المولى
كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...
العربية
المؤلف | سامي بن خالد الحمود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
في الأيام الماضية شهدت بلادنا المباركة حدثًا غريبًا من نوعه، خطيرًا في آثاره، تناقلته الصحف المحلية والقنوات الفضائية، وثار فيه اللغط، وكثر فيه الغلط, الحدث: عرض أول فيلم سينمائي سعودي في صالة عامة في جدة برعاية إحدى القنوات الماجنة التي لم تشم رائحة الفضيلة في عمرها, واستمر العرض عدة أيام، وضلَّت فيه أفهام، وزلت فيه أقلام ..
في الأيام الماضية شهدت بلادنا المباركة حدثًا غريبًا من نوعه، خطيرًا في آثاره، تناقلته الصحف المحلية والقنوات الفضائية، وثار فيه اللغط، وكثر فيه الغلط.
الحدث: عرض أول فيلم سينمائي سعودي في صالة عامة في جدة برعاية إحدى القنوات الماجنة التي لم تشم رائحة الفضيلة في عمرها, واستمر العرض عدة أيام، وضلَّت فيه أفهام، وزلت فيه أقلام، وهذه بعض الوقفات حول الموضوع:
1/ لماذا السينما؟
في السنوات الأخيرة، ظهرت الدعوة إلى إنشاء دور للسينما في هذه البلاد المباركة، وتبنّى هذه الدعوة عدد من الكُتّاب في صحفنا المحلّيّة, وربما احتجوا ببعض الحيل والشبهات الباطلة كتعللهم بقلّة فرص الترفيه وترديد اسطوانتهم المعروفة (أين تذهب هذا المساء)، وأن السينما ستشغل أوقات الشباب بدلاً من التسكع في الأسواق، أو التفحيط في الشوارع, وهذه حجة باطلة، وهروب من الرمضاء إلى النار، ومداواة للحرام بالحرام، فما يعرض في صناعة السينما بوضعها الحالي، لا يقل سوءًا وخطرًا من الظواهر السيئة.
وإنك لتعجب من بعض هؤلاء الكتاب ممن يطالبون بحقوق الشباب وشغل أوقاتهم بالمفيد، وهو بالأمس يشنّ الحملات الشعواء على النشاطات المفيدة وحلق تحفيظ القرآن، والمراكز الصيفية، والمخيمات الدعوية التي يقضي فيها الشباب والشابات أنفع الأوقات، في وضح النهار، لا في ظلمة الليل، والسهر إلى ساعات متأخرة كما يريده المفسدون.
وربما احتجوا بأنّ ما سيعرض في هذه الدور موجود مثله أو أعظم منه في البيوت بعد انتشار الفضائيات، وهذا الاحتجاج ينم عن سذاجة وجهل أو تجاهل لمقاصد الشريعة من وجوب الحدِّ من المنكرات العامّة، ومنع إظهارها والدعوة إليها، فإنّ المنكر إذا خفي ولم يظهر، لم يضرّ إلا صاحبه كما هو الحال في الفضائيات الساقطة التي دخلت بعض البيوت، بخلاف ما إذا ظهر المنكر وصار معروفًا ومحميًّا بقوّة النظام, إلا إذا كان هؤلاء الكتاب يريدون فعلاً تنحية الشريعة عن الحياة وتحليل ما حرم الله، كما خرج أحد السفهاء المنبوذين قبل أيام معترضًا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعدد.
إن إقرار المنكر، وإعطاءه الشرعية، وإشاعته ودعوة الناس إليه سبب للعقوبة الجماعية كما جاء في الأحاديث الصحيحة، فإذا كان هؤلاء يحبّون هذا الوطن ويريدون سلامته وأمنه كما يتبجحون في مقالاتهم، فليجنبوه أسباب العقوبات العامّة والخاصة، وكفانا ما نحن فيه من تربص الأعداء، وعقوق بعض الأبناء.
ومن المضحك أن المطالبين بافتتاح دور السينما يغطون تلك المطالبة بالكلمة الفارغة المطاطة: وفق الضوابط الشرعية! مسكينة هذه الكلمة: الضوابط الشرعية.
من هم صناع الأفلام السينمائية اليوم؟ وماذا سيقدمون لنا؟ وها هي أفلامهم عبر القنوات الفضائية, وأين الضوابط الشرعية المزعومة من عمل مبني على الحرام، ويتولاه أهل الفساد والإجرام.
وعلينا أن نعي أن هؤلاء لن يكتفوا بفصل الرجال عن النساء كما عرض مؤخرًا، بل سيسعون جاهدين لأن يكون الرجال والنساء في قاعة واحدة كي لا تتمزق الأسرة الواحدة وتستمتع العائلة لمشاهدة فلم السهرة بجو أسري دافئ، كما يزعمون, والمسألة خطوات تدريجية كما صرح بعضهم.
ولاشك -يا عباد الله- أن تطبيع السينما داخل المجتمع السعودي المحافظ، يمهد لاختراق قيمي وأخلاقي خطير، إن الخطر لا يتعلق فقط بوجود صالة تعرض فيها بعض الأفلام، والتي ربما كانت أقل سوءًا من الأفلام التي يراها الناس عبر القنوات الفضائية، بل الخطر في تطبيع ثقافة السينما داخل البلاد، ودفعها للسير نحو طريق مظلم من الانحطاط الفني الذي لا تزال تعيشه الدول الغربية والعربية التي فتحت فيها دور السينما.
إن السينما لم تعد نشاطًا تجاريًا هدفه الربح فقط بل أصحبت صناعة وثقافة، وأداة لترويج الأفكار المذهبية والسياسية، وإشاعة الرذيلة والتحرر وتغريب المجتمع، وقد أجمعت أبحاث الاجتماعيين المنصفين على فساد الآثار المترتبة على الفيلم السينمائي الغربي والعربي.
2/حكم السينما في الشريعة الإسلامية:
هناك فتاوى كثيرة جدًا حول ارتياد دور السينما وبنائها والعمل فيها، ولعلي أكتفي ببعض فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة سماحة المفتي وهي أعلى هيئة إفتاء في المملكة.
ففي فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء رقم 4120:
"ارتياد السينما حرام؛ لأن أغلب ما يعرض فيها من الملاهي المحرمة التي تثير الفتنة | ولما فيها من اختلاط الرجال بالنساء إلى غير ذلك من المفاسد |
وفي الفتوى رقم 3501: "لا يجوز لمسلم أن يبني سينما ، ولا أن يدير أعمال سينما له أو لغيره ، لما فيها من اللهو المحرم، ولأن السينماءات المعروف عليها في العالم اليوم أنها تعرض صورًا خليعةً، ومناظر فتانة، تثير الغرائز الجنسية، وتدعو للمجون وفساد الأخلاق، وكثيرًا ما تجمع بين نساء ورجال غير محارم لهن".
وفي الفتوى رقم 16818: "الأجرة الحاصلة من العمل بدار السينما ومن بيع الدخان حرام؛ لأن هذه الأعمال محرمة، فالمال الذي يؤخذ مقابلها يكون حراما ....".
وفي الفتوى رقم 14334: "لا يجوز العمل في حراسة الكنائس ومحلات الخمور ودور اللهو من السينما ونحوها؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم ...".
وهناك فتاوى كثيرة للعلماء والهيئات العلمية في شتى بلدان العالم، والأمر ظاهر الفساد دينيًا وخلقيًا واجتماعيًا، ولا يحتاج لمزيد فتوى أو بيان.
3/ عجبًا لمن يفرح بالمعصية:
لا ينقضي العجب مما يكتبه بعض المرضى من كتاب الصحف، ممن طاروا فرحًا بهذا الحدث، وربما ضخموه وصوروه بأنه الفتح المبين والنجاح العظيم الذي كسر حاجز المنع للسينما في المملكة، وكأن هذا الحادث انتصار للحق والفضيلة.
وحتى تعرف مستوى تفكير هؤلاء الكتاب وأنهم عار على الصحافة السعودية، ولا تبرأ بهم الذمة، كتب المحرر الفني بإحدى الصحف المشهورة تقريرًا حول الحدث، وامتدح فيه القائمين على العرض في جدة، ثم قال لأحد الأمراء إن بحر جدة مالح وبحرك حلو فالتقيا في جدة، فكان بينهما برزخ لا يبغيان!.
نعوذ بالله من هذا الهذيان، وموعدنا عند الديان، نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين.
إن النجاح الإعلامي والفني في معيار الشرع والعقل أن تقدم إعلامًا وأفلامًا هادفة، ومع هذا فحتى على المستوى الإعلامي فدعاة السينما في بلادنا فاشلون بحمد الله.
التقارير الإعلامية تشير إلى أنه مع وجود ترسانة إعلامية فاسدة من المؤسسات والقنوات الفضائية بمجموعاتها المشفرة وغير المشفرة، -والتي يملكها سعوديون وللأسف-، فإنها تشهد بحمد الله فشلاً ذريعًا في مجال الإنتاج السينمائي، بل إن بعض القنوات المتخصصة بعرض أفلام السينما مهددة بالإفلاس لولا تبرع بعض أصحاب الأموال.
حصيلة الإنتاج السينمائي السعودي السابقة ثلاثة أفلام سينمائية مشوهة باعتراف النقاد والإعلاميين، الفيلم سعودي، والمخرج وربما أكثر الممثلين من الخارج وربما يتم تصويره في الخارج.
يكفي أن أحد هذه الأفلام عرض في عدة دول، وبدعايات ضخمة من أكبر شركة سعودية فنية، وتم عرضه مرارًا، ولم يَحصُل إلا إيراد ضئيل، في حين أن دعمه المادي تجاوز ميزانية خمسة أفلام عربية.
لا نقول هذا من باب الشماتة، بل نقول: لا تصدقوا كل ما يكتبه ويلبسه بعض كتاب الصحف، ونقول: إن أهل السينما لا يمثلون بلادنا المحافظة، وإن المواطن الصالح المؤمن يرفض هذه الأعمال أصلاً، ولا يتشرف بالسينما في ظل وضعها الحالي، ولا كرامة لفيلم هابط وإن كان منسوبًا لبلادنا الغالية علينا.
وأرجو أن لا يخرج علينا حاقد أو مزايد ليعلمنا شرف الانتماء لهذا الوطن وهذه البلاد المباركة، فنحن نعتز بوطننا وبلادنا، ونفرح أن يرتفع علمها واسمها عاليًا، ولكن، في مواطن العز والشرف، لا في مآسن الفن والعفن، وفي دور العلم والفضيلة، لا في دور السينما والرذيلة.
كما أرجو أن لا يفهم إخواننا الإعلاميون أننا متحاملون على الإعلام أو الفن، أو لدينا فوبيا ضد مجرد اسم السينما كما صرح بعضهم، بل نحن ننظر لواقع السينما والإعلام على وفق شرع الله، الحاكم في هذه البلاد، والحاكم في حياة كل مسلم، والواقع الغالب في السينما اليوم، من حيث ثقافتها، ومحتواها، وأماكن عرضها، والقائمون عليها ممثلون ومنتجون وشركات، أن فيها من الفساد والشر المتعدد الذي لا تقره الشريعة، وهو مما لا نتشرف أن ينسب لبلادنا وهي قبلة المسلمين ومهبط الوحي، ووالله لو كان شرفًا وعزًا لرفعنا من يحمل علم بلادنا فوق رؤوسنا.
نسأل الله أن يعز بلادنا والإسلام والمسلمين في كل مكان.
الخطبة الثانية
4/ هل من بديل هادف؟
قال قائل: إن السينما والدراما وغيرها من قوالب الإعلام، أصبحت واقعًا في العالم اليوم يصعب منعها تماماً أو تجاهلها، فلماذا لا تنتجون لنا سينما هادفة محافظة، بدلاً من مواقف الإنكار والتحريم؟.
قلنا: يقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) [التغابن:16], ودرء المفاسد وجلب المصالح واجب بقدر الاستطاعة، بل درء المفاسد أوجب، ولأن أطعم أولادي الماء والخبز، خير من أن أَسقيهم العسل بالسم.
وفي الواقع، هناك عقبات مالية، فصناعة السينما اليوم بما يضاهي الآخرين تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة, وهناك عقبات أخرى تتمثل في سياسات أو تصرفات بعض المسؤولين عن الإعلام ممن يقفون حجر عثرة أمام الإعلام الهادف، يكفي أن إحدى القنوات الهادفة قدمت منذ سنوات طلباً للسماح لها ببث محطة إذاعية خاصة بالأطفال،وتعثر طلبها ، بينما إذاعات الإف إم تبث على مدار الساعة أغانيها الماجنة وحواراتها الساقطة بين الجنسين.
ومع هذه العقبات نقول: إن الحاجة ماسة لقيام المؤسسات والقنوات الفضائية الإسلامية أو الهادفة بتقديم البديل النافع، وإنتاج أفلام محلية تلامس الواقع، وتبتعد عن العنف والإسفاف والرذيلة، وتتوافق مع قيم وأخلاق المجتمع المسلم النقي، ولا يشترط في البديل أن يكون بقدر المبدل الفاسد تمامًا، بل يصح أن يكون مقبولاً بقدر الاستطاعة، ويحصل به المقصود ويبارك الله فيه.
وإذا كان كثير من أهل الفن يرددون العبارة الشهيرة المحرمة: (الفن للفن) ويقصدون بها أن الفن ينبغي أن يكون متحررا من كل القيود سواء كانت دينية أو اجتماعية أو سياسية ويكون ملتزمًا فقط بالقيود الفنية، فإننا نردد العبارة التي يطلقها بعض الإعلاميين الشرفاء وهي قولهم: (الفن للفضيلة)، ولا بارك الله في فن يعارض ديننا، أو يهدم أخلاقنا، أو يفسد أبناءنا وبناتنا.
6/ وسائل عملية لحماية المجتمع:
أ/ مناصحة أصحاب القرار بالحكمة، والتواصل مع ولاة الأمر -وفقهم الله- عبر الوسائل المدنية الحضارية، وبيان أخطار مثل هذه المشاريع التغريبية على وحدة هذه البلاد وأمنها الفكري والأخلاقي.
إن إنشاء دور السينما فيه جرأة وتمكين لأهل الفساد، وهو غريب وشاذ على البلاد، ولا يستند لأمر واضح من ولاة الأمر -وفقهم الله- لكل خير، وهو مخالف لفتاوى العلماء الكبار المعتمدين، ومخالف لدستور هذه البلاد وهو الشريعة الغراء.
إن هذه البلاد لها دستورها ومنهجها وخصوصيتها، وهو ما يؤكد عليه ولي أمرنا الملك عبد الله -حفظه الله- الذي عاهد الله ثم شعبه أن يكون القرآن دستوره ومنهجه، وهذه البلاد محفوظة ما حافظت على هذا المنهج، وليس لأي مسؤول في أي منطقة من مناطق المملكة أن يملي على الناس فكره الخاص، فنحن -بحمد الله- قد كفينا بولاة أمرنا وعلمائنا وهم متفقون على منهج واحد يجب التزامه والالتفاف حوله وترك الآراء الشاذة، وليس في السفينة الواحدة مكان للاختراق والشذوذ والفرقة.
ب/ لا بد في مثل هذه المسائل الرجوع إلى العلماء بسؤالهم والصدور عن رأيهم، ومناصحتهم للقيام بواجبهم.
ج/ يجب على الشباب الغيورين التحلي بالحكمة وضبط النفس وترك ردود الأفعال غير المنضبطة أو الإنكار العملي إلا لمن فوضهم ولي الأمر.
د/ توعية المجتمع بالعلم النافع ونشر الفتاوى والمحاضرات وخطب الجمعة وغيرها.
هـ/ الكتابة في الصحف والمجلات عن أضرار السينما ومفاسدها بوضعها الحالي.
و/ الرد على دعاة الرذيلة أو من يتبنون الفكرة بسبب بعض المبررات الموهومة وبيان رجحان المفاسد في هذا الأمر.
ز/ الاستفادة من بعض الممثلين والتائبين في بيان واقع الفن الهابط وفساد السينما العربية.
ح/ المدافعة المضادة بالإعلام الهادف عن طريق برامج القنوات الهادفة وشبكة الانترنت.
ط/ وأخيرًا، مناصحة القائمين على هذه الأعمال بشكل شخصي ومستمر.
رسالة من القلب، إلى لكل من يعمل أو يشارك في نشر الرذيلة والفاحشة التي تدعو إليها الأفلام السينمائية سواء كانت عبر القنوات الفضائية أو دور السينما العامة.
أيها الكاتب، أيها الممثل، أيها المشارك، أيها المسؤول، يا من ولي أمرًا من أمور المسلمين، اتق الله, هل نسيت ذنوبك، لتضم إليها ذنوب المشاهدين لهذه الأفلام؟ كيف ترضى أن تكون مفتاح شر لإفساد أبناء وبنات المجتمع، فتحمل ذنوبهم فوق ظهرك؟ يا أخي: إذا ابتلاك الله بمشاهدة الأفلام أو الذنوب الخاصة فتب إلى الله أو استتر بستر الله، وإياك إياك أن تكون سببًا لإشاعة الفساد وإعلانه في المجتمع، فقد قال ربك جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النور:19].