العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
العربية
المؤلف | سليمان الحربي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
إن هذه المسألةَ -أعني تعَلُّمَ خِصال الإيمان- والَّتي هي جوامعُ الأخلاقِ، مسألةٌ هُمِّشَتْ في زماننا عند المرَبِّين والآباءِ والأمهاتِ، فبِقَدْر ما ترَى الأبَ حريصًا على تعلِيمِ وَلَدِه القرآنَ وتحفيظِه إيَّاه، تجِدُه غَافِلًا عن تمرينِه وتعليمِه على خِصَال الْخَيْرِ والأَخْلَاقِ مُنذُ نعومةِ أظفارِه، فَضْلًا عمَّن يُربِّي ولدَه على غيرِ ذَلِك...
إنَّ الحمدَ لله؛ نحمدُه وَنستَعِينُه ونسْتغْفِرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرُورِ أنفُسِنا وسَيِّئاتِ أعمالِنا، مَن يَهْدِه اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه، ومَن سَار على نهجِه، واقْتَفَى أثرَه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ: فاتقوا الله -أيها المسلمون- حقَّ تقاتِه، (وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
مَعشَرَ المصَلِّينَ: يزدادُ الْعَجَبُ وتَظْهَر الدهشةُ حينما تَرى كافِرًا لا يرجو الآخرةَ يُمارِس خُلُقًا إنسانيًّا جميلًا، حِينما ترى وَفاءَه، أو ترى صِدْقَه وانْضِباطَه في عملِه، هي ولا شكَّ أخلاقٌ فُطِرت النُّفوسُ على حبِّها؛ ولهذا لا غرابةَ أن يشْتَرِكَ العقلُ الإنسانيُّ في محاولَةِ التحلِّي بها، ولهذا ما أروعَ وأعذَبَ ما حدَثَ لامرأةِ العزيزِ مع يوسف -عليه السلام- فقد أحبَّتْه حُبًّا شديدًا، فاق الوصفَ، فلما حدَثَ منها ما حدَثَ، وفتحَ العزيزُ البابَ، ورَأى ما رَأى، خافت عليه من عُقُوبَةِ العزيزِ، فبادَرَتْ بتحديدِ الْعِقابِ المأمونِ، حتى لا يتَعَجَّلَ العزيزُ بقتْلِه، فقالت: (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[يوسف: 25].
وكم كانت عجيبةً بهذا اللفظ الموجَزِ! فهي لم تَقُلْ ما جزاءُ يوسف الذي أرادَ بي سوءًا؟ فلم تَكْذِبْ عليه، وإنما سألت مُعَرِّضَةً، ثم تأمَّل قولها: (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ) ولم تَقُلْ فَعَلَ، وإنما بَرَّأَتْه أن يكُونَ حدثَ شيءٌ بينهما؛ وبسبب هذه المقولَةِ عُوقب بالسَّجْن.
فَهِي تكلَّمَتْ أمامَه مُعَرِّضَةً على مَرْأى منه ومَسْمَعٍ، ولكنَّها لما سُئِلت عن الحادثةِ في مَغِيبِه عجزَتْ نفسُها أن تكْذِبَ عليهِ، وأن تُعَرِّضَ مرةً أخرى في حال غيابِه، فما كان منها إلا أن قالت الحقيقةَ، قال الله: (قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ)[يوسف:51-52]، فَمَنَعها مِن الْكَذِبِ مرةً ثانيةً أن يُوسُفَ غيرُ شاهدٍ وحاضرٍ، والله لا يهدي كيد الخائنين.
إن هذه التربيةَ للنَّفْس بحمْلِها على الفضائلِ، حتى مِمَّن لا يَدِين بالثواب الأُخْرَوِيِّ، مطلبٌ روحيٌّ تعشقه النفسُ الإنسانيةُ؛ ولهذا تتَّفِق العلومُ الإنسانيَّةُ على وُجُوبِ تعلُّمِ هذه الفضائِلِ والسَّجايَا.
ونظرَةٌ إلى رسولِنا -صلى الله عليه وسلم- قبلَ أن يَنْزِل عليه الوَحْيُ: ماذا كانت خصالُه وسجاياه؟ تذْكُر لنا أمُّنا خديجةُ -رضي الله عنها- بأدَقِّ وصفٍ لحالِه -صلى الله عليه وسلم-، كما في الصحيحين من حديث عائشةَ -رضي الله عنها- لما نزَلَ علَيْه جبريلُ في غار حِرَاء، ورأى رسولُ اللهِ ما رَأى، رجع رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ترجف بوادِرُه وفُؤادُه حتى دخَلَ على خديجةَ، فقال: "زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي"؛ فَزمَّلُوه حتى ذهب عنه الرَّوْع. قال لخديجةَ: "أَيْ خَدِيَجَةُ! مَا ِلي لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي". فأخبرها الخبرَ، قالت خديجةُ: "كلا أبشر، فو الله لا يُخْزيك الله أبدًا، فوالله إنك لَتَصِل الرِّحِمَ، وتصدق الحديثَ، وتحمل الْكَلَّ، وتُكْسِب المعدومَ، وتقري الضيفَ، وتُعِين على نوائب الحق"(أخرجه البخاري:4).
كَمْ هي مُلْهَمَةٌ هذه الزوجةُ؟! عرفت أمُّنا خديجةُ بفطرَتِها أنَّ اللهَ لا يُخْزِي مَن استقام على دينه، وتقرَّب إليه. ها هي تقول له: "كلا" هذا تأكيدٌ للنفي، ثمَّ بشَّرته، وطيَّبَت خاطِرَه، فقالت له: "أبشر"، ثم أقسمت فقالت: "والله لا يخزيك الله"، ولم تَكْتَفِ بهذَا، بل أبَّدَتْه ونفته مَدَى الدَّهْر، هذا خُلُقُه -صلى الله عليه وسلم- قبلَ أن يَنْزِل عليه الوحيُ، فزوجة العزيز تقول: (وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ)، وخديجة تقول: "كَلَّا، واللهِ لا يُخْزِيك الله أبدًا"، توافق صحيح بينهما.
مَعْشَرَ الإِخْوةِ: خِلالُ الأخلاقِ هي ما تنطبع في النفس وتنصبغ بها، فإنها إذا كانَتْ معَ الإيمان أثمرت ثمارًا يانعةً رائعةً، ولنَنْظر إلى رسولِنا -صلى الله عليه وسلم- كما وصفتْه عائشةُ -رضي الله عنها- كما في صحيح مسلمٍ، عن سعدِ بْنِ هشامٍ، قال: "قلتُ: يا أمَّ المؤمنينَ! أَنْبِئِيني عن خُلُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ألستَ تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإن خُلُقَ نبيِّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كان القرآن"(أخرجه مسلم: 746).
فمَا أخلاقُ القرآنِ؟ أليست هي كلَّ فضائل النَّفْسِ مِن الصِّدق، وعدمِ الغدر والخيانِة، وعدمِ الْكَذِب، وتعظيم الوالِدَيْن، ورحمة الصغير، واحترام الكبير، وعدم المجاهرة بالسوء، والتواضع، والكرم، وغير ذلك من الفضائل؟!
وقد لَخَّص رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الأمرَ بحديثٍ جامِعٍ، كما جاءَ في الصَّحِيحَيْن من حديث أبي هريرةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا"(أخرجه البخاري:3304). قال النووي -رحمه الله-: "ومعناه أنَّ أصحابَ المروءات ومكارمِ الأخلاق في الجاهليةِ إذا أسلموا وفَقِهوا فهم خِيار النَّاسِ"، وقال العينيُّ -رحمه الله-: "النَّاسُ معادِنُ كمعادنِ الذهب والفضة، وَوَجْهُ التشبيهِ اشتمالُ المعادِنِ على جَوَاهِرَ مختلفةٍ من نفيسٍ وخسيسٍ، كذلك الناسُ مَن كان شريفًا في الجاهليةِ لم يَزِدْه الإسلامُ إلا شرفًا، فإن تفَقَّه وَصل إلى غايةِ الشَّرَفِ، وكانت لهم أُصولٌ في الجاهليةِ يَسْتَنْكِفُونَ عَن كثيرٍ من الفواحش"(شرح النووي على مسلم: 15/ 135).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الأعراف: 199].
بَاركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونَفَعني وإياكُم بما فيه من الآياتِ والذِّكر الحكيم، أقولُ ما سَمِعْتُم، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائِرِ المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشُّكْرُ على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أنَّ لَا إله إلا اللهُ؛ تعظيمًا لشانِه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الدَّاعِي إلى جنَّتِه ورضوانِه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانِه.
أمَّا بَعْدُ: مَعْشَرَ الإِخْوةِ: إن هذه المسألةَ -أعني تعَلُّمَ خِصال الإيمان- والَّتي هي جوامعُ الأخلاقِ، مسألةٌ هُمِّشَتْ في زماننا عند المرَبِّين والآباءِ والأمهاتِ، فبِقَدْر ما ترَى الأبَ حريصًا على تعلِيمِ وَلَدِه القرآنَ وتحفيظِه إيَّاه، تجِدُه غَافِلًا عن تمرينِه وتعليمِه على خِصَال الْخَيْرِ والأَخْلَاقِ مُنذُ نعومةِ أظفارِه، فَضْلًا عمَّن يُربِّي ولدَه على غيرِ ذَلِك، مِن تعلُّم البيعِ والشِّراءِ، أو الأمورِ التقنيَّةِ، أو الحرصِ على تعليمِه والاهتمامِ بمُستواهُ الدراسيِّ، بَيْنَما لا تجِدُ ذَلك الاهتمامَ المساوِيَ لتعليمِه خِصَالَ الإيمانِ، ثُمَّ بَعْدَ ذلك نقول: ما بالُ أولادِنا؟! ما بال نَشْئِنا؟!
لماذا المجْتَمَعُ مُجْتَمَعٌ يحرص على نشْرِ الرذيلة؟ لِمَ تَكْثُر فيه علاقة المصالح؟ لِمَ النَّاسُ يَطيرون بالشَّائِعاتِ دون تَثَبُّتٍ ولا رَوِيَّةٍ؟ أسئلةٌ كثيرةٌ مِن أعظم أجْوِبَتِها هُو أَنَّنا لا نَعْلَمُ الإيمانَ وَخِصَالَه، ولَمْ نَحْرِصْ على تعليمِه لِأَوْلَادِنَا، وَمَنْهَجُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في تعليمِ أصحابِه القرآنَ هُو تَعْلِيمُ الإيمانِ أوَّلًا قبْلَ تعليم الأحْكَامِ.
وتأمَّلْ ما رَوَاه ابْنُ مَاجَه بإسنادٍ جيِّدٍ، عن جُنْدُب بنِ عبدِ الله -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا مع النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ونحن فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ" جمع: حزوّر، أو حزور، وهو الذي لم يَبْلُغْ بعدُ، "فتعلَّمْنا الإيمانَ قبْلَ أن نتعلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تعلَّمْنا القرآنَ، فازْدَدْنَا بِهِ إيمانًا"(أخرجه ابن ماجه: 61).
وعَنْ عبدِ الله بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قال: "تَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا إِيمَانًا، وَأَنْتُمْ تَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ ثُمَّ تَتَعَلَّمُونَ الْإِيمَانَ"(مجموع الفتاوى 16/229)، وعنه -رضي الله عنه- كما عند الحاكم، وقال: على شرط الشيخين، قال: "لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَإِنَّ أَحَدَنَا يُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنَ، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- فَنَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَآمِرَهَا وَزَاجِرَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ عِنْدَه مِنْهَا، كَمَا تَتَعَلَّمُونَ أَنْتُمُ الْيَوْمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ، فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَا يَدْرِي مَا آمِرُهُ وَلَا زَاجِرُه، وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهُ"(أخرجه الحاكم: 101).
إِذا كان هذا هو منهجُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ومنهجُ أصحابِه من بعدِه في التربيةِ، أَنْ يَبْدَأَ بالإيمان، بِخُلُقِ الإنسان معَ ربِّه، وخُلُقِه مع الناس بعامَّةٍ، وتعريفِ الصِّغَار بالحقوق؛ ولهذا، وبِكُلِّ أسفٍ، تجد في زَمانِنَا من لم يتمرَّنْ على كثيرٍ من الفضائل أبدًا.
وما أجملَ القصةَ الَّتِي رواها عُمَرُ بْنُ أبي سلمة في تعليمِه -صلى الله عليه وسلم- له، كما جاء في الصحيحين عن عُمَرَ بْن أبي سَلَمَةَ يقول: "كنت غُلَامًا في حجْرِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ - وفي روايةٍ: فجعلْتُ آخُذُ من لحمٍ حول الصحفة- فقال لي رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يا غُلَامُ! سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"؛ فما زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ"(أخرجه البخاري 5061).
وقال سعدُ بْنُ أبِي وقَّاصٍ -رضي الله عنه-: "كُنَّا نُعَلِّم أولادَنا مَغازِيَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- كما نُعَلِّمُهم السورةَ من القرآن"(الجامع لأخلاق الراوي 2/195).
وخِتَامًا أيها الإخوةُ: لَئِنْ كان الْغَرْبُ على كُفْرِه يُعلِّم العلومَ الإنسانيةَ، ويُدَرِّسُ كثيرًا من فضائل الأخلاق، وتجد منهم مَنْ يتمسَّكُ ببعض هذه المبَادِئ بدون مُحَفِّزٍ أُخْرَوِيٍّ، ولا باعثٍ رُوحِيٍّ، فكيف بنا -نحنُ المسلمين-؟! فعندَنا من المقوِّماتِ الَّتي تجعلُ هذه الأخلاقَ هي التي يرتفع صوتُها على أصوات النَّشَازِ، وهذا دَوْرُ الْوَالِدَيْن والمعلِّمين والمرَبِّين، عليهم أن يتمثَّلُوا هذه الأخلاقَ، عليهم أن يَصْدُقوا مع أنفسهم، أنْ يَكُونوا وِعاءً لِلْخُلُق الرَّفِيعِ؛ بعيدًا عن السفاسف وتدَنِّي الذَّاتِ.
فواللهِ! لو كَثُر قُدْوُاتُ الخيرِ لتأثَّر الصِّغَارُ، لَو صَدَقْنا آباءً ومُعَلِّمِينَ ومُرَبِّينَ بأخلاقِنا وَقُدْوَتِنا لظهر لنا جِيلٌ يعلو فيه الخيرُ على صوتِ الشرِّ، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يوسف: 21].
ثمَّ صلُّوا وسلِّمُوا على رسولِ الْهُدَى، وإمام الورى، فقد أمركم ربُّكم فقال -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِه وصحبه أجمعين، وارْضَ اللهُمَّ عن الخلفاء الراشدين، وَالأئِمَّةِ المهْدِيِّين أَبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وعليٍّ، وعنِ الصَّحابةِ أجْمَعين، وعنَّا معهم بعفْوِك وكَرَمِك يا أكرمَ الأكْرَمِين.