العربية
المؤلف | مازن التويجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
إن من البدهيات المقررة لدى الناس أجمع: أنه لا بد لكل وظيفة وعمل يقوم به الإنسان من إعداد وتهيئة، فالمحسوسات من حولنا تحكي الواقع، وتبرهن على سنة الله في هذا الكون أن لكل صنعة صانع يسبر أغوارها، ويحسن التعامل معها، بما رزقه الله من فهم في هذا التخصص أو ذاك. وعليه...
الخطبة الأولى:
إنّ من يتعامل مع غير الإنسان إنما يتعامل مع آلة صمّاء لا روح فيها، وإن كانت الروح تدبّ في جسدها، فما هي إلا كائن حي يمكن السيطرة عليه وترويضه مهما كان حجمه أو قوته.
فالجميع مسخّر لك -أيها الإنسان- مهيأ لخدمتك: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الجاثية:13].
بيد أن التعامل مع هذا الإنسان ذاته يعدّ تعاملاً مع مخلوق غريب في عالم أغرب، إنه تعامل مع الروح بإقبالها وإدبارها، مع النفس بأحوالها ومشاعرها، مع الطبع البشري بعواطفه وتقلباته ومزاجيته، مع حبه وبغضه، إقدامه وإحجامه.
إنه التعامل مع عطاء الإنسان أو أنانيته، مع عالميته في البذل أو بحثه عن ذاته وشخصه ومصالحه.
إذًا فالتعامل مع هذا المخلوق المتقلّب العجيب وتربيته عملية مهمة صعبة في ذات الوقت.
إنها إعداد للإنسان، وغرس للقيم والمعاني، وتطهير للنفوس، من رواسب العادات السيئة، وأدران أمراض القلوب والجوارح.
إن من البدهيات المقررة لدى الناس أجمع: أنه لا بد لكل وظيفة وعمل يقوم به الإنسان من إعداد وتهيئة، فالمحسوسات من حولنا تحكي الواقع، وتبرهن على سنة الله في هذا الكون أن لكل صنعة صانع يسبر أغوارها، ويحسن التعامل معها، بما رزقه الله من فهم في هذا التخصص أو ذاك.
وعليه كان لا بد لمن يتصدّى لتربية الناس من صفات يتأهّل بها ليشغل تلكم الوظيفة، ويقوم بها خير قيام.
إنها رسالة إلى الأب في تربيته لأبنائه، إلى المعلم بين تلاميذه، إلى من تشرّفوا بحمل الرسالة واعترك في نفوسهم هم الإصلاح والدعوة إلى الخير من مؤسسات دعوية، ومحاضن تربوية في حلقات لتحفيظ القرآن الكريم، أو مكتبات خيرية.
الصفة الأولى: العلم، وله جوانب:
أولاً: العلم الشرعي، فالتربية في الإسلام إعداد المرء لعبودية الله -تبارك وتعالى-، وسبيله العلم الشرعي، فكيف يستطيع الأب أو المربي أن يأمر ابنه بالطهارة والصلاة مثلاً وهو يجهل بعض ما لله عليه فيهما، أو يعجز عن الإجابة عما يطرأ من تساؤلات في ذهن المتربي؟!
وقس على هذا سائر نواحي الشرع من عبادات ومعاملات.
الجانب الثاني: ثقافة المربي العامة وإدراكه لما يدور في عصره.
الجانب الثالث: العلم بطبيعة المرحلة التي يتعامل معها إن كانوا أطفالاً أو مراهقين أو كبارًا من رجال أو نساء، فالأب الذي يجهل نفسية ابنه المراهق وما هي عليه من تقلبات وحدة في المزاج وأنه انتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة بعيدة عنها مغايرة لها لن ينجح في تربيته.
جاء شاب يستأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الزنا، فقال له صلى الله عليه وسلم: "أترضاه لأمك؟!" قال: لا، قال: "أترضاه لأختك؟!" قال: لا، قال: "فكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم وأخواتهم" أو كما قال عليه السلام.
لقد كان هذا السؤال من الشاب جريئًا مفزعًا غريبًا يستثير غضبَ المسؤول، والأعظم من هذا أنه يلقيه على مسمع البرّ التقي عليه الصلاة والسلام، ومع هذا لم يعنفه أو يزجره، بل أقنعه بأسلوب حكيم ولفظ يقطر لطفًا ورحمة، وما ذاك إلا لعلمه عليه الصلاة والسلام بفورة الشباب وثوران الشهوة في تلك المرحلة.
الجانب الرابع: معرفة المربي بالشخص نفسه من حيث قدراته وإمكاناته، حتى لا يبخسه حقه أو يكلفه فوق طاقته.
وذلك يظهر جليًا في إلزام كثير من الآباء أبناءهم دراسة العلوم الطبيعية، حتى ولو كانوا لا يملكون قدرة تؤهلهم للبروز فيها، وفي المقابل تجد لديه مخزونًا إبداعيًا في تخصص آخر لم يكتشفه والده المربي.
روى أحمد والترمذي وابن ماجة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أُبي، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
وكذلك دعا لابن عباس بسعة العلم، ويرسل خالد بن الوليد بسرية بعد سرية، ويشبع رغبة أبا سفيان في الوجاهة والمنصب.
وهكذا كلما جهل المربي حال المتربي وقدراته وإمكاناته فسيكون تعامله معه خاطئًا ووصاياه له مجانبة للصواب أو العدل.
والمعنى فيما سبق من جوانب مهمة في العلم أن يملك المربي ما يقدمه لذلك المتربي علمًا وفهمًا للواقع وقدرة في الإجابة على تساؤلاته، وسبرًا لأغوار نفسيته.
وحين يفقد المربي هذا وذاك يشعر المتربون أنه ليس ثمة ما يدعوهم للارتباط بفلان من الناس، وليس عنده ما يؤهله؛ لأن يتولى تربيتهم، فليتنبه لهذا جموع المربين من آباء ودعاة ومعلمين.
الصفة الثانية من صفات المربي: أن يملك المربي القدرة على العطاء كما يملك حسن العطاء.
هناك شخصيات كبيرة فائقة التكوين، متفوقة عقليًا وذاتيًا، ولكنه لسبب ما لا يستطيع أن يعطي التجربة الواقعية لما يحمله في ذاته من مثال رائع.
إذًا فليست الأهمية تكمن فيما يملك الشخص من قدرات، ولكنها أيضًا إجابة عن التساؤل: هل هو قادر على العطاء والتربية؟
ولذلك لا عجب في أن تجد أستاذًا يحمل أعلى الشهادات لا يستطيع أن يربي أو يكوّن جيلاً يحمل ولو شيئًا من علمه ومُثله وأخلاقه.
أيها الإخوة: إن البائع الذي يسعى لترويج سلعته يدرك أن مجرّد عرضها على الناس للبيع ليس كافيًا في ترويجها، فهو يحتاج لحسن عرضها والحديث عنها مع الناس بالطريقة التي تشعرهم بحاجتهم إليها.
والمقصود أن المربي قد يملك القدرة على العطاء، وهذا لا يكفي بمفرده، فقد يكون عطاؤه بطريقة خاطئة منفرة، فيضيع الأثر المطلوب، وقد ينقلب إلى الضد، ولذلك قيل: قد تحبّ طفلك وتحبّ له الخير، ولكن طريقتك في تقويم الخير إليه تشككه في حبك له، وتوهمه أنك تكرهه.
وخلاصة القول: أن المربي الحق هو الذي يجيد استخدام الأسلوب الأمثل، في الوقت المناسب، يعرضه في قالب الحب والشفقة.
الصفة الثالثة من صفات المربي: القدرة على القيادة والمتابعة، مع العلم وحسن العطاء لا بد من قيادة الناس وإدارتهم، فالأب الذي لا يستطيع إدارة بيته والمعلم الذي لا يملك زمام فصله والداعية الذي لا يحسن استمالة الجمهور وإقناعهم بفكرته لن يستطيع أولئك أن يجروا بسفينة التربية إلى شاطئ الأمان.
فالمربي الحق هو الذي يقود أفراده حسب قناعات راسخة رباهم عليها، لا بقانون العسكر وسَوْق الناس بالعصا.
والأمر الآخر بعد هذا: أن يكون قادرًا على متابعة المتربي أبناء وتلاميذ وإخوانا، فالتربية عملية مستمرة لا يكفي فيها توجيه عابر مهما كان مخلصًا صوابًا.
ولهذا تجد كثيرًا من المربين يظن أن دوره في التربية يقف عند حد التوجيه والتقويم، فيأمر ابنه بالصلاة ولا يتابعه عليها، وينهاه عن رفقة السوء ولا يشغله بغيرهم، وهكذا.
وليس المقصود بالتوجيه المستمر والمتابعة -أيها الإخوة- المحاسبة على كل هفوة، فذلك ينفر ولا يربي، فالمربي الحكيم يتغاضى أحيانًا أو كثيرًا عن الهفوة وهو كاره لها؛ لأنه يدرك أن استمرار التنبيه ضار كالإلحاح فيه، وهذا لا يعني الغفلة والثقة المفرطة.
الصفة الرابعة من صفات المربي: القدرة على بناء العلاقات.
إن التلقي فرع عن المحبة، وبينها من الاتصال قدر كبير قد لا نتصوّره أحيانًا.
وهب أن إنسانًا بلغ الغاية في التأثير وقوة المنطق ورصانة الحجة، أتراه يكون أعلم أو أنصح أو أكثر تأثيرًا من النبي –صلى الله عليه وسلم- ؟!
ومع ذلك، قال الله تعالى لنبيّه –صلى الله عليه وسلم-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[التوبة:159].
هذا مع ما آتاه الله من وسائل التأثير وشعور الناس بأن الحق معه هو مأمور بأن يلين لأصحابه، وإلا كانت النتيجة أن ينفضوا من حوله، فكيف بغيره ممن يحمل قائمة طويلة من صفات القصور والنقص؟!
والرجاء أن لا يظن الآباء أنهم بمنأى عن هذا الخطاب، فهم أولى من يسعى في بناء العلاقات مع أبنائهم، وإلا ففي المجتمع أبدال وأمثال، واللبيب تكفيه الإشارة.
من السهل أن يتكلّم المرء عن المُثل والمبادئ، ومن اليسير أن يأمر بطيب الفعال، وجميل الخصال، قد نقرأ كلامًا رصينًا عن الخلق، وحسن التعامل، فنتأثر به ونميل إليه، ولكن قد يكون هذا الميل وذاك التأثّر وقتيًا لا يثمر عملاً، أو يربي في النفس سلوكًا.
وعليه، فثمة وسيلة هي الأقدر والأجدر على ترجمة الخصال الحميدة، والأخلاق الفاضلة، واقعًا عمليًا، ومنهجًا يتربى عليه الجيل بعد الجيل.
إنها نداءٌ، ولكنه خالٍ من الكلمات، أمرٌ بعيد كل البعد عن صِيَغه وجُمَله.
إنها دعوة إلى منهجٍ متكامل، بيد أنه لا يحتاج إلى كبير جهد وكثير وقت.
إنها دعوة صامته إلى فعل الخيرات بجميع أنواعها وأشكالها، ونبذ الشرور وإن تعددت صورها.
تلك الوسيلة هي القدوة الحسنة في شخص المربي يعيش في كنفها جمهور المتربين.
لقد مضى الحديث عن صفات عديدة للمربي، واليوم نعيش مع هذه الصفة ولنفرد المقال فيها.
لقد أمر الله -جل وعلا- عموم الصحابة والأمة من بعدهم باتخاذ سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحواله وأقواله أسوة ومثلاً يُحتذى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ)[الأحزاب:21].
فالنفس البشرية إذا أحبت رأت فيمن تحب مثلاً وقدوة فيما يقول ويفعل، لذلك لم تكن الرسالات محصورة في تبليغ خطاب الشارع سبحانه للناس، وأمرهم بالقيام بما أوجب الله عليهم من العبادات، وفضائل الأعمال والأخلاق، بل كان كل رسول يطبق الأمر الرباني في نفسه قبل أن يأمر به قومه، ولهذا كان الرسل يعتلون هامة الهرم في كمال الشخصية عقيدةً وعبادة وتعاملاً، وهذا ما توضحه آية الأنعام: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ)[الأنعام:90].
ولهذا كان الداعية الأول والمربي الحكيم -صلى الله عليه وسلم- يعرض المنهج الرباني، كما أراده الله وكما جاء في القرآن.
ولما سأل سعد بن هشام بن عامر عائشة -رضي الله عنها- عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم قالت: "ألست تقرأ القرآن؟! قلت: بلى، قالت: فإن خلق نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان القرآن".
فالله -تعالى وتقدس- جعل في شخص النبي -صلى الله عليه وسلم- الصورة الكاملة للمنهج الإسلامي، وأراده قدوة دائمة للبشرية، فيؤمنوا بهذا الدين على واقع تراه عيونهم وتدركه عقولهم.
كل هذا لعلم الخالق -سبحانه- بما تحتاجه النفس البشرية كي تتأثر بالبشر من حولها، فهي قد تستجيب للأمر والنهي، ولكن لفترة محدودة ثم تمل وتسأم، وفي المقابل هي تنقاد من حيث لا تشعر إلى الاقتداء ومحاكاة ما تراه واقعًا عمليًا من خير أو شر.
ولهذا، ففي دراسة أجراها الدكتور مسعد عويس على 560 شابًا تتراوح أعمارهم بين 12 إلى 30 سنة.
وذلك حول حاجة الشباب إلى قدوة، ظهرت النتائج بأن نسبة الذين يرون الحاجة إلى القدوة 75 في المائة.
معاشر المربين الأكارم: إن مسألة التربية ليست تنظيرًا وتقعيدًا يصبّ في قالب الأمر والنهي، كلا، ولكنها منهج يتمثله المتربون، يرونه صورة واقعية في شخص المربي وحياته في أقواله وأفعاله وتصرفاته.
والذي لا بد أن نعيه جميعًا -أيها الإخوة- أن المربي دائمًا ما يكون تحت عدسة مجهر المتربي ابنًا وتلميذًا وأخًا، فكلماته محسوبة، وحركاته معدودة، والخطأ منه كبير قد لا يغتفر.
والواقع يشهد، فكثيرًا ما تسمع احتجاجًا من ابنك الصغير على فعل ما، فإذا سُئل أخبر أن المدرس لا يفعله أو قد نهى عنه، بل تراه أحيانًا يفعل الفعل؛ لأنه رأى أستاذه يفعله، أو يتكلم بالكلمة بطريقة المعلم، بل قد يحاكي حركاته ومشيته، وقد تكون خطأ أو نسيانًا من معلمه، أو قد لا يعرف معناها وأبعادها ولماذا عملها، وكل ما في الأمر أن أستاذه المحبوب قالها وعملها.
بل قد يترسخ في ذهن الناشئة أحيانًا فعل يرونه حسنًا وهو قبيح، وغاية ما في الأمر أنه صدر عن أبيه أو من يتولى تربيته، يكذب؛ لأنّ والده كذب، يظن حلق اللحية أو إسبال الثوب أمرا لا بأس به؛ لأنه يرى صورة معلمه هكذا، لا يرى في التدخين معصية وعيبًا؛ لأنه اعتاد رؤية لفافاته بين أنامل والده، كذلك من تربى بين أبوين محافظين وفي جوّ مستقيم اعتاد رؤية شعائر الدين تقام قولاً وفعلاً، لا يستسيغ رؤية المنكر أو السكوت عن المخالفة.
حدثني أحد الأساتذة الأفاضل في جامعة الملك سعود عن طفل من أقاربه في الصف الثاني الابتدائي، بينما هو في فصله الدراسي إذ قدم معلم جديد على المدرسة، فأخذه المدير في جولة تعريفية على الفصول، فدخلوا على الفصل الذي يوجد فيه هذا الطفل، فأخذ المدير يعرف بالمدرس الجديد، ويثني عليه، وأنه من خيرة المدرسين، وكان هذا الأخ المدرّس حليق اللحية، وبينما المدير يمدح ويطري إذ قاطعه ذلكم الطالب الصغير: كيف يكون من خيرة المعلمين وقد حلق لحيته؟!
عندها تلعثم المدير، وخرج مع ضيفه لا يدري ما يقول.
معاشر الآباء والدعاة والمعلمين: إننا بحاجة إلى أن نكون أكثر صدقًا ووضوحًا في تربيتنا لأبنائنا ومن تحت أيدينا: أن يقع المربي في المعصية أو الخطأ، فذاك أمر يخصه لا يتعداه لغيره يحمل وزره يوم القيامة، ولكن أن يكون وقوعنا في الخطأ وتجاوزنا حدود الله ذريعة؛ لأن نقنع من حولنا أنه عين الصواب، فذاك الخزي وتلك النكسة.
ولمزيد وضوح إذا كان الأب أو المعلم قائمًا على معصية من المعاصي؛ كحلق اللحية مثلاً، أو إسبال الثياب -وما يمثل بهما إلا لكونهما ظاهرين- فلا يجب أن يكون إفهام المتربي بجوازه هو السبيل لتبرئة النفس من الخطأ.
إننا بحاجة أن نربيهم بأن الخطأ خطأ وإن وقع مني، وتلك مرحلة لا يستطيعها إلا الأقوياء من المربين.
أيها الإخوة: إنه من المأسوف عليه أن تبقى التربية انتصارًا للنفس، وبحثًا عن كمالٍ مزيّف يظهر المعصية للمتربي جائزة الفعل وحرية في الاختيار، يبقى قصور بعض المربين عن بلوغ الفضيلة مدعاة؛ لأن يصوّروا قبيح فعلهم حسنًا، فيُخرج جيلاً لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه.
الخطبة الثانية:
أيها المربي: إنّ وقعَ حركاتك وأفعالك على من تحتك له الأثر البالغ في تغيير سلوكهم وتقويم أخطائهم، وآلاف الكلمات والعظات تذهب أدراج الرياح، يغني عنها موقف صدق وحق، وفي حياتك أنت كم هي المرات التي دُعيت فيها إلى الصدقة مثلاً أو بر الوالدين، قد يكون التأثر فيها وقتيًا ولكن لم تزل صورة لواقعة ما عالقة في ذهنك عندما رأيت بارًا بأمه أو متصدقًا أخفى صدقته.
ولهذا جاء في إجابة نفس الدراسة التي أجريت على عينات الشباب حول تجديد صفات القدوة أن 83 في المائة رأوا أن من صفات القدوة أن يكون له مواقف إنسانية، و82.30 في المائة أنه يتحلّى بالتواضع، و79.10 في المائة أنه متدين، و59.50 في المائة أنه طيب القلب.
وميزات الدعوة بالفعل أنها:
1– خالية من أسلوب الأمر والنهي الذي تأباه النفس البشرية من مثلها.
2– لا تحتاج إلى وقت وجهد.
3– تعمق روابط المحبة وعلاقات الإخاء بين المتربي ومربيه.
4– أنها سريعة الأثر طويلة التأثير.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...