المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
العربية
المؤلف | علي عبد الرحمن الحذيفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المهلكات |
فالغيبةُ والنميمة عار ونار، صاحبُها ممقوت، وعلى غير الجميل يموت، تنفر منه القلوب، وتكثر فيه العيوب، قد نهى الله عنها في قوله تعالى: (ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ ?جْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ ?لظَّنّ إِنَّ بَعْضَ ?لظَّنّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَ?تَّقُواْ ?للَّهَ إِنَّ ?للَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)، وهذا النهي في غاية التنفير من الغيبة ..
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
عباد الله: إن كبائرَ الذنوب هي سببُ كلِّ شقاء وشرٍّ وعذاب في الدنيا وفي الآخرة، وشرُّ الذنوب والمعاصي ما عظم ضرره، وزاد خطره. وإن من كبائر الذنوب والمعاصي الغيبةَ والنميمة، وقد حرمها الله في كتابه وعلى لسان رسوله –صلى الله عليه وسلم-؛ لأنها تفسد القلوبَ، وتباعد بينها، وتزرع الشرورَ، وتورِث الفتن، وتجرُّ إلى عظيمٍ من الموبقات والمهلكات، وتوقع بصاحبها الندمَ في وقت لا ينفعه الندم، وتوسِّع شقةَ الخلاف، وتنبت الحقدَ والحسد، وتجلب العداواتِ بين البيوت والجيران والأقرباء، وتنقص الحسناتِ، وتزيد بها السيئات، وتقود إلى الهوان والمذلَّة.
فالغيبةُ والنميمة عار ونار، صاحبُها ممقوت، وعلى غير الجميل يموت، تنفر منه القلوب، وتكثر فيه العيوب، قد نهى الله عنها في قوله تعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ الظَّنّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [الحجرات: 12]، وهذا النهي في غاية التنفير من الغيبة؛ فقد شبه الله المغتابَ للمسلم بمن يأكل لحمه ميتًا، فإذا كان المغتاب يكره أكلَ لحم أخيه وهو ميت، وينفر منه أشدَّ النفور، فلا يأكلْ لحمَه وهو حي بالغيبة والنميمة، فإن الغيبة كأكل لحمه حيًّا. ولو تفكر المسلم في هذا التشبيه لكان زاجرًا عن الغيبة كافيًا في البعد عنها.
ومعنى الغيبة ذكرُك المسلمَ بما يكره في حال غيبته؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتدرون ما الغيبة؟!"، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذكرُك أخاك بما يكره"، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟! قال: "إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبتَه، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه". رواه مسلم. أي: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته بأن وقعتَ في الغيبة المنهيِّ عنها، وإن كان بريئًا مما تقول فيه فقد افتريت عليه.
وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال يوم النحر بمنى: "إن دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟!". متفق عليه.
فاحفظوا -أيها المسلمون- ألسنتَكم من هذه الغيبة الشنيعة، ومن هذه المعصيةِ الوضيعة، فقد فاز من حفظ لسانَه من الزلات، وألزم جوارحَه الطاعات، عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من يضمن لي ما بين لحيَيه وما بين رجليه أضمن له الجنة". متفق عليه.
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: أي المسلمين أفضل؟! قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده". رواه مسلم.
وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: ما النجاة؟! قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعْك بيتك، وابك على خطيئتك". رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن".
واحذروا عثراتِ اللسان، ولا تطلقوا له العنان؛ فإن اللسان يوقع في الموبقاتِ والدركات، ويورث الحسراتِ والآفات، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أصبح ابنُ آدم فإن الأعضاءَ تكفّر اللسان تقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوجَجت اعوججنا". رواه الترمذي.
وعن معاذ -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: "لقد سألتَ عن عظيم، وإنه ليسيرٌ على من يسَّره الله عليه، تعبُد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاةَ، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجُّ البيت إن استطعت إليه سبيلاً"، ثم قال: "ألا أدلُّك على أبواب الخير؟! الصوم جنة، والصدقة تطفِئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النار، وصلاة الرجل من جوف الليل"، ثم تلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [السجدة:16، 17]، ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروةِ سنامه؟!"، قلت: بلى يا رسول الله، قال: "رأس الأمر الإسلام، وعمودُه الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله"، ثم قال: "ألا أخبرك بملاكِ ذلك كله؟!"، قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: "كفَّ عليك هذا"، قلت: يا نبي الله: وإنا لمؤاخذون بما نتكلَّم به؟! فقال: "ثكلتك أمُّك، وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم؟!". رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لما عُرج بي مررتُ بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوهَهم وصدورَهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟! قال: هؤلاء الذين يأكلون لحومَ الناس، ويقعون في أعراضهم". رواه أبو داود.
فلا تستسهل -أيها المسلم- إثمَ الغيبة، ولا تستصغرْ شأنَها، ولا تحتقرها، فذنبها عظيم، وخطرها جسيم، قال الله تعالى: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور:15].
وقد كان أبو بكر -رضي الله عنه- يأخذ بلسانه، ويقول: "هذا الذي أوقعني وأرداني في المهالك". لتواضعه، وشدة محاسبته لنفسه -رضي الله عنه-.
فالغيبة فشا ضررُها، وكثر خطرُها، وصارت مائدةَ المجالس، وفاكهة المسامرة، وتنفيسَ الغيظ الغضب والحقد والحسد، وقد يظنُّ المغتاب أنه يستُر بالغيبة عيوبَه وأنه يضرُّ من اغتابه، وما علم أن أضرارَ الغيبة وشرورَها على صاحبها، فإن المغتابَ ظالم، والمتكلَّم فيه مظلوم، ويوم القيامة يوقَف الظالم والمظلوم بين يدي الله الحكمِ العدل، ويناشِد المظلومُ ربَّه مظلمتَه، فيعطي الله المظلومَ من هذا المغتاب الظالم حسناتٍ، أو يضع من سيئات المظلوم فيطرحُها على المغتاب بقدر مظلمة الغيبة، في يومٍ لا يعطي والدٌ ولدَه حسنة، ولا صديق حميم يعطي صديقه حسنة، كل يقول: نفسي نفسي.
وفي الحديث: "الربا نيف وسبعون بابًا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمَّه، وإن أربى الربا استطالةُ المسلم في عرض أخيه المسلم".
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "من ردَّ عن عرض أخيه ردَّ الله عن وجهه النارَ يوم القيامة". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".
فانهوا المغتابين عن أعراضِ المسلمين، وذكِّروهم بالله -تبارك وتعالى- أن يتمادَوا في معصيته؛ فإن لكلِّ قولٍ حسابًا عند الله -عز وجل-، قال الله تعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70، 71].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وبقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ذي الجلال والإكرام، والعزةِ التي لا ترام ولا تضام، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عزيزٌ ذو انتقام، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى دار السلام، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الأئمة الأعلام.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون-، فمن اتقى الله وقاه العذاب، وضاعف له الثواب.
قال الله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَـانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:16-18].
عباد الله: إن الغيبةَ والنميمة كبيرةٌ من الكبائر، زيَّنها الشيطان للإنسان، فوقع بها في شراكه ومكرِه، وظلم بها المسلم نفسَه.
وإن النميمةَ نوع خبيث من أنواع الغيبة، فالنميمة نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض للإفساد بينهم، قال الله تعالى في ذم النمام: (وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) [القلم:10-12]، وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة نمام". متفق عليه.
فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وحاسبوا أنفسَكم قبل أن تحاسَبوا، وزنوها قبل أن توزنوا.
أيها المسلمون: إن أهلَ العلم بيَّنوا أنَّه يجوز للمظلوم أن يذكُر ظلامتَه لولي الأمر، من أمير وقاضٍ ونحوهما، ويجوز لمن رأى منكرًا أن يرفعَه لمن له ولاية وقدرةٌ على التغيير وزجر للعاصي، ويجوز للمستفتي أن يذكرَ ما وقع عليه من ظلم للمفتي؛ ليبيِّن له وجهَ الحق، ويجوز لمن شاورك في أحد أن تذكر له بعضَ حاله، ولا يجوز أن تخفي عنه ما يوقعه في الغرر والخديعة، فهذه الأنواع ذكر أهل العلم أنها تُباح فيها الغيبة لأجل الضرورة ولما أباحه الشرع والدليل، وما سوى ذلك من الأمور التي فيها غيبة بالتشهي وفيها ظلم وعدوان فإن ضرر ذلك على المغتاب لا على من ظُلم، فاتقوا الله عباد الله.
أيها المسلمون: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، وقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا"، فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم...