالية، وقلة عملي للجنة العالية، وما ينجيني من النار الحامية" نسأل الله العافية والسلامة.

احتضر الخليفة هشام بن عبد الملك فنظر إلى أهله يبكون حوله، فقال هشام: "جاء هشام إليكم بالدنيا، وجئتم له بالبكاء، ترك لكم ما جمع، وتركتم له ما حمل، ما أعظم مصيبة هشام إن لم يرحمه الله" أسأل الله أن يرحمنا جميعا.

لاَ تَضْحَكْ مَعَ السُّفَهَاءِ يَوْماً

فَإِنْكَ سَوْفَ تَبْكِي إِنْ ضَحِكْتَا

وَمَنْ لَكَ بِالسُّرُورِ وَأَنْتَ رَهْنٌ

وَمَا تَدْرِي أَتُفْدَى أَمْ غُلِلْتَا ؟

ولو بكت الدما عيناك خوفا

لذنبك لم أقل لك قد أمنتا

ومن لك بالأمان وأنت عبد

أُمرت فما ائتمرت ولا أطعتا

أيها المسلمون: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلا فَزُورُوهَا، فَإِنَّهَا تُرِقُّ الْقَلْبَ، وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ، وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ، وَلا تَقُولُوا هُجْرًا".

أيها الأحباب: وزار النبي صلى الله عليه وسلم القبور، ووقف عندها، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه يبكي إذا وقف على القبر.

أسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا من أهل العيون الدامعة الخائفة من الله التي تخاف الله سرا وعلنا.

اللهم ارزقنا خشيتك في السر والعلن.