البحث

عبارات مقترحة:

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

داء الحسد وخطره على الفرد والمجتمع

العربية

المؤلف عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات
عناصر الخطبة
  1. الحسد من أخطر أمراض القلوب .
  2. الحسد هو السبب الرئيس للجرائم على الأرض .
  3. الحاسد عدو لنفسه ولنعمة الله عليه .
  4. الحسد ينطوي على عدم الرضا بقضاء الله وقدره .
  5. الحسد يأكل الحسنات .
  6. أضرار الحسد ومخاطره على الحاسد وعلى المجتمع .
  7. علاج الحسد .

اقتباس

خصلة ذميمة، وخلة مشينة من خصال القلوب وخلالها، جاء ديننا الإسلامي بالتحذير منها والنهي عنها، وبيان خطورتها على الأفراد والمجتمعات، ألا وهي خصلة الحسد, فالحسد شر ووباء، وداء فتّاك، إذا سرى في الإنسان أفسده وأضر به أيما ضرر...

 

 

 

 

الحمد لله المنان المتفضل، والله ذو الفضل العظيم، أحمده سبحانه على نعمه الكثيرة، وعطاياه العديدة، وعلى فضله العميم, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إن ربي على صراط مستقيم, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المتحلي بكل أدب رفيع، وخلق كريم، صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الغر الميامين. 

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى واشكروه على نعمه؛ فإن الله -جل وعلا- تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وبالعذاب الأليم لمن كفر.

عباد الله: إن ديننا الإسلامي دين صلاح وإصلاح, دين تربية وأدب, دين خلق وسمو ورفعة، جاء بتزكية القلوب وتطهيرها، وتنقية النفوس وتصفيتها، وإصلاح الظاهر والباطن, دين جاء بالصلاح والإصلاح، والزكاء والرفعة، يطهر القلوب من أدرانها، والنفوس من أدغالها، ويطهر الظاهر والباطن، وفي دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها". وفي القرآن الكريم يقول الله -جل وعلا-: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس: 9–10].

عباد الله: إن العبد المؤمن في هذه الحياة مطالب بإصلاح باطنه كما هو مطالب بإصلاح ظاهره, وكما أن الظاهر يحصل له أنواع من الأمراض والأسقام، فكذلك باطن الإنسان يتعرض لأنواع من الأضرار والأسقام, والعبد مطالب بأن يجاهد نفسه على إصلاح ظاهره وباطنه, وعندما يتأثر الباطن -عباد الله- فإن الظاهر تبع له في صلاحه وفساده، كما قال نبينا -عليه الصلاة والسلام-: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". ولهذا -عباد الله- كان متأكدًا على كل مسلم أن يفتش عن قلبه، وأن يتأمل في نفسه، وأن يتدبر في أخلاقه الباطنة، هل هي أخلاق زاكية وأعمال فاضلة، أم هي بخلاف ذلك؟! فيصلح ما فسد ويحافظ على ما صلح.

عباد الله: خصلة ذميمة، وخلة مشينة من خصال القلوب وخلالها، جاء ديننا الإسلامي بالتحذير منها والنهي عنها، وبيان خطورتها على الأفراد والمجتمعات، ألا وهي خصلة الحسد, فالحسد شر ووباء، وداء فتّاك، إذا سرى في الإنسان أفسده وأضر به أيما ضرر, الحسد -عباد الله- شر يُتعوذ بالله منه: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) [الفلق: 5]، الحسد -عباد الله- جاء في النهي عنه والتحذير منه نصوص متكاثرة، وأحاديث متضافرة؛ يقول -عليه الصلاة والسلام-: "لا تحاسدوا"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والحسد"، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

والحسد -عباد الله- صفة الأشرار من الخلق، ولهذا حسد إبليس قديمًا أبانا آدم، حسده على ما أتاه الله من النعمة والفضل، منَّ الله على آدم بما منَّ عليه من الفضائل، حيث خلقه بيده، وأسجد له ملائكته، وأسكنه جنته، وعلمه أسماء كل شيء، فحسده إبليس، وما زال به في الجنة حتى خرج منها.

الحسد -عباد الله- هو الذي أفضى بأحد ابني آدم إلى قتل أخيه حسدًا وعدوانًا، الحسد -عباد الله- صفة اليهود الأشرار، حسدوا نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- على ما اصطفاه الله به، وعلى ما اجتباه الله به، وعلى ما منَّ الله عليه به من النبوَّة والرسالة، فحسدوه على ذلك، وامتنعوا من قبول دعوته؛ لا لشيء إلا للحسد, حسدوا أمته -عليه الصلاة والسلام- فأضمروا لهم كل عداوة، وأكنُّوا لهم كل بغضاء: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ) [البقرة: 109]، ويقول الله -جل وعلا-: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء: 54].

والحاسد -عباد الله- عدو لنعمة الله، لا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال، ولا يطمئن له خاطر، ولا يزول عنه هم وغم، إلا إذا رأى النعمة زالت وارتحلت، ولم تَبْقَ بين يدي مَنْ أمامه.

الحاسد -عباد الله- مثله كما قال أحد أهل العلم: "كمثل أفعى مليئة بالسم، لا يرتاح بالها ولا يهدأ خاطرها حتى تفرغ سمها، وحينئذ يهدأ البال ويرتاح الخاطر".

الحاسد -عباد الله- عدو لنعمة الله على عباده، لا يرضى قسمة الله، ولا يرضى بحكمة الله، ولا يرضى بتدبيره -جل وعلا-، فإذا رأى الله أنعم على عبده بنعمة، ومنَّ عليه بمنَّة، وميَّزه بميزة، امتلأ قلبه حسدًا وكراهية وبغضاء؛ لذلك فإن أعظم أوصاف الحاسد أنه عدو لنعمة الله على عباده.

الحاسد -عباد الله- لا يرضى بأقدار الله، ولا يرضى بتدبيره -سبحانه-.

والحاسد -عباد الله- لا يقنع بحكمة الله، فإذا أنعم الله على عبد بنعمة عن حكمة بالغة وتدبير سابغ كره ذلك وأبغضه، وامتلأ قلبه غيضًا وحنقًا.

الحاسد -عباد الله- من حسده أن قلبه يمتلأ بغضاء للمحسود، وربما حمله حسدُه على البغي والعدوان والظلم والقتل وأنواع ذلك، كما مرّ معنا في قصة قتل أحد ابني آدم أخاه حسدًا وبغيًا.

الحاسد -عباد الله- يبغض المحسود، فتحمله البغضاء على البغي والظلم والعدوان وغير ذلك من أنواع الآثام، وتأمّلوا ذلك، في الحديث يقول -عليه الصلاة والسلام-: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا". فالتناجش -عباد الله- والبغضاء والبيع على بيع الأخ وغير ذلك من الأعمال، كلها في الغالب أثر من آثار الحسد، ونتيجة من نتائجه المشينة.

الحاسد -عباد الله- يمتلئ قلبه بغِلٍّ مشين، وحقد دفين، فلا يزال يأكل بعضه بعضًا؛ ولهذا قيل في الحسد: إنه كالنار؛ يأكل بعضها بعضًا إن لم تجد ما تأكله.

ومن آثاره -عباد الله- أنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، كما صح بذلك الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، نعم -عباد الله- إن الحاسد شغله حسده عن شكر الله على نعمائه، والاعتراف لله بقدره وقضائه، ولا يزال بهمه وحسده مغمومًا، وبغِله وحنقه وغيظه متماديًا، لا يزال على هذه الحال ماضيًا، فهو عن الطاعات بعيد، ومن المعاصي قريب، ومن العدوان والإثم ونحو ذلك من الآثام قريب منها وقريب من فعلها بسبب حسده.

الحسد -عباد الله- يترتب عليه أضرار كثيرة، وأخطار عظيمة، وأضرار جسيمة، على الحاسد نفسه وعلى أمة الإسلام والمجتمع المسلم. فالحسد -عباد الله- ينشر في المجتمع غلاًّ وبغضاء وتفككًا وعدم ترابط، ينشر بغيًا وعدوانًا، يفكّك بين الأسر المترابطة والبيوت المجتمعة، ويفرق بين الناس, وله من الآثار الجسيمة والأخطار العظيمة ما لا حد له ولا عد، وعندما يتأمل الحاسد -عباد الله- في النتائج التي يحصّلها، والآثار التي ينالها من حسده لا يجد شيئًا، لا يجد ثمارًا نافعة، ولا فوائد حميدة، وإنما يجد -عباد الله- آثارًا سيئة، وحصادًا مرًّا في الدنيا والآخرة, إن حسد إنسان غيره فليتأمل فيمن حسده: إما أن يكون عبدًا اجتباه الله وفضله بنعمة تكرمًا وإنعامًا، فكيف يحسد عبدًا على نعمة الله عليه؟! وإما أن يكون الله أعطاه النعمة استدراجًا وامتحانًا، وربما يكون مصيره إلى عاقبة وخيمة، فعلام يحسده؟! ولمَ يطلب ما عنده وهذه نهايته وأثره؟!

فالواجب -عباد الله- على كل مؤمن أن يقنع بما أتاه الله، وأن يحمد الله -عز وجل- على فضله، وأن يسأله سبحانه من فضله العظيم وخيره العميم، يقول الله تعالى: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [ النساء: 32 ].

نسأل الله -عز وجل- من فضله، ونعوذ به -جل وعلا- من الحسد والبغضاء، ومن كل خلق مشين، وكل عمل ذميم، ونسأله -جل وعلا- أن يعيذنا من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا؛ إنه -تبارك وتعالى- سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على فضله وجوده وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وأعوانه.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.

عباد الله: ويندفع شر الحاسد عن المحسود بإخلاص التوحيد لله، وحسن التوكل على الله، وتمام المحافظة على عبادة الله، والعناية بالأذكار المطلقة والمقيدة؛ أذكار الصباح والمساء، وأدبار الصلوات، وأذكار النوم، وغير ذلك من الأذكار الواردة في السنة؛ فهي حصن حصين، وحرز متين, وبالصدقة والبذل في وجوه الخير، وبسخاء النفس وطيب المعاملة وكريم المعاشرة، وبملازمة الأخلاق الحميدة، والخصال الفاضلة، وبالتعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم، ومن شر الحاسد إذا حسد، فكل ذلك -عباد الله- مما يندفع به شر الحاسد.

وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا". اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي, وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين.

اللهم آمنّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، وسدده في أقواله وأعماله، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك، واتباع شرعك، واجعلهم رحمة على رعاياهم يا رب العالمين.

اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل، ومن الهم والحزن، ونعوذ بك من قهر الدين وغلبة الرجال.

اللهم إنا نعوذ بك من شر ما علمنا، ونعوذ بك اللهم من شر ما لم نعلم، اللهم إنا نعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم, ونسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.

اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا، واجعلنا مباركين أينما كنا.

اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم اسقنا وأغثنا, اللهم اسقنا وأغثنا, اللهم اسقنا وأغثنا, اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.

اللهم رحمتك نرجو، فلا تكلنا إلا إليك يا ذا الجلال والإكرام.

عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه وآلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.